خلال جولته المغاربية.. هل اقترب مبعوث ترامب من حل معضلة الصحراء؟

منذ ٩ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رغم توتر علاقة الإدارة الأميركية بعدد من الدول بسبب الرسوم الجمركية، إلا أن واشنطن تسارع الخطى لتوطيد شراكتها مع دول المغرب العربي، اقتصاديا وسياسيا.

حيث فتحت زيارة مسعد بولوس، المستشار الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب لشؤون الشرق الأوسط والعالم العربي، إلى دول المغرب العربي، نافذة للتعاون بين الأطراف والمساهمة في حل أزمات المنطقة.

كما جددت الزيارة النقاش بشأن موقف واشنطن من النزاع بخصوص قضية الصحراء الغربية، وإمكانية إدارة ترامب للخلاف القائم بين الجزائر والمغرب بسبب هذه القضية.

ويقترح المغرب حكما ذاتيا موسعا للإقليم تحت سيادته، وهو ما يحظى بدعم دولي متصاعد، ومن ذلك ما عبرت عنه في الفترة الأخيرة كل من واشنطن ومدريد وباريس ولندن وبرلين.

وفي المقابل، تطالب جبهة البوليساريو الانفصالية بحق تقرير المصير، وتحظى بدعم مالي ودبلوماسي وعسكري من الجزائر، فضلا أن الأخيرة تحتضن الجبهة عبر مخيمات للاجئين الصحراويين في منطقة تندوف جنوب البلاد. 

جولة لافتة

بداية الجولة المغاربية كانت من تونس؛ حيث استقبل الرئيس قيس سعيد بولس يوم 22 يوليو/تموز، والذي أكد خلال اللقاء أن "القضايا داخل كل دولة عربية يجب أن تحلّها شعوبها دون أي تدخّل أجنبي تحت أي مبرّر كان".

وفي اليوم الموالي، حظي المسؤول الأميركي باستقبال من رئيس الوزراء الليبي عبدالحميد الدبيبة، حيث ذكرت الحكومة أن اللقاء ناقش فرص التعاون المشترك في مجالات الطاقة، والمعادن، والبنية التحتية، والصحة، والاتصالات.

وفي الجزائر، أكد منشور للرئاسة بتاريخ 27 يوليو 2025، أن الرئيس عبد المجيد تبون والمسؤول الأميركي، أكدا "عزمهما على تقوية العلاقات الثنائية والارتقاء بها إلى مستويات أعلى، في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك".

كما عقد بولس اجتماعا مع وزير الخارجية أحمد عطاف، حيث ذكر الأخير أن اللقاء تم خلاله التطرق لقضية الصحراء الغربية.

وعقد بوليس لقاء آخر مع وزير الطاقة محمد عرقاب، وهو ما يؤشر وفق تحليلات إعلامية لأهمية الورقة الطاقية في مستقبل العلاقات بين الجزائر والولايات المتحدة.

وفي محطته الرابعة، حل بولس بالمغرب بتاريخ 29 يوليو، وفق منابر إعلامية، منها "جون أفريك" الفرنسية، وموقع "أفريك.كوم"، لكن لم يتم الإعلان عن التفاصيل بشكل رسمي من الجانبين؛ الأميركي والمغربي.

وتحت عنوان "ماراثون مغاربي لمسعد بولوس"، توقفت مجلة "جون أفريك" الفرنسية عند هذه الجولة المغاربية؛ حيث أشارت إلى أن بولس قام بزيارة خاطفة إلى فرنسا يوم 26 يوليو، قبل أن يختتم جولته المغاربية بلقاءات في الجزائر ثم المغرب.

وتؤكد "جون أفريك" أن بولوس عقد لقاء غير رسمي مع جان-نويل بارو، وزير الخارجية الفرنسي، وكان الهدف غير المعلن هو انتظار عودة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون من زيارته إلى روما.

وأشارت إلى أنه لم يُسرب من الجانب الفرنسي عن اللقاء سوى الإشادة بالتعاون المشترك بين فرنسا والولايات المتحدة "في خدمة حل الأزمات الكبرى، والسلام، والازدهار في إفريقيا"، بما يشمل قضيتي الصحراء الغربية وليبيا، وهما الموضوعان الأساسيان في محطتي الجزائر والرباط حيث كان بولوس موضع ترقّب كبير.

