"حزب الله" تحت ضغط شديد.. هل ينهار أبرز أعمدة النفوذ الإيراني؟

العلاقات بين لبنان وإيران تركزت منذ بدايتها على الدور المركزي لحزب الله
توقّع معهد دراسات إيطالي حدوث تراجع سياسي واجتماعي كبير في شعبية حزب الله وتماسكه الداخلي؛ مما يؤثر بشكل كبير على الإستراتيجية الإقليمية لإيران.
وقال معهد "تحليل العلاقات الدولية": إن التحولات السياسية الأخيرة التي كان أبرزها انتخاب جوزيف عون رئيسا للجمهورية في يناير/كانون الثاني 2025، بدأت تؤثر على الحزب؛ إذ يتبنى الرئيس اللبناني الجديد نزع سلاح حزب الله، وهو "توجه يضع إيران، الداعم الرئيس له أمام تحدٍّ كبير يهدّد أحد أبرز أدوات نفوذها الإقليمي".
ومن ناحية أخرى، يرصد معهد "تحليل العلاقات الدولية" جذور العلاقة بين إيران وحزب الله، ودور الأخير في مشروع "محور المقاومة".
كما يحلل تبعات الإجراءات اللبنانية الأخيرة التي تستهدف تحجيم دور الحزب، وردود الفعل الإيرانية عليها.
ويختم المعهد تقريره بعرض سيناريوهات محتملة لمستقبل هذه العلاقة، في ظل توازنات إقليمية دقيقة وتحولات داخلية عميقة في لبنان.

تراجع نفوذ الحزب
ويبرز المعهد الإيطالي أن العلاقات بين لبنان والجمهورية الإسلامية الإيرانية تركزت منذ بدايتها على الدور المركزي الذي يلعبه حزب الله.
وهذا التنظيم الشيعي نشأ خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، وترسخ تدريجيا في جنوب لبنان، معتمدا على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي كأساس لخطابه السياسي.
وفي عام 1985، اعتمد الحزب عقيدة تهدف إلى "طرد النفوذ الغربي من لبنان وتدمير إسرائيل وتسليم مصيره للمرشد الأعلى في إيران".
وفي هذا السياق، يلفت المعهد إلى أن "حزب الله" يُعد أحد أبرز الفاعلين غير الحكوميين من حيث القوة والتأثير، وكان استثناء في اتفاق الطائف عام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية؛ حيث أبقى على وجوده كقوة مقاومة للاحتلال الإسرائيلي.
وهنا، يظهر المعهد أن الحزب يمثل بالنسبة لطهران عمودا أساسيا في "محور المقاومة" إلى جانب حركة المقاومة الإسلامية حماس والجماعات الشيعية المسلحة في العراق وسوريا والحوثيين في اليمن. وفق قوله.
وبالحديث عن طهران وحزب الله، ينوه إلى أن "العلاقة بينهما تشمل مجالات عسكرية واقتصادية واجتماعية". ويعمل الحزب في مناطق نفوذه دون معارضة تذكر، مستفيدا من شبكة خدمات اجتماعية واسعة في البنية التحتية والتعليم والصحة.
وعلى الصعيد العسكري، يقول: إن "الدعم الإيراني بدأ في الثمانينيات عندما أرسلت طهران بين 1000 و2000 عنصر من الحرس الثوري إلى لبنان لتدريب المليشيا الشيعية الناشئة، مما عزز نفوذ الحزب في البلاد".
علاوة على ذلك، يضيف أن "حزب الله يجيد العمل في القطاعات الاقتصادية الحيوية، مستفيدا من دعم النظام السوري السابق الذي سمح له باستخدام مكاتب الصرافة السورية لتسهيل المعاملات المالية". كما أنه "لعب دورا في نقل النفط الإيراني عبر سوريا لتجاوز العقوبات الدولية".
ومن ناحية أخرى، يذكر المعهد أن "حزب الله شارك بنشاط في الحياة السياسية اللبنانية؛ حيث كان أغلب نواب البرلمان في 1992 من أعضائه، وبدأ منذ 2005 في تولي مناصب حكومية".
