سياسة أميركا بسوريا.. كيف تحولت من دعم قوات "قسد" إلى تعزيز دور دمشق؟

منذ ٦ أيام

12

طباعة

مشاركة

رأى مركز دراسات تركي أن السياسة الأميركية تجاه الملف السوري تشهد تحوّلا جذريا قد يعيد رسم معالم المشهد السياسي في هذا البلد المنهك من سنوات الحرب.

وقال مركز أورسام لدراسات الشرق الأوسط في مقال للكاتب التركي "أويتون أورهان"، إنّ هذا التحول جاء تزامنا مع جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة في الخليج (مايو/أيار 2025).

وأوضح: "شهدت الجولة تطورا لافتا تمثل في عقد قمة رباعية مصغّرة جمعت ترامب بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، تحت رعاية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وبمشاركة (عبر تقنية الفيديو) من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان". 

وقد تمخض عن هذه القمة إعلان ترامب رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، وذلك في خطوة مفصلية لصالح دمشق، وفق الكاتب.

نهج جديد

واستدرك: بعيدا عن كون القرار مجرد تنازل دبلوماسي، فإنه يحمل في طياته إشارات عميقة على تحوّل جذري في سياسة أميركا تجاه الملف السوري. 

فرفع العقوبات يمثل أول اعتراف عملي من واشنطن بشرعية الحكومة الجديدة في دمشق، ويشكّل دفعة قوية لجهودها في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، واكتساب التأييد الدولي والمحلي. 

لكنّ الأكثر أهمية من ذلك هو الطلب الأميركي الذي وجّهه ترامب إلى الشرع، بتسلّم حكومته مسؤولية السجون التي تضم عناصر تنظيم الدولة والتي كانت حتى الآن تحت سيطرة قوات وحدات حماية الشعب المدعومة أميركيا، والتي تشكل أساس قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.

وتعد تركيا وحدات حماية الشعب الكردية جماعة مرتبطة بـ"حزب العمال الكردستاني"، الذي أعلن في مايو 2025 قراره تسليم السلاح وحل نفسه.

وقال الكاتب: إنّ هذا التحول لا يمكن قراءته إلا كجزء من مسار إستراتيجي جديد تتبناه واشنطن، يقوم على إعادة توزيع الأدوار في الساحة السورية. 

ففي ضوء نيتها المتكررة بالانسحاب التدريجي من سوريا، يبدو أن واشنطن تبحث عن طرف محلي وشرعي قادر على تسلم ملف محاربة تنظيم الدولة. 

في هذا السياق، تبرز حكومة الشرع كخيار تفرضه تقديرات الواقعية السياسية، لا سيما في ظل التراجع الدولي عن دعم المشاريع الانفصالية، والتململ المتزايد من الاعتماد المطلق على شركاء مثل وحدات حماية الشعب الكردية.

وعلق الكاتب التركي: الرسائل الصادرة من القمة تشير إلى أن الولايات المتحدة تتجه نحو صياغة توازن جديد في سوريا، فهي تعكس رغبة في التواصل المباشر مع الحكومة السورية، لا سيما في القضايا الأمنية. 

وهذا يعزز فرضية أن إدارة ترامب تميل نحو نهج أكثر واقعية يأخذ في الحسبان تعقيدات المشهد السوري وتوازناته الإقليمية.

ولا يقتصر هذا التوجه على الجانب الأمني فقط، بل يفتح الباب أمام توازنات جديدة في السياسة الإقليمية، قد تجرّ خلفها مواقف أوروبية وعربية أكثر انفتاحا على النظام السوري، وفق تقدير الكاتب.

ملف تنظيم الدولة

وأردف: لم يكن تصريح ترامب بشأن نقل مسؤولية إدارة سجون تنظيم الدولة من قوات وحدات حماية الشعب إلى الحكومة السورية مجرّد موقف عابر، بل بدا كعنوان لتحول إستراتيجي أعمق في الرؤية الأميركية للملف السوري. 

ففي لحظة إقليمية حساسة جاء هذا الموقف متناغما مع المساعي التركية لتفعيل "آلية التعاون الخماسي" التي تشمل تركيا وسوريا والعراق ولبنان والأردن، وذلك بهدف بناء بنية أمنية مشتركة وأكثر تنسيقا في مواجهة الإرهاب العابر للحدود. 

وتهدف هذه الآلية إلى بناء هيكل أمني مشترك ومنسق لمكافحة تنظيم الدولة وترسيخ الاستقرار في المنطقة. 