إستراتيجية جديدة

حظيت زيارة بولس باهتمام إعلامي كبير، وتعددت القراءات بشأن أهدافها العميقة؛ إذ ركزت منصة thegeopoliticaldesk الأميركية، على أن "الزيارة تأتي ضمن تحرك أوسع لإدارة ترامب يهدف إلى إعادة تشكيل سياسات الولايات المتحدة في المنطقة".

وأشارت المنصة بتاريخ 20 يوليو 2025 إلى أن أجندة بولوس التي تشمل لقاءات مع قادة ومسؤولين كبار، إلى جانب منظمات إقليمية، تهدف إلى استكشاف سبل التهدئة وبناء شراكات اقتصادية جديدة.

ورأى المصدر أن "إدارة ترامب ترغب من جهة أخرى في تسوية عدة أزمات ونزاعات دامت لأمد طويل، مثلما هو الحال بالنسبة لقضية الصحراء الغربية، ورغبة الرئيس الأميركي الجامحة للفوز بجائزة نوبل للسلام".

ونقلت المنصة تصريحا سابقا لبولس، قال فيه: إن "موقف واشنطن من قضية الصحراء صريح جدا ولا يتخلله أي شك أو لبس"، مجددا التأكيد على اعتراف الولايات المتحدة "التام والكامل بسيادة المغرب على الصحراء".

هذا الموقف أكّده بولس في مقابلة مع جريدة "الوطن" الجزائرية الناطقة بالفرنسية، 04 أغسطس/آب 2025؛ حيث جدد دعم بلاده الكامل لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدّم بها المغرب، وعدها الإطار الوحيد الواقعي والجاد للتوصل إلى حل دائم ومتوافق عليه لهذا النزاع المستمر.

وأضاف "هذا الموقف ليس جديدا، بل يأتي في سياق الاستمرارية الإستراتيجية التي دشّنها الرئيس دونالد ترامب في الولاية السابقة، والتي ما تزال الإدارة الحالية تلتزم بها بوضوح".

وأوضح المسؤول الأميركي أن واشنطن تحث جميع الأطراف، دون استثناء، على الانخراط في مفاوضات جدية، على أساس المقترح المغربي، ويرى أن أي مقاربات خارج هذا الإطار من شأنها أن تعرقل مسار التسوية وتزيد من حالة الجمود.

وفي سياق متصل، أكّد المستشار الأميركي أنه أجرى محادثات "مثمرة وصريحة" مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ووزير الخارجية أحمد عطاف، مشددا على أهمية الدور الجزائري في دعم جهود السلام الإقليمي.

وأضاف: "نقدّر التزام الجزائر بالتوصل إلى حل سلمي طويل الأمد، ونتطلع إلى مواصلة التنسيق لضمان استقرار دائم في المنطقة".

قضايا إقليمية

أكد أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش عبد الفتاح البلعمشي، أن زيارة مسعد بولس إلى المنطقة تأتي في ظرفية دقيقة، تعكس ملامح تحول في السياسة الأميركية تجاه شمال وغرب إفريقيا.

وأبرز البلعمشي لـ "الاستقلال" أن "واشنطن تُحضر لنوع من التوجهات الجديدة، سواء على المستوى الإستراتيجي أو فيما يخص طبيعة الشراكات مع دول المنطقة".

ورأى الأستاذ الجامعي أن استقبال الرئيس الأميركي عددا من رؤساء الدول الإفريقية أخيرا، من بينهم رئيسا موريتانيا والسنغال، يعد مؤشرا واضحا على هذا التوجه الجديد.

وأشار البلعمشي إلى أن "الجولة التي يقوم بها بولس وتشمل تونس، ليبيا، الجزائر والمغرب، ليست تحركا دبلوماسيا معزولا، بل تدخل في إطار تصور أميركي أشمل يروم فهم واقع المنطقة، وإعادة رسم معالم التحالفات المستقبلية".

وأكد أن "من بين أهم الملفات التي لا يمكن تجاوزها في هذا الإطار، قضية الصحراء المغربية، التي رغم ما حققه المغرب فيها من مكاسب لصالح الشرعية والمشروعية، تظل معضلة قائمة لا يمكن إغفالها في أي إستراتيجية أميركية جديدة تجاه المنطقة".

وشدَّد على أن "الولايات المتحدة إذا أرادت بناء سياسة واقعية وفاعلة في شمال وغرب إفريقيا، فإن الأمر يمر حتما عبر تقديم تصورات للحل تتفاعل مع هذا النزاع على ضوء الإقرار الأميركي بمغربية الصحراء، وما يفرضه ذلك من التزامات سياسية ودبلوماسية".

