سياسي سوداني: الإمارات تريد سرقة ثرواتنا وتشاد مدينة لنا بالاعتذار (خاص)

عمرو حبيب | منذ ٢٠ ساعة

12

طباعة

مشاركة

قال محمد الواثق أبوزيد، أمين العلاقات الخارجية بحركة المستقبل للإصلاح والتنمية بالسودان: إن الإمارات سعت إلى تأجيج الحرب في السودان بين القوات المسلحة ومليشيا "الدعم السريع" من أجل السيطرة على ثروات البلاد.

وأضاف أبو زيد في حوار مع “الاستقلال” أن الإمارات لم تكتفِ بذلك بل أثرت في دول الجوار من حول السودان لينعكس ذلك على المشهد السياسي الداخلي في السودان.

وعن سير المعارك بعد تطهير العاصمة الخرطوم من "الدعم السريع" قال أبوزيد: إن المعارك  الآن تتجه نحو كردفان وما حوله من بلدات. مؤكدا أن الدعم السريع تفقد الأماكن التي كانت تظن أن بها حواضن شعبية أو قبلية لها بسبب انكشاف جرائمها ضد المدنيين.

وعرج السياسي السوداني أيضا على موقف تشاد في مساندتها للدعم السريع وما يجب عليها أن تفعله الآن من خطوات جادة لإصلاح هذا الخطأ "الجسيم". 

كما فند أبو زيد موقف كل دولة من دول الجوار مما وقع في السودان من انشقاق من قبل الدعم السريع وكيف أن الموقف كان مُربكا للعديد من الجهات على المستوى الدبلوماسي. 

واستعرض الحوار مع أبوزيد توقعاته للمشهد السياسي السوداني ما بعد الحرب والتحديات التي تواجه رئيس الوزراء الجديد الدكتور كامل إدريس. 

وأبو زيد (46 عامًا) سياسي سوداني مَعْنِيّ بالتجديد في الفكر الإسلامي وصاحب رؤية منفتحة على أهمية التخصص والتكنوقراط في إدارة السودان، حاصل على بكالوريوس العلوم السياسية وماجيستير العلاقات الدولية، ومهتم بقضايا النظم وبنية المؤسسات.

وحركة المستقبل للإصلاح والتنمية بالسودان هي حزب سياسي وطني يهدف لإحداث إصلاح شامل في الحياة السياسية السودانية.

المشهد العسكري

  • الجيش السوداني أعلن تطهير العاصمة الخرطوم من أي انتشار للدعم السريع.. كيف ترون واقع المشهد العسكري في السودان الآن؟

هناك تحولات كبيرة في الواقع العسكري، المدن والأقاليم الموجودة فيها قوات الدعم السريع هي بالأصل لم تتم السيطرة عليها من مليشيا الدعم السريع بجهد عسكري، هم أصلا كانوا جزءا من الجيش السوداني وكانوا يدعمون القوات المسلحة وانشقوا عنها وتمردوا في أثناء وجودهم في هذه المناطق.

بالتالي أصبحوا مسيطرين عليها بشكل تلقائي، على حوالي 18 موقعا عسكريا في ولاية الخرطوم فقط، وتمدد مع بداية الحرب إلى ولايات كبيرة مثل الجزيرة وسنار.

فالحرب بدأت وقوات الدعم السريع لديها أسلحة متنوعة ولها قدرات نوعية وكان لديهم نحو 120 ألف مقاتل وهذا عدد كبير بالنسبة إلى جيوش المنطقة أن يكون مع مليشيا متمردة، هذا أمر ليس بالهين. 

لكن كل هذا الآن تقريبا انتهى. إذ تمت استعادة خمس ولايات وعدد كبير من المدن، والدعم السريع خرجت من الخرطوم والجزيرة وسنار، والمعركة الآن دائرة في تخوم إقليم كردفان ودارفور وهي مناطق أيضا كان الدعم السريع موجودا فيها قبل التمرد. 

وبعض الحاميات العسكرية ما زالت خارج سيطرة القوات المسلحة ولكنها محدودة في بعض المدن مثل النيالة وزالينجي. 

