مفاعلات "نطنز وفوردو".. لماذا فشلت إسرائيل في تعطيل برنامج طهران النووي؟

"منشآت التخصيب الرئيسية مثل نطنز وفوردو شيدت في مواقع جبلية شديدة التحصين"
في الساعات الأولى من فجر 13 يونيو/ حزيران 2025، وجه سلاح الجو الإسرائيلي ضربة غير مسبوقة إلى قلب البرنامج النووي الإيراني، مستهدفا منشآت عسكرية وحيوية من طهران إلى تبريز، وعلى رأسها موقعا نطنز وفوردو للتخصيب.
وكشفت المعطيات الأولية أن الضربات أصابت أجهزة الطرد المركزي ومنشآت الإمداد والطاقة تحت الأرض، وأحدثت تسربا إشعاعيا محدودا داخل نطنز وأضرارا موضعية في فوردو، بينما تؤكد طهران عدم وجود تلوث خارجي يهدد السكان.
واختيار إسرائيل لهذين الموقعين تحديدا لا يخرج عن عقيدتها المعروفة بـ"الإحباط المسبق"، إذ يمثل نطنز مركز الثقل التاريخي لتخصيب اليورانيوم الإيراني.
فيما يعد فوردو، المحفور بعمق في جبل كوه، حصن المشروع في حال تعرض باقي المنشآت للتدمير.
وبهذا الهجوم، توجه دولة الاحتلال رسالة مزدوجة، الأولى، سعيها لاختراق أكثر طبقات الدفاع الإيراني تحصينا، والثانية، عزمها على ضرب كل حلقة يمكن أن تقود طهران إلى العتبة النووية.
كما تترك تساؤلات حول أسباب إصرار إسرائيل على تركيز ضرباتها على البنية التحتية الفنية والعلمية في نطنز وفوردو تحديدا؟ وذلك بصفتهما شريان الحياة لمجهود طهران النووي.

مفاعل نطنز
ويقع مفاعل نطنز لتخصيب اليورانيوم، والذي يمثل قلب مشروع إيران النووي، في محافظة أصفهان، على بعد نحو 220 كيلومترا جنوب شرق طهران.
وقد شيدته إيران بسرية تامة حتى انكشف أمره عام 2002، وهو يمتد على مساحة تقارب 2.7 كيلومتر مربع.
وأنشئ المفاعل على عمق ثمانية أمتار تحت الأرض وراء جدران خرسانية بسماكة 2.5 متر، تحيط بها أسلاك شائكة ومنظومات دفاع جوي وقوات من الحرس الثوري، ما يجعله حصنا فريدا يصعب اقتحامه من الجو أو البر.
وصمم نطنز ليضم عشرات الآلاف من أجهزة الطرد المركزي العاملة بأسلوبي الطرد والمضاعفة الليزرية، وتقدر طاقته بما يكفي لإنتاج يورانيوم يمكنه نظريا من تصنيع أكثر من عشرين رأسا نوويا كل عام.
وقد كشف تقرير مسرب للوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2003 عن آثار يورانيوم مخصب بدرجة عسكرية في عينات انتزعت من الموقع.
ومع مرور السنوات، أخذ المخزون يرتفع، ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن كمية اليورانيوم منخفض التخصيب في نطنز بلغت 2442.9 كيلوغرام.
أي اثني عشر ضعف السقف المحدد في الاتفاق النووي الإيراني الذي تم عام 2015 بمدينة لوزان مع الولايات المتحدة، الصين، روسيا، ألمانيا، فرنسا، وبريطانيا.
وهو مخزون يكفي، بحسب معهد العلوم والأمن الدولي، لصنع سلاحين نوويين على الأقل.

أهمية الأهداف
ولهذا السبب تحديدا وضعت إسرائيل نطنز على رأس قائمة أهدافها، فمنذ هجوم "ستاكس-نت" الإلكتروني عام 2010 مرورا بسلسلة من التفجيرات وتعطيل لشبكات الكهرباء.
كذلك ومع الانفجار الغامض في يوليو/ تموز 2020، تنسب إلى الكيان الإسرائيلي شن عمليات تخريب ممنهجة على هذا المفاعل تحديدا، لعكس عقارب ساعة البرنامج النووي الإيراني.
