تولى فيها العسكر السلطة عبر انقلابات.. سر زيارة وزير إماراتي 3 دول إفريقية

أبوظبي تحاول كسر عزلة الانقلابيين في منطقة الساحل الإفريقي
تكثف دولة الإمارات العربية المتحدة حضورها الإستراتيجي في غرب إفريقيا؛ حيث شملت آخر تحركاتها تحالف دول الساحل، والذي يشمل مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
وفي هذا الصدد، أجرى وزير الدولة بوزارة الخارجية الإماراتية شخبوط بن نهيان آل نهيان جولة إفريقية قادته إلى الدول الثلاث، التقى خلالها قادتها وعددا من المسؤولين الرسميين.
وفي أولى محطات الجولة، استقبل الرئيس الانتقالي المالي الجنرال عاصيمي غويتا في 20 مايو/أيار 2025، المسؤول الإماراتي.
ووفق الرئاسة المالية، أكد غويتا "التزام مالي بالمبادئ الأساسية الثلاثة التي تحكم تعاونها الدولي، وهي: احترام سيادة الدول، واحترام خيارات مالي الإستراتيجية وشراكاتها، ومراعاة المصالح الحيوية للشعب المالي".
من جانبه، استقبل رئيس جمهورية بوركينا فاسو، الكابتن إبراهيم تراوري، المسؤول الإماراتي في ما وصف بأنها زيارة "صداقة وعمل إلى واغادوغو".
وبحسب وسائل إعلام محلية، بحث مبعوث الرئيس محمد بن زايد مع الكابتن تراوري سبل ووسائل تعزيز علاقات التعاون الاقتصادي بين بوركينا فاسو والإمارات.
وفي النيجر، استقبل الرئيس عبد الرحمن تشياني وزير الدولة للشؤون الخارجية بدولة الإمارات. غير أن صفحات الأخبار المحلية نقلت أنه "لم يصدر أي تصريحات إعلامية بعد اختتام الاجتماع، مما يُؤكد طابعه المغلق، ويُشير إلى حساسية الموضوعات المطروحة".
دوافع تخريبية
وتأتي الزيارة في وقت تعيش فيه منطقة غرب إفريقيا واحدة من أكثر مراحلها اضطرابا منذ عقود، في ظل تصاعد الانقسامات السياسية والأمنية بين دولها وتشكيل تحالفات جديدة.
وقد بلغ هذا التصدع ذروته مع إعلان كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو انسحابها رسميا من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، وتوجهها نحو تشكيل تحالف إقليمي جديد.
وهو ما يهدّد بإعادة رسم خريطة التحالفات في القارة، ويدفع المنطقة نحو مزيد من العزلة والصدام، وهو أمر يرى مراقبون أن الإمارات تعمل على استغلاله لأهداف غير بريئة.
ففي 28 يناير/كانون الثاني 2024، أعلنت حكومات مالي وبوركينا فاسو والنيجر انسحابها بشكل مشترك من إيكواس، المنظمة التي كانوا من الأعضاء المؤسسين لها.
وتوترت العلاقات بين "إيكواس" والدول الثلاث بعدما طالب التكتل بالعودة إلى الحكم المدني إثر انقلابات عسكرية في مالي عام 2020، وبوركينا فاسو في 2022، والنيجر 2023.
وفي سبتمبر/ أيلول 2023 وقعت الدول الثلاث "ميثاق ليبتاكو ـ غورما"، المؤسس لتحالف دول الساحل الثلاث، ويهدف إلى إنشاء "هيكلية للدفاع المشترك، والمساعدة (الاقتصادية) المتبادلة".
وفي تعليقها على الزيارة، أكدت صحيفة "الخبر" الجزائرية أن "الإمارات لا تتحرك في هذه المنطقة إلا بدوافع تخريبية".
وذكرت أن هذه الجولة للدول الثلاث "تؤكد أن البلد الخليجي يعمل على الاستثمار في الفراغات والمساحات التي خلفتها برودة العلاقات بين الجزائر ودول الساحل".
ولفتت إلى أن “التعاون في مجال الأمن” ينطوي على دعم سياسة السلطة العسكرية الانتقالية في خنق الطبقة السياسية، والحرب المعلنة على الأزواد في الشمال.
