سلفاكير يقلب الطاولة على رياك مشار.. طبول الحرب تدق مجددا بدولة جنوب السودان

إسماعيل يوسف | منذ ٧ أيام

12

طباعة

مشاركة

بعدما كان الحديث يجرى حول احتمال إجراء أول انتخابات رئاسية في تاريخ دولة جنوب السودان، منذ انفصالها عن السودان الأم في استفتاء شعبي عام 2011، خلال عام 2026، وتتطلع المعارضة بزعامة رياك مشار لمنافسة الرئيس الحالي سلفاكير ميارديت، وقعت تطورات سلبية.

"الحركة الشعبية لتحرير السودان" جناح المعارضة، أعلنت يوم 20 سبتمبر/أيلول 2025 أن الحكومة الانتقالية "انهارت"، بعد أن أقدم سلفاكير على تعليق مهام زعيمها مشار من منصبه كنائب أول للرئيس، في خرق لبنود اتفاق السلام بين السلطة والمعارضة.

وأكدت المعارضة، وهي أحد طرفي اتفاق سلام جنوب السودان الموقع عام 2018، أن "كير" يستغل الاضطراب في الجنوب وفي السودان لتمهيد الطريق أمام نائبه الثاني "بول ميل" لخلافته، رغم اتهام الأمم المتحدة للأخير بالفساد.

ويشهد جنوب السودان توترات عسكرية وسياسية متواصلة بين شريكي السلطة الرئيس سلفاكير ونائبه الأول رياك مشار وصلت حد المواجهات العسكرية، ما أثار مخاوف من اندلاع حرب أهلية جديدة، وإنهاء اتفاق السلام الهش الموقع عام 2018.

وتُصنف جنوب السودان كـ"دولة فاشلة" منذ استقلالها عن السودان، بسبب استمرار الحروب والصراعات داخلها، والفساد ونهب ثرواتها، رغم أنها تتمتع بثروة نفطية كبيرة.

ومنذ انفصالها عن "جمهورية السودان" في استفتاء شعبي عام 2011، وهي تشهد حربا أهلية بين القوات الحكومية والمعارضة أخذت بعدا قبليا منذ 2013، بسبب الصراع بين الرئيس (من قبيلة الدينكا) ونائبه رياك مشار (من قبيلة النوير).

أسباب التصعيد

ترجع أسباب التصعيد بين السلطة والمعارضة إلى قيام سلفاكير بإعداد نائبه الثاني "بول ميل" ليكون خليفته بدون انتخابات، وإبعاد "رياك مشار".

وذلك لأسباب تتعلق بصفقات فساد مشتركة بين سلفاكير وبول، وفق المعارضة، وأخرى تتعلق بالانتماء القبلي؛ إذ إن "بول" من قبيلة الدينكا الحاكمة مثل سلفاكير، و"مشار" من "الشُلك" وبينهما حروب قبلية مستمرة.

وقد عدّت المعارضة هذه الخطوة تجاوزا لالتزامات اتفاق السلام بإجراء انتخابات رئاسية، قد تصب في صالح "مشار" بسبب شعبيته، وأعلنت التعبئة العامة بين صفوفها عقب اعتقال زعيمها مشار.

وكان قد تم تأجيل الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في ديسمبر/كانون الأول 2024 إلى عام 2026، كما فشلت حتى الآن عملية دمج قوات الجانبين المسلحة في جيش واحد وظلا يتقاتلان.

وقد وجهت حكومة الرئيس سلفاكير ميارديت إلى مشار تهم القتل والخيانة وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وأقالته من منصب النائب الأول للرئيس في حكومة الوحدة.

وكان هذا المنصب جزءا من اتفاق عام 2018 بين الرجلين، وأنهى حربا أهلية استمرت 5 سنوات وأودت بحياة نحو 400 ألف شخص، لكن هذا الاتفاق يتداعى منذ أشهر.

وقد نفى مشار هذه الاتهامات التي تشمل أيضا اتهاما بإصدار أوامر لمليشيا عرقية بمهاجمة قاعدة عسكرية هذا العام، وقال: إنها جزء من جهود سلفاكير لتهميش المعارضة وترسيخ سلطته.

وبدأت الأزمة في 11 سبتمبر 2025، حين أعلنت هيئة الإذاعة والتلفزيون في جنوب السودان (SSBC) التي تديرها الدولة، أن النائب الأول لرئيس جنوب السودان رياك مشار وثمانية أعضاء بارزين آخرين في الحركة الشعبية لتحرير السودان (SPLM/A-IO) قد اتُهموا بالقتل والخيانة والإرهاب وتمويل الأعمال الإرهابية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ثم تم تعليق عمل مشار كنائب للرئيس في انتظار محاكمته. 