وحتى الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب (خلال ولايته الأولى)، بحثت في نوفمبر 2020 خيار توجيه ضربة عسكرية إلى نطنز، وفق ما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
وتكمن أهمية نطنز الإستراتيجية في أنه شريان التخصيب الرئيس لإيران، فإذا تعطل أو دمر، يتراجع الجهد النووي الإيراني سنوات إلى الخلف.
ومن هنا يمكن فهم إصرار إسرائيل على استهدافه مرارا، فكل هزة تصيبه تعد في حساباتها محطة تأخير حيوية تقرب طهران خطوة إلى الوراء عن العتبة النووية المنشودة.
أما المفاعل الثاني في قائمة الاستهداف الإسرائيلية، فهو مفاعل فوردو لتخصيب اليورانيوم، الذي يقع داخل تجويف جبل "كوه" شديد التحصين قرب مدينة قم، على نحو 90 كيلومترا جنوب غرب طهران.
ويعد المفاعل هو عمود خطة الطوارئ التي أعدتها إيران لاستمرار مسارها النووي إذا تعرضت منشآت السطح للتدمير.
وظل موقع المفاعل سريا إلى أن كشفت عنه أجهزة الاستخبارات الأميركية منتصف 2009، فأجبرت طهران على الاعتراف به تحت ضغط دولي مكثف.
ويحتوي فوردو، بحسب تقديرات غربية أعلنها الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، على نحو ثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي موزعة في قاعات تحت عمق صخري يقارب تسعين مترا، ما يمنحه مناعة نسبية أمام القصف التقليدي.
وتستخدمه إيران رسميا لتخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء 20 بالمئة لتزويد مفاعل أبحاث طبية في طهران بالنظائر المشعة لعلاج السرطان.
لكن الخبراء الاستخباراتيين يؤكدون أن هندسة الموقع، وطاقته المحدودة مقارنة بنطنز، تجعله مثاليا لإنتاج دفعات صغيرة من اليورانيوم العالي التخصيب الصالح لصنع سلاح نووي.
الخزنة الجبلية
ولهذه التقديرات، يعد فوردو "الخزنة الجبلية" للبرنامج النووي الإيراني، ويحتل مرتبة تالية مباشرة لنطنز في قائمة أولويات الاستهداف الإسرائيلية.
إذ ترى أن تدمير أو تعطيل هذه المنشأة أو على الأقل إرباكها وإجبار طهران على نقل معداتها يعيد الساعة النووية الإيرانية سنوات إلى الوراء، ويصعب على القيادة الإيرانية خيار الاندفاع نحو العتبة النووية سرا.
وفي هجوم 13 يونيو 2025، اخترقت القاذفات الإسرائيلية الحصون الجبلية لفوردو وأصابت نقطتين محددتين.
لكن هيئة الطاقة الذرية الإيرانية أكدت أن الأضرار طفيفة ولا يوجد تسرب إشعاعي.
إلا أن تصريحات المتحدث باسم هيئة الطاقة النووية الإيرانية، بهروز كمالوندي، تكشف جانبا مهما، بأن طهران توقعت هجوما من هذا النوع ونقلت جزءا كبيرا من المعدات والمواد مسبقا.
وقال كمالوندي: "الحمد لله، لم نسجل أي خسائر بشرية في أي من المنشآت، ونؤكد أن لدينا حالات أخرى تضررت فيها الصناعة النووية، لكننا أعدنا بناءها بشكل أفضل بكثير، وبفضل الطاقة والتكنولوجيا والمرافق والكوادر البشرية المحفزة والمتخصصة، سيتم تعويضهم إن شاء الله".
وإجمالا، يستهدف قصف دولة الاحتلال فوردو، للأسباب نفسها التي يستهدف بها نطنز، لكن بميزة إضافية، تكمن في أن تعطيله يمنع إيران من امتلاك برنامج بديل محصن تحت الأرض.
