الصين تتجسس على روسيا وتطمع في أراضيها.. تفاصيل أخطر وثائق سرية مسربة

حصلت مجموعة قرصنة إلكترونية تُعرف باسم "Ares Leaks" على الوثيقة
رغم التصريحات الدبلوماسية المتبادلة عن "صداقة بلا حدود"، كشفت وثائق استخباراتية مسربة عن قلق متصاعد داخل موسكو من طموحات بكين التوسعية.
ففي الوقت الذي وقّع فيه الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ، في 8 مايو/أيار 2025، اتفاقا لتعزيز الشراكة الإستراتيجية ورفع التعاون إلى "مستوى جديد"، ظهرت خلف الكواليس مؤشرات على انعدام الثقة بين الحليفين.
تقرير روسي "سري للغاية" حصلت عليه صحيفة نيويورك تايمز الأميركية ونقله موقع "واللا" العبري، صنّف الصين كـ"عدو محتمل"، محذرًا من مساعٍ صينية للهيمنة وربما السطو على أراضٍ روسية، ما يكشف هشاشة هذا التحالف الظاهري في وجه التنافس الصامت بين القوتين.

واقع معقد
وحسب الموقع العبري، وردت التهديدات الصينية في وثيقة داخلية مكونة من ثماني صفحات صادرة عن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، تحدد أولويات مكافحة التجسس الصيني.
ولفت إلى أن "الوثيقة غير مؤرخة"، ما يثير احتمال أن تكون "مجرد مسودة". لكنّه ذكر أن "السياق يشير إلى أنها كتبت في أواخر 2023 أو أوائل 2024".
وحصلت مجموعة قرصنة إلكترونية تُعرف باسم "Ares Leaks" على الوثيقة، دون توضيح كيفية ذلك.
ولهذا السبب، لم يجرَ التحقق من صحة الوثيقة بشكل قاطع، لكن الصحيفة الأميركية أفادت أنها شاركتها مع 6 وكالات مخابرات غربية، وأن جميعها رجّحت صحتها.
ويقول الموقع العبري: إن الوثيقة تقدم النظرة الأكثر تفصيلا حتى الآن عن الكواليس، وتكشف عن الطريقة التي تفكر بها الأجهزة الروسية تجاه الصين.
ويرى أن الوثيقة "تُقدم النظرة الأكثر تفصيلا حتى الآن إلى الكواليس التي تكشف عن طريقة تفكير أجهزة مكافحة التجسس الروسية تجاه الصين".
وأشار الموقع إلى أنه منذ غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، أعادت التحالفات الجديدة بين موسكو وبكين تشكيل ميزان القوى العالمي، مما أثار قلقا كبيرا في الولايات المتحدة والغرب بشكل عام.
ولفت إلى أن روسيا تمكنت من الصمود لسنوات أمام العقوبات الاقتصادية الغربية، بالرغم من التوقعات بسرعة انهيارها.
وعزا الموقع العبري ذلك بالأساس إلى الصين، التي وصفها بأنها كانت "حاضرة لملء الفراغ الذي تركته الدول الغربية".
وتابع: "إذ تُعد الصين أكبر زبون للنفط الروسي، وتزود روسيا بشرائح إلكترونية حيوية وبرمجيات ومكونات عسكرية".
وعندما غادرت الشركات الغربية روسيا، تدخلت العلامات التجارية الصينية لتحل محلها. واستدرك الموقع: "يبدو أن الوثيقة المسربة كشفت عن واقع أكثر تعقيدا".
وبخصوص الوثيقة، فرّق الخبير في الشأن الروسي أندريه سولداتوف بين القيادتين السياسية والأمنية في موسكو.
وأشار إلى أن "القيادة السياسية تؤيد التقارب مع الصين، لكن أجهزة الاستخبارات والأمن يتسمون بالريبة الشديدة".
تجنيد الجواسيس
وفيما يتعلق بتفاصيل الوثيقة الروسية، ذكر الموقع أنها "تكشف عن صراع مخابراتي متوتر ومتطور بسرعة".
