دمج القوات بالدولة السورية.. لماذا تماطل "قسد" في تنفيذ اتفاقها مع الشرع؟

“قسد تسعى لتغيير شكل الدولة بسوريا إلى دولة مركبة فيدرالية”
ما زال ملف دمج قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في الحكومة السورية الجديدة يراوح مكانه، على الرغم من إبرام اتفاق رسمي بين الطرفين لتحقيق هذا الغرض.
وتتمسك قسد المدعومة أميركيا بمحاولة فرض رؤيتها عبر اشتراطها على القيادة السورية قبول اللامركزية السياسية، مما يعيد المباحثات في كل مرة إلى نقطة الصفر لرفض دمشق هذا الطرح منذ البداية بشكل رسمي.
وتعد قوات "ي ب ج" (العمود الفقري لقسد) الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني "ب ي د"، والأخير هو الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني “بي كا كا”.

"اللامركزية السياسية"
وخرج قائد “قسد” مظلوم عبدي، في لقاء مع قناة "شمس" التلفزيونية بث في 31 مايو/أيار 2025، أبدى فيه انفتاح قواته على الحوار مع دمشق ضمن إطار "اللامركزية السياسية".
وقال عبدي: إن "الاتفاق يجب أن يكون في إطار سياسي شامل يقر باللامركزية السياسية وحقوق مكونات شمال وشرق سوريا".
ورفض “الحلول السريعة أو الشكلية التي لا تعالج جوهر القضية الكردية”، مضيفا: "نبحث عن صيغة تضمن بقاء قواتنا كقوة منظمة ضمن هيكل وطني متفق عليه".
وأضاف قائلا: "نحن متمسكون بمكتسباتنا ولن نقبل بأي ترتيبات تعيدنا إلى نقطة الصفر"، وفق قوله.
ولفت عبدي إلى أن عملية دمج قوات "قسد" في المؤسسة العسكرية السورية، تنفيذا للاتفاق مع حكومة دمشق قد تستغرق سنوات.
كما كشف عن تشكيل وفد مشترك يضم ممثلين عن المجلس الوطني الكردي والإدارة الذاتية للتفاوض مع الحكومة السورية.
وختم بالقول: “لا يمكن بناء سوريا جديدة دون الاعتراف بحقوق جميع المكونات، الشعب الكردي عانى من التهميش لعقود ولن نقبل بتكرار ذلك”.
وتابع قائلا: "أفتخر بهويتي الكردية وأؤمن بأننا جزء أساسي من سوريا المستقبل".
ووقع الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي، في 11 مارس/آذار 2025 اتفاقا يقضي "بدمج" المؤسسات المدنية والعسكرية كافة التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية "بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز".
والاتفاق المذكور مؤلف من ثمانية بنود ويُفترض أن تعمل لجان مشتركة على إتمام تطبيقه قبل نهاية عام 2025.
ونص الاتفاق كذلك على دعم الدولة السورية في مكافحتها لفلول النظام السابق برئاسة بشار الأسد والتهديدات كافة التي تهدد أمنها ووحدتها.
وعقب ذلك، عقدت جولات من التفاوض بين دمشق وقسد في مناطق الطرفين لإتمام الاتفاق المذكور.
إلا أن مسؤولين بارزين في قسد كثفوا التصريحات الإعلامية المؤكدة على أنه "لا يمكن التنازل" عن مطلب التعددية اللامركزية في إدارة النظام السياسي في سوريا.

"خلق واقع جديد"
في المقابل، يرى سياسيون سوريون أن مطالب الأكراد بتبني نظام حكم لامركزي في مرحلة ما بعد الأسد، تشكل تهديدا للوحدة الوطنية.
وقد نشر مكتب الرئيس السوري أحمد الشرع في 27 أبريل/نيسان 2025 بيانا جاء فيه: "نرفض بشكل واضح أي محاولات لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة تحت مسميات الفيدرالية أو الإدارة الذاتية دون توافق وطني شامل".
وأضاف أن “وحدة سوريا أرضا وشعبا خط أحمر.. وأي تجاوز لذلك يُعد خروجا عن الصف الوطني ومساسا بالهوية الجامعة” للبلاد.
وأشار البيان إلى أن التصريحات الأخيرة لقادة قوات سوريا الديمقراطية، والتي دعت إلى حل اتحادي، تتعارض بوضوح مع الاتفاق.
ودعا "شركاء الاتفاق، وعلى رأسهم قسد إلى الالتزام الصادق بالاتفاق المبرم وتغليب المصلحة الوطنية العليا على أي حسابات ضيقة أو خارجية".
