بدعمها إسرائيل ضد إيران.. هل دخلت أوروبا مرحلة الانتحار الجيوسياسي؟

أيدت أوروبا الهجوم الإسرائيلي وأدانت إيران على الضربات التي تعرضت لها
انتقدت مجلة أميركية موقف القادة الأوروبيين من التصعيد المتواصل بين إسرائيل وإيران، معتبرة أنه يعكس انهيارا أخلاقيا ودبلوماسيا صارخا بسبب الوقوف إلى جانب المعتدي.
وتحت عنوان: "أوروبا تدين إيران على هجمات تعرضت لها!"، انتقدت مجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت" الأميركية ازدواجية المعايير الأوروبية في التعامل مع التصعيد الأخير.
وقال إلدار محمدوف، الباحث في "معهد كوينسي" التابع للمجلة: "عندما شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية ضربات على إيران (منذ 13 يونيو/حزيران 2025)، لم يُدِن قادة أوروبا الهجوم".
و"هذا على الرغم من أن الضربات انتهكت السيادة الإيرانية، في عمل عدواني سافر تسبب في مقتل عشرات المدنيين إلى جانب كبار القادة العسكريين وعلماء نوويين، مما دعا إيران إلى شن ضربات انتقامية عشوائية مماثلة".

الدفاع عن إسرائيل
وأضاف: "للغرابة، أيدت أوروبا هذا الهجوم، وفي الوقت نفسه أدانت إيران على الضربات التي تعرضت لها داخل أراضيها".
وحدّد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، موقفه عبر إدانته "البرنامج النووي الإيراني المستمر" وإعادة تأكيده على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وضمان أمنها".
وبدا أن رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، قد كررت الخطاب نفسه، مؤكدة "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، ومُزيّنةً ذلك ببعض "العبارات المبتذلة" حول ضرورة ضبط النفس وخفض التصعيد، وفق وصف الكاتب.
ومن جهتها، ذهبت وزارة الخارجية الألمانية إلى أبعد من ذلك؛ إذ "أدانت بشدة" إيران لشنها "هجوما عشوائيا على الأراضي الإسرائيلية"، حتى قبل أن تطلق طهران صواريخها ردا على الهجوم الإسرائيلي على أراضيها، هذا مع تأييدها الكامل لأفعال تل أبيب.
هذا الخطاب -بحسب الكاتب- ليس مجرد عجز أو جهل، بل تتويجا لسنوات من سوء الممارسة الدبلوماسية الأوروبية التي أسهمت في إنتاج هذه الأزمة، وكشفت عن "النظام القائم على القواعد" وكأنه "جثة هامدة".
وبيّن الكاتب أن ازدواجية معايير أوروبا قضت على مصداقيتها، مقارنا هجمات إسرائيل على إيران من جهة، وهجمات روسيا على أوكرانيا من جهة أخرى.
وقال: "استند موقف أوروبا من أوكرانيا بوضوح سياسي إلى المادة 2 (4) من ميثاق الأمم المتحدة: "يمتنع جميع الأعضاء عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد سلامة أراضي أي دولة".
ومع ذلك، عندما هاجمت إسرائيل إيران دون أي أساس قانوني للدفاع عن النفس، أعادت أوروبا تأطير العدوان على أنه فضيلة وتغاضت عنه.
وأضاف أن "انهيار أوروبا الأخلاقي والدبلوماسي لم يمر مرور الكرام، فقد صدرت عن صوتين عالميين محترمين انتقادات لاذعة للغاية".
وأشار إلى أن محمد البرادعي، الحائز على جائزة نوبل والرئيس السابق لوكالة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، قدّم لوزارة الخارجية الألمانية درسا مهنيا مكثفا في القانون الدولي.
وردا على تأييد برلين "للضربات الإسرائيلية الموجهة ضد المنشآت النووية الإيرانية" (بغض النظر عن مئات المدنيين الذين قُتلوا فيها)، ذكّر البرادعي بأن مثل هذه الهجمات محظورة بموجب اتفاقيات جنيف التي تُعد ألمانيا طرفا فيها.
كما أكد أن استخدام القوة في العلاقات الدولية "محظور عموما في ميثاق الأمم المتحدة باستثناء حق الدفاع عن النفس في حالة الهجوم المسلح أو بتفويض من مجلس الأمن في حالة العمل الأمني الجماعي".
بدورها، علّقت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة على تصريح ماكرون، قائلة: في اليوم الذي هاجمت فيه إسرائيل إيران بشكل غير مبرر، يعترف رئيس قوة أوروبية عظمى بأن تل أبيب وحدها، هي من يحق لها الدفاع عن نفسها بالشرق الأوسط.