فقبل ثلاثة أيام من غزو روسيا لأوكرانيا في عام 2022، صدق جهاز الاستخبارات الروسي على خطة جديدة للحرب المخابراتية، أُطلق عليها اسم "الوفاق 4".
وبحسب الموقع، "يبدو أن اسم الخطة -الذي اختير على الأرجح بسخرية مريرة، إشارة إلى الصداقة المتنامية بين موسكو وبكين- أخفى الهدف الحقيقي للخطة: منع العملاء الصينيين من المساس بالمصالح الروسية".
وأردف: "في تلك الفترة، وجهت روسيا معظم مواردها العسكرية والمخابراتية نحو أوكرانيا، التي تبعد أكثر من 6400 كيلومتر عن حدودها مع الصين، وسط مخاوف من أن تستغل بكين هذا الوضع".
وتشير الوثيقة إلى أن جهاز الاستخبارات الروسي اكتشف منذ ذلك الحين أن الصين تستغل الوضع.
وأوضح الموقع العبري أن "عملاء المخابرات الصينيين كثفوا جهودهم لتجنيد مسؤولين روس وخبراء وصحفيين ورجال أعمال مقربين من السلطة في موسكو".
للتصدي لهذا التهديد، ذكر أن جهاز الاستخبارات الروسي أصدر تعليمات لضباطه للحد من "الخطر" ومنع نقل معلومات إستراتيجية حساسة إلى الصينيين.
كما طُلب من الضباط عقد لقاءات وجها لوجه مع مواطنين روس يعملون بشكل وثيق مع الصين، لتحذيرهم من أن بكين تحاول استغلال روسيا والحصول على أبحاث علمية متقدمة.
وأردف الموقع: "كما أمر جهاز المخابرات الروسي بجمع معلومات بشكل مستمر عن مستخدمي تطبيق التواصل الصيني وي تشات، بما يشمل اختراق هواتف أهداف التجسس وتحليل البيانات باستخدام أداة متخصصة تابعة لوحدة في الجهاز".

إمكانيات الفصل
من زاوية أخرى، يلفت إلى أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أدركت المخاوف الروسية الكامنة تجاه الصين، وتسعى لفض الشراكة بينهما.
وأشار إلى أن بعض كبار المسؤولين في إدارة ترامب يعتقدون أنه بالإمكان -من خلال مد يد العون لبوتين- فصل روسيا عن الصين، وتجنب "توحد قوتين نوويتين ضد الولايات المتحدة"، حسب تعبير وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو.
وكان ترامب قد صرح قبل وقت قصير من انتخابه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 قائلا: "سأحتاج إلى تفكيك هذا الاتحاد، وأعتقد أنني قادر على ذلك".
وتحدث الموقع عن استنتاجين محتملين قد يُخلص إليهما -من المعلومات الواردة في الوثيقة- فيما يتعلق بالعلاقات الروسية الصينية.
فمن الممكن الاستنتاج أنه بالإمكان الفصل بين روسيا والصين إذا ما اتُّبع النهج الصحيح؛ حيث إن الوثيقة تتحدث عن انعدام الثقة والشكوك المتبادلة بين الطرفين.
واستدل على حالة انعدام الثقة ببعض الإجراءات التي تتخذها بكين؛ حيث تجرى اختبارات كشف الكذب لعملائها عند عودتهم إلى وطنهم.
كما أنها تشدّد الرقابة على الطلاب الروس في الصين، البالغ عددهم نحو 20 ألفا، فضلا عن محاولتها تجنيد مواطنين روس متزوجين من صينيين.
لكن من ناحية مقابلة، يقول الموقع العبري: إنه "من الممكن تفسير الوثيقة بشكل مغاير والوصول إلى استنتاج معاكس"؛ إذ يمكن القول إن "بوتين على دراية تامة بالمخاطر التي ينطوي عليها الارتباط الوثيق بالصين، لكنه يختار تعزيزه بالرغم من ذلك".