وولايات شمال دارفور والفاشر ما زالت حصينة وصامدة لم تستطع الدعم السريع الاستيلاء عليها بعد خوضهم 210 معارك من أجل ذلك. فالموقف العسكري الآن جيد جدا وقد استعادت القوات المسلحة زمام الأمور، لديها الآن قوة ضاربة من "المستنفرين" قبل ذلك هناك عزم شديد على إنهاء هذه الحرب وإنهاء وجود المليشيا المتمردة على الساحة السودانية سواء السياسية أو العسكرية. 

وهم موجودون الآن في حوالي 15 بالمئة من مساحة السودان وهناك خطوات جادة لاستعادتها من أيديهم بشكل جذري. 

وهناك نقطة مهمة أن هذه الحرب رفعت من مستوى الحس القومي لدى كل أبناء السودان، مما فتح الباب على الوصول إلى جيوب قديمة للدعم السريع في كردفان موجودة تحت إشراف عبد العزيز الحلو والقوات المسلحة عازمة على السيطرة عليها وطرد الدعم السريع من هناك.

  • برأيكم ما مسار المعركة المتوقَّع في المرحلة القادمة بعد خروج الدعم السريع من الخرطوم بالكامل؟

هذه المعركة بالأساس بدأت في الشمال لكنها استعرت واشتدت في الخرطوم في منتصف أبريل، والعاصمة مكونة من ثلاث مدن تنفتح على خمس من ولايات السودان وأربعة أقاليم، وربع سكان السودان تقريبا يقطنون في العاصمة.. 

فتحرير الخرطوم ككل هو حدث ليس بالهين، له تأثير كبير في الحرب بشكل عام، لما لها من أهمية جغرافية وسياسية كما أن لها رمزية كبيرة وتحوز جانبا كبيرا من الحراك الاقتصادي للسودان، أهمية الخرطوم كبيرة والحديث عن ذلك واسع وممتد. 

وما بعد الخرطوم النيل الأبيض والجزيرة مما فتح الطريق للقوات المسلحة لكردفان وهو الإقليم الذي يتوسط المنطقة الغربية في السودان في خطوة للدخول إلى دارفور، وأهمية كردفان أنها منطقة اقتصادية أيضا كبيرة يقطنها عدد من السكان، وتعد واحدة من مراكز الثقل الحضاري والثقافي في السودان. 

والمعركة الآن بعد العاصمة أصبحت بالفعل في مناطق حواضن مليشيا الدعم السريع والمليشيا كانت تظن أنها هناك محمية بالأهالي لأنهم أقرب إليهم ولكن المفاجأة أن المجموعات في كردفان وما حولها أصبحت الآن تثور عليها وتعمل ضدها خصوصا بعد اعتداءات الدعم السريع على المدنيين بدون مبرر في كردفان وفي كل السودان.

المشهد السياسي والمستقبل

  • ما تقييمكم لتعاطي المعارضة السودانية عموما مع الحرب بين الجيش ومليشيا الدعم السريع؟

دعنا نرصد خريطة المعارضة؛ هناك معارضة قديمة كلاسيكية قامت على الطائفة مثل حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي، وهناك الأيديولوجية التي نشأت على خلفيات حديثة مثل الحزب الشيوعي السوداني والحركة الإسلامية.

لكن تمخض عن المشهد السياسي الآن في السودان نحو 100 حزب، تتوزع بين الأحزاب المناطقية وغيرها.. لكن إذا تحدثنا عن المعارضة على ضوء المعركة الدائرة الآن في السودان فسنجد الأمر كالتالي: 

هناك أحزاب اصطفت إلى جانب الجيش الوطني والدولة وهي الأحزاب الأقوى الآن والتي يمكننا أن ننظر إليها على أنها تمثل حالة سياسية حقيقية في السودان.

وهناك بعض القوى السياسية التي كانت تراهن على انتصار الدعم السريع لكي تحملها إلى حكم السودان أي أنه كان اصطفافا قائما على المصلحة. 

