"دولة لدولة".. هل يحاول لبنان إعادة رسم العلاقة مع إيران بعيدا عن حزب الله؟

مصعب المجبل | منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

يعمل لبنان على إعادة رسم العلاقة مع إيران من زاوية "دولة لدولة" وبعيدا عن نفوذ “حزب الله” المدعوم من طهران والذي أقرّت بيروت خطة لنزع سلاحه وإنهاء حقبة انفلات السلاح في البلاد.

فقد فوّضت الحكومة اللبنانية الجيش في 5 أغسطس/ آب 2025 بوضع خطة لضمان حصر السلاح بيد ست قوى أمنية محددة تابعة للدولة بحلول نهاية العام.

حدود السيادة

وندد حزب الله بقرار حكومة لبنان التوجه نحو حصر السلاح في يد الدولة، واصفا إياه "بالخطيئة الكبرى التي لا تخدم إلا إسرائيل".

وقال حزب الله في بيان عقب القرار الحكومي: إنه "جاء نتيجة إملاءات المبعوث الأميركي إلى لبنان توماس براك".

ويرفض حزب الله -الذي تأسس على يد الحرس الثوري الإيراني عام 1982 وبدأ منذ ذلك الحين يتلقى الدعم العسكري والمالي من طهران- التخلي بالكامل عن ترسانته التي احتفظ بها بعد انتهاء الحرب الأهلية في لبنان عام 1990 حتى مع نزع سلاح جماعات مسلحة أخرى في لبنان.

وأمام ذلك، لم يكن قرار لبنان بشأن حزب الله مريحا لإيران، والتي قرّرت بعد نحو أسبوع إرسال أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، علي لاريجاني، إلى بيروت.

والتقى لاريجاني بأمين عام حزب الله نعيم قاسم في 14 أغسطس، على وقع توتر يسود الشارع اللبناني، بعدما أثارت تصريحات صدرت عن مسؤولين إيرانيين تؤيد احتفاظ الحزب بسلاحه، استياء مسؤولين لبنانيين.

ومع ذلك، لم تكن زيارة لاريجاني إلى لبنان بـ"الإيجابية" وهذا ما أكدته تصريحات أعلى هرم في السلطة.

وشدد الرئيس اللبناني جوزيف عون في لقاء مع لاريجاني، على أن "لبنان راغب في التعاون مع إيران ضمن حدود السيادة والصداقة القائمين على الاحترام المتبادل".

وأشار عون إلى أن "اللغة التي سمعها لبنان في الفترة الأخيرة من بعض المسؤولين الإيرانيين، غير مساعدة"، موضحا أن "الصداقة التي نريد أن تجمع بين البلدين يجب ألا تكون من خلال طائفة واحدة أو مكوّن لبناني واحد، بل مع جميع اللبنانيين".

وأضاف "نرفض أي تدخل في شؤوننا الداخلية من أي جهة أتت، ونريد أن تبقى الساحة اللبنانية آمنة ومستقرة لما فيه مصلحة جميع اللبنانيين من دون تمييز".

ولفت عون إلى أن "الجميع دفع ثمنا غاليا للاستقواء بالخارج على اللبناني الآخر في الداخل، والعبرة التي يستخلصها اللبنانيون هي أنه من غير المسموح لأي جهة كانت ومن دون أي استثناء حمل السلاح والاستقواء بالخارج".

وتبدي المؤشرات أن لبنان جاد في إعادة تصحيح العلاقة مع إيران على قاعد "دولة لدولة".

إذ قرأ توقيت زيارة لاريجاني إلى بيروت، في محاولة للتشويش على قرارات الحكومة اللبنانية فيما يخص حصرية السلاح، علاوة على بقاء طهران وفق الخبراء تعد نفسها "وصية على الحياة السياسية في لبنان".

وعملت إيران خلال الفترة الأخيرة على محاولة ترميم بعض الأمور المتعلقة بالحفاظ على ما تبقى من قوة حزب الله ورصيده السياسي والعسكري الذي تضرر بعد المواجهة الأخيرة مع إسرائيل.

ويتوازى ذلك، مع حجم الضغط الدولي على لبنان وعلى رأس ذلك واشنطن التي طالبت مجلس الوزراء اللبناني بالتعهد صراحة بنزع سلاح حزب الله، وهي الخطوة التي تهدد بإعادة إشعال التوتر في لبنان الذي يضم طوائف متعددة، والذي يتمتع فيه حزب الله بدعم كبير من الشيعة.

"أوراق قوة"

وضمن هذا السياق، يرى الباحث والمهتم بالشؤون الإيرانية، عمار جلو، أن "الحكومة اللبنانية الحالية تجتهد لإيجاد حل للأزمة المستمرة المتمثلة في اختطاف قرار الدولة، لا سيما قراري السلم والحرب".

وأضاف جلو لـ"الاستقلال" أن “الحكومة اللبنانية تحاول الاستفادة من مجمل الظروف المحلية والإقليمية والدولية لإنهاء عهد الوصاية والتبعية عقب الضعف البنيوي والعسكري والأمني لقوة حزب الله بعد صراعه المفتوح مع إسرائيل”.

وتابع: "وسقوط أهم ركائز تسلحه، وهي مقولة سلاح الحزب لحماية لبنان، وذلك بعد فشله في حماية نفسه وأعلى قياداته، إضافة لابتعاد حلفاء الحزب الداخليين عنه، ونشوء تيار شعبي، وحتى حزبي شيعي (عودة بروز نبيه بري كقيادة شيعية) مناهضة للعبث بمصير لبنان".