ونبه البلعمشي إلى أن "زيارة بولس يمكن أن تُقرأ كمبادرة أولى لفهم أعمق للتصور الأميركي حول النزاع في الصحراء، وكذا لبحث إمكانيات بناء تحالفات وشراكات جديدة بين الولايات المتحدة ودول المنطقة".

وزاد: "مع التأكيد على أن المغرب يظل الدولة الأكثر تأهيلا للتفاعل مع هذا التوجه، خصوصا في ما يتعلق بالجوانب الإنسانية والتنموية، بالنظر إلى ما راكمه من استقرار سياسي، وسيطرة مؤسساتية داخلية، وبيئة مؤهلة على جميع المستويات".

وفي هذا السياق، شدد البلعمشي أن "المغرب يشكل نقطة ارتكاز أساسية في أي مشروع أميركي للتفاعل مع إفريقيا، بفضل بنيته التحتية المتقدمة، وقطاعاته الحيوية، لا سيما في مجالات الخدمات والتصنيع والقطاع البنكي، وهي المعطيات التي تجعله محطة إستراتيجية للقوى الدولية كافة، ومنها أميركا".

دعوة ملكية

في خطابه بمناسبة عيد العرش، بتاريخ 29 يوليو 2025، دعا العاهل المغربي محمد السادس الجزائر إلى طي صفحة الخلاف بين البلدين، مؤكدا أن بلاده تريد الوصول إلى حل نهائي لنزاع الصحراء بما يرضي جميع الأطراف. 

وفي هذا السياق، رأى موقع “أفريك.كوم” أن تزامن زيارة بولس للجزائر والخطوة الملكية ليست مجرد مصادقة، بل يعكس بداية تحرك منسق نحو تجاوز الجمود السياسي في ملف الصحراء.

وذكر الموقع في تقرير للمتخصص في الشأن المغاربي، علي عطار، 30 يوليو، أن هذا التنسيق يروم الوصول لصيغة جديدة للحل تتجاوز الخيارات التقليدية بين السيادة الكاملة والانفصال، وتقوم على "حكم ذاتي حقيقي" بصلاحيات موسعة.

وأشار المصدر ذاته إلى أن مسعد بولس، أمضى وقتا أطول في الجزائر مقارنة بالرباط، في ما فُهم على أنه إقرار أميركي بأهمية الجزائر في أي تسوية قادمة.

ونقل الموقع أن بولس يسعى إلى إعادة فتح قناة اتصال غير مباشر بين الجزائر والمغرب، بهدف الدفع نحو حل سياسي يسمح بعودة النشاط الاقتصادي والاستثماري في المنطقة.

ويرى الكاتب أن هذا الخيار الجديد للحكم الذاتي من شأنه منح الصحراء الغربية سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية واسعة، إضافة إلى التحكم في مواردها الطبيعية، خاصة الفوسفات والثروات البحرية والطاقة المتجددة، مع إمكانية إقامة علاقات دولية محدودة، ما يمثل تحولا نوعيا مقارنة بمقترح الحكم الذاتي المغربي لعام 2007.

ووفقا للتقرير، فإن هذا السيناريو يسمح للمغرب بالحفاظ على استثماراته الإستراتيجية الكبرى في المنطقة الجنوبية، لا سيما في مشاريع الطاقة والموانئ، من خلال صيغ شراكة طويلة الأمد تضمن الاستقرار المالي وتحترم الإطار الذاتي الجديد.

وفي المقابل، قد يشكل هذا المقترح بالنسبة للجزائر مخرجا سياسيا يحفظ موقفها التاريخي الداعم للبوليساريو، ويتيح لها توجيه دبلوماسيتها نحو ملفات إقليمية أخرى، مع إمكانية تحسين العلاقات مع الرباط واستئناف المشروع المغاربي المتعثر.

وأشار التقرير أيضا إلى أن الولايات المتحدة ترى في هذا السيناريو فرصة لضمان مصالحها الاقتصادية في مجالات الطاقة والمعادن النادرة، وتأمين بيئة مستقرة في منطقة إستراتيجية تربط بين إفريقيا وأوروبا، خصوصا في ظل التحديات الأمنية والهجرات غير النظامية.

وخلص إلى أن تزامن دعوة الملك محمد السادس مع تحرك مسعد بولس يشير إلى توفر ظروف جديدة قد تفتح الباب أمام تسوية واقعية ومتوازنة، تضع حدا لأحد أقدم النزاعات في إفريقيا، وتعيد ترتيب العلاقات في شمال القارة ضمن مقاربة براغماتية تستند إلى المصالح والتوافق الإقليمي والدولي.

