بعد الانتقادات الأوروبية لإسرائيل.. ما الدولة الجديدة القادرة على أن تكون "بديلا"؟

"في حين تعيد الدول الأوروبية النظر في علاقاتها مع إسرائيل، أحيانا تحت ضغط الرأي العام المشتعل، وأحيانا أخرى انطلاقا من حسابات سياسية، فقد حان الوقت لإسرائيل لتوسيع دائرة شراكاتها وتجنب الاعتماد على أوروبا".
بهذه الكلمات استهل الدكتور كفير تشوفا، الخبير في صنع القرار والمحاضر في قسم الاقتصاد في كلية رامات جان، حديثه مع صحيفة "معاريف" العبرية حول حلفاء دولة إسرائيل الـ "مُزَعْزين" في أوروبا، وعن الدولة القادرة على استبدال أوروبا، وهي الهند.
وشدّد الخبير الأكاديمي على أن "استبدال القارة العجوز، ليست حاجة دبلوماسية فحسب، بل ضرورة إستراتيجية".
في هذا السياق، استعرض تشوفا "الأسباب التي لا تجعل الهند مجرد بديل، بل شريكا حقيقيا يمكن الاعتماد عليه، وعدها ركيزة مستقبلية مستقرة وديناميكية وقوية بالنسبة لإسرائيل".

تنويع الشراكات
وتحدثت الصحيفة عن أوجه التعاون القائمة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي خلال العقود الأخيرة.
ووفقا للخبير الأكاديمي: "تعد مشاركة إسرائيل في برنامج (Horizon Europe) -وهو أكبر برنامج للبحث والابتكار في العالم، والذي يستثمر فيه ما يقرب من 100 مليار يورو- مثالا لهذا التعاون المشترك".
وأضاف: "تشارك إسرائيل في البرنامج كدولة مشاركة، وخلال السنوات الأخيرة، حصلت على منح تراكمية تزيد عن 1.1 مليار يورو".
وتابع: "يعد هذا المصدر ثاني أكبر مصدر استثمار عام في البحث والتطوير في إسرائيل، بعد التمويل الحكومي المباشر".
ومع ذلك، لفت تشوفا إلى أن "هذه الشراكة لم تعد أمرا مفروغا منه".
وعزا ذلك إلى أن "السياسة الخارجية الأوروبية المتقلبة، والقيود السياسية المرتبطة بوضع الأراضي (الفلسطينية)، وتصاعد تأثير القطاعات السياسية المعادية لإسرائيل؛ عوامل تُشير إلى الحاجة إلى توزيع المخاطر وتنويع الشراكات الإستراتيجية".
وفيما يتعلق بالأهمية المتزايدة للهند، قال تشوفا: "تعد الهند اليوم الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم، بأكثر من 1.4 مليار نسمة، وتتمتع بمعدل نمو مذهل يبلغ سبعة في المئة سنويا، واستقرار سياسي نسبي".
ومع ذلك يشير إلى أنها "لا تزال تعاني من نقص في البنية التحتية المتقدمة، ورأس المال البشري غير المُستغل، وفجوة تكنولوجية كبيرة".
وتابع: "لكي تصبح الهند واحدة من الاقتصادات الرائدة في العالم، فإنّها بحاجة إلى استثمارات في رأس المال البشري والتكنولوجيا والبنية التحتية الذكية".
"هنا بالضبط تكمن قيمة إسرائيل، دولة صغيرة لكنها تمتلك قوة علمية وتكنولوجية وريادية"، يقول الخبير الإسرائيلي.
مشيرا إلى أن "الجمع بين الابتكار الإسرائيلي والسوق الهندي الهائل يخلق تآزرا طبيعيا يخدم الطرفين".
في هذا الصدد، أوضح تشوفا أن "الهند اليوم هي الشريك التجاري الرابع لإسرائيل، وأكبر عميل لها في المجال الأمني".
وأردف: "يتجلى التعاون بين البلدين في مشاريع تكنولوجية وبحثية مشتركة، مثل برنامج I4F، وهو صندوق ثنائي يمول مبادرات في مجالات مثل المياه والطاقة والزراعة والصحة".
ورأى أنه "في الوقت نفسه، يمكن لإسرائيل أن تقود مبادرات إضافية في مجالات التدريب المهني والتعاون الأكاديمي وحاضنات الابتكار التكنولوجي".
“وهو ما سيعزز الاقتصاد الهندي ويمنح إسرائيل حضورا إستراتيجيا في قلب إحدى الاقتصادات الناشئة في العالم”. حسب قوله.
ودعا إسرائيل لـ "توسيع الشراكة لتشمل تقنيات تغيير الواقع مثل الحوسبة الكمية والأسلحة الليزرية عالية الطاقة والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني".

