عدم وقوف العراق مع إيران ضد إسرائيل.. نأي بالنفس أم عجز عن المواجهة؟

يوسف العلي | منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

على وقع الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل منذ 13 يونيو/حزيران 2025، يجد العراق نفسه مجددا في قلب معادلة شديدة التعقيد، خصوصا مع وجود فصائل مسلحة على أرضه موالية للجانب الإيراني، إلى جانب القواعد والمصالح الأميركية.

ومع اندلاع أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وما تلاها من تصعيد عسكري إسرائيلي في لبنان وسوريا واليمن، تمكنت الحكومة العراقية من إيقاف صواريخ حلفاء إيران على الأراضي المحتلة، وذلك ضمن سياسة النأي بالنفس، وتجنبا لأي هجمات تنال البلاد.

ردود خجولة

ورغم وجود ثقل كبير لأذرع إيران في العراق، لكن ردة فعلها لم تكن بمستوى الحدث؛ حيث تجاوز الأمر دعم الحلفاء من الوكلاء ووصل إلى ضرب طهران نفسها الممول الرئيس لتلك المليشيات في بغداد.

واقتصرت ردود فعل تلك الفصائل على التصريحات والدعوة إلى التظاهر تضامنا مع النظام الإيراني، باستثناء محاولة عسكرية واحدة استهدفت قاعدة عين الأسد غربي البلاد، ولم تعلن أي جهة الوقوف وراءها.

ودعا الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم في العراق إلى تظاهرات منددة بالعدوان الإسرائيلي وداعمة لصمود وثبات إيران في مواجهته، ورفض انتهاك الأجواء العراقية، وذلك خلال بيان صدر عقب اجتماع اعتيادي لقياداته بحضور رئيس الحكومة محمد شياع السوداني في 15 يونيو/ حزيران 2025.

وأعرب المجتمعون عن "إدانتهم واستنكارهم للسلوك العدواني المستمر للكيان الصهيوني والاعتداءات على إيران التي أدت إلى استشهاد عدد من القادة والعلماء"، داعيا "المجتمع الدولي عموما ودول المنطقة خصوصا للوقوف بوجه غطرسة هذا الكيان وإجباره على وقف عدوانه".

وفي السياق ذاته، قالت "كتائب حزب الله" العراقية، خلال بيان لها في 15 يونيو: إنها ستستهدف مصالح الولايات المتحدة وقواعدها في المنطقة "إذا تدخلت في الحرب بين إيران وإسرائيل".

وأضافت أن "الجمهورية الإسلامية لا تحتاج إلى أي دعم عسكري من أحد لردع الكيان الصهيوني المجرم، فهي تملك من الرجال والإمكانات ما يكفي لتمريغ أنف (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو بالتراب، وكبح جماح طغيان هذا الكيان الغاصب".

وأشارت إلى أنها تراقب عن قرب تحركات "جيش العدو الأميركي في المنطقة، وإذا ما أقدمت الولايات المتحدة على التدخل في الحرب، فسنعمل بشكل مباشر ضد مصالحها وقواعدها المنتشرة في المنطقة دون تردد".

وتابع البيان: "انطلاقا من الوضع الراهن فإن الواجب يفرض على الحكومة العراقية، والإخوة في الإطار التنسيقي، والمخلصين من المتصدين تحمل المسؤولية، واتخاذ موقف شجاع؛ كي لا تتسع رقعة الحرب، وذلك بغلق سفارة (واشنطن) الشر الأكبر، وطرد قوات الاحتلال الأميركي من البلاد".

بدورها، صعّدت "حركة النجباء" من لهجتها؛ إذ قال زعيمها أكرم الكعبي خلال بيان في 13 يونيو: إن "العدوان الصهيوني الغادر على الجمهورية الإسلامية لن يمرّ دون حساب، وإن إخراج الاحتلال الأميركي بالكامل من أرض العراق واجب شرعي ووطني".

وأفادت وكالة " أسوشيتد برس" الأميركية في 15 يونيو، نقلا عن مصدر عسكري أميركي لم تسمه بأن الدفاعات الجوية في قاعدة عين الأسد (تضم قوات أميركية) غربي العراق أسقطت ثلاث طائرات مسيّرة مفخخة أُطلقت باتجاه القاعدة، وذلك عقب الهجوم الإسرائيلي على إيران.

ضغط إيراني

وعلى وقع التطورات هذه، قال اللواء محسن رضائي، رئيس الحرس الثوري الإيراني الأسبق وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، خلال مقابلة تلفزيونية في 15 يونيو: إن "على العراق أن يعلم أن دوره سيأتي بعد إيران".

وهو ما عدّه مراقبون دعوة إلى العراق من أجل الانخراط في الحرب إلى جانب إيران.

وفي اليوم التالي، أجرى وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، اتصالا هاتفيا بنظيره العراقي، فؤاد حسين، جرى خلاله بحث مستجدات الأوضاع في المنطقة على ضوء التصعيد العسكري الأخير، وذلك في ثاني اتصال بين الوزيرين منذ بدء الحرب الإسرائيلية الإيرانية في 13 يونيو.

وأوضح عراقجي- بحسب بيان للخارجية العراقية- أن بلاده تتابع التطورات العسكرية عن كثب، مشيرا إلى أن "إسرائيل تسعى إلى توسيع رقعة الحرب لتشمل منطقة الخليج".