ولكن أخيرا، ورغم حفاظه على 13 مقعدا في البرلمان خلال الانتخابات الأخيرة، خرج حزب الله من كتلة الأغلبية الحكومية.
وخرج الحزب منهكا بعد الصراع الأخير مع إسرائيل (مواجهة الإسناد لغزة ضمن طوفان الأقصى)؛ حيث استهدف قادته وتراجع نفوذه بشكل كبير.
موقف الرئيس اللبناني
يشير معهد "تحليل العلاقات الدولية" الإيطالي إلى أنه "في الآونة الأخيرة، أحدث انتخاب عون تحولا جوهريا في السياسة الإيرانية تجاه حزب الله"؛ إذ يركز النظام اللبناني الجديد على "ضمان وحدة الأراضي اللبنانية، وهو توجه يتعارض مع الإستراتيجية الإيرانية التي تسعى للحفاظ على نفوذ حزب الله الإقليمي رغم تراجع قوته".
وفي الأسابيع الأخيرة، اتخذت بيروت إجراءات عملية ضد طهران، منها منع هبوط الطائرات الإيرانية في لبنان بسبب مخاوف من هجوم إسرائيلي، بالإضافة إلى تجميد أموال موجهة لحزب الله.
وتعد هذه الخطوات جزءا من إستراتيجية إيرانية جديدة تهدف إلى "البحث عن طرق جوية بديلة لنقل الدعم الاقتصادي والعسكري للحزب".
ومن جهة أخرى، يلفت المعهد إلى أن تصريحات السفير الإيراني في بيروت، مجتبى أماني، أثارت جدلا واسعا حين وصف على منصة "إكس" خطة نزع سلاح حزب الله بأنها "محاولة تآمرية".
وفي المقابل، ردت وزارة الخارجية اللبنانية بدعوة السفير لاحترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية.
أما الرئيس عون فقد أعلن أكثر من مرة "عزمه نزع سلاح حزب الله"، مشددا على "ضرورة التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن قبل نهاية عام 2025".
ومن جانبها، دعمت الولايات المتحدة هذا الموقف، ممارسة ضغوطا على بيروت لتحقيق احتكار السلاح.
لكن عون -كما يشير المعهد- أكد مرارا أن "الحوار والتعاون ضروريان لتحقيق ذلك"، مشددا على أن "لبنان لن يدخل في حرب أهلية من أجل نزع السلاح، وأن العملية ستكون مشروطة بظروف مناسبة".
وفي المقابل، أعلن الأمين العام الحالي لحزب الله نعيم قاسم، رفضه التام لخطة نزع السلاح، مؤكدا استمراره في الدفاع عن سيادة لبنان.

أهمية الحزب لإيران
ورغم الزعم بأنه خسر ما يقرب من ثلثي ترسانته من الصواريخ والطائرات المسيرة وتعرض قيادته لضربات قوية، يبرز المعهد الإيطالي أن "حزب الله لا يزال يحتفظ بدور رئيس في السياسة الخارجية الإيرانية".
ورغم هذه التحديات، وإلى جانب غياب الحزب عن التشكيلة الحكومية الجديدة، يقول المعهد: إن "الدعم الإيراني الكبير له عبر السنوات يظل دليلا على مركزية الحزب وأهميته الإستراتيجية في مواجهة إسرائيل".
وفي تقرير صدر عام 2005، قُدر الدعم المالي والمادي الذي قدّمته إيران للحزب بين 100 و200 مليون دولار.
بينما تشير مصادر أخرى إلى أن الدعم المالي السنوي يصل إلى حوالي 700 مليون دولار.
وفي هذا الصدد، يؤكد المعهد أن "طهران تحرص على تفادي نزع سلاح حليفها التاريخي، خاصة في ظل التوترات مع إسرائيل؛ حيث تعد حزب الله أداة أساسية في إستراتيجيتها الإقليمية".
ومن وجهة نظره، بما أن إيران مشغولة حاليا بالمفاوضات النووية مع الولايات المتحدة، فإنها "تفضل تأجيل ملف نزع السلاح مع إبقائه تحت سيطرتها".