هده القوى حاولت أن تنفي هذه العلاقة لكن أفعالها كانت على نقيض هذا النفي تماما. هذه القوى فقدت قاعدتها السياسية في السودان، فانقسمت على نفسها وتحولت إلى منصة تُدعى "تقدم" ثم انقسمت تقدم إلى قسمين قسم يُسمى "تأسيس" ويوالي الدعم السريع بشكل واضح ويتحدث بلسانها، وقسم آخر يسمى "صمود"، وهي مجموعات صغيرة خرجت من رحم أحزاب معينة وانشقت عنها وتتبنى أطروحات الخارج قد لا تتبنى توجهات الدعم السريع لكنهم أيضا يقدمون أنفسهم على أنهم عكس الجيش وأنهم يمثلون التيار المدني في العملية السياسية، ويرفضون أي ممارسة ممكن أن تفضي إلى تحول مدني حقيقي، لا يرون أحدا يمثل المدنية سواهم.

لكن الشعب السوداني لا يستجيب لمثل هذه القوى؛ لأنها في الحقيقة لا تعبر عنه ولا تربط به. 

وهناك مجموعات أخرى تحاول اختطاف صوت الأحزاب أو تمثيلها أو تتكلم باسمها تجد دعما من الخارج ومن بعض السفارات لدول معينة، وتسعى لأخذ موقع ولكنها لا تجد شيئا من التأييد. 

للأسف هذا المشهد المعقد سبب رئيس لعدم وضوح رؤية سياسية حاليا؛ لأن فيهم الكثير المرتبط بالخارج وهو سينعكس سلبا  على السودان وأمنه الداخلي والخارجي. لكن الآن بعد تقهقر المليشيا وانهزامها أظن أن هؤلاء لن يكون لهم تأثير كبير في مشهد ما بعد الحرب.

  • توجد بعض المجموعات المسلحة التي تحارب إلى جانب الجيش السوداني حاليا.. كيف ترون مستقبلها بعد انتهاء الحرب؟ هل تسعى لمكاسب سياسية أم كيف ستتصرف معهم الدولة؟

هذه مسألة فيها تقسيمات من هؤلاء حركات كانت متمردة وعادت إلى الدولة باتفاق جوبا للسلام مثل حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان وبعض المجموعات التي عادت وفق هذه الاتفاقية إلى العمل مع الدولة السودانية.

وهذه القوات الآن تحارب بجانب القوات المسلحة تطبيقا لواحد من اشتراطات اتفاق جوبا وهذه الحركات إلى الآن ملتزمة هذا التوجه، أما مجموعات "المستنفرين" الذين أرادوا أن يقاتلوا إلى جانب الدولة بمحض اختيارهم البعض يقولون إنهم يبحثون عن أدوار سياسية ولكنني أرى أن هؤلاء على قناعة أنهم يقاتلون دفاعا عن أعراضهم وأهلهم.

لأن الشعب رأي في هذه الحرب الاعتداءات المباشرة على الممتلكات والمدنيين فانطلقت أعداد كبيرة جدا تقاتل في صفوف القوات المسلحة منهم من ينتمى إلى التيار الإسلامي والبعض إلى تيارات أخرى، منهم أصحاب أعمال ومهندسون وموظفون ومعظمهم يصرحون بأنهم مع نهاية المعركة سيضعون السلاح ويعودون إلى أعمالهم من أجل إعمار الدولة واستمرار الحياة. 

قد يكون البعض منهم له رأي في السياسة يريد أن يعبر عنه وهذا حق ولكن لا أظن أنهم يبحثون عن دور سياسي مقابل القتال كما يروج البعض. ومن أراد منهم العمل بالسياسة من المؤكد أنه سيتوجه إلى القنوات الرسمية لذلك. 