والأزواد مجموعة إثنية متعددة الثقافات أغلبهم من الطوارق تعيش في إقليم يحمل نفس الاسم على الحدود بين الجزائر ومالي، تبلغ مساحته حوالي 822 ألف كيلومتر مربع.
ورأت الصحيفة أن الزيارة تأتي في ظرف حساس يتسم بتحولات عميقة في ميزان القوى وانخراط قوى دولية جديدة في الصراعات الدائرة في المنطقة، على غرار ما يجرى في الشمال المالي وفي ليبيا من أعمال عنف ومواجهات مسلحة.
وأشارت إلى أن “هذه الظروف الاستثنائية تجعل الزيارة مبعثا لرسائل سياسية عديدة، توضح وجود استغلال إماراتي للتوجهات العدائية للسلطة الانتقالية في مالي تجاه الجزائر، إن لم يكن لها يد فيها من البداية”.
وبينت أن ذلك يأتي "بمعية أدوار يلعبها النظام المغربي (الجار والخصم الأبرز للجزائر) عبر مبادرات أو وعود وردية بفسح المجال لدول الساحل لتطل على المحيط الأطلسي".
ولفتت إلى أنه "أصبح من المألوف أن الدولة الخليجية، التي طبّعت علاقاتها مع الكيان الصهيوني، منخرطة في الكثير من الصراعات والتوترات في البلدان العربية، كالسودان وليبيا واليمن، ليس عبر وساطات ومسارات تصالحية، وإنما من خلال إثارة الانقسام في الدول الهشة ودعم طرف ما ضد آخر".
خلفيات الجولة
وبدوره، ذكر تحليل قدمته وكالة الأنباء الإفريقية “apanews” أن الجولة الإماراتية تأتي في وقت تواجه فيه منطقة الساحل تحديات أمنية متزايدة، وإعادة تشكيل جيوسياسي حيث يتم إعادة تعريف التحالفات التقليدية.
ومن أبرز هذه التغيرات، فك ارتباط الدول الثلاث عقب انقلابات عسكرية، وإغلاق القواعد العسكرية الفرنسية فيها، فضلا عن إيقاف التعاون الدبلوماسي الثنائي مع باريس، وأخيرا الانسحاب من “إيكواس” وتشكيل تحالف دول الساحل.
وأوضحت الوكالة، 21 مايو 2021، أن الإمارات تسعى خلال الجمع بين الدبلوماسية والاستثمارات البنيوية والشراكات الأمنية، إلى ترسيخ نفوذها في منطقة إستراتيجية رئيسة عقب هذه التحولات.
وذكرت أن هذا العمل الدبلوماسي يأتي أيضا في إطار السياق العالمي الذي تلتزم فيه الإمارات، وهي مركز رئيس لتجارة الذهب، بتنمية وتطوير هذا القطاع في إفريقيا.
وأشارت إلى أن هذا المسعى يأتي في وقت حذر فيه مجلس الذهب العالمي في ديسمبر/كانون الأول 2024 من التدفقات السرية التي تغذي الصراعات والجريمة في المنطقة.
أما موقع "seneweb" السنغالي، فرأى في 22 مايو 2025، أن خلفية هذه الجولة، تؤكد طموح الإمارات في تجسيد نموذج جديد للمشاركة الإفريقية، يقوم على الدبلوماسية النشطة والاستثمارات المستهدفة والفهم العميق للديناميكيات المحلية.
وشارك الموقع ما ورد في وكالة الأنباء الإفريقية، من أن أبوظبي تستغل مكانتها كلاعب اقتصادي عالمي، خاصة في قطاع الذهب، لتقديم شراكة بديلة للقوى الغربية والآسيوية.
وأشار المصدر ذاته، إلى أن تجارة الذهب، وهي قضية حساسة في مالي وفي مختلف أنحاء منطقة الساحل، تحظى باهتمام خاص.
وأبرز أن هذا التقارب مع مالي وحلفائها في شرق إفريقيا هو رهان إماراتي على المستقبل، مشددا أن "هذا الطموح من شأنه أن يعيد خلط أوراق رقعة الشطرنج المتغيرة بسرعة في منطقة الساحل".
الأزمة مع الجزائر
أما موقع "maghrebemergent" الجزائري، فقد توقف في 21 مايو 2025، عند سياق الجولة الإماراتية، مبينا أنها تأتي وسط توتر متصاعد مع الجزائر.