ومن بين الأفراد الثمانية الجنرال غابرييل دووب لام، نائب رئيس أركان قوات دفاع شعب جنوب السودان (SSPDF) السابق. 

وقد بدأت يوم 22 سبتمبر 2025 محاكمة زعيم المعارضة في جنوب السودان ونائب الرئيس السابق رياك مشار، بتهم الخيانة وجرائم ضد الإنسانية أمام محكمة، وندد محاميه بعدم قانونية الإجراءات.

وقالت القناة العامة في جنوب السودان وهي تبث محاكمة مشار وأعضاء حزبه إنهم يواجهون اتهامات بـ"القتل" و"الإرهاب" و"التآمر"، عبر المشاركة في هجوم مشترك على قاعدة عسكرية شنته مجموعة تعرف باسم "الجيش الأبيض"، تابعة لقبيلة النوير.

ووفق وزارة العدل في جنوب السودان، فقد أدى هجوم نفذه "الجيش الأبيض" إلى مقتل "أكثر من 250 جنديا"، فضلا عن لواء وطيار من الأمم المتحدة في الثالث من مارس/آذار 2025 في مدينة الناصر (شمال شرق). 

ويرى مؤيدو مشار الذي قبض عليه في مارس، ووُضع قيد الإقامة الجبرية منذ ذلك الحين، أن الاتهامات "ملفقة" وهدفها إقصاء المنافس الأول للرئيس مشار وقبيلته "الشُلك".

الدعوة لتغيير النظام

لأن النية مبيتة على سجن زعيم المعارضة، فقد دعت المعارضة في جنوب السودان يوم 16 سبتمبر/أيلول 2025 إلى حشد أنصارها لتغيير النظام، ردا على خطط لمحاكمة زعيمها رياك مشار بتهمة الخيانة وارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

وقالت الحركة الشعبية لتحرير السودان/الجيش الشعبي لتحرير السودان في بيان على منصة إكس: "إن النظام الحالي.. ديكتاتوري وفاسد".

واتهمته "بإفشال جهود السلام والاستيلاء على مؤسسات الدولة بطرق غير شرعية"، مؤكدة أنها "ستسعى إلى تغيير النظام".

ودعا البيان "جميع أنصار الحركة، وأعضاء الجناحين السياسي والعسكري، ومواطني جمهورية جنوب السودان إلى تلبية نداء الواجب دفاعا عن المواطنين والوطن، واستخدام جميع الوسائل المتاحة لاستعادة الوطن وسيادته".

وكان كير ومشار عضوين في حكومة وحدة وطنية ضمن اتفاق السلام، لكن شراكتهما ظلت هشة ودارت أعمال عنف من حين لآخر بين الجانبين.

ويثير البيان الذي نشره "بيوك بوث بالوانغ" المتحدث باسم مشار على "إكس"، مخاوف من اندلاع نزاع جديد في جنوب السودان، أحد أفقر دول العالم، أو معارك مسلحة وربما محاولة انقلاب ضد سلفاكير بالتعاون مع فصائل معارضة أخرى.

وسبق أن تحدثت وسائل إعلان سودانية عن وقوع انقلاب عسكري في جمهورية جنوب السودان يوم 11 مارس/آذار 2025، وتدخل الجيش الأوغندي لحماية الرئيس سيلفاكير، وهو الانقلاب العاشر في دولة الجنوب منذ استقلالها. بحسب تقرير سابق لـ "الاستقلال".

الدولة مختطفة!

يعد بول ميل، نائب سلفاكير، أحد أكثر المسئولين فسادا في البلاد، واتهمه محققو الأمم المتحدة في تقرير نشر 16 سبتمبر/أيلول 2025 بنهب ثروات البلاد، مؤكدين دفع 1.7 مليار دولار لشركات مرتبطة به مقابل أعمال بناء طرق لم تُنفذ.

وسلط التقرير المكون من 101 صفحة الضوء على الشركات المرتبطة ببول ميل، الذي رقاه الرئيس سلفا كير إلى أحد مناصب نوابه الخمسة في فبراير 2025.

وفي التقرير الذي أعده محققو الأمم المتحدة، ونشرته وكالة "رويترز"، 16 سبتمبر/أيلول 2025، اتهموا السلطات في جنوب السودان بنهب ثروات البلاد، وحددوا نائب الرئيس بنيامين بول ميل بالاسم.