  • كيف تقرؤون الواقع السياسي للسودان بشكل عام في حال وضعت الحرب أوزارها؟

بعد ما حاق بالسودان في هذه الحرب وما اتضح من حقائق حول بعض الجهات أعتقد أنه سيكون سهلا على السودان أن يشكل مشهدا سودانيا وطنيا واضح المعالم وأنا شخصيا متفائل بهذا الشأن، فكثير من القوى الوطنية السياسية وجدت نفسها متقاربة إلى حد كبير مع مؤسسات الدولة، وفي القضايا الكلية. 

والآن هناك حديث عن حوار شامل سوداني-سوداني. والقضايا في ذلك عديدة ومشتركة بين الجميع، منها قضية الهوية مثلا وقضية نظام الحكم والنمط الأفضل في ذلك الإطار، نحن لدينا الآن 18 ولاية في شكل من أشكال الحكم الفيدرالي يجب أن نناقش هل يتم تعزيز هذا النمط أم نتحول إلى شكل آخر؟ 

هذه هي القضايا التي تشغل الساحة السياسية الآن وأعتقد أن هناك تقاربا كبيرا بين الجميع على مستوى الرؤى. 

كذلك نمط التنمية الاقتصادية الواجب أن نسير فيه في السودان وما هو الأنسب في هذا الإطار؟ 

كذلك قضايا الخارج والعلاقات مع الخارج؛ لأن السودان في وضع جغرافي معقد جدا. فنحن مرتبطون بإفريقيا وبالعالم العربي وبجوار مضطرب سياسيا وعسكريا.. وكثير من الإشكاليات التي تشوب العلاقات الخارجية. 

هذه هي القضايا التي يجب أن تطرح في حوار سياسي سوداني واسع والتقارب الذي ظهر خلال "معركة الكرامة" يشجعنا على ذلك ويعطينا أملا في توافق كبير وممتد بين المخلصين من القوى السياسية. 

  • كيف ترون اختيار الدكتور كامل إدريس رئيسًا جديدًا للوزراء في السودان؟ وما أبرز التحديات التي تواجهه برأيكم؟

خطوة اختيار رئيس وزراء مدني هي خطوة مطلوبة ومرحب بها بشكل كبير وقد تأخرت كثيرا، فلطالما دعونا في القوى السياسية إلى تشكيل حكومة من المهنيين والمتخصصين التكنوقراط، وهذه خطوة مهمة.

من الناحية العسكرية هناك تقدّم كبير وكذلك العمل المدني إلا أن هناك تعطلا في دولاب العمل لدى مؤسسات الدولة، من هنا نحن بحاجة إلى هذه الحكومة بشدة، لتضع سياسات مناسبة لوضع السودان الحالي. 

ورئيس الوزراء أمامه تحديات عديدة أولها اختيار حكومة راشدة من المتخصصين والفاهمين بشأن الدولة واحتياجات المواطن، وثانيها إدارة العلاقة مع المؤسسة العسكرية في ظل معركة ما زالت دائرة حتى الآن. 

وهناك أيضا تحديات خاصة بالإصلاح وبإعادة الإعمار، خاصة بمعاش السودانيين الآن في وضع اقتصادي متأثر جدا بالحرب وتبعاتها في القطعات كافة فآلاف المصانع خارج العمل وقطاع الطاقة متضرر بشكل كبير بهجوم المسيرات وغيره..

وانعكس ذلك على القطاع الزراعي، لدينا مساحات ضخمة كانت ضمن المساحات المروية عبر الكهرباء في مناطق متنوعة.. 

كثيرة جدا هي التحديات أمام الحكومة، هنالك خلل كبير في الميزان التجاري وما يخصّ السلع الغذائية. فضلا عن تحدي العمل على الانتهاء من المرحلة الانتقالية تمهيدا لتحول ديمقراطي حقيقي.

الإمارات.. بيع العلاقات من أجل الثروات

  • أخيرا أعلن مجلس الأمن والدفاع دولة الإمارات معادية.. ما الذي أوصل الأمور إلى هذه النقطة برأيكم؟

على المستوى التاريخي العلاقة مع دولة الإمارات علاقة جيدة من أيام حكم الشيخ زايد عليه رحمة الله، لكن القيادة الحاكمة الآن في الإمارات ارتضت أن تلعب دورا سلبيا في بعض البلدان ومنها السودان، وهذا الدور يؤثر سلبا على الأمن القومي لهذه البلدان.

