الوساطة الأميركية بين الهند وباكستان.. ما تأثيرها على مستقبل كشمير؟

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

أعاد هجوم باهالغام في الشطر الهندي بكشمير، الصراع على هذا الإقليم إلى الواجهة الدولية، بعد أن أدى إلى حدوث مواجهة محدودة لكنها خطيرة بين الهند وباكستان.

وتصاعد التوتر بين الهند وباكستان في 22 أبريل/ نيسان 2025، عقب إطلاق مسلحين النار على سائحين في بلدة باهالغام بإقليم "جامو وكشمير" الخاضع للإدارة الهندية، ما أسفر عن مقتل 26 شخصا وإصابة آخرين.

ويرى "المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية" أن الهجوم "يعد واحدا من سلسلة هجمات مماثلة، من بين أهدافها إثارة أزمة إقليمية بين الهند وباكستان، مما قد يؤدي إلى وساطة دولية بشأن قضية كشمير".

ولفت إلى أنه "على عكس الأزمات السابقة، كتلك التي وقعت في أعوام 1999، و2001-2002، و 2019، يبدو أن الخطة نجحت هذه المرة مع تدخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأطراف دولية لحل الأزمة".

وأشار إلى أن "الاشتباكات العسكرية بين البلدين والتدخل الدبلوماسي الأميركي سلط الضوء على عدد من المعضلات التي تواجهها الهند في تعاملها مع باكستان على المستويات الوطنية والثنائية والدولية".

فشل التطبيع 

على المستوى الوطني، تشير المعطيات إلى أنه "لا تطبيع في كشمير"، مبينا أنه "في أغسطس/ آب 2019، نفّذ حزب بهاراتيا جاناتا، القومي الهندوسي بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، وعدا انتخابيا قديما".

وذلك "من خلال تقسيم ولاية جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة إلى منطقتين اتحاديتين جديدتين".

وحملت المنطقة الأولى اسم جامو وكشمير والثانية سميت منطقة ولداخ، وتداران الآن مباشرة من نيودلهي.

وفقدت الولايتان عددا من الحقوق الخاصة التي كانتا تتمتعان بها، وهي خطوة أثارت احتجاجات عنيفة في باكستان، التي عدتها انتهاكا لقرارات الأمم المتحدة.

وسعت الحكومة الهندية منذ عام 2019، إلى تطبيع الأوضاع في إقليم جامو وكشمير الجديد.

وشهد اقتصاد المنطقة تحسنا مدفوعا بانتعاش قطاع السياحة وافتتاح خط سكة حديد يربطها بالعاصمة نيودلهي، ما عزز من اندماجها مع باقي أنحاء الهند.

على المستوى السياسي، أوضح المعهد الألماني أن "نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية لعام 2024 كانت مرتفعة نسبيا، إذ تجاوزت 60 بالمئة على الرغم من استمرار الاحتجاجات".

في المقابل، لفت إلى أن "مؤتمر الحرية -وهو تحالف فضفاض لأحزاب وجماعات موالية لباكستان في كشمير الهندية، وبعضها كانت له صلات بجماعات مسلحة- قد تراجع تأثيره في السنوات الأخيرة، ليس فقط بسبب تغيرات سياسية، بل أيضا نتيجة ضغوط مارستها حكومة نيودلهي".

وتحدث كذلك عن "تحسن نسبي" في الوضع الأمني في البداية، غير أنه تدهور مجددا عام 2024.

وأضاف: "تشير تقديرات خبراء أمنيين هنود إلى أن نحو 80 مسلحا أجنبيا، معظمهم قدموا من باكستان، كانوا ينشطون في وادي كشمير خلال العام نفسه".

وعلى الرغم من أن الأحزاب الموالية للهند في كشمير كانت قد احتجت بشدة على إلغاء الوضع الخاص للولاية في عام 2019، فقد أدانت في الوقت نفسه هجوما في منطقة باهالغام، نظرا لتأثيره السلبي المباشر على قطاع السياحة، الذي يُعد المصدر الأساسي للدخل في الإقليم.

