بعد الاستهداف الأميركي العنيف للمنشآت.. هل إيران قادرة على تطوير سلاح نووي؟

هناك عامل يزيد من تعقيد الصورة وهو قدرة إيران على الترميم
على الرغم من الضربة القوية التي وجهتها إسرائيل إلى المشروع النووي الإيراني فجر 13 يونيو/حزيران 2025، رأت القناة الـ 12 الإسرائيلية أن طهران لا تزال تمتلك قدرات عسكرية كبيرة ما زالت سليمة.
وبحسب تقديرها، تشمل هذه القدرات مخزونات من اليورانيوم المخصب، ومنشآت تخصيب محصّنة تحت الأرض، وآلاف الصواريخ الباليستية.
ولكن لا يعرف على وجه التحديد مدى تأثر هذه القدرات بشكل أكبر، بعد أن دخلت الولايات المتحدة الحرب الإسرائيلية ضد إيران، بإعلان الرئيس دونالد ترامب، فجر 22 يونيو، تنفيذ هجوم "ناجح للغاية" استهدف 3 مواقع نووية الأبرز في إيران، هي منشآت فوردو ونطنز وأصفهان.

حجم التدمير
وأوضح داني سيترينوفيتش، الباحث البارز في برنامج "إيران والمحور الشيعي" في معهد دراسات الأمن القومي العبري أن "القدرة على تصنيع السلاح النووي قد تلقت ضربة كبيرة".
واستدرك سيترينوفيتش الرئيس السابق لشعبة إيران في شعبة الأبحاث بالاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: "لكن فيما يتعلق بقدرات التخصيب، فإن الإنجاز ليس كاملا"؛ إذ يعتقد أن إيران "لا تزال تمتلك قدرات متبقية في مجال التخصيب، يمكنها استخدامها في اليوم التالي لانتهاء الحرب".
في هذا السياق، ذكرت القناة أن الهجمات التي نُفذت حتى الآن "شملت منشآت نووية مركزية مثل منشأة نطنز؛ حيث تدعى إسرائيل أنها ألحقت أضرارا كبيرة بالمنشأة تحت الأرض".
وذلك رغم أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قالت: إن الأضرار طالت فقط المنشآت فوق الأرض.
بالإضافة إلى ذلك، هوجمت منشآت إعادة التحويل في أصفهان، والتي تعرضت لضربة تسببت في عرقلة عملها لسنوات حسب تقدير الجيش الإسرائيلي.
وتعد هذه المنشآت مرافق يحول فيها اليورانيوم المخصب أو المواد النووية الأخرى من شكل إلى آخر.
كما "استُهدفت البنية التحتية للطاقة المدنية، من موانئ ومصافي نفط ومحطات توليد الكهرباء؛ حيث قُصف لأول مرة حقل غاز ومصفاة في بوشهر جنوب إيران، إلى جانب مستودعات وقود في شمال غرب طهران وجنوبها".
كذلك، اغتيل تسعة علماء في مجال البرنامج النووي عملوا على تحويل المواد المخصبة إلى سلاح نووي.
أما على مستوى القيادة، تشير القناة إلى أن عددا من القادة العسكريين البارزين في النظام الإيراني وفي البرنامجين النووي والصاروخي قد لقوا حتفهم، من بينهم قائد سلاح الجو في الحرس الثوري، أمير علي حاجي زاده".
وأضافت: "استُهدفت أيضا مراكز القيادة والسيطرة مثل مقر وزارة الدفاع ومقر سَبناد المسؤول عن إخفاء أرشيف المشروع النووي، فضلا عن تدمير بطاريات دفاع جوي ومستودعات أسلحة مما مهّد الطريق أمام الطيران الإسرائيلي للوصول إلى أجواء طهران".
"وشملت الضربات كذلك منشآت الدعم الفني مثل أنظمة الكهرباء والتبريد والاتصالات الحيوية للمنشآت النووية"، كما أفادت القناة العبرية.

