سباق على رئاسة الحكومة في العراق.. هل ينجو السوداني من "محاصرة الإطار"؟

يوسف العلي | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

مع إسدال الستار على الانتخابات البرلمانية العراقية، بدأت التحالفات والأحزاب الفائزة، لا سيما الكتل الشيعية، جولة مشاورات أولية تهدف إلى الشروع في تشكيل الكتلة الأكبر التي سيتمخض عنها تكليف شخصية بتأليف الحكومة الجديدة، وذلك وسط حالة من الانقسام الحاد داخل الإطار التنسيقي الشيعي.

وعلى الرغم من أن ائتلاف "الإعمار والتنمية" بزعامة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تمكن من تحقيق المرتبة الأولى بنحو 46 مقعداً، فإن قوى الإطار التي خاضت الانتخابات عبر ثماني قوائم منفصلة، نجحت عقب إعلان النتائج الأولية في إعادة تجميع صفوفها وتكوين كتلة برلمانية يتجاوز عدد مقاعدها 140 مقعداً، وفق البيانات الرسمية المعلنة.

وأفرزت انتخابات 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 مشهداً سياسياً معقداً أثار تساؤلات واسعة في الأوساط العراقية حول مستقبل تشكيل الحكومة، ومدى قدرة الإطار التنسيقي على إقصاء السوداني رغم تصدره النتائج، أم أن البلاد تتجه نحو انسداد سياسي جديد يفتح الباب أمام خيار مرشح تسوية، لا سيما مع تداول الأوساط الإعلامية والسياسية أسماء شخصيات محتملة لقيادة المرحلة المقبلة.

تسابق شيعي

في سياق السعي للإسراع في تشكيل التحالفات التي ستقود إلى تسمية رئيس الحكومة المقبلة، أفادت وسائل إعلام عراقية بأن قوى "الإطار التنسيقي" اتفقت على اختيار ممثل عنها للقاء زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وإطلاعه على تطورات مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة.

وكان الصدر قد أعلن في نهاية أغسطس/آب 2022 اعتزاله العمل السياسي "نهائيًا"، ووجّه أنصاره إلى مقاطعة الانتخابات المحلية في 10 أكتوبر/تشرين الثاني 2024، وكذلك الانتخابات البرلمانية في 11 نوفمبر 2025، رغم مساعي قوى وشخصيات سياسية عدة لإثنائه عن قراره.

وبحسب تقرير نشرته وكالة شفق نيوز العراقية في 16 نوفمبر، فإن اجتماعات الإطار التنسيقي ما تزال متواصلة، وتناقش شكل الحكومة المقبلة ومضمونها، إضافة إلى معالجة أي عقبات قد تعترض تشكيلها.

وأوضحت الوكالة أن التواصل مع الصدر يُعد جزءًا من هذه التحركات، حيث جرى الاتفاق على اختيار شخصية تمثل الإطار وتتمتع بثقة أطرافه كافة، وتحظى في الوقت نفسه بقبول لدى زعيم التيار الصدري، على أن تتوجه إلى الحنانة في النجف—مقر إقامة الصدر—فور إعلان النتائج النهائية والمصادقة عليها.

ويسعى الإطار إلى حسم ملف تشكيل الحكومة سريعًا وقبل انتهاء المدد الدستورية، لكن هذه المساعي تواجه عقبات قد تؤخرها، أبرزها مسألة تسمية رئيس الوزراء الجديد، أو المضي في تجديد ولاية رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني الذي تصدرت قائمته نتائج الانتخابات.

وبموجب الدستور العراقي، يدعو رئيس الجمهورية البرلمان للانعقاد خلال 15 يومًا عقب المصادقة على النتائج، وذلك لانتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه في الجلسة الأولى، ثم انتخاب رئيس للجمهورية، الذي يتولى بدوره تكليف مرشح الكتلة البرلمانية الأكبر بتشكيل الحكومة خلال 30 يومًا.

من جهته، أكد السوداني خلال لقائه بنواب ائتلافه الجدد أن “الانتخابات الأخيرة شهدت عودة واضحة للثقة بين الشعب والعملية السياسية”. مشيرًا إلى أن نسبة المشاركة التي تجاوزت 56 بالمئة "فاقت التوقعات"، وتمثل مؤشرًا مهمًا لدى المؤسسات الدولية والإقليمية في تقييم مستوى الثقة الشعبية بالمسار الديمقراطي.

وأضاف السوداني، وفق بيان صدر عن مكتبه في 15 نوفمبر، أن “استعادة ثقة المواطنين كانت ضرورة، بعدما شكّل تراجعها في السنوات الماضية خسارة كبيرة للعملية السياسية”، مشددًا على أن ائتلافه “سيواصل النهج الإصلاحي وتصحيح المسارات بما يلبي تطلعات العراقيين”.