فشل إسرائيلي
ومع ذلك، فإنه رغم الضربة الجوية الأخيرة ضد المنشآت النووية الإيرانية، إلا أن تقريرا أصدره معهد "دراسات الأمن القومي الإسرائيلي" في 14 يونيو، أشار إلى أن "إسرائيل لم تنجح حتى الآن في إلحاق ضرر إستراتيجي دائم أو تعطيل كامل للبنية التحتية الحيوية لبرنامج طهران النووي.
وهو ما وصفه التقرير بأنه “فشل نسبي متواصل في تحقيق الأهداف العسكرية الحاسمة”، وفي ظل هذا القصور، يرجح المعهد أن “تل أبيب قد تضطر إلى الاعتماد على الدعم الأميركي إذا قررت المضي قدما في محاولة تدمير البنية النووية الإيرانية بالكامل”.
وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى استعداد واشنطن لاستخدام قاذفاتها الإستراتيجية من أجل مهمة قد تؤدي إلى تصعيد شامل وحرب إقليمية كبرى في المنطقة.
ويعزى الفشل الإسرائيلي، بحسب مصادر عسكرية إيرانية نقلتها وسائل إعلام محلية، منها وكالة "فارس" للأنباء، بأن منشآت التخصيب الرئيسة مثل نطنز وفوردو وأراك قد شيدت في مواقع جبلية شديدة التحصين، وعلى أعماق كبيرة تصل في بعض الحالات إلى عشرات الأمتار تحت سطح الأرض.
وقد صممت هذه المنشآت خصيصا لتحمل القصف الجوي المكثف، بما في ذلك الهجمات باستخدام الذخائر الخارقة للتحصينات التقليدية.
كما يبرز بحسب التقارير الإيرانية، تحد عسكري جوهري أمام إسرائيل، يتمثل في عدم امتلاكها القنابل المناسبة لتدمير منشآت عميقة من هذا النوع.
فالقنبلة الوحيدة المعروفة التي تمتلك القدرة على اختراق أكثر من 60 مترا من الخرسانة المسلحة أو الصخور هي قنبلة (GBU-57) المعروفة باسم "مخترقة التحصينات الضخمة"، ويبلغ وزنها أكثر من 12 طنا.
وهذا النوع من الذخائر لا يمكن تحميله أو إطلاقه إلا عبر قاذفات القنابل الأميركية الثقيلة مثل طائرة B-2 Spirit، وهو ما لا يتوافر في الترسانة الإسرائيلية.
أما المقاتلات الإسرائيلية المتطورة مثل F-35، فرغم تفوقها التكنولوجي، فإنها عاجزة عن حمل قنبلة بهذا الوزن والحجم، ما يضع حدودا واضحة على خيارات إسرائيل العسكرية.
لذلك، فإنه رغم نجاح إسرائيل في تعطيل مؤقت لبعض المنشآت أو إرباك عمليات التخصيب عبر التفجيرات والتخريب السيبراني، إلا أن الواقع العملياتي على الأرض يظهر أنها لا تزال عاجزة عن توجيه ضربة حاسمة للبنية النووية الإيرانية دون تدخل أميركي مباشر.
وهو ما يجعل من فشل تل أبيب في تحييد هذه المنشآت يرجع إلى مسألة قرار سياسي مشترك بينها وبين واشنطن، أكثر منه مسألة ضربات محددة فقط.
المصادر
- إيران تعلن تسجيل تلوث إشعاعي داخل مفاعل نطنز النووي
- وسط الضربات الإسرائيلية.. لماذا يصعب تدمير مفاعلات إيران النووية؟
- إيران: لا تلوث نووي بعد الهجوم الإسرائيلي على منشأة "فوردو"
- تفجير نطنز من وجهة نظر إيرانية (تحليل)
- ماذا نعرف عن منشأة نطنز النووية التي أكد مسؤولون إيرانيون سلامتها؟
- إيران تعلن نقل معدات منشأة “فوردو” النووية إلى منطقة آمنة قبل الهجوم الإسرائيلي
- معهد دراسات الأمن القومي الاسرائيلي: فشل إسرائيل المستمر في إلحاق ضرر كبير بالبنية التحتية النووية الإيرانية قد يدفع اميركا للتدخل المباشر