وأكد أن "حقوق الأكراد، كما جميع مكونات الشعب السوري، مصونة ومحفوظة في إطار الدولة الواحدة".
وضمن هذه الجزئية قال رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية العميد المتقاعد عبدالله الأسعد لـ "الاستقلال": "إن إصرار قسد على اللامركزية السياسية نذير غير جيد؛ لأنها تعتمد على ازدواج السلطة الدستورية والسياسية مع تحديد صلاحيات كل منهما".
واستدرك: “اللامركزية الإدارية تعتمد على وحدة السلطة الدستورية والسياسية ومركزيتها، وهي التي تصلح لأن يكون هناك اندماج؛ لأن هذا النظام هو لتوزيع السلطات الإدارية بين الحكومة المركزية والهيئات المحلية الإدارية”.
وتابع: "هذه تختلف عن اللامركزية السياسية التي تطالب بها قسد وتعني استقلالا تاما عن الدولة بما يمنح باتخاذ قرارات سياسية ضمن مناطق منفصلة وهذا الأمر خطير على الحالة السورية".
ورأى الأسعد أن "قسد تماطل في تنفيذ استحقاق الاندماج مع الدولة السورية الجديدة لأن تهربها من تسليم مناطقها يعني عدم تحقق الوحدة في أراضي البلاد، وهي ما تزال تريد أن تكسب الوقت لخلق واقع جديد".
ولفت إلى أن "وجود قسد بشكلها الحالي في مناطق شمال شرقي سوريا وسيطرتها على ثروات النفط والغاز يعني أنها تريد تنفيذ الإدارة الذاتية وهو مشروع حزب العمال الكردستاني في النهاية".
وتسيطر قوات قسد على 90 بالمئة من حقول النفط، و45 بالمئة من إنتاج الغاز بسوريا والتي تتركز في محافظتي الحسكة ودير الزور.
وأعلن حزب العمال الكردستاني في 12 مايو/أيار 2025 حل نفسه وإنهاء أكثر من أربعة عقود من التمرد المسلح ضد الدولة التركية خلّفت أكثر من 40 ألف قتيل.
وأشارت العديد من التقارير إلى أن بند إخراج المقاتلين الأجانب من سوريا يشكل نقطة أساسية في موضوع دمج قوات "قسد" في هيكلية الجيش السوري الجديد، وتعزيز وحدة الأراضي السورية.
لا سيما أن قائد قسد مظلوم عبدي، أكد في تصريحات بأن انسحاب المقاتلين الأجانب كان من الشروط الأساسية لإتمام الاتفاق مع دمشق.
إلا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رأى في 22 مايو 2025 أن قرار جماعة حزب العمال الكردستاني المسلحة حل نفسها يشمل جماعات في سوريا أيضا، مبينا أن الأيام المقبلة "حاسمة".

"خطر الصدام العسكري"
وتشكل تصريحات قائد قوات قسد "ضربة واضحة" للاتفاق مع الرئيس السوري، الذي أسس لتوحيد أراضي البلاد تحت سلطة واحدة.
كما أن دعوات اللامركزية السياسية في سوريا، تفتح الباب مجددا لبروز دعوات أخرى مماثلة في مناطق سورية شهدت توترات عقب سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 والتي تدعو إلى حكم ذاتي وحماية دولية.
كذلك، وفق الخبراء فإن عدم تراجع قسد عن طرح "اللامركزية السياسية" سيقود لمواجهة عسكرية مع الدولة السورية الطامحة لبسط نفوذها على كامل أراضي البلاد بعد تشكيل جيش واحد من خلال دمج كل فصائل المعارضة وبناء قوى أمنية جديدة.
وضمن هذا السياق، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي السوري، أحمد الهواس، أنه “من الصعب الموافقة على طلب مظلوم عبدي بشأن اللامركزية السياسية في سوريا لأن ذلك يعني نقلها من دولة بسيطة إلى أخرى مركبة”.
وتابع لـ "الاستقلال" أن طرح قسد يعني "تحول البلاد إلى دولة فيدرالية وهذا غير ممكن، لأنه يغير شكل الدولة إرضاء لنزوات وطموح مظلوم عبدي"
وأضاف الهواس: “هناك حديث سابق بأن سوريا قد تسير إلى اللامركزية الإدارية وهذا موجود أساسا في الإدارة المحلية ضمن قانون غير مفعل".