قيود عملياتية
ورغم كل هذه الضربات الإسرائيلية، تقدر أنه "لا تزال هناك أهداف عديدة في بنك الأهداف الإسرائيلي، منها منشأة تخصيب اليورانيوم في فوردو الواقعة تحت الأرض قرب مدينة قم، والتي لم تُضرب بعد"، والتي ضربتها أميركا بالفعل.
"بالإضافة إلى أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب حتى 60 بالمئة لا تزال في حوزة إيران"، حسب زعمها.
أيضا، "لا يزال هناك مصانع الطرد المركزي التي ما زالت قادرة على إنتاج المزيد منها، حيث لم تُدمَّر بالكامل". ونشرت القناة هذه التقديرات قبل الضربة الأميركية الأخيرة.
وتابعت: "كذلك هناك المزيد من مواقع إطلاق وتخزين الصواريخ الباليستية لم تُدمر بعد؛ إذ تُقدَّر ترسانة إيران بعدة آلاف من الصواريخ والطائرات المسيّرة بعيدة المدى".
وبالنسبة للأهداف السياسية، ترى القناة أنه "لا تزال هناك أهداف سياسية مثل مباني الحكم وأماكن إقامة كبار المسؤولين الإيرانيين.
ونقل مصدر إسرائيلي لصحيفة وول ستريت جورنال أن استهداف المرشد الأعلى علي خامنئي ليس مستبعدا بالنسبة لإسرائيل.
ورغم الضربة الافتتاحية القوية، يشير الباحث سيترينوفيتش إلى أن إسرائيل "تواجه قيودا عملياتية وتقنية كبيرة".
وأردف: "فخلال السنوات الماضية، عمد الإيرانيون إلى توزيع منشآتهم النووية ومستودعات اليورانيوم المخصب على مواقع كثيرة ذات تحصين عال، بعضها في أعماق كبيرة تحت الأرض، مما يقلل بشكل كبير من احتمالات القضاء الكامل على القدرات النووية الإيرانية".
وتابع أنه: "لا يمكن في الحقيقة منع دولة مثل إيران من تعزيز قدراتها العسكرية التقليدية".
ويكمل: "قدرة دولة إسرائيل على منع إيران من إنتاج صواريخ أرض-أرض على الأرجح غير موجودة، الضربة الأكثر أهمية لم تكن على ما يبدو ضد الصواريخ نفسها، بل ضد قدرات القيادة والسيطرة الإيرانية، الأمر الذي أضر بقدرتها على تنفيذ الخطط الأولية للرد".
في منشأة فوردو، على سبيل المثال، قدّر سيتيرينوفيتش (قبل الضربة الأميركية) أنه "من دون استهداف المنشأة، سنبقى مع إيران التي لا تزال تملك قدرات نووية متبقية؛ سواء من المواد أو أجهزة الطرد المركزي".
ولفتت القناة إلى أن هذه المنشأة تقع في سفح جبل على عمق 40 مترا، وقد نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين أميركيين تقديرهم بأن إسرائيل لا تمتلك القنابل اللازمة لاختراق هذا الموقع، وأن الولايات المتحدة وحدها هي من يمكنها استهداف هذه المنشأة (والتي قصفتها بالفعل).
وبعد القصف الأميركي، قال نائب مدينة قم بالبرلمان الإيراني: إن منشآت فوردو تحت الأرض لم تتعرض لأي أضرار وحجم الخسائر ليس كما يروج له ترامب.
وفي منشور عبر القصف الأميركي، قال ترامب: إن "فوردو انتهت" في إشارة إلى تدمير المنشأة النووية الإيرانية.

قدرات الترميم
علاوة على ذلك، ترى القناة العبرية أن هناك "عاملا آخر يزيد من تعقيد الصورة، وهو قدرة إيران على الترميم".
وأوضحت قائلة: "جزء كبير من البرنامج النووي يعتمد على الخبرة التي راكمها الإيرانيون، وفي هذا المجال أُحرز تقدم كبير في السنوات الأخيرة".
وأشارت إلى أن "البرنامج النووي الإيراني يعتمد بالأساس على الكوادر الإيرانية".
وأضافت: "لدى إيران آلاف المهندسين الذين أنشأوا منظومة التخصيب، لذلك حتى لو وُجهت لها ضربات قوية، فهناك قدرة على الترميم".
لذلك، تعتقد أن "الإنجاز الأكثر أهمية في الضربات كان اغتيال العلماء المتخصصين في "التسليح" (أي تحويل المادة المخصبة إلى سلاح نووي)".
وزعمت أن "هؤلاء أشخاص يمتلكون معرفة متخصصة تراكمت عبر سنوات طويلة، ومن الصعب على النظام الإيراني إيجاد بدائل لهم".
من جانب آخر، تشير القناة الإسرائيلية إلى "نقطة حساسة لم تتضح بعد، وهي ما حدث لمخزونات اليورانيوم المخصب".
فبحسب تحليل نشرته نيويورك تايمز، ضربت إسرائيل منشأة نطنز النووية، لكنها تجنبت في الموجة الأولى من الهجمات ضرب مخزن الوقود الضخم قرب أصفهان، كما أن العديد من المنشآت النووية الإيرانية بقيت سليمة.
"وفي أصفهان كان يُحتفظ على ما يبدو بالمادة المخصبة بنسبة 60 بالمئة، بكمية تصل إلى 400 كيلوغرام، لا أعرف ماذا جرى هناك، وهل الضربة كانت فعالة أصلا"، يقول سيتيرينوفيتش.
ويضيف: "هذه الكمية من اليورانيوم المخصب تشكل تهديدا كبيرا، إذ يمكن، عبر مزيد من التخصيب إلى 90 بالمئة استخدامها لصنع أكثر من عشر قنابل نووية".
واستطرد: "إذا كانت هذه المادة ما زالت سليمة، فهذا يعني أن الإيرانيين لا يزالون يملكون (ورقة خروج) نحو السلاح النووي خلال فترة قصيرة نسبيا".
وفي هذا الصدد، يرى الباحث السياسي أن إسرائيل تقف اليوم عند "مفترق طرق بشأن توسيع الحملة من عدمه"؛ إذ يخشى من أن "توسيع الحملة لتشمل البنى التحتية المدنية قد يقود إلى الانجرار إلى حرب استنزاف تُبدد الإنجازات المهمة التي حققناها في المعركة".
واستنادا إلى تلك المعطيات، خلصت القناة العبرية إلى أنه "على الرغم من الإنجازات الكبيرة، فإن قدرة إسرائيل على منع إيران بشكل كامل من الحفاظ على قدرات متبقية مهمة في المجال النووي تبقى موضع شك من دون تدخل أميركي نشط".
واختتمت قائلة: “السؤال المطروح الآن هو: هل الردع الذي تحقق سيكون كافيا لمنع النظام الإيراني من استغلال هذه القدرات؟”