حرب إيران وإسرائيل.. هل تصل الشرارة إلى إقليم كردستان العراق؟

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

مع تصاعد الحرب بين إسرائيل وإيران منذ 13 يونيو/حزيران 2025 بات العراق وتحديدا إقليم كردستان أحد أبرز الساحات المهددة بتوسّع رقعة النزاع الإقليمي. 

فالتوترات المتراكمة منذ أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 انعكست بوضوح على الداخل العراقي، خصوصا بعد استهداف إيران مدينة أربيل في يناير/كانون الثاني 2024 بصواريخ باليستية، وعدها قاعدة لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد". 

ورأى مركز "أورسام" التركي للدراسات أن هذا التصعيد شكّل جبهة توتر مباشرة بين طهران وإقليم كردستان العراق، ووضع الأخير في قلب معادلة الصراع الإقليمي المعقدة.

التوازنات تتزعزع

في ظل هذه التطورات برزت الخلافات السياسية داخل الإقليم، لا سيما بين الحزبين الكرديين الرئيسين: الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، وفق ما يقول الكاتب التركي "سرجان تشالشكان".

ويجد الاتحاد الوطني الكردستاني نفسه في موقع حساس نتيجة تحالفاته التقليدية القوية مع إيران، والتي تعززت في عهد زعيمه الحالي بافل طالباني.

فقد لعب طالباني دورا محوريا في انضمام الاتحاد الوطني إلى التحالف الحكومي في بغداد، والمدعوم من الفصائل الشيعية القريبة من طهران. 

وفي نفس الوقت، حافظ الاتحاد على قنوات اتصال قائمة مع واشنطن، ما منحه مرونة نسبية، لكنه أيضا عرّضه لضغوط متزايدة في ظل تحولات السياسة الأميركية بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

وأردف الكاتب: يشهد النفوذ الإيراني في المنطقة تراجعا تدريجيا منذ ما بعد 7 أكتوبر، وهو ما فرض على حلفائها في العراق إعادة حساباتهم السياسية. 

ومع تولي إدارة ترامب الحكم في يناير 2025، يُتوقع أن تتبنى واشنطن نهجا أكثر عداءً لتغلغل إيران في العراق.

وهو ما قد يدفع الاتحاد الوطني الكردستاني لإعادة ضبط علاقاته، تفاديا لفقدان الدعم الأميركي خاصة إذا ما أصبح يُنظر إليه كامتداد للنفوذ الإيراني.

وقد ظهرت ملامح هذا التحول في تصريحات الاتحاد الوطني الكردستاني الرسمية، التي أدانت الهجوم الإسرائيلي على إيران وانتهاك الأجواء العراقية.

لكنها في الوقت ذاته أشارت بشكل لافت إلى "الخطوات الإيجابية التي قادها الرئيس ترامب لتحقيق شرق أوسط أكثر توازنا وأمنا".

هذه الإشارة حملت دلالة رمزية على محاولة الحزب تموضعه ضمن الإستراتيجية الأميركية الجديدة في المنطقة، وذلك تحسبا لانهيار المنظومة السياسية التي لطالما ارتكزت على التحالف مع طهران.

وأشار الكاتب إلى أنه في حال استمر تراجع الدور الإيراني، فإن الاتحاد الوطني الكردستاني قد يضطر إلى مراجعة تحالفاته داخل العراق أيضا. 

ومن المتوقع أن يبتعد تدريجيا عن القوى الشيعية المرتبطة بإيران، ويتجه نحو قوى ترفع شعار "العراق أولا"، وعلى رأسها التيار الصدري. 

ويعتقد أن هذه التحولات المحتملة لن تكون مدفوعة فقط بالتغيرات الإقليمية،  بل أيضا بتوازنات الداخل العراقي ما بعد الانتخابات، وتشكيل الحكومة الجديدة؛ حيث يسعى كل طرف إلى تعزيز موقعه ضمن منظومة حكم تشهد إعادة رسم للأدوار والتحالفات.

 التهديدات المحتملة 

وفي ظل التصعيد المتواصل بين إيران وإسرائيل، يبرز الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني كأحد أبرز الأطراف الكردية التي تقف على مفترق طرق سياسي وأمني. 

ويُعد هذا الحزب من أقرب الحلفاء للولايات المتحدة في العراق، في حين تراه إيران أحد أهدافها المباشرة في ساحة الصراع الإقليمي. 