وذكر المعهد أن "الهجوم أبرز عجز الهند المستمر عن فرض الاستقرار الأمني في جامو وكشمير".

فعلى الرغم من تشديد الرقابة الأمنية، فشلت حكومة نيودلهي في منع تسلل المسلحين من باكستان إلى داخل الإقليم.

وبالتالي، رجح المعهد أن "تبقى كشمير بعيدة عن حالة التطبيع التي تروج لها حكومة مودي".

وأكمل: "القوات الأمنية الهندية اعتقلت نحو 1500 شخص وهدمت منازل بعض أسر المشتبه بهم، لكنها لم تتمكن من القبض على منفذي الهجوم".

وانتقد المعهد تلك الاعتقالات وعمليات الهدم، محذرا من أنها "قد تأتي بنتائج عكسية، تدفع لتأجج الغضب الشعبي ضد الأجهزة الأمنية وتصعب من إمكانية الحصول على معلومات استخباراتية مفيدة من السكان في سياق الحرب على الإرهاب"، وفق تعبيره.

ردع محدود

وفيما يخص التعامل الثنائي بين نيودلهي وإسلام أباد، قال المعهد: "ردا على الهجوم، أطلقت الهند في 7 مايو/أيار 2025 عملية عسكرية، وبدأت بضربات جوية استهدفت عددا من منشآت الجماعات الإرهابية داخل باكستان"، وفق وصفه.

وبإطلاقه هذه العملية، يؤسس مودي "الوضع الطبيعي الجديد" في التعامل مع الهجمات الإرهابية، بحسب تعبير المعهد.

وأشار إلى أنه على خلاف العمليات السابقة في عامي 2016 و2019، استهدفت القوات الهندية هذه المرة بشكل مباشر المقر الرئيس لجماعة "لشكر طيبة" (سلفية جهادية) في مدينة موريدكي (في إقليم البنجاب الباكستاني).

وأضاف: "وكذلك مقر منظمة جيش محمد في باهاوالبور، وهي الجهة التي يُحملها كثيرون المسؤولية عن هجوم بولواما عام 2019".

واستطرد: "وللمرة الأولى منذ حرب عام 1971، شنّت الهند ضربات على أهداف داخل إقليم البنجاب الباكستاني، أي ما وراء الحدود الدولية بين البلدين".

من جهتها، ردّت باكستان بهجمات صاروخية وطائرات مسيرة على منشآت عسكرية داخل الهند، مما أدى إلى تصعيد متبادل.

ونوّه المعهد إلى أنه "نظرا للرقابة الإعلامية الصارمة على الجانبين، لم تتوفر معلومات موثوقة يمكن التحقق منها بشأن حجم الأضرار والخسائر".

وقد أعلنت باكستان أنها أسقطت ست طائرات حربية هندية، في حين أشارت وسائل إعلام هندية في بداية الأمر إلى تحطم ثلاث طائرات.

ونقلَت شبكة "سي إن إن" الأميركية استنادا إلى مصدر فرنسي، أن الهند فقدت مقاتلة من طراز "رافال".

ومن وجهة نظر المعهد الألماني، أظهرت هذه المواجهات العسكرية أن سلاح الجو الهندي لا يتمتع على ما يبدو بالتفوّق الذي كان يعتقد أنه يمتلكه.

ورأى أن باكستان "نجحت بدعم من الصين خلال السنوات الماضية، في تعزيز قدراتها الدفاعية الجوية".

ورجح أن تكون الخسائر الهندية قد تسببت بها مقاتلات وصواريخ باكستانية مصدرها الصين.

وأردف: "إذا تأكد إسقاط مقاتلة من طراز رافال، فسيُعد ذلك نكسة كبيرة للهند، خاصة أن هذه الطائرة تُعد رمزا لتحديث سلاحها الجوي".

واستطرد: "رغم أن القيادة العسكرية الهندية لم تصرح صراحة بالخسائر، فقد أقرت بها بشكل غير مباشر، مشددة على أنها حققت أهدافها بتدمير قواعد الجماعات الإرهابية".