وهو ما يشير -حسب الموقع العبري- إلى أن "الولايات المتحدة ليس لديها فرصة حقيقية لتغيير مسار روسيا".
وفي هذا الصدد، يلفت مدير مركز كارنيغي لشؤون روسيا وأوراسيا "ألكسندر غابويف"، إلى أن "بوتين يؤمن بأنه يستطيع تعميق العلاقات مع الصين بالرغم من عدم خلوها من المخاطر، لكنه يرى أن الأمر يستحق ذلك".
غير أنه أشار -في ذات الوقت- إلى وجود أشخاص داخل النظام الروسي يشككون في هذا النهج.

مطامع صينية
وفي سياق متصل، أشار الموقع إلى أن "روسيا لطالما خشيت من التعدي الصيني على طول حدودهما المشتركة التي يبلغ طولها 4209 كيلومترا".
وعبر قوميون صينيون منذ سنوات عن رفضهم المعاهدات التي وقعتها الصين في القرن التاسع عشر والتي منحت روسيا مساحات شاسعة من الأراضي، من بينها مدينة فلاديفوستوك الحالية.
ولفت الموقع إلى أن هذا الموضوع يشكل "مصدر قلق خاص في الوقت الحالي"، نظرا لضعف روسيا جراء الحرب والعقوبات الاقتصادية، مما يجعلها أضعف من أي وقت مضى في مواجهة طموحات بكين.
وتعبر الوثائق الروسية المسربة عن مخاوف بشأن دعوات بعض الأكاديميين الصين الذين يطالبون بأراضٍ روسية، بدعوى أنهم يبحثون عن "آثار لشعوب صينية قديمة" في أقصى الشرق الروسي.
وأضافت الوثائق أن "الصين نشرت في عام 2023 خريطة رسمية تضم أسماء تاريخية صينية لمدن ومناطق داخل روسيا".
ووجه جهاز الأمن الفيدرالي الروسي عناصره إلى تعقب هذه النشاطات القومية، ورصد أي محاولات صينية لاستغلال العلماء الروس أو الأرشيف الروسي لإجراء بحوث تهدف إلى إيجاد صلة تاريخية بتلك المناطق الحدودية.
وأشار موقع "واللا" العبري إلى أن "المخاوف الروسية لا تقتصر على التوسع الصيني في المناطق الحدودية في أقصى الشرق، بل تمتد أيضا إلى دول آسيا الوسطى التي كانت سابقا جزءا من الاتحاد السوفيتي".
ولفت إلى أن "بكين وضعت استراتيجية جديدة لبسط نفوذها الناعم في المنطقة، وبدأت بتنفيذها في أوزبكستان".
وتسلط الوثائق الضوء على اهتمام الصين الشديد بالمناطق القطبية الشاسعة التابعة لروسيا، وبمسار البحر الشمالي القريب من سواحلها الشمالية.
ووفقا لوثيقة جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، ترى بكين أن "العقوبات الغربية ستجبر موسكو على الاستعانة بالصين من أجل الحفاظ على البنية التحتية المتقادمة في هذه المنطقة".
وقد اضطرت شركة الغاز الروسية العملاقة "نوفاتك" بالفعل إلى الاعتماد على الصين لإنقاذ مشروع الغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي، بعد أن كانت تعتمد سابقا على شركة أميركية.
في هذا السياق، اتهم جهاز الأمن الفيدرالي الروسي الصين بـ "تشغيل جواسيس في القطب الشمالي".
وأشار إلى أن "أجهزة الاستخبارات الصينية تسعى لجمع معلومات تتعلق بتطوير المنطقة القطبية الروسية، مستغلة في ذلك المؤسسات الأكاديمية وشركات التعدين على وجه الخصوص".
ورغم كل هذه الإشكالات والتشكيكات، تشدد الوثيقة على أن "فقدان دعم الصين سيكون أشد خطورة من النزاع مع الغرب".
كما تحذر بوضوح ضباط الاستخبارات من "اتخاذ أي إجراء حساس دون إذن مباشر من أعلى مستويات القيادة في المؤسسة الأمنية الروسية".