التحذيرات تتصاعد.. هل يدفع الخليج ثمنا باهظا للحرب الإسرائيلية الإيرانية؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

مع استمرار المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران، بدأت دول الخليج تستشعر الأخطار وتصعد دعواتها للتهدئة، خاصة في ظل التلويح الأميركي بدخول الحرب.

تقديرات نشرها مسؤولون خليجيون وتقارير أجنبية أشارت بوضوح إلى أن دول الخليج المجاورة لطهران، ستدفع ثمنا باهظا للحرب الإسرائيلية الإيرانية التي بدأتها تل أبيب فجر 13 يونيو/حزيران 2025.

وتميل التقديرات نحو ترجيح خسارة الجميع مع اندلاع الحرب المباشرة بين إسرائيل وإيران، إذ إن التصعيد يُعرّض منطقة الخليج خصوصا بأكملها للخطر.

أثمان كارثية

رئيس الوزراء القطري الأسبق حمد بن جاسم آل ثاني أكد أن "منطقة الخليج تدفع حاليا، وستدفع، ثمنا باهظا للتصعيد الراهن وللحرب التي اندلعت إثر شن إسرائيل هجمات على المواقع الإيرانية العسكرية والمدنية".

وفي تغريدة على إكس، دعا دول الخليج أن تتدخل لدى الحليف الأميركي لوقف الحرب تجنبا لتبعاتها المباشرة وغير المباشرة في المدى القصير والبعيد، في الوقت الذي يصدر فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب تصريحات عدوانية عن احتمال انخراطه في الحرب.

وقال آل ثاني بوضوح: إنه "ليس من مصلحة دول الخليج أن ترى إيران تنهار"، في إشارة للهيمنة الإسرائيلية على المنطقة.

وأكد أنه مثلما كانت هناك تبعات كثيرة لاحتلال العراق للكويت، ستكون لهذه الحرب أيضا عواقب عميقة الأثر على منطقتنا وربما على العالم، ولن يكون المنتصر منتصرا، والمهزوم مهزوما على الدوام.

ويشير تحليل لموقع "سيمافور" semafor الأميركي 17 يونيو، إلى أن الخليج، وكل دول العالم، خاسرة في الحرب الإسرائيلية الإيرانية، وأن التصعيد يُعرض المنطقة بأكملها للخطر.

وأوضح أنه بالنسبة للخليج، الذي يقع بين الدولتين المتحاربتين، فإن العواقب واضحة. فكل شيء، من مواجهة التلوث الإشعاعي إلى إغلاق مضيق هرمز، إلى العواقب الاقتصادية الباهظة لحرب طويلة الأمد، مطروح على الطاولة.

لذا أدانت السعودية ومعظم دول الخليج والدول العربية تصرفات إسرائيل، بسبب خطر الانجرار إلى أزمة تُهدد بزعزعة استقرار المنطقة بشكل أكبر، بتجاوزها العديد من الخطوط الحمراء.

صحيفة "واشنطن بوست"، أكدت أيضا، 17 يونيو 2025، أنه رغم حرص دول الخليج على البقاء خارج القتال، فهي تخشى تصاعد الحرب أو تدخل أميركا وقصف إيران لقواعد واشنطن وحقول النفط في المنطقة.

وربما تتخذ طهران إجراءات أكثر صرامة مثل إغلاق مضيق هرمز، وهو ممر مائي حيوي، تمر منه صادرات النفط أو مهاجمة القواعد الأميركية في الخليج، لو شعر النظام الإيراني أن وجوده مهددا.

وأوضحت أن تصاعد الصراع أدى لتنامي حالة الرعب في الخليج، مدفوعة بذكريات الحروب المروعة السابقة، وخشية التصعيد من كل الأطراف.

ونقلت “واشنطن بوست” عن أستاذ التاريخ في جامعة الكويت "بدر السيف"، أن شعور الذعر في المنطقة سببه "أننا سنكون الضحايا في نهاية المطاف".

وكتب الصحفي حمود أبو طالب في صحيفة عكاظ السعودية في 16 يونيو: "إذا كانت أميركا حكيمة وعقلانية وتعطي الأولوية لمصالح الجميع في المنطقة، فإنها لن تتدخل وستجبر إسرائيل على التوقف".

وأضاف أنه إذا جرى "إغراء الولايات المتحدة (من قبل إسرائيل) فسندخل أسوأ مرحلة شهدتها المنطقة على الإطلاق".