وفي الوقت ذاته، تولي إيران أهمية كبيرة للحفاظ على علاقات دبلوماسية مستقرة مع الرئاسة اللبنانية، مدركة أن "هذه العلاقات ضرورية لتعزيز نفوذها الخارجي من خلال حزب الله".
سيناريو الاستقرار
وفي هذا الإطار، يتوقع المعهد أنه "على المدى القصير، ستظل الأوضاع مستقرة دون تغييرات كبيرة".
ومن المحتمل أن يدعو الرئيس اللبناني قيادة المليشيا الشيعية في نهاية عام 2025 إلى عقد لقاء يهدف إلى "التوصل إلى اتفاق، مع بقاء التوازنات الهشة قائمة بشكل مؤقت".
وفي حال حدوث تحسن مفاجئ، قد يُبرم اتفاق بين إيران والإدارة اللبنانية الجديدة، يقضي بربط نزع سلاح المليشيا الشيعية بانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان وتعهد تل أبيب بعدم تهديد سلامة الأراضي اللبنانية.
ويعتقد المعهد أن "الافتراض الأساسي هو التوصل إلى وقف إطلاق نار كامل بين إيران وإسرائيل"، إضافة إلى "اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني".
وهو ما "سيمكن طهران من تبني مقاربة جديدة تجاه القضية، وربما تقديم تنازلات للرئيس جوزيف عون".
وبسرد الآثار المتوقعة والإيجابية لهذا السيناريو، يقول المعهد: إنه "من الناحية الاقتصادية، ستتمكن لبنان من المضي قدما في تنفيذ برنامج الإصلاحات واستعادة الاستقرار الاقتصادي الذي فقده منذ سنوات".
وعلى صعيد نزع السلاح، سيُمهد الطريق للحصول على دعم دولي لإعادة الإعمار، وهو مطلب دعا إليه عدد من أنصار حزب الله أيضا.
ومن الناحية السياسية والاجتماعية، يشير المعهد إلى أن "الرئيس عون سيكتسب مزيدا من الشعبية ويعزز العلاقة بين الدولة والمواطنين".
"أما إيران، فقد تستغل هذا المسار كورقة ضغط للحصول على تنازلات أكبر في ملفها النووي من الولايات المتحدة".
وإستراتيجيا، يرى المعهد الإيطالي أن "اتفاقا محتملا بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي، وهدنة بين تل أبيب وطهران، يمكن أن يشكلا الأساس لتحقيق هذا السيناريو".

أسوأ السيناريوهات
وفي أسوأ السيناريوهات، يتوقع المعهد أن "تفاقم الأزمة في قطاع غزة وفشل التوصل إلى اتفاق بين إيران والولايات المتحدة قد يؤدي إلى تقويض العلاقات بين بيروت وطهران، مما يهدّد باندلاع حرب أهلية".
وبالحديث عن تداعيات هذا السيناريو، يوضح المعهد أنه "على الصعيد الاقتصادي، قد يُحرم حزب الله من الدعم المالي اللازم لإعادة الإعمار".
وبين أن "الحزب حاليا غير قادر على معالجة الأضرار والخسائر الاقتصادية التي تكبدها جراء الضربات الإسرائيلية في العاصمة والجنوب وسهل البقاع، والتي تُقدر قيمتها بنحو 8.5 مليارات دولار".
وسياسيا واجتماعيا، قد يواجه الحزب تراجعا في شعبيته وتماسكه الداخلي، مما سيؤثر بشكل كبير على الإستراتيجية الإقليمية لإيران، حسب المعهد؛ إذ قد يؤدي تدهور الأوضاع إلى "زعزعة التوازن الهش داخل إيران وإثارة نزاعات بين الفصائل السياسية المختلفة".
وفي النهاية، يرى أن الإستراتيجيات المقترحة تكمن في "سعي إيران للتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة حول البرنامج النووي".
وبالمقابل، يمكن لواشنطن ممارسة ضغوط على إسرائيل لوقف القصف وإنهاء النزاع.
وهذه الديناميات -من وجهة نظر المعهد- قد تهيئ الظروف لمفاوضات أكثر هدوءا بين حزب الله والرئاسة اللبنانية بقيادة عون.