وقالت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنوب السودان، في تقريرها: إن 1.7 مليار دولار تم دفعها كرِشا لشركات "بول" بين عامي 2021 و2024، وأنها ليست سوى مثال واحد على الفساد الكبير في الدولة الفقيرة.

ووفقا لتقرير الأمم المتحدة، صرفت حكومة جنوب السودان نحو 2.2 مليار دولار بين عامي 2021 و2024 لشركات مرتبطة ببول ميل عبر برنامج "النفط مقابل الطرق" خارج الميزانية.

وفي بعض السنوات، استحوذ هذا البرنامج على نحو 60% من جميع النفقات الحكومية. بحسب التقرير.

ورغم هذه المصروفات، لم تُكمل الشركات المرتبطة ببول ميل سوى طرق قابلة للقيادة بقيمة تقل عن 500 مليون دولار.

حيث تم تضخيم قيمة العقود من خلال المبالغة في طول الطرق، وفرض أسعار أعلى من معايير السوق، وبناء عدد أقل من المسارات المتفق عليها، حسب التقرير.

ولم يوضح التقرير كيف ترتبط الشركات ببول ميل، لكن اثنتين من الشركات الثلاث التي وردت أسماؤها كانت من بين الشركات التي فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات في 2021.

وقال التقرير: إن القليل من أكثر من 23 مليار دولار تم جمعها من صادرات النفط منذ الاستقلال تم توجيهه لمعالجة الاحتياجات العاجلة مثل التعليم والرعاية الصحية والأمن الغذائي.

فعلى سبيل المثال، في ميزانية الدولة لعام 2022-2023، تم تخصيص أموال لوحدة الرئيس الطبية أكثر مما خُصص لأنظمة الرعاية الصحية المجتمعية والعامة والثانوية والجامعية في البلاد بأكملها.

وقالت لجنة الأمم المتحدة في تقريرها: إن "دولة جنوب السودان مختطفة من قِبل نخبة جشعة قامت بإضفاء الطابع المؤسسي على النهب المنهجي لثروات الأمة لتحقيق مكاسب خاصة".

أضاف أن ما يجرى هو "صراع صفري على السلطة والسيطرة على الموارد والأراضي، والنخب في جنوب السودان تواصل السعي لتحقيق أهداف سياسية فئوية، مستغلة الفروقات والتوترات العرقية".

وأشار التقرير إلى أحد أوجه الفساد وهو تخصيص ميزانية سنوية ضخمة لوحدة الرئيس الطبية، تفوق الإنفاق الصحي في جميع أنحاء البلاد، التي تعاني من انخفاض متوسط الناتج المحلي الإجمالي للفرد إلى ربع ما كان عليه عند الانفصال عن السودان عام 2011.

وأشار التقرير إلى أن الفساد هو التفسير الأوضح لأزماته الاقتصادية والإنسانية المستمرة؛ حيث يواجه ما يقرب من ثلثي سكانه البالغ عددهم 12 مليون نسمة مستويات حرجة من الجوع أو أسوأ من ذلك.

وقالت اللجنة: إن التقرير استند إلى 173 اجتماعا ومقابلة مستهدفة جرت بين أواخر عام 2022 وأواخر عام 2024، إضافة إلى وثائق حكومية وبيانات مالية.

وذكرت أن تركيزها على الفساد مبرر؛ لأنه قوض قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان وأسهم مباشرةً في تأجيج العنف المسلح.

ويقول محللون سياسيون: إن سلفاكير يسعى منذ فترة طويلة للتخلص من مشار ليحل محله النائب الثاني للرئيس وحليفه المقرب بنيامين بول ميل الذي تفرض عليه الولايات المتحدة عقوبات للاشتباه في حصوله على معاملة تفضيلية تتعلق بعقود حكومية.

وكانت الحكومة الأميركية فرضت عقوبات على بول ميل وشركتين تابعتين له في عام 2017، قائلة: إن إحدى الشركات حصلت على معاملة تفضيلية من مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى لتنفيذ أعمال طرق في البلاد.

وفي عام 2021، فُرضت عقوبات على شركتين إضافيتين تابعتين له.

تداعيات مستقبلية

في 21 ديسمبر 2013، وصفت مجلة إيكونوميست الخلاف بين الرئيس سلفاكير ونائبه رياك مشار بعبارة "فيلان يطآن بأقدامهما العشب"، في إشارة إلى كيف أدى الصراع على السلطة بين هذين الزعيمين إلى سحق المدنيين ومستقبل السلام في جنوب السودان.