فقرار مجلس الأمن والدفاع السوداني بتقدير الإمارات دولة معادية جاء بعد تدخل واضح من الإمارات في شؤون السودان من خلال دعم الحرب ودعم مليشيا الدعم السريع وتسليحها، وهذا الدور عليه دلائل بالوثائق وظهرت في بعض وسائل الإعلام.

ومحكمة العدل الدولية قضت بعدم الاختصاص في شكوى تخص الإمارات بهذا الشأن لكن الجميع يعلم أنها تمول الحرب في السودان وتساعد على استمرارها بدعم هذه المليشيا.

فالإمارات تحاول التدخل في شؤوننا منذ نحو عامين حتى من قبل بداية هذه الحرب، الإمارات تبحث عن أدوار أكبر من حجمها بحكم تراكم الثروات الموجودة عندها، الثروات لا تعني أن تتدخل الدول في شؤون غيرها بهذا الشكل السافر. 

والإمارات ارتضت أن تنفذ أجندات لجهات خارجية بشكل واضح وهو دور وظيفي لا يقبل السودان أن يلعبه أحد ضده. 

والإمارات تهدف إلى السيطرة الاقتصادية لدول غيرها نراها الآن تتحدث عن الموانئ وعن المخزون المائي والزراعة وتتحرك في كثير من الدول حول السودان وما وراء السودان للأسف.

بالتالي أصبحت العلاقة بين السودان والإمارات علاقة سامة ما دامت الإمارات مصممة على التغول على مقدرات الشعب السوداني وثرواته.

من الممكن أن يفتح السودان الباب للوساطة بينه وبين الإمارات لكن ليس قبل أن تعتذر الإمارات وتعوض الشعب السوداني عما أصابه بسبب هذا الدعم السافر لمليشيا متمردة أرادت أن تنشق عن الدولة وجيشها. 

هذا إذا أرادت الإمارات أن تحفظ ما تبقى من ماء الوجه بعد الفشل الواضح للمليشيا التي دعمتها وتدعمها في السودان. 

فالإمارات ظنت أن الظروف الاقتصادية والواقع الصعب في السودان قد يدفع شعبه إلى الانهزامية لكنها لم تستوعب أنه شعب يريد الحفاظ على كرامته قبل الحفاظ على الثروات.

  • أخيرا وفي معارك غربي البلاد ظهر الاستخدام المكثف من قبل المليشيا للطائرات المسيّرة.. هل ترون ذلك مؤشرا لاحتمالية تفوق للمليشيا في المعارك القادمة؟

سلاح المسيرات عموما هو قضية الساعة في الحروب كافة حول العالم، الحرب الروسية الأوكرانية مثلا وغيرها.. 

وهناك تنافس شديد بين الدول والشركات المصنعة سواء للمسيرات نفسها أو المضادات لها، والسودان واحد من مناطق الاختبار لهذا الشكل من الحروب، استخدام الدعم السريع للمسيّرات- التي غالبا حصل عليها بمساعدة الإمارات أيضا- أضر أكثر بالبنى التحتية للبلاد ولم يضر بقدر كبير بالقوات المسلحة السودانية.

فهم قصفوا بها منشآت حيوية تقدم خدمات للمواطن وللدولة على حد سواء، قصفوا شركات الكهرباء مثلا وغيرها..

لكن القوات المسلحة السودانية اكتسبت خبرة في مواجهة مثل هذه الأسلحة من خلال التجربة، الحقيقة هذا الأمر لم يعط المليشيا ميزة؛ لأن الحرب ليست مسيرات فقط، هي نوع من أنواع الأسلحة والجيش السوداني لديه العديد من البدائل ووسائل المواجهة، الغلبة دائما تكون لمن يتمكن من السيطرة على المواقع وعلى الأرض وهذا ما حدث ويحدث لصالح الجيش السوداني ونتائج المعارك في غرب البلاد الآن واضحة للجميع.

