"كراهية مستوردة".. كيف وصلت الإسلاموفوبيا إلى البرتغال؟

منذ ٩ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بدأت ظاهرة الإسلاموفوبيا تتسلل تدريجيا إلى المجتمع البرتغالي، مما أثّر على نظرة البعض للمجتمعات المسلمة. ورغم تاريخ البرتغال في التسامح، إلا أن الخطابات السلبية والصور النمطية باتت تشكل تحديا حقيقيا للتعايش.

وأجرت صحيفة "دياريو دي نوتيسياس" البرتغالية حوارا مع الأستاذ الجامعي والرئيس التنفيذي لمرصد العالم الإسلامي،  جواو هنريكيس، حيث يتحدث عن نظرة المجتمع البرتغالي اليوم للمجتمعات المسلمة.

مؤهلات علمية

وفي مستهل الحوار، سألت الصحيفة: “ما هو واقع المجتمع الإسلامي في البرتغال؟”

وأشار الرئيس التنفيذي لمرصد العالم الإسلامي إلى الجذور التاريخية للوجود الإسلامي في البرتغال.

وأوضح أن "وصول المجتمع الإسلامي إلى البرتغال حدث بشكل رئيس بعد استقلال المستعمرات البرتغالية، لا سيما موزمبيق وغينيا بيساو". 

وتابع: "في ذلك الوقت، بلغ عدد هذه الجالية -وحتى وقت قريب، منذ 20 عاما تقريبا- حوالي 65 ألفا"، مشيرا إلى عدم حدوث أي ضجة تتعلق بالجانب الأمني آنذاك.

ولفت هنريكيس إلى أن "الكثير منهم جاء بإمكانيات مالية كبيرة، وبعضهم كان يحمل مؤهلات علمية، ولذلك رأينا أن العديد منهم توجهوا إلى ريادة الأعمال والتجارة". 

ويعتقد أنه "لم تكن هناك عملية اندماج مثالية بين الجالية المسلمة والمجتمع البرتغالي". 

ومع ذلك، شدد هنريكيس على أنه "لم تحدث أي اضطرابات اجتماعية ناجمة عن قدوم هذه الكتلة السكانية".

وأكد أن "الأمور بقيت على حالها، في توازن بين القادمين -سواء العائدين أو الوافدين إلى البرتغال- وبين أولئك الذين رأوا أن البرتغال هي وطنهم، ولذلك من الطبيعي أن يعيشوا هنا".

وانتقلت الصحيفة للسؤال عما إذا كان يرى أن هذا التوازن موجود اليوم بين المواطنين المسلمين الجدد الذين يستقرون في البرتغال.

وفي معرض إجابته، لفت هنريكيس إلى أن “أوروبا الغربية باتت تُرى كمكان للمستقبل والأمل في حياة أفضل”.

وتابع: "ولهذا السبب، بدأ تدفق المزيد من المهاجرين، لا سيما من دول تشهد اضطرابات، مثل باكستان وبنغلاديش، إضافة إلى مسلمي الهند، وكذلك توافد أشخاص من مناطق ذات عادات دينية مختلفة مثل نيبال والبنجاب".

وبالتالي، وفد إلى البرتغال كتلة سكانية كبيرة، مكونة من مجموعات متعددة، وأوضح هنريكيس أن "لكل من هذه المجموعات خصوصياتها الاجتماعية وطريقتها في التفاعل مع الآخرين".

وأشار إلى أن "بعضهم جاء للاستقرار، وبعضهم لا"، وعزا عدم وجود تجانس ثقافي لهذه الأسباب والعوامل.

أحكام تعميمية

وقاطعته الصحيفة بالقول: إن "الرأي العام ينظر إلى جميع القاطنين في شارع بينفورموزو في لشبونة على أنهم من نفس الأصل والدين". 

جدير بالذكر أن هذا الشارع يُشتهر بأن الوافدين والأجانب يقطنون فيه بكثرة.

وأكد الخبير البرتغالي أن "هناك أحكاما تعميمية لدى الرأي العام".

ولفت إلى أن "بعض ملاك الشقق استغلوا الموقف لتحقيق الأرباح من الإيجارات". 

وتابع: "شارع بينفورموزو ومارتيم مونيز، تحديدا، كانا دائما وجهة للوافدين من دول أخرى بحثا عن الاستقرار وكسب المال لإرساله لأسرهم".

وأكد أن "بعض المواجهات التي حدثت في هذه المناطق كانت ذات طابع سياسي، وعزا ذلك إلى أنها كانت بالأساس بين جماعات متنازعة سياسيا في بلدانها الأصلية".

وأشار إلى أن "هذه الأحداث استُغلت فورا من قبل من يعارضون وجودهم بالأساس".

وفيما يتعلق بندرة البرتغاليين في هذه المناطق، أقر هنريكيس بأن "البرتغاليين لا يُرون كثيرا هناك"، لكنه لفت إلى أن "هذا الحال مشابه للوضع في أحياء عديدة بعواصم العالم، مثل الحي الصيني". 

وأوضح أن "المدن الكبرى تتميز بوجود أحياء تستقبل القادمين من أماكن أخرى". 