قيم مزيفة
وبحسب الكاتب، فإن أصواتا مثل البرادعي وألبانيز توجّه رسالة لا لبس فيها، مفادها أن أوروبا حين تبارك ضربات إسرائيل وتدين في الوقت نفسه غزو روسيا، فهي لا تنحاز إلى قواعد عادلة أو عالمية، بل تُجسّد هويتها القبَلية؛ حيث تُطبق "القواعد" فقط على الأعداء، لا على الحلفاء.
وهذا الانحياز -وفق الباحث- ينسف أي زيف لما تدعيه أوروبا من تفوق أخلاقي، وهو أمر لم يمرّ مرور الكرام في الجنوب العالمي، بل وشعر به كثير من الأوروبيين أنفسهم.
وأضاف: "هذا الادعاء يبدو أكثر انفصالا عن الواقع، خاصة أن الأزمة في الشرق الأوسط اندلعت على أرض خصبة أعدّتها سلسلة من الإخفاقات الأوروبية المتكررة".
بدايةً، جاء فشل الدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا) في الحفاظ على الاتفاق النووي (JCPOA) بعد انسحاب الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب خلال ولايته الأولى في 2018.
ورغم أن الاتحاد الأوروبي قدّم دعما خطابيا للاتفاق، فقد استسلم للعقوبات الأميركية ورفض حماية الشركات الأوروبية التي كانت ترغب في التعامل مع إيران، وهكذا سمح بموت الاتفاق، مما خلق فراغا أدى إلى تصعيد الأوضاع.
علاوة على ذلك، بينما كان وسطاء مثل عُمان وقطر يسهّلون المحادثات حول اتفاق نووي جديد بين الولايات المتحدة وإيران، ضغط الاتحاد الأوروبي من أجل استصدار قرار من الوكالة الدولية للطاقة الذرية يفرض رقابة على إيران قبل أيام من الضربة الإسرائيلية.
وهو ما أدى إلى نسف جهود خفض التصعيد والمساهمة في خلق بيئة أمنية أكثر توترا وخطورة، في ظل عودة مجلس الأمن الدولي إلى فرض عقوباته، واحتمال انسحاب إيران من "معاهدة حظر الانتشار النووي".
ويرى الكاتب أن "كل هذه الإخفاقات برهنت على وجهة نظر طهران القائلة بعدم جدوى التفاوض مع أوروبا".
وتابع: "أصبحت دول الثلاثي الأوروبي، والاتحاد، يُنظر إليهم الآن ليس فقط كطرف ضعيف عاجز عن الوفاء بالتزاماته بموجب الاتفاق النووي، بل كطرف فاعل مدمر يهدد أمن إيران ويقوض الاستقرار الإقليمي".
وقال: إن "الانحدار المذهل للمكانة الدبلوماسية للقوى الأوروبية تجلى بوضوح عندما رفض وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، بشكل قاطع مناشدات نظيره البريطاني، ديفيد لامي، لخفض التصعيد".

انتحار جيوسياسي
وشدد الكاتب على أنه "من الصعب تخيل أن طهران ستستجيب لهذه الدعوات، خاصة أنها ترى أن هذه الدول ليست مجرد مراقب محايد، بل متورطة فعليا في دعم الطرف المعتدي".
وأوضح أن العواقب المحتملة لتدمير أوروبا لمصداقيتها الدبلوماسية تكمن في أنها أحرقت كل الثقة المتبقية لها لدى إيران والدول النامية بشكل عام.
ويرى الكاتب أن ما حدث سيؤول بالتأكيد إلى انتشار الأسلحة النووية؛ حيث إن التطورات الأخيرة منحت الإيرانيين -وليس فقط المتشددين منهم- دافعا قويا للسعي نحو التسلح النووي.
وهي نتيجة كان يمكن تفاديها لو انخرطت أوروبا في حوارات جادة ونزيهة مع إيران لإحياء الاتفاق النووي، وفق تقديره.
وأكد أن "انسحاب إيران من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لم يعد مجرد احتمال نظري".
وقال: “كل هذه التطورات تزيد بشكل كبير من احتمالية وجود تداعيات سلبية على مصالح أوروبا”.
إذ إن حربا إقليمية في الشرق الأوسط تعني موجات أكبر من الهجرة غير المنضبطة، وتصاعد خطر الإرهاب داخل الأراضي الأوروبية أو ضد مصالح أوروبا في المنطقة.
"هذا فضلا عن صدمات في أسواق الطاقة، إذا نفَّذت إيران تهديداتها بإغلاق مضيق هرمز، الشريان الرئيس في العالم لتجارة النفط".
ويستبعد الكاتب أن تتخذ أوروبا خطوات تصحيحية عاجلة، من قبل مساءلة إسرائيل عن عدوانها الإقليمي، لكنه يؤكد أن عدم وجود خطوات كهذه سيسرّع وتيرة الاضمحلال الأوروبي.
وختم قائلا: "عندما تُعفي بروكسل حلفاءها من القواعد التي تفرضها على خصومها، فهي لا تحمي السلام، بل تُوقع على وثيقة انتحارها الجيوسياسي".