وعلق الكاتب: إن دعوة ترامب لدمشق كي تتحمّل هذه المسؤولية السيادية، تمثل إشارة واضحة إلى تآكل الثقة الأميركية بالشراكة القديمة مع وحدات حماية الشعب، ورغبة في إعادة ترتيب الأوراق بما يتماشى مع التوازنات الواقعية على الأرض. 

ومن هذا المنطلق فإن إعلان ترامب يحمل دلالات عميقة تتجاوز الملف السوري الداخلي، ليعكس استعداد واشنطن لإعادة النظر في أولوياتها الأمنية، وتحميل الفاعلين الإقليميين وفي مقدمتهم دمشق مسؤوليات أكبر في حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب. 

ولعل تسليم ملف السجون يُعد أولى الخطوات العملية لترجمة هذا التوجه، وفق الكاتب التركي.

وعلى الصعيد الدولي، يرى أن تسليم ملف سجون التنظيم للحكومة السورية سيُجبر العديد من الدول خصوصا الأوروبية، على مراجعة مواقفها. 

ففي حال تنفيذ هذه الخطوة، ستجد الدول الأوروبية نفسها مضطرة للتعامل المباشر مع دمشق فيما يخص رعاياها المحتجزين في سجون التنظيم.

 وهو ما يعني تراجعاً واضحا في دور وحدات حماية الشعب الكردية التي لطالما استخدمت هذا الملف كأداة للضغط وجسر للتواصل مع المجتمع الدولي. 

تقويض الشرعية

وأردف أن هذا التطور يُفقد الجماعة واحدة من أبرز أوراقها، ويُقوّض شرعيتها كفاعل أمني على الساحة السورية، خصوصاً أن شرعية هذه السجون ومآلاتها القانونية ستكون من مسؤولية الدولة السورية المعترف بها.

وفي بُعده الرمزي فإن هذا التحول يعكس اعترافا ضمنيا بدور الحكومة السورية الجديدة في استعادة السيادة على أراضيها.

 إذ لم يكن من الممكن قبل سنوات قليلة تخيّل مطالبة الولايات المتحدة دمشق بتحمّل مسؤولية بهذا الحجم، خاصة بعد سنوات من القطيعة والعقوبات. 

ومن هنا، فإن دعوة ترامب قد تكون مقدّمة لإعادة تعريف موقع الحكومة السورية في التوازنات الدولية، وربما بداية لعودة تدريجية إلى المحافل السياسية والدبلوماسية، وفق الكاتب.

وأشار إلى أن هذا التحول يُتوقع أن يترك تداعيات واسعة النطاق، بحيث لا تقتصر هذه التداعيات على العلاقات بين واشنطن ودمشق.

بل تشمل أيضا السياسات الأمنية التركية، والمواقف الأوروبية المتحفظة تجاه الانفتاح على الحكومة السورية، إضافة إلى إعادة رسم خريطة النفوذ المحلي بسوريا.

ففي الوقت الذي تعزز فيه دمشق موقعها كفاعل شرعي، يتراجع وزن وحدات حماية الشعب داخليا ودوليا. وعلى الرغم من اتفاق الشرع مع هذه المليشيا أخيرا فلم يتم تسوية أوضاعهم وتسلم سلاحهم حتى الآن.

وبحث الشرع مع رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم قالن في دمشق، 20 مايو 2025، تسليم جميع عناصر "وحدات حماية الشعب" الكردية للسلاح ودمجها على غرار المجموعات الأخرى، بأجهزة الأمن السورية.

وفي مارس/آذار 2025، جرى توقيع اتفاق يقضي باندماج قوات "قسد" ضمن مؤسسات الجمهورية العربية السورية وتأكيد وحدة أراضي البلاد ورفض التقسيم.

وختم الكاتب مقاله قائلا: تشكل دعوة ترامب لنقل مسؤولية سجون التنظيم إلى الحكومة السورية أكثر من مجرد قرار إداري أو أمني، فهي مؤشر إستراتيجي على أن واشنطن تعيد رسم خارطة تحالفاتها في سوريا والمنطقة. 

وأوضح أن من شأن هذه الخطوة، إذا ما جرى استكمالها فعلياً، أن تفتح الباب أمام تحالفات جديدة، وتعيد ترتيب أولويات اللاعبين الإقليميين والدوليين، في مشهد سوري ما زال مفتوحا على احتمالات واسعة.