ولفت إلى أنه "على الرغم من قدرة القوات الهندية على تنفيذ ضربات ضد بنى تحتية إرهابية داخل الأراضي الباكستانية، فإنها لا تزال تواجه معضلة أساسية. فهي، رغم تفوقها العددي، عاجزة عن فرض ردع دائم على باكستان".

وسيط غير شعبي 

من الناحية الدولية، تحدث المعهد عن الولايات المتحدة واصفا إياها بـ "الوسيط غير الشعبي".

وقال: "تعد الولايات المتحدة الوسيط التقليدي خلف الكواليس في الأزمات بين الهند وباكستان، كما حدث في أعوام 1999 و2001-2002 و2019".

وأضاف: "في البداية، أبدت إدارة ترامب الجديدة ترددها في التدخل المحتمل في الصراع، لكن دفع الهجوم الهندي على قاعدة عسكرية في روالبندي، مقر القوات المسلحة الباكستانية، واشنطن إلى التدخل".

كما "يقع مقر شعبة الخطط الاستراتيجية، المسؤولة عن استخدام الأسلحة النووية، بالقرب من القاعدة".

وفي 10 مايو 2025، أعلن ترامب عبر منصته "تروث سوشيال" عن وقف إطلاق نار بوساطة أميركية بين الهند وباكستان، معلنا نيته التوسط بين البلدين في نزاع كشمير.

وبينما احتفت باكستان بهذه التغريدة باعتبارها نجاحا دبلوماسيا، مثلت هذه الأخبار انتكاسة كبيرة للهند.

إذ ترفض نيودلهي الوساطة الخارجية في قضية كشمير منذ اتفاقيات شيملا للسلام عام 1972. ومنذ ذلك الحين، جرت عدة مفاوضات ثنائية، لكنها باءت بالفشل.

وتابع المعهد: "بعد هجمات عام 2016، أوضحت حكومة مودي أن المحادثات مع باكستان لا يمكن أن تُجرى إلا بعد أن تُنهي الأخيرة دعمها للجماعات الإرهابية".

لذا، يعتقد المعهد أن عرض ترامب للتوسط في قضية كشمير "شكل ضربة قاسية للهند في سياستها الخارجية".

وتوقع أن يتفاقم التوتر في العلاقات مع الولايات المتحدة الفترة القادمة، وذلك على الرغم من أن "الهند تعد أهم شركاء واشنطن في استراتيجيتها لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، لمواجهة صعود الصين".

واستطرد: "بالنسبة لرئيس الوزراء الهندي يُمثل النهج الأميركي انتكاسة كبيرة، إذ يُعتبر مودي خبيرا في الدبلوماسية العامة، ويُحب تصوير نفسه كرجل قوي".

وبحسب المعهد، "تنعكس هذه الصورة الذاتية أيضا في عملياته العسكرية ضد باكستان". وقدّر أن "إعلان ترامب وقف إطلاق النار أولا أعطى الهند انطباعا بأنها عجزت عن إنهاء القتال".

وأردف: "في المقابل، تمسّك السرد الرسمي الهندي بأن باكستان هي من طلبت وقف إطلاق النار، من خلال الخط الساخن بين مديري العمليات العسكرية في الجيشين".

وهكذا، "وجد مودي نفسه في مواجهة انتقادات من الجماعات القومية الهندوسية التي هاجمت قرار وقف إطلاق النار وطالبت بمواصلة الضربات العسكرية".

ويضيف المعهد: "كما أن تصاعد الحديث عن تدويل قضية كشمير، شكّل نكسة لطموحات مودي في تقديم الهند كقوة عظمى وقطب في عالم متعدد الأقطاب".

ووفق المعهد، "كانت الحكومة الهندية تأمل من خلال العملية أن تثبت قدرتها، كغيرها من القوى الكبرى، على التصدي بشكل مستقل للتهديدات".

"إلا أن التدخل العلني الأميركي وتدويل الصراع حول كشمير يهددان الآن بوضع الهند مجددا على قدم المساواة مع باكستان، وهي معادلة حاولت نيودلهي منذ سنوات طويلة أن تنأى بنفسها عنها"، وفق المعهد.

