اتفاق النفط بين بغداد وأربيل.. تفاهم إستراتيجي أم تسوية ظرفية؟

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

بعد ما يقارب عامين ونصف العام، استؤنف تصدير النفط عبر خط أنابيب كركوك-جيحان إلى السوق الدولية، بموجب اتفاق هش، بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في أربيل، إلى جانب سبع شركات نفط كبرى وشركة نفط كردية محلية.

ومن جهة، يمثل الاتفاق ترتيبا فنيا وقانونيا لاستئناف تدفق النفط عبر خط أنابيب النفط العراقي. 

ومن جهة أخرى، يمثل تجربة سياسية تهدف إلى التوفيق بين السيادة الاتحادية والحكم الذاتي الإقليمي وقدسية العقود، في واحد من أكثر المشاهد السياسية تعقيدا في العالم. وفق وصف معهد "المجلس الأطلسي" الأميركي.

وقال المجلس، في تقرير له: "في نهاية المطاف، فإن السياسة المحيطة بالاتفاق هي ما جعلت مفاوضاته معقدة للغاية، وجعلت استمراره أكثر هشاشة، فما زال النفط قضية شديدة الحساسية سياسيا في العراق، والاتفاق يواجه ضغوطا بالفعل".

ويبقى ما إذا كان هذا الإطار مجرد حل تكتيكي مؤقت أم أنه يمثل أول مخطط جاد لتسوية دائمة، سؤالا ستتضح إجابته على الأرجح مع دخول العراق أجواء الانتخابات واقتراب نهاية السنة المالية بعد ثلاثة أشهر. بحسب التقرير.

تفاصيل الصفقة

وأفاد بأن خط الأنابيب أُغلق منذ مارس/آذار 2023، عندما قضت غرفة التجارة الدولية بأن تركيا انتهكت معاهدة عام 1972 بين العراق وتركيا التي تُنظّم خط الأنابيب.

وأمرت المحكمة تركيا بدفع 1.5 مليار دولار لبغداد مقابل صادرات غير مصرح بها، حيث سمح خط الأنابيب لإقليم كردستان العراق بتصدير نفطه الخام بشكل مستقل.

وبينما أغلقت تركيا خط الأنابيب ردا على الحكم، فإن العقبات الرئيسة أمام إعادة فتحه (في 24 سبتمبر/ أيلول 2025) تمحورت حول النزاعات على السيادة والموارد الطبيعية بين أربيل وبغداد.

فضلا عن صلاحيات الحكومة الاتحادية مقابل الحكم الذاتي الإقليمي في العراق، وعقود شركات النفط العالمية في إقليم كردستان، والمصالح المالية والسياسية المتنافسة لحكومة إقليم كردستان، والقوى السياسية المتصارعة في بغداد.

وتُقدّر "جمعية الصناعة النفطية بإقليم كردستان" أن أكثر من 35 مليار دولار قد فُقدت من عائدات إقليم كردستان بسبب الإغلاق.

وقال المجلس: إن "الآليات الفنية والقانونية للاتفاق الحالي شديدة التعقيد، إذ تعكس التوازن بين مصالح متنافسة دستورية وتاريخية وسياسية وتجارية بل وجيوسياسية أيضا".

ويلزم الاتفاق حكومة إقليم كردستان بتسليم ما لا يقل عن 230 ألف برميل نفط يوميا إلى وزارة النفط الاتحادية، مع السماح لها بالاحتفاظ بخمسين ألف برميل يوميا للاستخدام المحلي.

وقد قبلت الحكومة العراقية التعويض العيني من شركات النفط العاملة في إقليم كردستان، وتتحمل رسوم عبور خط الأنابيب، ووافقت على التحكيم الدولي مع التنازل عن الحصانة السيادية.

من جانبها، تخلت أربيل عن مطالبتها بتصدير النفط، وقلّصت من تسويقها المستقل، وسيُرفع النفط المنتج من حقول الإقليم على أنه "نفط كركوك الخام، وليس نفطا كرديا".

أما شركات النفط الدولية فقد حصلت على ضمانات لمدفوعات تكاليف الإنتاج والنقل، على أن تُقيّم تكاليف الإنتاج لاحقا من قبل شركة استشارات دولية متعاقدة مع وزارة النفط.

مكسب وتنازل

ويرى المجلس أنه "سياسيا، يمثل هذا الترتيب في آن واحد مكسبا وتنازلا لكل طرف، كما أنه يمثل بصورة بارزة انتصارا للحكومة الأميركية في مسعاها لضخ المزيد من النفط في السوق العالمية".

فقد ضغطت واشنطن لإعادة فتح خط الأنابيب منذ إغلاقه، ومع وجود مستثمرين أميركيين بين شركات النفط الدولية، أزال الاتفاق مصدرا كبيرا للتوتر الثنائي.

ومع اقتراب الانتخابات التشريعية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني 2025، يُرجح أن تستخدم الفصائل السياسية الشيعية المعارضة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني هذا الاتفاق كسلاح ضده، تماما كما قاومت التوصل إليه. بحسب التقرير.

