هل تلعب شبكة "ستارلينك" دورا حاسما في إسقاط النظام الإيراني؟

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

تساءل معهد إسرائيلي عما إذا كانت شبكة "ستارلينك" ستصبح المفتاح السري لكسر حاجز الرقابة الصارمة في إيران، وتمهيد الطريق نحو تغيير جذري قد يؤدي إلى إسقاط النظام الحاكم، وذلك في خضم الضربات الإسرائيلية الأميركية لها.

وفي مقال نشره معهد القدس للإستراتيجية والأمن (JISS)، أكد الباحث الأول في هذه المؤسسة والمختص في الشأن الإيراني، آفي دافيدي، أن "الوضع الداخلي في إيران قد وصل إلى نقطة غليان خطيرة".

ودعا دافيدي - الذي شغل سابقا منصب مدير الشؤون الإيرانية في وزارة الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية، وقاد الدبلوماسية الرقمية في وزارة الخارجية- إلى إتاحة شبكة "ستارلينك" مجانا في إيران لتسهيل التواصل بين المعارضين الإيرانيين.

اضطرابات مستمرة

وأشار إلى أن التقارير الواردة من إيران تفيد بأن هناك تشديدا للقيود على الإنترنت، مع انقطاعات دورية للشبكة. وفي تطور غير مألوف، انخرطت "وكالة أنباء إيرنا" الحكومية في حوار إلكتروني حول الاحتجاجات التي عمّت البلاد.

هذه القيود تأتي في ظل اضطرابات مستمرة في جميع أنحاء إيران، خاصة في طهران، عقب غارات جوية إسرائيلية مكثفة.

وقال الباحث الإسرائيلي: "يدرك النظام الإيراني تماما أنه في ظل الظروف الحالية، فإن الخط الفاصل بين الاضطرابات واندلاع احتجاجات واسعة النطاق على مستوى البلاد قد تزعزع استقرار الحكومة، رفيعٌ للغاية، ونتيجةً لذلك، بدأت طهران دعم الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار الداخلي".

وأضاف: "في ظل هذه الظروف الصعبة، يحتاج الجمهور الإيراني إلى مساعدة تكنولوجية خارجية لمواصلة تغطية ما يحدث داخل إيران والتغلب على قيود النظام التي تهدف إلى قمع أي احتجاج".

ويرى أن "شبكة ستارلينك تُعد الأداة الأكثر فعالية المتاحة للجمهور الإيراني حاليا للالتفاف على قيود النظام على استخدام الإنترنت".

وقال الباحث الإسرائيلي: منذ بداية عملية "الأسد الصاعد" الإسرائيلية ضد إيران، واجه النظام الإيراني تحديات كبيرة في السيطرة على الرأي العام داخل البلاد.

فقد صُورت الغارات الإسرائيلية من زوايا متعددة، مما كشف عن نقاط ضعف النظام أمام الجميع، وفق قوله.

وتستهدف إسرائيل قلب طهران، كما تضرب بنية الغاز والوقود في مناطق محددة ومحدودة، وهو ما يؤثر مباشرة على حياة المواطنين الإيرانيين.

وأضاف الباحث أن "الازدحامات الطويلة في محطات الوقود والمتاجر وعلى الطرق المؤدية إلى خارج طهران تعكس حالة الأزمة المتصاعدة وتزيد من القلق الشعبي".

وأوضح أن "تآكل استقرار النظام يشكل قلقا رئيسا له، وهو أمر يكافح للحفاظ عليه منذ فترة طويلة؛ حيث استمرت احتجاجات مهسا أميني (شابة إيرانية توفيت بعد احتجازها على يد شرطة الأخلاق)  في 2022-2023 لأشهر عدة، وأسفرت عن مئات القتلى واعتقالات واسعة".

وعلى الرغم من أنها لم تكن المرة الأولى التي تشهد فيها إيران موجات احتجاجية قوية خلال العقد الماضي، فإن احتجاجات "أميني" تميزت بحجمها وامتدادها، ولها تأثير عميق على المجتمع والسياسة الإيرانية، خصوصا في طريقة تعامل النظام مع قانون الحجاب.

إلى جانب الاضطرابات الاجتماعية، يقلق النظام أيضا من تفاقم الأوضاع الاقتصادية وتزايد نقص الكهرباء والمياه، كما أن الحرب المستمرة تهدد بتعميق هذه الأزمات وزيادة الشعور العام بالحالة الطارئة.

وقال الباحث: "يكمن في قلب مخاوف النظام احتمال اندلاع اضطرابات داخلية تتحول إلى احتجاجات جماهيرية قد تؤدي في النهاية إلى سقوط الجمهورية الإسلامية".

ومن الأدوات الرئيسة التي يعتقد أنها قد تُطلق مثل هذا السيناريو وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ تنظر القيادة الإيرانية إلى الخطاب الحر على الإنترنت كتهديد لسببين رئيسين.

أولا، تتيح وسائل التواصل الاجتماعي تنسيق الاحتجاجات وتنفيذ الهجمات ضد قوات النظام بسرعة وسهولة، سواء من خلال خلايا صغيرة متماسكة، أو عبر تعبئة جماهيرية أوسع بنشر مواقع التجمع ودعوة الناس للمشاركة.