وتابع قائلاً: “لقد تعرضت الحكومة ومشروع الائتلاف قبل الانتخابات لحملة تضليل وتزييف”، متوقعًا استمرار التشكيك رغم النتائج التي حققتها قائمته والتي بلغت نحو 1.4 مليون صوت، وهو رقم قال إنه غير مسبوق في الدورات الانتخابية السابقة.

وأشار السوداني إلى أن “قادة الائتلاف سيعملون على مضاعفة الجهود في المرحلة المقبلة”، مؤكدًا أن مشاريع الإعمار في البلاد “ستستمر لسنوات تمتد لأكثر من عقدين”، مع التركيز على تعزيز التنمية في مختلف القطاعات، وخوض مفاوضات لتشكيل "مشروع برلماني–حكومي" قادر على تلبية تطلعات العراقيين ومواجهة التحديات الراهنة.

ثلاثة محددات

وفي سياق التسابق السياسي ومدى قدرة الإطار التنسيقي على إقصاء السوداني، يقول الباحث في الشأن العراقي إياد ثابت: إن التحركات التي تبعت إعلان النتائج تظهر بوضوح أن الإطار يميل إلى تمتين اصطفافاته الداخلية، إذ تتواصل اجتماعات قياداته بمعزل عن السوداني، الذي اكتفى حتى الآن بلقاء الفائزين من ائتلافه فقط.

وأضاف ثابت في حديثه لـ"الاستقلال" أن اللافت هو اللقاءات التي أجراها الإطار وشملت فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي وأحد أبرز حلفاء السوداني في الائتلاف، ما يشير إلى اعتماد سياسة "المحاصرة" للضغط على السوداني وإجباره على العودة إلى "بيت الطاعة"، على حد تعبيره، وهو ما لا يبدو أن الأخير مستعد للقبول به حتى الآن.

ويرى الباحث أن السوداني قد يسعى إلى إحياء تحالف خاص يشبه تجربة التحالف الثلاثي عام 2021، أو أن يختار القبول بتقليص دوره السياسي والاكتفاء بالمشاركة في الحكومة بأوزان أقل أو التحول إلى كتلة معارضة داخل البرلمان، وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً من وجهة نظره.

ويشير ثابت إلى أن انتقال ائتلاف السوداني إلى المعارضة قد يؤدي إلى تفككه، لأن معظم القوى التي انضوت تحت لوائه قبل الانتخابات كانت ترى في تجديد ولايته الثانية فرصة للحصول على مكاسب حكومية.

وبشأن الأسماء المطروحة إعلامياً لرئاسة الحكومة المقبلة، يذكر ثابت عدداً من الأسماء المتداولة داخل الأوساط السياسية، من بينها: نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، النائب السابق رائد المالكي، وزير الرياضة الأسبق عبدالحسين عبطان، رئيس جهاز المخابرات الحالي حميد الشطري.

كما يضيف أن هناك فرصة مطروحة أيضاً أمام كل من النائب السابق عدنان الزرفي، ورئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، مشيراً إلى أن تداول الأسماء في هذا التوقيت قد يكون محاولة لـ"حرقها" قبل الوصول إلى مرشح تسوية يضمن توافقاً أكبر، وهو ما يسعى إليه الإطار التنسيقي لإضعاف حظوظ السوداني.

من جانبه، رأى المحلل السياسي العراقي مجاشع التميمي في تصريح لصحيفة "العالم الجديد" بتاريخ 15 نوفمبر أن الحديث عن إمكانية تشكيل الإطار التنسيقي للكتلة الأكبر دون مشاركة ائتلاف "الإعمار والتنمية" يمثل في هذه المرحلة ورقة ضغط تفاوضية أكثر من كونه توجهاً نهائياً، لكنه يعكس في الوقت ذاته بداية تنافس داخلي مكتوم داخل البيت الشيعي، لا سيما بعد أن منحت النتائج بعض قوى الإطار فائضاً في المقاعد يزيد من قدرتها على المناورة.

ويرى التميمي أن تسمية المرشح لرئاسة الوزراء تخضع لثلاثة محددات أساسية: توازنات البيت السياسي الشيعي، موقف القوى السنية والكردية، القبول الإقليمي والدولي، خصوصاً من الولايات المتحدة وإيران وتركيا ودول الخليج التي تسعى إلى حكومة مستقرة وغير صدامية في بغداد.

وحول حسم التنافس على قيادة الكتلة الأكبر بين الإطار والسوداني، يرجّح التميمي أن يتم التوصل إلى تسوية داخلية تمنع انقسام البيت الشيعي. ويرى أن السيناريو الأقرب يتمثل في تفاهم توافقي يُبقي السوداني مرشحاً أول لتولي رئاسة الوزراء، مقابل إعادة توزيع داخلية للأدوار ومراكز النفوذ بما يحقق توازناً بين أطراف الإطار وحلفائه.