لذا تقود عُمان وقطر جهودًا لبدء محادثات وقف إطلاق النار، وتهدئة الصراع المتصاعد على حدود الخليج، بحسب مسؤولين أميركيين تحدثوا للصحيفة.

وأوضح الكاتب والمحلل السياسي السعودي علي الشهابي، لواشنطن بوست أنه في أبريل/نيسان 2025، سافر وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان إلى طهران، في إشارة إلى تحسن العلاقات بين الغريمين الإقليميين.

إذ سلم رسالة مفادها أن الإسرائيليين "يبحثون عن ذريعة للهجوم وأن إيران يجب أن تتفاوض مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي"، وفق قوله.

وأضاف أن السعوديين تعهدوا للإيرانيين أيضا بعدم "المشاركة بأي شكل من الأشكال" في العمليات العسكرية ضد إيران.

الخليج مع أم ضد؟

وترى مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أنه "من وجهة النظر الخليجية فإن إسرائيل، وليس إيران، أصبحت المصدر الرئيس لعدم الاستقرار في المنطقة".

وبينت في 17 يونيو أن سياسة الخليج تجاه إيران تتميز المرونة؛ لأنها تُعطي الأولوية للاستقرار على الأيديولوجية.

لكن عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية الإماراتي، والمستشار السابق للرئيس محمد بن زايد، قال لـ "واشنطن بوست"، "إن ضعف إيران جيد للمنطقة"، بدعوى "تمويل طهران لوكلائها الإقليميين وعقود من التوسع". 

وأوضح أن فكرة انهيار الحكومة الإيرانية كانت "مجرد أمنيات في تل أبيب وفي أوساط عديدة بالمنطقة"، لكن الآن عندما تنتهي الحرب يتوقع أن "تنظر إيران إلى شؤونها الداخلية "بدلا من محاولة إبراز قوتها إقليميا".

ويزعم "إلعاد غلعادي" الباحث في قسم الدراسات الشرق أوسطية والإسلامية بجامعة حيفا، ومركز عزري لدراسة إيران والخليج، أن مواقف دول الخليج من الحرب الدائرة مع إيران تتراوح بين "الإدانة العلنية والرضا السري".

تحدث، في مقال نشرته صحيفة "معاريف" 18 يونيو عن "طبقات متضاربة من المصالح والمخاوف" في رد فعل دول الخليج على الحرب. فمعظمها ترى في العدوان الإسرائيلي على إيران "تهديدا للاستقرار الإقليمي، ولكنه أيضا فرصة".

كتب أن دول الخليج تدين هجوم إسرائيل، لكن موقفها عمليًا يبقى غامضًا، فهي ترى في الهجوم على إيران خطرًا أمنيًا وفرصة إستراتيجية في آنٍ واحد، ما دام لا يُلحق بها أي ضرر.

أضاف أن "أي ضرر يلحق بالقدرات العسكرية أو النووية الإيرانية قد يُسهم بإضعاف جهة تعد منذ سنوات تهديدًا إستراتيجيًا، ووجوديًا للأنظمة الخليجية".

"لذا، تُلبي الإدانات العلنية الحاجة الخارجية - التضامن العربي والتباعد الجماهيري عن إسرائيل - بينما يأتي الرد الفعلي على الأرض معتدلًا وحذرًا، بل وغير مبالٍ أحيانًا"، بحسب زعمه.

ويزعم أن السعودية ترحب ضمنا بضرب إيران، فتسعى جاهدة منذ عامين لاستعادة علاقاتها مع طهران. وقد أدانت الرياض الهجوم الإسرائيلي، وأكدت أنها لن تسمح باستخدام أراضيها أو مجالها الجوي لشن هجمات على الجمهورية الإسلامية. 

لكن، "خلف الكواليس، لا تعترض الرياض على تصفية عدد من جنرالات الحرس الثوري المسؤولون عن الأنشطة التخريبية في اليمن والعراق والخليج نفسه"، وفق زعمه.

أيضا الإمارات والبحرين، اللتان وقعتا اتفاقيات أبراها مع إسرائيل "تمسكان بطرفي الحبل: الحفاظ على الموقف العربي العلني، وتجنب الانفصال عن المحور الأميركي الإسرائيلي، الهام لاقتصاد البلدين وأمنهما القومي".