ثانيا، يوفّر الخطاب المفتوح على هذه المنصات مجالا واسعا لنشر المعلومات بسرعة إلى جمهور كبير.

فعلى سبيل المثال، انتشرت قصة مهسا أميني في المقام الأول عبر وسائل التواصل، مما أتاح تداول الصور ومقاطع الفيديو والرسائل التي كشفت ما يجرى خارج الدوائر الضيقة، وأسهمت في تحفيز حركات احتجاجية جماعية، كما حصل بعد وفاتها.

جهود النظام

وقال الباحث: "حتى في الظروف العادية، يعمل النظام الإيراني بنشاط على ضبط الخطاب الرقمي داخل البلاد، إذ يُحظر الوصول إلى العديد من التطبيقات والمواقع الإلكترونية، رغم أن قطاعا واسعا من الجمهور يستخدم شبكات VPN لتجاوز هذه القيود".

ويسعى النظام إلى دفع السكان لاستخدام "الإنترنت الوطني" المعروف باسم "الشبكة الوطنية للمعلومات"، وهي شبكة داخلية تخضع لرقابة لصيقة من قبل الأجهزة الأمنية، كما أطلق عددا من التطبيقات المحلية التي تهدف إلى منافسة نظيراتها الغربية.

ومع ذلك، حتى تاريخ 21 أبريل/نيسان 2025، لم تبلغ البنية التحتية الرقمية للنظام مستوى كافيا من التطور؛ إذ لا تزال قدراته التقنية وتطبيقاته غير مكتملة، كما أنه لم ينجح في قطع الاتصال تماما بشبكة الإنترنت العالمية.

إلى جانب ذلك، لا تحظى هذه المبادرات برضا شعبي، إذ يواصل المستخدمون الإيرانيون النفاذ إلى المواقع والتطبيقات الغربية بنسبة كبيرة.

وأضاف أن "التقنيات التي تتيح الوصول المباشر إلى الإنترنت دون الاعتماد على البنية التحتية التي يسيطر عليها النظام تُعد أمرا بالغ الأهمية.

وبين أن الطرف الرئيس الذي يمتلك هذه التقنية حاليا هو شركة الملياردير الأميركي إيلون ماسك، سبيس إكس (SpaceX)، التي تتيح الوصول إلى الإنترنت عبر شبكة ستارلينك الفضائية.

ففي يناير/كانون الثاني 2024، أعلنت الشركة عن ميزة جديدة تتيح للأجهزة الخاصة الاتصال مباشرة بشبكة "ستارلينك" من دون الحاجة إلى محطة طرفية مخصصة لنقل إشارات الأقمار الصناعية إلى أجهزة المستخدمين.

ووفقا لتقارير، فإن هذا الابتكار قد يُحدث تحولا جذريا في المشهد داخل إيران؛ إذ من شأنه أن يُحرّر ملايين الإيرانيين من رقابة النظام، سواء تلك المتمثلة في الإبطاء المتعمد لشبكة الإنترنت خلال فترات التوتر أو في الحظر الشامل، وفق وصف الباحث.

وتوقع أن يُسهم هذا الاتصال غير الخاضع لسيطرة طهران في تعزيز قدرات المجموعات المناهضة للنظام داخل البلاد بشكل كبير.

وتشير التقديرات إلى أنه بحلول أوائل عام 2025، سيتصل حوالي 100 ألف مستخدم في إيران بالإنترنت عبر ستارلينك، ومن المرجح أن يزداد هذا العدد مع اتساع نطاق توفر الخدمة.

ولا يشك الباحث الإسرائيلي في أن إتاحة خدمات ستارلينك على نطاق واسع وغير مقيد للمستخدمين الأفراد في إيران، قد تُرجّح كفة الميزان لصالح معارضي النظام خلال هذه الفترة الحساسة.

وفي 14 يونيو/حزيران، ردّ إيلون ماسك على منشور على منصة "إكس" يحثّه على تفعيل الخدمة فوق الأراضي الإيرانية، مؤكدا أنها متاحة. 

مع ذلك، لم تصدر أي تصريحات رسمية أو صريحة من ماسك أو من "سبيس إكس" حول هذا الموضوع.

وهذا الغموض -بحسب الباحث- يُصعّب على معظم الإيرانيين الوصول إلى الخدمة، حتى وإن كانت متاحة تقنيا.

علاوة على ذلك، أدى التضخم المتفشي في البلاد إلى ارتفاع تكلفة الخدمة بشكل كبير بالنسبة لغالبية المواطنين الإيرانيين.

 لذا، يجب على أولئك الذين يأملون في إحداث تغيير حقيقي في إيران من خلال التكنولوجيا النظر في إتاحة الوصول المجاني إلى الخدمة للمستخدمين الإيرانيين، وفق دعوة الباحث الإسرائيلي.

وختم قائلا: "إن اتخاذ قرار في هذا الشأن خلال الأيام المقبلة قد يُسهم في تسريع التفاعلات الداخلية التي تشهدها الساحة الإيرانية، والتي أجّجتها الحرب بصورة لافتة، وقد تُفضي في نهاية المطاف إلى زعزعة أركان الجمهورية الإسلامية"، وفق قوله.