علاوة على ذلك، يرى أن "تغريدة ترامب ستمنح مزيدا من الزخم للأصوات داخل المؤسسة الدبلوماسية الهندية التي تعتبر أميركا، على خلاف روسيا، شريكا غير موثوق به استنادا إلى تجارب تاريخية سابقة".

تناقضات عميقة

وفيما يتعلق بالسيناريوهات المستقبلية بين الطرفين، يعتقد المعهد الألماني أن "ردود فعل الهند على الهجوم في باهالغام، كشفت عن مجموعة من التناقضات العميقة في طريقة تعاملها مع باكستان".

وأوضح أن "الوضع في كشمير لا يزال هشا، وفعالية الردع تجاه الجارة الغربية محدودة، بينما تمكنت إسلام أباد -بفضل تغريدة ترامب- من تحقيق مكسب دبلوماسي غير متوقع على الساحة الدولية".

وبحسب رأيه، قطعت الهند، عبر استخدام سلاح العقوبات، آخر قنوات التواصل السياسي والاقتصادي والاجتماعي مع باكستان.

وحذر من أن "تعليق معاهدة نهر السند، التي نظمت توزيع مياهه وروافده بين البلدين منذ عام 1960، قد يكون سلاحا ذا حدين للهند".

إذ يرى أن "هذا من شأنه أن يسمح لباكستان بتصوير النزاع الإقليمي، الذي يتصاعد منذ أكثر من سبعين عاما، على أنه صراع على الموارد، وبالتالي الحصول على دعم دولي أكبر".

"كما أن تعليق المعاهدة يصب في مصلحة المتشددين الإسلاميين في باكستان بشكل غير مباشر"، يقول المعهد.

وأكمل: "فقد سبق لحافظ سعيد، زعيم جماعة لشكر طيبة المحظورة، أن دعا إلى الجهاد من أجل المياه ضد الهند".

ونوّه المعهد إلى أنه "على المدى البعيد، قد يُطرح سؤال من قبيل: هل يكفي التركيز على التدابير العسكرية البحتة لثني باكستان عن دعمها للجماعات الإرهابية؟"، وفق تعبيره.

وهكذا، يقدّر أن حكومة مودي "وضعت نفسها تحت ضغط للرد عسكريا بشكل أكبر على أي هجوم قادم، مما سيؤدي إلى إجراءات باكستانية مضادة مماثلة".

إلى جانب ذلك، رجح المعهد أن "يتوسع نطاق الحرب الهجينة بين البلدين، فقد وسعت باكستان علاقاتها مع بنغلاديش بعد الانقلاب الذي شهدته الأخيرة عام 2024".

وتوقع أنه "إذا ما وصلت حكومة مناوئة لنيودلهي إلى السلطة في دكا بعد الانتخابات، فقد تدعم إسلام أباد حركات تمرد في شمال شرق الهند، كما يُعتقد أنها فعلت سابقا".

في المقابل، "تتهم باكستان الهند بدعم جماعات انفصالية في بلوشستان وطالبان الباكستانية النشطة انطلاقا من الأراضي الأفغانية، وهي جماعات مسؤولة عن سلسلة من الهجمات الدامية".

 كما "تعرض عدد من قادة جماعة لشكر طيبة خلال السنوات الماضية لعمليات اغتيال داخل باكستان، نُسبت إلى جهاز الاستخبارات الخارجية الهندية".

على المستوى الدولي، دعا المعهد "أوروبا وألمانيا، التي عززت علاقاتها مع الهند في السنوات الأخيرة، إلى أن يواصلا دعمها لحل سلمي لقضية كشمير".

وأشار إلى أن "قرارات الأمم المتحدة فقدت الكثير من أهميتها، لا سيما وأن الصين -بسبب مطالبها الإقليمية منذ الستينيات- أصبحت طرفا في النزاع لا تؤخذ مصالحه في الحسبان ضمن هذه القرارات".

واختتم حديثه قائلا: "إن كشمير، كما وصفها الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، أخطر مكان على وجه الأرض".

 لذلك، نأمل ألا تكون المواجهة العسكرية في 2025 بداية لدورة أزمات جديدة في جنوب آسيا، يقول المعهد.