وأشار إلى أن موقف إيران واضح برفض توسيع الصراع، سواء من الناحية الجغرافية أو تجاه أي دولة أخرى، مؤكدا أن العمليات الجارية تأتي في إطار "ردٍّ دفاعي" على الاعتداءات الإسرائيلية، ولا تهدف إلى تصعيد المواجهة مع أطراف أخرى.

من جانبه، شدد فؤاد حسين على أن الحكومة العراقية تواصل جهودها الحثيثة عبر القنوات الدبلوماسية لمنع تفاقم الصراع ووقف إطلاق النار، مؤكدا أهمية الاستمرار في اتباع نهج يرفض توسيع نطاق الحرب، سواء من حيث الجغرافيا أو الأطراف المنخرطة.

وفي 15 يونيو، أكد رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني أهمية التنسيق في مختلف المواقف وتوحيد الجهود بما يعزز الأمن والاستقرار الإقليميين، بحسب ما جاء في بيان عممه عقب تلقيه اتصالا هاتفيا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تناول تطورات الأوضاع في المنطقة.

وأكّد السوداني "رفض العراق القاطع لانتهاك سيادته والتجاوز على أجوائه، والذي يعد تجاوزا فاضحا على القانون الدولي"، مؤكدا دعم بغداد لانعقاد اجتماع وزراء خارجية الدول الإسلامية في إسطنبول، لمناقشة تطورات الأحداث الأخيرة.

من جانبه، أكد الرئيس التركي دعمه سيادة العراق وحراكه في الحفاظ على السيادة ومنع انزلاق بغداد إلى ساحة الصراع.

“عجز تام”

وعن مدى استمرار العراق في سياسة "النأي بالنفس" عن الحرب الدائرة بين تل أبيب وطهران، أكد مصدر سياسي عراقي خاص، أن "اجتماع الإطار التنسيقي الأخير في 15 يونيو، لم يتمكن من الخروج ببيان أقوى من الدعوة إلى مظاهرة تندد بالهجوم الإسرائيلي على إيران". 

وأوضح المصدر لـ"الاستقلال" طالبا عدم الكشف عن هويته، أن "السوداني أبلغ قادة الإطار بأن العراق لا يملك فعل شيء في الأزمة الحالية، وبالتالي لا يستطيع الزج به في الحرب الدائرة بالمنطقة".

وأشار إلى أن "الكثير من قادة الإطار التنسيقي خصوصا زعماء المليشيات أخلوا مقراتهم تحسبا لأي هجمات قد تنالهم في حال اتسعت الحرب بين إيران وإسرائيل، خصوصا أن الأخيرة تمكنت من اغتيال أبرز القادة الإيرانيين في بلادهم".

ولفت إلى أن "خيار النأي بالنفس هو من صالح العراق في ظل عجز تام عن الدفاع عن نفسه سواء بسبب عدم سيطرته على أجوائه، أو جرّاء وضعه الاقتصادي المتردي وهشاشة الأمن فيه، وبالتالي فإن أي ضربة ستؤدي إلى تدهور خطير في البلاد على مختلف الصعد".

وعلى الصعيد ذاته، رأى الباحث العراقي، سجاد جياد، أن العراق استطاع على مدى السنوات الثلاث الماضية أن ينأى بنفسه عن صراعات المحاور، ويجنب أراضيه أن تكون ساحة تصفية حسابات بين طهران وواشنطن، حسبما نقلت صحيفة "العالم الجديد" العراقية في 16 يونيو.

ونبّه جياد إلى هشاشة هذا الإنجاز، قائلا: "العراق يقف على خط رفيع، فنجاح المفاوضات الأميركية الإيرانية يمنحه فسحة من التوازن، لكن فشلها قد يدخله في أزمة خانقة، أمنيا واقتصاديا وسياسيا".

ورأى الباحث أن “هناك نافذة تاريخية لإعادة ضبط العلاقة مع إيران، خصوصا مع تراجع دور الحرس الثوري الإيراني في المشهد العراقي، وتزايد اعتماد طهران على وزاراتها الرسمية وقنواتها الدبلوماسية”.

لكنه شدَّد في الوقت ذاته على أن "هذا يتطلب شجاعة سياسية من بغداد، وإرادة حقيقية في بناء شراكات متوازنة مع الأطراف الإقليمية".

وفي تدابير عاجلة تحسبا لأي طارئ، أعلن وزير الدفاع العراقي، ثابت العباسي، في 15 يونيو عن نشر بطاريات "بانتسير" الروسية للدفاع الجوي في مناطق مهمة لحماية السيادة العراقية.

وقال قائد الدفاع الجوي الفريق الطيار الركن، مهند غالب الأسدي، خلال تصريح لوكالة الأنباء العراقية (واع) في 15 يونيو: إن القوات المسلحة والمنظومات الدفاعية تمارس دورها الطبيعي لحماية العراق وأجوائه والأهداف الحيوية.

وأوضح أن “تحريك منظومات الدفاع الجوي يتم بين فترة وأخرى ضمن إجراءات روتينية لحماية جميع الأهداف الحيوية في العراق”.

وبيّن أن "القوات العراقية المسلحة بشكل عام ومنظومات الدفاع الجوي تمارس دورها الطبيعي لحماية الأجواء والأهداف الحيوية تحسبا لأي طارئ".