وعاد التوتر للواجهة عقب قضية سجن الأستاذ الجامعي محمد لمين بلغيث، بعد تصريحات أدلى بها لقناة إماراتية حول الأمازيغ.
وبلغ التوتر ذروته بعد هجوم شنه التلفزيون الرسمي الجزائري، واصفا فيه الإمارات بـ"دويلة الأقزام المصطنعة"، في خطاب أثار صدى واسعا.
وأوضح الموقع أن العلاقات بين الجزائر ومالي تعيش حالة توتر، خاصة بعد إسقاط طائرة مسيرة مالية اخترقت الحدود الجزائرية في أبريل/نيسان 2025، ما أثار استياء باماكو.
في هذا السياق، "يُسجل موقف فاتر من قبل دول الساحل تجاه الجزائر، في ظل تقارب تلك البلدان المتزايد مع أطراف إقليمية أخرى، خاصة المغرب".
من جانبها، ذكرت "بوابة الجزائر الإخبارية"، 21 مايو 2025، أن “أبوظبي تحاول كسر عزلة الانقلابيين في منطقة الساحل بغية التأثير على رسم خريطة المنطقة أو إعادة تشكيلها”.
وأيضا الضغط على موريتانيا والسنغال وتونس وليبيا لتحويل منطقة شمال إفريقيا والساحل إلى بؤر توتر ونزاع مسلح متعدد الأطراف من جهة أخرى، وذلك خدمة من الإمارات بالوكالة لجبهات أخرى، بغية جر تلك الدول إلى التطبيع مع إسرائيل.
وذكر الموقع أن هذا التغلغل يتم كذلك عبر "وعود بضخ استثمارات مليارية في عدة قطاعات ودعم عسكري وسياسي لهذه الأنظمة الانقلابية".
وأردف: "يحدث هذا في وقت تواصل فيه الشركات الإماراتية نهب ثروات دول الساحل بدعم وغطاء أمني من مرتزقة فاغنر الروسية".
ونبَّه المصدر ذاته إلى أن "للإمارات سجلا أسود في المنطقة؛ حيث جرى رصد تحركات إماراتية مشبوهة لخلق بؤر توتر على كل حدود الجزائر لاستنزاف الجيش الجزائري كهدف طويل المدى".
وزاد: "تعمل أبوظبي منذ سنوات على ضخّ أموال كبيرة في منطقة الساحل لشراء ذمم الانقلابيين، وبالأخص في باماكو، وذلك بهدف زعزعة استقرار المنطقة والجزائر بالذات حيث تلعب الإمارات دورا كوكيل لإسرائيل في المنطقة".
ونقل الموقع أن شركة “آلايد غولد” الكندية وقعت اتفاقا بقيمة 500 مليون دولار أميركي مع صندوق "أمبروسيا إنفستمنت هولدنغ الاستثماري" لدعم الخطط التوسعية في منجم ساديولا لتعدين الذهب في مالي.
وأمبروسيا شركة استثمارية متعددة المجالات، يقع مقرها بالإمارات، ولديها مجموعة من الأعمال والمشاريع في الخليج وعدة دول إفريقية.
ويرى المصدر ذاته أن الإمارات تتطلع إلى العمل تحت عباءة الروس والأميركان والإسرائيليين لتصبح وريثة النفوذ الفرنسي في المنطقة، وعرابة الوجود الإسرائيلي في شمال إفريقيا والساحل والصحراء.
شراكة متبادلة
وفي تفاعله مع الزيارة، أكد موقع "afrik" الكوت ديفواري، في 21 مايو 2025، أن الإمارات، وهي قوة خليجية صغيرة، تعمل على ترسيخ مكانتها كشريك مميز للأنظمة العسكرية في منطقة الساحل، وذلك من خلال الجمع بين المساعدات الإنسانية والاستثمارات الضخمة والتعاون الأمني.
وأوضح المصدر ذاته، أنه "من خلال تقديم الدعم "من دون شروط سياسية"، تعمل أبوظبي بمهارة على ملء الفراغ الذي تركته القوى الغربية وإعادة رسم خريطة النفوذ في منطقة إستراتيجية".
ورأى الموقع أن زيارة وزير الدولة الإماراتي إلى باماكو تؤكد أهمية العلاقات بين البلد الخليجي ومنطقة الساحل؛ إذ شكل اللقاء مع الرئيس المالي مناسبة لتأكيد الشراكة الإستراتيجية الرسمية بين الجانبين، ترتكز على ثلاثة مبادئ أساسية: السيادة الوطنية، وحرية الاختيار الإستراتيجي، وأولوية المصالح الحيوية للشعب المالي.