تغيير عالمي
من جانب آخر، يعتقد الخبير الأكاديمي أن "الهند تواجه تهديدات أمنية وأيديولوجية مشابهة لتلك التي تعرفها إسرائيل جيدا، وعلى رأسها التطرف الإسلامي والإرهاب العابر للحدود".
واستشهد على ذلك بـ"الهجوم الإرهابي الدامي في باهالغام بإقليم جامو وكشمير الهندي، والذي أعقبه تعليق الهند اتفاقية المياه مع باكستان، والهجوم على أهداف في عمق أراضيها، مؤكدة على أنّ أي هجوم سيعد بمثابة عمل حربي".
وأضاف: "كانت إسرائيل أول من أدان الهجوم ودعم الهند، ليس فقط كبادرة دبلوماسية، بل انطلاقا من فهم عميق أن كلا الدولتين تقاتل من أجل السيادة والأمن في مواجهة التطرف الإسلامي".
في الوقت ذاته، لم يغفل تشوفا أن "الهند لديها تعاون مع إيران ودول أخرى في الشرق الأوسط".
لكنه رأى أن "نيودلهي أيضا شريكة للولايات المتحدة، التي اقتصرت أنشطتها مع إيران على التعاون التكنولوجي وتجارة النفط".
واستطرد: "نقطة إيجابية أخرى هي أن العلاقات بين الصين والهند متوترة، مع نزاعات حدودية وصراعات حول موارد المياه، مما يمنح ميزة لتعزيز مكانة الهند بالنسبة لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل كثقل موازن للصين".
وعن مستقبل الشراكة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، شدد الخبير الأكاديمي على أن أميركا "ستظل شريكا إستراتيجيا رئيسا".
وتابع: "فمن خلال صناديق مثل BIRD للبحث والتطوير الصناعي وBSF للبحث العلمي، تمول مئات المشاريع سنويا بمبالغ تصل إلى 1.5 مليون دولار لكل مشروع، مما أدى إلى تحقيق إيرادات تراكمية بعشرات المليارات".
"يُضاف إلى ذلك المنح الأمنية والتعاون في التقنيات المتقدمة"، وفق قوله.
ومع ذلك، حذر تشوفا من أن "الاعتماد المفرط على شريك واحد أو اثنين فقط هو إستراتيجية محفوفة بالمخاطر".
مؤكدا أن "الشراكة مع الهند تتيح لإسرائيل توسيع نطاق نفوذها وتعزيز اقتصادها، والأكثر أهمية من ذلك، بناء تحالف متكافئ ومستقر".
وأردف: "رؤية الشراكة بين الهند وإسرائيل ليست مجرد بديل، بل أفق حقيقي".
وتوقع أن "التحالف بين دولة مبتكرة ومرنة وذكية، وبين قوة عظمى طامحة للتطور، سيُحدث تغييرا عالميا".
واختتم حديثه قائلا: "إذا تمكنا من الاستثمار بحكمة -ليس فقط في التكنولوجيا، بل أيضا في بناء العلاقات- فسنتمكن من خلق ليس فقط سوقا جديدا، بل شراكة جديدة مع القوة العالمية الصاعدة. ومثل هذه الشراكة ستُنمي الهند وإسرائيل معا".