وهذا التمايز في التوجهات يضع الحزب في موقف حساس ومعقد، ويُميّزه بوضوح عن غريمه التقليدي، الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يفضل الحفاظ على توازن دقيق بين علاقاته مع طهران وواشنطن، وفق الكاتب.

فبعكس الاتحاد الوطني يتبنى الحزب الديمقراطي الكردستاني سياسة خارجية أكثر وضوحا تميل بشكل صريح نحو المحور الأميركي.

وهو ما جعله في مواجهة مباشرة مع التهديدات الإيرانية، لا سيما في مركزه السياسي والعسكري في أربيل.

 وقد انعكس هذا التموضع أيضا على علاقات الحزب الديمقراطي الكردستاني داخل العراق؛ حيث بقي خارج التحالف الشيعي الحاكم، وحافظ على علاقات محدودة مع الجماعات السياسية الشيعية المقرّبة من إيران.

 وبذلك، يُشكّل الحزب استثناءً في المعادلة السياسية التي تتقاطع فيها المصالح الإقليمية والمحلية.

واستدرك الكاتب: أمنيا، يواجه الحزب الديمقراطي خطرا حقيقيا يتمثل في احتمال تعرّضه لهجمات من قبل إيران أو الجماعات المسلحة التابعة لها بالعراق. 

فقد سبق أن استهدفت إيران مدينة أربيل بصواريخ باليستية، فيما رددت مليشيات شيعية اتهامات متكررة بوجود قواعد استخباراتية إسرائيلية داخل الإقليم، وتحديدا في مناطق نفوذ الحزب. 

وبينما لم تشهد الحرب الجارية حتى الآن سوى هجمات محدودة بطائرات مسيّرة، فإن الهدوء النسبي لا ينفي هشاشة الاستقرار الأمني في الإقليم.

وإذا ما طال أمد الصراع، أو قررت الولايات المتحدة التدخل عسكريا، فإن احتمال استخدام إيران للأراضي العراقية كجبهة رد فعل، واستهداف أربيل كرمز للتحالف الكردي-الأميركي سيكون من السيناريوهات المرجحة.

في المقابل، قد يحمل هذا الوضع المتأزم فرصا سياسية نادرة للحزب الديمقراطي. فإذا تمكن من عبور هذه المرحلة بأقل الخسائر، فإن تراجع النفوذ الإيراني في العراق نتيجة الحرب قد يدفع واشنطن إلى تعزيز دعمها له على حساب الأطراف الأخرى، بما في ذلك الاتحاد الوطني الكردستاني. 

ومن شأن هذه التطورات أن تمنح الحزب موقعا متقدما ليس فقط في كردستان، بل أيضا في المفاوضات السياسية التي ستلي الانتخابات العامة.

وعلق الكاتب: ولعل علاقات الحزب الوثيقة مع شخصيات نافذة في الإدارة الأميركية السابقة، مثل السيناتور الجمهوري السابق ووزير الخارجية الحالي ماركو روبيو، تسهم في تسريع هذا المسار. 

ويمكن أن تظهر أولى ملامح هذا التحول في مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة؛ حيث يُتوقع أن يلعب الحزب دورا محوريا في رسم ملامح المرحلة السياسية الجديدة؛ إذ تُظهر هذه المعطيات أن الصراع بين إيران وإسرائيل لا يحمل تداعيات إقليمية فحسب، بل له القدرة على إعادة رسم المشهد السياسي العراقي، وبشكل خاص في إقليم كردستان. 

فبينما يجد الاتحاد الوطني نفسه عالقاً بين تحالفاته التقليدية مع طهران ورغبته في الحفاظ على قنوات الاتصال مع واشنطن، يظهر الحزب الديمقراطي الكردستاني كأكثر الأطراف وضوحا وتحملا لتبعات موقفه.

لكن هذا الوضوح قد يتحول إلى عبء ثقيل إذا ما تفاقم الصراع الإقليمي، وتحول الإقليم إلى ساحة صراع غير مباشر بين القوى الكبرى.

ومع ذلك، تبقى إمكانية استفادة الحزب الديمقراطي الكردستاني من تراجع النفوذ الإيراني وتعزيز علاقاته مع واشنطن فرصة إستراتيجية حقيقية، قد تؤهله ليكون لاعبا رئيسا في تشكيل الحكومة المقبلة، وإعادة ترتيب التحالفات داخل العراق.