لكن القلق الرئيس لدى دول الخليج يأتي من رد فعل إيران على الهجوم الإسرائيلي عليها، فأي صاروخ يسقط في السعودية أو الإمارات، مثل تلك التي ضربت منشآت أرامكو النفطية عام 2019، قد يُدخل المنطقة في حالة  اضطراب أمني ​​واقتصادي غير مسبوق، وفق "معاريف".

أيضا تزعم صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" و"وكالة الأنباء الفرنسية"، أن دول الخليج تشيد بتل أبيب بهدوء، لكنها تخشى أن تؤدي الضربات الإيرانية إلى زعزعة استقرار المنطقة.

نقلتا في 13 يونيو 2015، عن محللين قولهم: إنه "على الرغم من الإدانة العلنية لإسرائيل، تريد دول الخليج رؤية طهران ضعيفة؛ حيث تستضيف العديد منها قواعد أميركية وتخشى أن يتم استهدافها من قبل النظام الإيراني".

وتشرح "سنام فاكيل"، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز تشاتام هاوس للأبحاث، الموقف بقولها: "دول الخليج عالقة بين المطرقة والسندان".

أضافت "في حين أنهم يصفقون بهدوء لمزيد من إضعاف إيران، فإنهم يواجهون مخاطر حقيقية ويتعين عليهم لعب أوراقهم بحذر".

حسابات الربح والخسارة 

وقال كريم بيطار، المحاضر في دراسات الشرق الأوسط بجامعة العلوم السياسية في باريس إنه "قبل عشر سنوات، كانت السعودية تحرض الولايات المتحدة على ضرب إيران، ووصفتها برأس الأفعى".

ولكن الآن "دول الخليج تدرك أن هذا الهجوم الإسرائيلي سيعرض مصالحها الاقتصادية للخطر، فضلا عن الاستقرار برمته" في المنطقة.

ويقول المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط أندرياس كريج لوكالة الأنباء الفرنسية: "إن القلق الأكبر في الخليج الآن يتمثل في مدى اضطرار الولايات المتحدة إلى الاعتماد على قواعدها للمساعدة في الدفاع عن إسرائيل".

ويقول الصحفي والمحلل الاقتصادي مصطفي عبد السلام، إن العرب سارعوا للإمساك بقوة بالآلة الحاسبة لحساب الأرباح والخسائر الناتجة عن الحرب الإيرانية الإسرائيلية.

وخاصة دول الخليج النفطية الثرية التي لديها فوائض مالية وصناديق سيادية تتجاوز أصولها خمسة تريليونات دولار، وأيضا العراق وليبيا والجزائر.

أوضح، عبر حسابه على فيسبوك، أنه لا أحد رابح أو مستفيد كلياً من الحرب، رغم أن دول الخليج أكبر المستفيدين منها بسبب ارتفاع أسعار النفط.

ولكن قد تُقدم إيران على إغلاق مضيق هرمز، وتعطل مرور النفط كليا، وفق تقديره.

ويزعم الباحث بجامعة حيفا، "إلعاد غلعادي"، في صحيفة "معاريف" أن الاقتصاد والأمن من التحديات الرئيسة التي تواجه دول الخليج في الوقت الراهن.

أوضح أن الهجوم الإسرائيلي على إيران أدى إلى ارتفاع فوري في أسعار النفط بنحو 9 بالمئة، حيث ارتفع سعر برميل برنت من 65 دولارًا إلى حوالي 75 دولارًا في غضون أيام. 

وقد تؤدي هذه الزيادة في الأسعار إلى زيادة الإيرادات على المدى القصير، ولكنها تأتي أيضًا مع مخاطر متزايدة، إذا تعرضت البنية التحتية النفطية في المنطقة لهجوم.

وإذا حاولت إيران تعطيل التجارة عبر مضيق هرمز، فقد تكون النتيجة ارتفاعا عالميا في الأسعار، وتسارعًا في التضخم، وهروبًا لرؤوس الأموال الأجنبية.

علاوة على ذلك، فإن أي صراع أمني في المنطقة يُعقد المبادرات طويلة الأجل التي تنفذها دول مثل السعودية والإمارات، كي تصبح مراكز للسياحة والتكنولوجيا المتقدمة والتمويل والخدمات اللوجستية. 

وقد يثني ذلك المستثمرين الأجانب والشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات المالية عن ترسيخ وجودها في منطقة تدق فيها طبول الحرب.

لذا تعارض دول الخليج التصعيد باسم الاستقرار الاقتصادي، وتُحافظ على قنوات اتصال مع طهران.