العلاقات الدولية وإعادة التموضع

  • مع انتصارات قوات الجيش السوداني أخيرا يتوقع البعض أن تعيد بعض الدول تموضعها من حيث طبيعة العلاقات مع السودان.. أي الدول خصوصا من دول الجوار ترونها أجدر بأن تأخذ خطوات جديدة وتقف في الموقف الصحيح بعد أن كانت في الجهة الخاطئة؟

هناك العديد من الدول لم يكن موقفها مشرفا تجاه السودان إبان هذه الحرب وهناك دول صديقة ظلت إلى جانب الدولة السودانية وجيشها وهناك طبعا دول غيرت موقفها في أثناء الحرب نفسها. 

والحقيقة هناك أسباب لذلك على رأسها الصدمة الكبيرة باندلاع هذه الحرب غير المتوقعة، بالتالي كانت هناك حالة من التشتت بخاصة في المؤسسات الدبلوماسية لبعض الدول التي انقطع معها التواصل الطبيعي. 

وكان هناك سبب آخر لهذا الارتباك وهو عدم اليقين أو التأكد ممن سيربح هذه الحرب، فضلا عن أن نجاح بعض التمردات في القارة قد أغرى بعض الدول بأن ذلك قد يحدث في السودان فصمتت هذه الدول ووقفت موقف المتفرج أو قطعت تواصلها مع النظام الرسمي في السودان. 

لكن هناك سببا آخر وهو مؤثر بقوة هو موقف الإمارات التي كانت تحاصر العديد من دول الجوار أو دول في الإقليم عموما وتحرضها على عدم تبني مواقف واضحة تجاه هذه الحرب.

لكن هذا لا ينفي أن دولا كان لها موقف جيد منها مصر وكذلك إريتريا وليبيا وبعض الأصدقاء في روسيا التي لم تخرج سفارتها من السودان وتركيا والصين كذلك هذه الدول ساندت شرعية المؤسسات في السودان وهذه أدوار لن تُنسى.

أما الجوار فقد تورطت كينيا في هذه الحرب وإلى حد ما أوغندا بتسهيلها مرور الأسلحة إلى الدعم السريع، وحدث ولا حرج عن موقف تشاد السلبي التي كانت منصة لتسليح الدعم السريع، أما إثيوبيا فقد كانت مواقفها متأرجحة بداية الحرب ولكنها تراجعت في بداية الحرب عن ذلك وكانت في صف الدولة السودانية وقواتها المسلحة والعلاقة مع إثيوبيا مهمة جدا للسودان وهي دولة لديها تحديات داخلية شديدة التأثير وقد يُلتمس لها العذر في البداية إلا أنها عدلت موقفها. 

أما في جنوب السودان فقبضة الدولة هناك ليست قوية لذا خرجت منها مليشيا عديدة ساندت الدعم السريع لكن الدولة نفسها تعرف أهمية أن تكون لها علاقات قوية مع الدولة السودانية وقواتها المسلحة.

هناك بعض الدول الغربية التي تراجعت عما سمته المحايدة والوقوف على مسافة واحدة من الجميع، لكن مع انتصارات الجيش السوداني عرف هؤلاء أنها لم تكن حربا بين قائدين عسكريين مختلفين بل بين مليشيا متمردة ودولة ونظام بقواته المسلحة وشعبه. 

إجمالا العديد من الدول تراجع الآن قراءة المشهد السياسي وتتراجع عن مُناصبتها العداء للدولة السودانية. وأكبر الخاسرين في هذا الإطار دول الجوار التي عادت السودان معاداة سافرة ووقفت إلى جانب المليشيا المتمردة هؤلاء موقفهم الآن صعب وهم أكبر الخاسرين.

  • فيما يخص دولة تشاد.. ما الذي ترونه ضروريا لإعادة العلاقات لمستواها التاريخي المطلوب بينها وبين السودان؟

دولة تشاد لا غنى لها عن دولة السودان والعكس صحيح.. تشاد دولة جارة وكثير من مصالحها متأثر بالسودان وكذلك هي صاحبة تأثير في السودان خصوصا في إقليم دارفور. 