وشدد الموقع على أن "ما يميز النهج الإماراتي بشكل أساسي عن شركائه الغربيين السابقين هو موقفه كمستثمر وحليف".
وهو "موقف يتردد صداه بشكل خاص لدى المجلس العسكري المالي الذي يسعى إلى الحصول على دعم جديد منذ الانسحاب الفرنسي".
وعلى الصعيد الأمني، أبرز الموقع أن الإمارات لم تعد تكتفي بلعب دور المانح في مكافحة الإرهاب، بل تحولت إلى مورّد للمعدات العسكرية.
وأشار إلى أنه في أبريل 2025، حصلت تشاد على منظومتين صينيتين من طراز FK-2000، مصحوبة بصواريخ وقذائف، بتمويل من أبوظبي.
وذكر أن الإستراتيجية الإماراتية في منطقة الساحل تعتمد أيضا على دبلوماسية إنسانية طموحة؛ إذ يهدف برنامج بنك الطعام الإماراتي إلى استقطاب ما يقرب من 29 مليون مستفيد بحلول عام 2024، بزيادة قدرها 55 بالمئة في عام واحد، وإنشاء فروع له في النيجر ومالي وبوركينا فاسو.
ومن الناحية الاقتصادية، تعهّدت الإمارات باستثمارات بقيمة 97 مليار دولار في إفريقيا خلال الفترة 2022-2023، وهو مبلغ أعلى بثلاث مرات من الالتزامات الصينية خلال نفس الفترة.
واستدرك الموقع أن هذه الدبلوماسية الإماراتية ليست خالية من المناطق الرمادية؛ حيث يظل الغموض الإستراتيجي قائما بين المساعدات الإنسانية المعروضة والشكوك حول تسليح بعض الجماعات المسلحة.
وأيضا رأى أن الافتقار إلى آليات الشفافية فيما يتصل بقروض الأسلحة ونقلها يثير تساؤلات حول الحوكمة طويلة الأجل لهذه الشراكات.

علاقة المغرب
بدوره، يرى "معهد أفق الجيوسياسي Institut Géopolitique Horizons"، أن "جولة شخبوط في العواصم الثلاث لتحالف دول الساحل تُجسد تقاربا في المصالح الإستراتيجية".
ورأى المعهد في 23 مايو 2025، أن "الإمارات تُقدم للمجالس العسكرية المالية والنيجرية والبوركينية ما لا يمكن لأي قوة أخرى ضمانه: دعما غير مشروط دون متطلبات ديمقراطية، مقترنا باستثمارات ضخمة ودعم أمني ملموس".
وشدد على أن الدعم المالي الإماراتي الكبير لخط أنابيب الغاز الإفريقي الأطلسي، الرابط بين نيجيريا والمغرب، يدق ناقوس الموت لمشروع خط أنابيب الغاز الجزائري المنافس العابر للصحراء.
ومن المفترض أن يربط المشروع الأخير الجزائر بنيجيريا عبر النيجر، ليأتي الخط المغربي كمنافس قوي له.
ونبَّه إلى أن "الإمارات بتمويل خط أنابيب الغاز الإفريقي الأطلسي، تحيد نهائيا الطموحات الجزائرية لتصبح مركز الغاز في غرب إفريقيا، بينما تعزز محور الرباط-أبوجا على حساب الجزائر".
كما رأى أن الزيارة الإماراتية للساحل تندرج في منطق مثلثي أوسع؛ حيث تعمل الإمارات كمحفز مالي للطموح الجيوسياسي المغربي.
وبين أن دعم الدولة الخليجية لاقتصادات تحالف دول الساحل يخلق ظروف تكامل اقتصادي جنوب-جنوب يتجاوز الجزائر بشكل منهجي.
وأشار إلى أن الساحل يحتوي على احتياطيات مهمة من اليورانيوم والذهب والمعادن النادرة، وموارد حاسمة للطموحات التكنولوجية الإماراتية.
وخلص إلى أن الإستراتيجية الإماراتية تهدف إلى تأمين وصول حصري أو مُفضل إلى الموارد الساحلية، متجاوزة الدوائر التجارية التقليدية التي تهيمن عليها الجزائر.