واستطرد جلو: "إلى جانب ذلك، سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وقيام نظام معادٍ لحزب الله وداعمه الأساس إيران، خاصة مع نجاح القيادة السورية الجديدة في إفشال خطط إمداد الحزب بالسلاح عبر الأراضي السورية، مع انهيار الجسر البري بين إيران والحزب في الجغرافية السورية".

ورأى أن "الحكومة اللبنانية الراغبة في حل الأزمة المستعصية تمتلك أوراق قوة لاستعادة سيادتها وقرارها السياسي والعسكري، لكنها في الوقت ذاته تعمل على مواءمة دوافع القوة الإقليمية والدولية الدافعة بهذا الاتجاه ضمن مسار داخلي لا يؤدي لتفجير صراعات داخلية قد تؤدي لاقتتال داخلي".

وشدد جلو على أن "الحكومة جادة في مسار تفكيك قوة حزب الله، وبقطع كل التدخلات الخارجية الداعمة لبقائه دولة داخل الدولة اللبنانية، وفي مقدمتها إيران".

ولفت إلى أن “لبنان يحاول بناء علاقة مع طهران لا تأثير لحزب الله فيها، خاصة مع تراجع القوة الإيرانية ككل، خصوصا إستراتيجيتها المسماة بالدفاع الأمامي، عبر تراجع أو انهيار أغلب حلقات ما يسمى محور المقاومة”.

إضافة إلى "تضعضع قوتها في المركز، في إيران، نتيجة حرب الـ12 يوما بين إسرائيل وإيران. وما شابها من بداية تأطير محور سياسي-أمني غربي متكامل ضد إيران".

وكانت جلسة مجلس الوزراء اللبناني بالقصر الرئاسي في أغسطس 2025 هي المرة الأولى التي يتناول فيها المجلس مسألة سلاح حزب الله.

وهو أمر لم يكن من الممكن تصوره عندما كان الحزب في أوج قوته قبل دخوله في مواجهة صعبة مع إسرائيل منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أدت إلى مقتل قادة من الصف الأول والثاني والثالث من الحزب، فضلا عن إجبار الأخير على سحب قواته من الجنوب اللبناني.

وأنهى وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة بين لبنان وإسرائيل في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 حدة المواجهة، ودعا لبنان إلى مصادرة جميع الأسلحة "غير المصرح بها" في أنحاء البلاد، ونص على أن إسرائيل ستوقف العمليات الهجومية ضد الأهداف اللبنانية.

"أسوأ علاقة"

وقد بدا واضحا أن لبنان يريد الانتقال إلى مرحلة جديدة لا تدخل خارجي بشؤونه من أي دولة وعلى رأسها إيران.

إلا أن بيروت شعرت بعدم توقف القادة والمسؤولين الإيرانيين عن التدخل في الشؤون الداخلية لهذه البلاد وبعدم احترام قرارته السيادية.

فقد قال علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، في 9 أغسطس 2025: إن بلاده "تعارض بالتأكيد نزع سلاح حزب الله؛ لأنها ساعدت على الدوام الشعب اللبناني والمقاومة، وما زالت تفعل ذلك".

واستدعت تصريحات ولايتي ردا من الخارجية اللبنانية التي عدتها "تدخلا سافرا وغير مقبول في الشؤون الداخلية".

ولهذا يرى كثير من المراقبين ومنهم الكاتب اللبناني حسين عطايا، أن زيارة لاريجاني إلى لبنان "تعد فاشلة وبكل المعايير والمقاييس منذ أن حطت طائرته في مطار بيروت وحتى مغادرتها؛ حيث كان الاستقبال، لحظة خروجه من المطار، ضعيفا، لا يتعدى الحضور عشرات الأشخاص".

وأضاف عطايا قائلا في مقال نشره على موقع "جنوبية" المحلي في 14 أغسطس 2025: "لم يقتصر ذلك على هذا الأمر، بل تعداه إلى ما تم تداوله عن عدم استقبال وزير الخارجية يوسف رجي للاريجاني".

وأردف "عدا عن موجة غضب رافقت الزيارة من قبل أكثرية اللبنانيين، والدعوات حول عدم استقبال المسؤولين اللبنانيين للزائر، بل قام البعض بالمطالبة بقطع العلاقات مع إيران وسحب السفير".

وكان وزير الخارجية رجي، أوضح أن برنامجه ضيق لهذا لن يلتقي لاريجاني، مضيفا " حتى لو كان لدي وقت فلن أستقبله".

وذهب عطايا للقول: "العلاقات اللبنانية–الإيرانية تمر في لحظة من أسوأ اللحظات التي تمر بها العلاقات بين الدول، وذلك يتطلب إعادة النظر في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، لتكون –وكما قال رئيس الجمهورية– من دولة لدولة، وليس بين دولة وإحدى المكونات في لبنان".

وتابع: "كما أن المساعدات يجب أن تمر عبر مؤسسات الدولة اللبنانية فقط. ذلك يكشف الحقيقة الكاملة، لا بل يؤكد على أن الزيارة أظهرت فشلها وبكل المقاييس، منذ لحظتها الأولى حتى انتهائها".

وتعرض لبنان لخسائر اقتصادية كبيرة منذ اندلاع المعارك بين حزب الله وإسرائيل في أكتوبر 2023.

وتقدّر احتياجات إعادة الإعمار والتعافي في لبنان بنحو 11 مليار دولار، وذلك وفقا لتقرير التقييم السريع للأضرار والاحتياجات في هذا البلد لعام 2025 (RDNA) الصادر عن البنك الدولي.