هذا فضلا عن التداخل السكاني والقبائلي الواسع بين الدولتين. ودعم تشاد للمليشيا المتمردة لن يستمر؛ لأن هناك اعتراضا في الداخل التشادي على ذلك بحكم العلاقات التاريخية بين الشعبين والبلدين، هذه توقعاتي. 

والأحداث أيضا في دارفور في المستقبل ستشكل مستقبل هذه العلاقة. وتشاد مدينة باعتذار للسودان إن كانت تريد بالفعل علاقات قوية أو عودة لعلاقات قوية. 

والدعم السريع تراهن على سقوط الفاشر في دارفور لتعلن حكومة من هناك بدعم تشادي لكن ذلك فشل بعد خوضهم أكثر من 200 معركة لتحقيق هذا الهدف، بل هناك بشريات بسقوط بعض المدن في يد الجيش السوداني هناك. لذلك تشاد مدينة بالاعتذار والعودة إلى علاقات وثيقة مع الدولة السودانية ونبذ المتمردين. 

والنظام التشادي سيدفع ضريبة كبيرة إن لم يعتذر للسودان وسيدفع هذه الضريبة فور سقوط الفاشر ونيالا وانتهاء هذه الحرب لمصلحة الجيش السوداني.

الرصاصة الأولى

كثيرا ما يدور الحديث في الأوساط السياسية السودانية عمن أطلق الرصاصة الأولى في هذه الحرب والبعض يرى أن الآراء متضاربة. ما رأيكم بهذا الخصوص؟

محاولات الدعم السريع للترويج لفكرة أن الرصاصة الأولى أطلقت من المدينة الرياضية في الخرطوم هي محاولات فاشلة وبائسة.

لأن المتابعين للأحداث من قبل ذلك يعلمون أن الدعم السريع كانت تحاول الاستيلاء على السلطة، هذه الحرب يؤرّخ لها أنها اندلعت يوم 15 أبريل 2023 لكنها اندلعت عمليا ويؤرخ لها العسكريون يوم 12 أبريل عندما ذهبت قوات من الدعم السريع إلى مطار مروي بشكل منفصل وقالوا: إن السبب أنهم يريدون منع مناورات مشتركة مصرية سودانية كانت أصلا متفقا عليها بين الجانبين.

وهي مناورات نسور النيل ضمن التدريبات وتبادل الخبرات، هذه القوات التي ذهبت إلى هناك رفضت أن تعود وهاجمت القاعدة الجوية هناك وكانت هذه هي بداية المعارك.

فمن أطلق الرصاصة هو من تربص بسلاح الطيران في هذا اليوم وهاجم قواعده. وهم الذين هاجموا القائد العام للقوات المسلحة في بيته فجر يوم 15 أبريل أي قبل ثلاث ساعات من نشوب المعركة التي يقولون إن الرصاصة الأولى أطلقت فيها من قبل القوات المسلحة وكذلك اعتقال مجموعة من ضباط القوات المسلحة ليلة 14 أبريل في منطقة صوبا جنوب الخرطوم.. 

وكانت محاولة من الدعم السريع للسيطرة على مدرعات تتمركز هنا.. وهو اللواء الأول مدرع  كل هذه دلائل على أن المليشيا المتمردة هي من بدأت هذه المأساة التي عاشها شعبنا السوداني. 

السؤال الأكثر أهمية هنا من الرصاصة الأولى هو كيف يستساغ أو يُقبل أن تتمرد قوات المفترض أنها تابعة للقوات المسلحة على قيادة تلك القوات بل وتسيطر على مقرات لمجموعة تابعة للمخابرات بادعاء أن هذه المجموعة تقود انقلابا على الجيش ويتضح فيما بعد أنها لم تقد أي انقلاب ولم تدع لأي تمرد؟ 

فمليشيا الدعم السريع ارتكبت بدلا من الخطأ عشرات الأخطاء التي أوصلت البلاد إلى تلك الحرب.