مؤثرات خارجية

ورغم الزخم الداخلي في تحركات الإطار التنسيقي وائتلاف السوداني، تبقى العملية السياسية في العراق، منذ الغزو الأميركي عام 2003، خاضعة بدرجات متفاوتة لتأثيرات خارجية، لا سيما عند اختيار الرئاسات الثلاث: البرلمان والجمهورية والحكومة.

وفي هذا السياق، سلّط مركز المجلس الأطلسي للدراسات في واشنطن الضوء على نتائج انتخابات 2025، وما رافقها من تحوّلات لافتة في المشهد السياسي العراقي؛ أبرزها تراجع دور التيار الصدري الذي اختار مقاطعة العملية السياسية، مقابل تعزيز مواقع الأحزاب التقليدية التي حافظت على ثقلها داخل البرلمان.

وأشار المركز في تقرير نشره في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 إلى أن الدور الأميركي المباشر في تشكيل الحكومة المقبلة تراجع على نحو ملحوظ مقارنة بالدورات السابقة، في ظل تغيّر أولويات واشنطن وتركيزها على دعم الاستقرار بعيداً عن التدخل الحاسم في هندسة التحالفات السياسية، الأمر الذي يتيح لقوى الداخل هامشاً أوسع لإعادة رسم توازنات السلطة.

وبيّن التقرير أن الانتخابات جرت في ظل ضغوط من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للحد من نفوذ الفصائل المسلحة المدعومة من إيران في العراق، فيما حاول رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تعزيز موقعه دولياً عبر حملة اتصالات وظهور إعلامي في الصحافة الغربية، شملت مقالاً في صحيفة نيويورك بوست ومقابلات مع بلومبيرغ ونيوزويك، في إطار جهود تسويق رؤيته السياسية القائمة على شعار "العراق أولاً" وحشد دعم خارجي لولاية ثانية.

إلا أنّ المركز يرى أن عهد التدخل الأميركي الحاسم في اختيار رئيس الوزراء قد ولّى، وبالتالي إن أراد السوداني ضمان ولاية جديدة، فعليه العودة إلى الآليات التقليدية القائمة على تفاهمات ائتلافية داخل البيت الشيعي، مع الإقرار بعدم امتلاكه تحالفات جاهزة مع الكتل الشيعية الرئيسية الأخرى.

وأوضح التقرير أن أكبر كتلتين شيعيتين بعد السوداني هما: ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، كتلة الصادقون التابعة لعصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، المصنّف على قوائم العقوبات الأميركية، وهاتان القوتان، وفق التقرير، تعارضان منح السوداني ولاية ثانية.

ورجّح "المجلس الأطلسي" أن يكون النفوذ الإيراني، إلى جانب النفوذ الأميركي، عاملاً مؤثراً في عملية ترشيح رئيس الوزراء، كما كان الحال في دورات سياسية سابقة شهدت تفاهمات غير معلنة بين واشنطن وطهران، غير أن توتر العلاقة بينهما في عهد الرئيس ترامب قد يجعل التوصل إلى اتفاق من هذا النوع أكثر صعوبة، ما يشي بإمكان إطالة مسار تشكيل الحكومة الجديدة.

وقد هنّأ مارك سافايا، مبعوث ترامب الخاص للعراق، الشعب العراقي بإتمام الانتخابات في بيان صدر في 13 نوفمبر/تشرين الثاني، عادا إياها "خطوة أساسية لتعزيز الديمقراطية والاستقرار" في البلاد، مؤكداً التزام الولايات المتحدة بدعم سيادة العراق، وتقليص التدخلات الخارجية ونفوذ الجماعات المسلحة، والعمل مع الحكومة المقبلة لتعميق الشراكة الاستراتيجية في مجالات الأمن والطاقة والتنمية، بما يسهم في بناء مستقبل أكثر ازدهاراً للعراقيين.

وعلى صعيد طهران، رأى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن تنظيم الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة في أجواء هادئة يعدّ إنجازًا مهمًا يسهم في تعزيز مكانة العراق ويعكس قدرة شعبه على إدارة الاستحقاقات الوطنية بصورة مستقرة.

وأعرب بزشكيان، خلال اتصال هاتفي أجراه في 14 نوفمبر/تشرين الثاني مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، عن أمله في أن تشهد المرحلة المقبلة توسّعًا أكبر في مسارات التعاون الثنائي بين طهران وبغداد، بما يجعل العلاقات بين الشعبين والدولتين أكثر عمقًا وترابطًا في مختلف المجالات.

وجاءت تصريحات الرئيس الإيراني، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية "إرنا"، في إطار تأكيد طهران على دعمها المسار الديمقراطي في العراق، والتطلع إلى تطوير الشراكات السياسية والاقتصادية والأمنية بين البلدين خلال الفترة المقبلة.