وقد استثمر السوداني رصيدا سياسيا كبيرا في سبيل إبرام هذا الاتفاق، في انعكاس لضغوط قوية من جانب الحكومة الأميركية ورغبته في الحفاظ على علاقات متينة مع الولايات المتحدة.

بالنسبة للسياسيين المعارضين للسوداني، يوفر اتفاق النفط بين بغداد وأربيل سردية قوية مفادها أن الحكومة قدَّمت تنازلات مفرطة لإقليم كردستان، أو أنها ساومت على السيادة الوطنية مقابل تحقيق استقرار مالي قصير الأمد.

وإذا تحول الاتفاق إلى قضية انتخابية، فسيواجه السوداني ضغوطا لإعادة النظر في بعض بنوده أو حتى رفضها كليا، بغض النظر عن وجاهتها الفنية.

ومن هذه الزاوية، تمثّل الانتخابات البرلمانية المقبلة في 11 نوفمبر، تهديدا للاتفاق لا يقل عن أي خلاف تشغيلي أو قانوني، وفق تقييم المعهد الأميركي.

كذلك، فإن تزامن الدورة الانتخابية مع نهاية السنة المالية يضاعف حجم المخاطر؛ إذ يخلق لحظة تكون فيها قدرة الحكومة على حماية الاتفاق من الهجمات الحزبية في أضعف حالاتها، بحسب التقرير.

وقال: إن "بغداد استعادت الإشراف على الصادرات ودمجت براميل أربيل ضمن قانون الموازنة الاتحادية، محققة بذلك هدفا طال انتظاره".

وتابع: "في المقابل، احتفظ إقليم كردستان بقطاع الطاقة داخليا، وحصل على اعتراف بتكاليف إنتاجه، واحتفظ بقدرته على بيع النفط للخارج على الأقل في الوقت الراهن، وإن كان ذلك تحت مظلة شركة تسويق النفط الحكومية (سومو)".

"أما شركات النفط فقد بدأت تشهد بعض الانفراج مع استئناف الصادرات، وستتلقى مستحقاتها وتكاليفها بعد انقطاع طويل".

واستدرك: "مع ذلك، يحيط بالاتفاق قدر كبير من الضبابية، إذ يجدد كل ثلاثين يوما حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2025، في مؤشر على غياب الثقة، ما يجعله عرضة للتقلبات الناجمة عن تغيرات سياسية محتملة أو تعطلات تشغيلية أو صدمات خارجية".

تحديات مستمرة

وفي الواقع، تتشابك هذه السلاسل بطريقة تجعل أي مشكلة فنية أو عثرة سياسية تُحدث تأثيرا مُتسلسلا، يقوّض شهورا من المفاوضات.

ورغم أن الأطراف لا تستطيع التراجع من جانب واحد حتى تاريخ الانتهاء المُحدد في ديسمبر 2025، فإن الاتفاق أقرب إلى هدنة انتقالية منه إلى تسوية نهائية.

وفوق ذلك، من غير المرجح أن يضمن الاتفاق تدفقا منتظما للموازنة نحو إقليم كردستان -وفق التقرير- إذ ستواصل وزارة المالية العراقية تدقيق السجلات والإيرادات والبيانات المالية الخاصة بالإقليم.

وبينما كانت أربيل تأمل أن يمنع الاتفاق بغداد من حجب أو تأخير تحويلات الموازنة بذريعة الخلافات المتعلقة بالنفط، إلا أن التحديات ما تزال قائمة.

وقد أشار مسؤول كردي رفيع إلى أن حكومة الإقليم حاولت تلبية شروط بغداد لإزالة أي ذرائع مرتبطة بتأخير الموازنة، لكنه شدد في الوقت نفسه على استمرار المخاوف بشأن هذه القضية. 

ورأى المعهد أن “هذا يعني أن إشكالية الموازنة غير المحسومة قد تتحول إلى عقبة كبيرة في المستقبل”.

ويشكل انتهاء صلاحية خط أنابيب العراق–تركيا تهديدا خارجيا للاتفاق. وقد أشارت تركيا بالفعل إلى ضرورة التفاوض على معاهدة جديدة تُنظّم هذه الاتفاقية بحلول يوليو/تموز 2026 لضمان استمرار تدفق النفط.

وبالتالي، حتى في حال صمد اتفاق الثلاثي، فإن انتهاء صلاحية هذه الاتفاقية الوشيك قد يُثير تساؤلات جدية حول مستقبل صادرات الشمال على المدى المتوسط. بحسب التقرير.

وربما تسعى تركيا إلى ترتيب أوسع للطاقة يشمل الغاز والكهرباء، مع مطالبة بمزيد من المرونة للتعاقد مع مستخدمين آخرين مثل إقليم كردستان.

وقد يعني هذا أن النزاعات الفنية أو المالية بين بغداد وأربيل قد تُطغى على المفاوضات مع أنقرة في المستقبل القريب. 

ولذلك، يُعد الموعد النهائي في الصيف نقطة حرجة، فبدون معاهدة جديدة، يواجه النظام بأكمله خطر التوقف الكامل، يؤكد المعهد.