ويعتقد أن "غالبية السوريين يميلون إلى تفعيل الإدارة المحلية ضمن الدولة السورية البسيطة الواحدة الموحدة".
ولفت إلى أن "حديث عبدي عن أن عملية دمج قوات قسد في المؤسسة العسكرية السورية قد تستغرق سنوات هو تملص من الاتفاق الموقع مع الرئيس الشرع، وبالتالي ليس أمامه إلا تطبيقه أو أنه سيواجه خطر الصدام العسكري".
واستدرك الهواس “هذا يعني تحريك الجيش السوري وأيضا تركيا أمام متمردين يريدون أن يصنعوا واقعا على الأرض يخالف بنية وتركيبة الدولة”.
وكان أردوغان طالب قسد بالتوقف عن المماطلة بتنفيذ الاتفاق المبرم مع الحكومة السورية، وفق ما نقلت وكالة “الأناضول” الرسمية في 29 مايو.
وقال الرئيس التركي: "نرى أن قوات سوريا الديمقراطية لا تزال تواصل أساليب المماطلة، ويتوجب عليها أن تتوقف عن ذلك". ولفت أردوغان إلى "ضرورة الحفاظ على وحدة أراضي البلاد وهيكلها الموحد ووحدتها الوطنية".
وتصر تركيا، على أن تسلم قسد أسلحتها أو أن تندمج مع الجيش السوري الجديد. كما قال أردوغان في 22 مايو 2025، إنه "يتعين على الحكومة السورية التركيز على اتفاقها مع قوات سوريا الديمقراطية، والذي ينص على اندماجها في القوات المسلحة".
إلا أن مظلوم عبدي قال خلال مؤتمر صحفي عقد عبر الإنترنت في 27 أبريل 2025: إن "نداء حزب العمال الكردستاني بشأن إلقاء السلاح يتعلق به ولا يتعلق بقواتنا" في شمال شرق سوريا.
وتزعم قسد أن سلاحها منصب على مكافحة تنظيم الدولة والذي شاركت التحالف الدولي بقيادة واشنطن في طرده من آخر معاقله في ريف دير الزور عام 2019.
ويشير الهواس إلى أن “مماطلة قسد في تنفيذ الاتفاق مرده إلى مراهنتها على الدعم الأميركي والغرب لها في مسألة محاربة تنظيم الدولة بسوريا”.
لكن بين أن "هذه الذريعة انتهت عقب سقوط الأسد ووجود حكومة مركزية قوية في دمشق تتولى مكافحة ومحاربة تنظيم الدولة".
وأردف "قائد قسد يحاول أن يلعب على التناقضات حول الطلبات التي تظهر في الساحل السوري من قبل العلويين وفي السويداء من قبل الدروز بمعنى أنه يريد أن يشكل حلف أقليات تذهب بسوريا إلى التفكيك وتغيير شكل الدولة إلى أخرى فيدرالية مركبة تحت ذريعة الإدارات الذاتية".
وفي أبريل 2025 طالب علويون سوريون باستفتاء على حق تقرير المصير وحكم ذاتي وبعثة حفظ سلام في الساحل السوري.
وما تزال محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية تتحفظ على كثير من قرارات القيادة السورية الجديدة.
وهو الأمر الذي دفع محافظها مصطفى البكور، لتقديم استقالته إلى الشرع في 24 مايو 2025 بعد يومين من اعتداء نفذته مجموعة خارجة عن القانون على مبنى المحافظة، أشهرت خلاله السلاح في وجه المحافظ والموظفين.
ورأى الهواس أن مطالبات مظلوم عبدي تأتي بعد أن ألقى العشرات أو المئات من حزب العمال الكردستاني السلاح بموجب الاتفاق مع تركيا وانحدروا من جبال قنديل في العراق ودخلوا إلى مناطق قسد في شمال شرقي سوريا.
وختم بالقول: "عبدي يراهن على الوهم؛ لأن الدولة السورية لن تقبل إلا بتنفيذ الاتفاق أو بإزالة قسد من سوريا".
المصادر
- عبدي يكشف توقيت دمج قواته مع المؤسسة العسكرية السورية ويؤكد تواصل "قسد" مع تركيا
- الشرع يرفض مطالب الأكراد المتعلقة باللامركزية في سوريا
- قيادي كردي يؤكد مطلب "اللامركزية" قبيل بدء مفاوضات مع دمشق
- أردوغان: “قسد” تماطل في تنفيذ اتفاقها مع دمشق
- علويون سوريون يطالبون باستفتاء على حق تقرير المصير وحكم ذاتي وبعثة حفظ سلام