وأردف: "فوجود شارع مثل بينفورموزو ليس مشكلة بحد ذاته، إلا عندما يستغل أيديولوجيا"، مشيرا إلى أن "الصراعات التي تحدث أحيانا في مارتيم مونيز تحدث أيضا بين البرتغاليين يوميا، وفي كل مكان، ليس فقط في البرتغال، بل في كل أنحاء العالم".

خطابات فوضوية

وتساءلت الصحيفة عن سبب ازدياد الأحكام المسبقة ضد هؤلاء المواطنين في الآونة الأخيرة.

وفي هذا الصدد، أشار هنريكيس إلى أن "مشاعر الكراهية" و"الإسلاموفوبيا" صُدرت من شمال أوروبا إلى البرتغال.

وذكر أن "هذه المشاعر تُغذى من خلال خطابات شعبوية فوضوية، مفادها أن هؤلاء يأتون لسرقة الوظائف، والاستفادة من النظام الاجتماعي، ويجلبون معهم عدم الأمان".

وتساءلت الصحيفة البرتغالية: كيف ترى قلق المجتمع من (تدخل) الثقافة الإسلامية في المجتمع البرتغالي؟ هناك من يقول: إن النساء في البرتغال سيُجبرن على ارتداء البرقع بعد 50 عاما إن لم يتوقف (الغزو)".

وأكد مدير مرصد العالم الإسلامي أن "هذا الكلام لا معنى له على الإطلاق"، موضحا أن "هؤلاء المسلمين لم يأتوا إلى دولة ذات أغلبية مسلمة، بل إلى دولة ذات طابع مسيحي".

وأشار إلى أن "الخطاب المذكور أعلاه يشبه خطاب اليمين المتطرف"، مؤكدا: "علينا أن نحترم، بالطبع، القانون والثقافة والمبادئ التي لديهم، وهو ما ينساه كثير من الساسة".

 وأن "النساء، عندما يأتين إلى الغرب، إن أردن ارتداء الحجاب أو ملابس أكثر تحفظا، فذلك يعود لهن".

وعاد إلى التاريخ، قائلا: "إذا عدنا إلى الماضي البرتغالي، فسنجد أن النساء في الأقاليم كن يغطين رؤوسهن". 

وتابع: "بشكل عام، أنا لا أرى في البرتغال ما يمنع المرأة المسلمة من ارتداء الحجاب، بل هو خيارها الحر". 

وشدد على أنه "لا ينبغي أن يُعد ذلك وصمة أو وسما يتلقون بسببه التهديد". 

ومع تأكيده على كل ما سبق، يؤكد أنه "من غير المقبول أن يفرض المسلون قواعدهم علينا، فالبرتغال دولة علمانية، والدين منفصل عن الحكومة. ونحن أيضا لا يمكننا فرض المسيحية عليهم".

إزالة السم

وفي إطار إجابته على سؤال حول كيفية مواجهة خطاب اليمين المتطرف، قال هنريكيس: "علينا أن نستمر في توضيح الحقائق وبناء الجسور". 

وأردف: "يجب أن يفهم الشعب البرتغالي معنى وجود شعوب ودول أخرى". 

وشدد الأكاديمي: "علينا تفكيك وإزالة هذا السم الذي يُغذى في عقول البرتغاليين وخطابهم". 

وكرر: "وكما قلت، مصدر هذا السم شمال أوروبا: الدول الإسكندنافية وألمانيا وفرنسا، والبرتغال تستورده حاليا". 

وأضاف: "يجب أن تكون هناك أنشطة ميدانية، ويجب دعوة السكان للمشاركة"، مشيرا إلى أن "البعض سيقاوم هذه الأنشطة، معتقدين أنهم على حق، لكن لا بد من التوضيح". 

وتابع هنريكيس: "في مرصد العالم الإسلامي، نحن أكاديميون، لكن لدينا واجب اجتماعي". 

واستطرد: "علينا أن نوضح الحقائق، لنزيل السم الذي يغذي المجتمع البرتغالي، ونفس الشيء ينطبق على الدول الأخرى المجاورة. يجب أن تكون هناك برامج توعية واسعة". 

لكن هنريكيس تحدث بأسى قائلا: "يبدو لي أنه لا توجد إرادة لدى السلطات البرتغالية لإقامة شراكات مع منظمات الحوار". 

وأكد: "الحوار.. الحوار.. الحوار.. اسمح لي أن أكرر هذه الكلمة: الحوار شيء نفقده".

وأشار الأكاديمي إلى أن "الاندماج يتحقق من خلال التفاعل المتزايد بين المؤسسات والمجتمعات على الأرض". 

ونبه إلى أن "الشعوب القادمة من الخارج تعيش في عزلة، ليس لأنها تريد ذلك، بل لأنها مفروضة عليها. ثم يقولون إنه لا جدوى من مقاومة التيار، لأن لا أحد يسمعهم". 

وأردف: "لا بد من جهد مؤسسي، يشمل المجتمع المدني والنخب السياسية".

وشدد هنريكيس على ضرورة أن "يقيم السياسيون شراكات مع مؤسسات الدعم والاستقبال، ويجب أن يشعر الوافدون بالانتماء، وهذا لا يحدث إلا إذا شعروا بأنهم مُندمجون، ويجب مساعدتهم على ذلك".