لذا جاء انهيار الحكومة الانتقالية بينهما في جنوب السودان ليكشف الفراغ السياسي الذي يعبر عن تحولات خطيرة؛ إذ إن صعود بول ميل على حساب رياك مشار يمهد لتغيير جذري في السلطة وإعادة ترتيب القوى والسيطرة على منابع النفط.

وتتوقع تقارير سودانية أن يعود الصدام العسكري مجددا بين قوات الحكومة وقوات المعارضة بعدما فشل اتفاق السلام خاصة لو تمت إدانة مشار وسجنه.

وكان منصب مشار كنائب للرئيس جزءا من اتفاق تم توقيعه عام 2018 بينه وبين سلفاكير، أنهى حربا أهلية استمرت خمس سنوات، وأودت بحياة حوالي 400 ألف شخص.

لكن هذا الاتفاق يتداعى منذ أشهر، ما يؤجج المخاوف من اندلاع نزاع جديد، فقد دعا مناصرو مشار إلى تعبئة عسكرية بهدف "تغيير النظام" في جنوب السودان.

وهو ما يعني استمرار الأزمة التي يعاني منها النظام منذ استقلال الجنوب وانفصاله عن السودان الأم، واستمرار معاناة الشعب من الفقر وانعدام الأمن مع فشل المحاولات الدولية المتكررة لضمان انتقال ديمقراطي وتصاعد الحروب القبلية.

وتقول الباحثة في الشأن الإفريقي الدكتورة "أمينة العريمي"، ما ينذر بتضاعف حالة الاحتقان السياسي في جنوب السودان وينذر بما هو كارثي، هو أن المعارضة بقيادة "رياك مشار" تحالفت مع قوتين أخريين هما "جبهة الإنقاذ الوطني" بقيادة "توماس سيريلو" (النائب السابق لرئيس الجيش الوطني في جنوب السودان).

كما نجح "رياك مشار" في التقارب مع "تحالف الشعب المتحد" بقيادة "باقان أموم" ونجحا في استقطاب دعم فصيل من قبيلة الدينكا التي ينتمي إليها الرئيس نفسه وهذه تعد ضربة في مقتل للجيش الوطني بقيادة الرئيس سلفاكير ميارديت.

وتؤكد، عبر تحليل نشرته على "أكس" أن هذا التحالف بين هؤلاء الثلاثة ورغم أنه "مؤقت اقتضته الضرورة الإستراتيجية"، إلا أن هدفهم يظل "إزاحة سلفاكير من السلطة".

ويؤكد الدكتور حمدي عبد الرحمن حسن أستاذ الدراسات الإفريقية في جامعة القاهرة أن أخطر عوامل الصراع في جنوب السودان، يكمن في تآكل المؤسسات الرسمية الفاعلة وانغماسها في الفساد وضعف الأداء. 

أوضح في دراسة نشرها بموقع "قراءات إفريقية" في 16 سبتمبر 2025، أنه بعد عقود من الدعم الدولي لإقامة أجهزة دولة بيروقراطية، ظلت المؤسسات هناك على الورق فقط، فيما يملأ فراغ السلطة فاعلون غير رسميين وجماعات مسلحة.

وتوقع الدكتور عبد الرحمن استمرار الصراع لاستمرار الجذور الهيكلية للصراع، وتحول الاتفاقيات التي وُقعت لتحقيق السلام إلى أدوات بقاء للنظام الحاكم. 

لذا يرجح موقع " janes" للمعلومات الاستخبارية والحربية، 19 سبتمبر/أيلول 2025، أن يؤدي تعليق عمل نائب رئيس جنوب السودان إلى تجدد الاشتباكات بين القوات المسلحة غير الحكومية وقوات الجيش الجنوب سودانية.

ويقدر "جينز" أنه في المدى القريب (من أسبوع إلى أربعة أسابيع) إلى المدى القصير (من أربعة أسابيع إلى ستة أشهر)، من المرجح جدًا أن يؤدي تحالف الحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة وجبهة الإنقاذ الوطني، وكذا التهديدات المتجددة من الجيش الأبيض وقبليته النوير (المعادية للدينكا)، إلى زيادة وتيرة وكثافة الاشتباكات بين الجماعات المسلحة غير الحكومية وقوات جيش جنوب السودان في عدة أجزاء من البلاد ما يزيد حالة الفوضى والضبابية.