قراءة جزائرية

يرى الإعلامي الجزائري المختص في الشأن الدولي، رضا شنوف، أن زيارة مسعد بولس تأتي في سياق جولة إقليمية تضم كلا من تونس وليبيا والجزائر والمغرب، وهو ما يظهر الاهتمام الأميركي بكامل المنطقة.

وأضاف شنوف لموقع "الترا جزائر"، في 28 يوليو، أن توقيت الزيارة يأتي في سياق الديناميكية التي تشهدها العلاقات الأميركية-الإفريقية، وهي الزيارة الأولى لمبعوث أميركي رفيع المستوى.

وأشار المتحدث ذاته إلى تزامن زيارة مسعد بولس إلى شمال إفريقيا مع زيارة رسمية أجراها المبعوث الأميركي رودولف عطا الله إلى العاصمة المالية باماكو، في إطار عرض مقاربة أميركية حول مكافحة الإرهاب وتوزيع الأدوار في منطقة الساحل.

وأردف شنوف أن الزيارة جاءت في توقيت تشهد فيه العلاقات الجزائرية-الأميركية انتعاشا ونشاطا دبلوماسيا متبادلا، أثمرت مذكرة تفاهم في المجال الأمني والعسكري.

وتابع أن جولة مسعد بولس للجزائر، تَوافَقتْ مع زيارات مكثفة للشركات الأميركية الناشطة في مجال الطاقة والمحروقات، وهو العامل الذي يؤشر بالاهتمام الأميركي المتزايد في البحث عن شريك موثوق في منطقة شمال إفريقيا.

وأفاد بأن الزيارة تتضمن أيضا مباحثات مع الطرف الجزائري تتعلق بالملف الليبي والقضية الصحراوية وقضايا مشتركة.

خارطة طريق

سبق لمعهد "كورديناداس للحوكمة والاقتصاد التطبيقي" الإسباني، أن أكّد أن ترامب يريد إكمال ما بدأه بشأن قضية الصحراء، من خلال وضع خارطة طريق نهائية لإيجاد حل لهذا الصراع المتجذر في شمال إفريقيا.

وأضاف المعهد في تقرير صدر بتاريخ 11 يونيو/حزيران 2025، أن إدارة ترامب حثت الجزائر وجبهة البوليساريو على الجلوس فورا مع المغرب وقبول أن المسار السياسي الوحيد الممكن، وهو الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

وأشار إلى أن إدارة ترامب عبرت عن نيتها في مراجعة أو تعليق تمويل العديد من بعثات الأمم المتحدة، بما في ذلك بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو).

ورأى أن هذا الإيقاف يبرز الحاجة المُلِحّة للطرفين المباشرين، الجزائر وجبهة البوليساريو، للجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق قائم على الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

ويرى المصدر ذاته أن واشنطن تحتاج إلى التزام الجزائر بشأن الوصول إلى حل نهائي للنزاع على الإقليم، ولذلك تضغط عليها لنزع سلاح جبهة البوليساريو وتفكيك مخيمات تندوف. مشددا على أن الجزائر من الممكن أن تتعرض لضغوط غير مسبوقة، مما يُضيّق عليها الخناق في هذا الملف.

ورأى المعهد أن رفض الجزائر للتعاون مع واشنطن قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، ومنها مزيد من العزلة الدبلوماسية، وتعقيدات قانونية لدعمها للجبهة، وعقوبات ثانوية محتملة ضد الكيانات الجزائرية التي تحافظ على علاقاتها مع البوليساريو.

من الناحية الإيجابية، يقول التقرير، ما تقدمه واشنطن للجزائر هو اندماج أعمق في الاقتصاد الغربي، مع زيادة الاستثمار الأميركي في قطاع الطاقة الجزائري، وإمكانية الوصول إلى أحدث التقنيات لاستكشاف واستغلال الهيدروكربونات، من بين مزايا أخرى.

ويرى المعهد أن أهمية هذه القضية بالنسبة للولايات المتحدة تتجاوز مسألة الصحراء الغربية، وتشير إلى إستراتيجية جيوسياسية تعترف بالمغرب كحليف رئيس في المغرب العربي، وضروري للاستقرار والأمن الإقليميين.

ويؤكد أن اندفاع واشنطن لحل نزاع الصحراء يُفسَّر أيضا بتداعياته المباشرة على استقرار منطقة الساحل، وهي منطقة إستراتيجية تواجه تحديات أمنية متعددة.