لأول مرة.. لماذا يجتمع مسؤول ألماني مع سفير أفغانستان في قطر؟

الخطوة الألمانية تأتي في سياق تحركات دبلوماسية أوروبية مشابهة
في ظل تعقيدات المشهد السياسي في أفغانستان، بدأت ملامح تحول دبلوماسي خجول تظهر بين حركة طالبان ودول غربية كبرى، وعلى رأسها ألمانيا.
وكشفت وسائل إعلام أفغانية رسمية عن تطور لافت في العلاقات الدبلوماسية بين الحكومة الألمانية الجديدة وحركة طالبان التي تتولى السلطة في أفغانستان منذ أغسطس/آب 2021، عندما طردت القوات الأجنبية من البلاد وبعد فرار مسؤولي حكومة الرئيس السابق أشرف غني إلى الخارج.
وأُعلن للمرة الأولى أواخر مايو/أيار 2025 عن لقاء جمع بين سفير طالبان في قطر سهيل شاهين والمبعوث الألماني الخاص لأفغانستان، رولف ديتر راينهارد، ناقش خلاله الجانبان "قضايا سياسية مهمة"، بحسب صحيفة "تاز" الألمانية.
وأوضحت وكالة الأنباء الرسمية الأفغانية "بختَر" أن الحوار بين الجانبين تناول ملفات تتعلق بالمساعدات الإنسانية، وتقديم الخدمات القنصلية للأفغان المقيمين في ألمانيا، إلى جانب بحث سبل "توسيع العلاقات الثنائية".
كما أكد الجانبان على "أهمية بناء أساس من الثقة بين أفغانستان وألمانيا لتعزيز التعاون المشترك". ووصفت الوكالة هذا اللقاء بأنه "خطوة حاسمة نحو استعادة العلاقات الدبلوماسية". من جانبه، أكد شاهين عبر منصات التواصل الاجتماعي انعقاد اللقاء.

تحركات دبلوماسية
وبالرغم مما سبق، أفادت صحيفة تاز بأن وزارة الخارجية الألمانية أوضحت لها أنه "لا توجد خطط من جانب الحكومة لإقامة اتصالات مع طالبان على المستوى السياسي"، مؤكدة في الوقت ذاته وجود تواصل "على المستوى الفني".
ولاحظت الصحيفة أن هذه الخطوة الألمانية "تأتي في سياق تحركات دبلوماسية مشابهة من قبل دول غربية أخرى، إذ عقدت فرنسا وإسبانيا لقاءات مماثلة مع ممثلي طالبان".
وتابعت: "ففي مايو 2025، نُشرت صور في الدوحة تظهر المبعوث الفرنسي مبتسما وهو يتلقى هدية تقليدية من شاهين".
وأردفت: "وفي اليوم التالي للقاء المسؤول الألماني اجتمع شاهين مع السفير الإسباني لأفغانستان لمناقشة قضايا قنصلية أيضا".
وفي تطور لافت آخر، ذكرت الصحيفة أن "سويسرا افتتحت، في نهاية مارس/ آذار 2025، مكتبا إنسانيا لها في العاصمة الأفغانية كابول، في إشارة إلى تزايد الانخراط الدولي في الشأن الأفغاني، ولو من بوابة المساعدات الإنسانية".
وأضافت: "كما أُعلن في 30 مايو 2025 عن رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين باكستان وطالبان إلى مستوى السفراء، فيما كانت روسيا قد شطبت الحركة من قائمتها للمنظمات الإرهابية".
واستطردت الصحيفة: "أما الولايات المتحدة، فقد أشار وزير خارجيتها ماركو روبيو إلى أن واشنطن تراجع حاليا الوضع القانوني لطالبان ضمن قوائمها".

اتصالات فنية
وأوضحت أنه "رغم عدم اعتراف ألمانيا رسميا بنظام طالبان بسبب سياسات الحركة المعادية لحقوق الإنسان، خصوصا تجاه النساء؛ فقد قررت الحكومة أن تواصل ما تصفه بـ "الاتصالات الفنية دون المستوى السياسي" مع الحركة.
وفي هذا الإطار، عقد الدبلوماسي الألماني رولف ديتر راينهارد -المكلف بملف أفغانستان- لقاءات مع مسؤولين من طالبان، كان آخرها في العاصمة القطرية الدوحة، حيث يقيم هناك بسبب إغلاق السفارة الألمانية في كابول".
وأردفت الصحيفة: "يزور راينهارد الأراضي الأفغانية من حين إلى آخر لمتابعة مشاريع إنسانية تمولها برلين، كما حدث في سبتمبر/ أيلول 2024".
وأشارت إلى أن "الحكومة الألمانية لم تعلن حينها ما إذا كان التقى مسؤولين من طالبان أم لا، لكن يشار إلى أن اللقاء الأخير مع سهيل شاهين ليس الأول من نوعه".
وترى الصحيفة أن هذا اللقاء الأخير "يأتي هذا في سياق أوسع قد يرتبط بنية الحكومة الألمانية الجديدة -المشكلة من تحالف حزبي الاتحاد المسيحي الديمقراطي (CDU/CSU) والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD)- استئناف عمليات الترحيل إلى أفغانستان".
إذ ينص الاتفاق الحكومي على "البدء بترحيل مرتكبي الجرائم والأشخاص الخطرين إلى أفغانستان وسوريا، وقد يُتبع ذلك بترحيل طالبي اللجوء المرفوضين الذين رفضوا المغادرة طوعا".

علاقات مباشرة
ولتنفيذ عمليات الترحيل بانتظام، لفتت الصحيفة إلى أن "الحكومة الألمانية تحتاج إلى علاقات مباشرة مع السلطات الأفغانية، حتى ولو كان ذلك دون اعتراف رسمي كامل".
وأضافت: "تشمل المهام القنصلية في هذا السياق، تأكيد هوية المرحلين وإصدار وثائق سفر بديلة لهم".
وأفادت الصحيفة بأن "الحكومة الألمانية أجرت، في صيف 2024، رحلة ترحيل واحدة نقلت 28 أفغانيا إلى كابول، وتمت بوساطة قطرية".
واستطردت: "بعدها، عرضت طالبان التعاون مع برلين بشرط إجراء محادثات مباشرة، وهو ما أيده سياسيون ألمان، من بينهم المستشار الحالي فريدريش ميرتس".
وذكرت الصحيفة أن القنصلية العامة الأفغانية في ميونيخ "تعد إحدى قنوات الاتصال غير المباشرة بين برلين وطالبان".
فعندما أعلنت طالبان في يوليو/ تموز 2024 أنها لن تعترف بعد الآن بالوثائق الصادرة عن بعثات أفغانية يشرف عليها دبلوماسيون عيّنتهم الحكومة السابقة، استثنت قنصليات ميونيخ ومدريد من القرار، لأنها -بحسب الحركة- تلتزم بتعليمات كابول.
وفي المقابل، قبلت الحكومة الألمانية قرار طالبان بعزل السفير الأفغاني السابق في برلين.
ويُنظر إلى إعلان طالبان العلني عن لقائها الأخير مع راينهارد كمحاولة للضغط على الجانب الألماني لإحراز تقدم نحو تطبيع العلاقات، وتحويل الاتصالات الفنية إلى علاقات رسمية، وفق الصحيفة.
وتعتقد أن "هذه الخطوات تثير قلق قطاعات واسعة من الجالية الأفغانية في ألمانيا، حيث يخشون أن تؤدي تلك الاتصالات إلى إضفاء شرعية تدريجية على نظام طالبان، على حساب حقوق الإنسان والحريات العامة"، وفق قولها.