"خطوة تشجيعية".. لماذا سارعت ألمانيا إلى تأسيس مجلس اقتصادي مشترك مع سوريا؟

مصعب المجبل | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

مع سقوط نظام بشار الأسد، برزت ألمانيا، القوة الاقتصادية الأكثر أهمية في أوروبا، كأحد أبرز الداعمين لنهوض سوريا الجديدة، عبر خطوات متدرجة لدعم اقتصادها وتحسين الواقع المعيشي لمواطنيها؛ إذ تشير المعطيات إلى تدرج برلين في "خطواتها الإيجابية" تجاه سوريا الجديدة عقب سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، ورفع مستوى التعاون الدبلوماسي والاقتصادي مع دمشق.

مجلس تنسيقي

وفي خطوة متقدمة، اتفقت سوريا وألمانيا، في 17 يونيو/حزيران 2025 على تأسيس مجلس تنسيقي اقتصادي مشترك، يهدف إلى تعزيز التعاون وفتح آفاق جديدة للتبادل التجاري بين البلدين.

جاء ذلك خلال اتصال هاتفي تلقاه وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني من نظيره الألماني يوهان فاديفول، وفق بيان للخارجية السورية.

وبحسب البيان، ناقش الوزيران "القضايا الإقليمية الملحّة والعلاقات الثنائية بين البلدين". وعبّر الشيباني عن تطلع سوريا لتعزيز التعاون الدبلوماسي مع ألمانيا في مختلف المجالات.

بدوره أكد المبعوث الألماني الخاص إلى سوريا ستيفان شنيك أن بلاده تساعد سوريا من أجل بناء مستقبل مزدهر.

وقال شنيك في تغريدة على منصة إكس: "اتفق وزير الخارجية الألماني مع نظيره السوري على إنشاء مجلس تعاون اقتصادي ألماني سوري لدعم إعادة إعمار سوريا والعملية السياسية الشاملة".

في 20 مايو/أيار 2025، قرر الاتحاد  الأوروبي رفع جميع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، بما في ذلك تلك المفروضة على البنك المركزي السوري، وتلك المفروضة على شركات اقتصادية رئيسة في قطاعي الطاقة والتمويل الحيويين. 

وقد لعبت ألمانيا دورا محوريا في هذا المسعى. وبهذا، تريد الحكومة الألمانية والحكومات الأخرى في الاتحاد الأوروبي البدء بالعمل مع سوريا الجديدة.

وقال فاديفول خلال تصريحات صحفية في 20 مايو/أيار 2025: "نحن نعطي الحكومة السورية فرصة، لكننا نتوقع أيضا سياسة شاملة داخل البلاد تشمل جميع الفئات السكانية والجماعات الدينية".

بدورها قالت وزيرة التنمية الاتحادية الألمانية الجديدة ريم العبالي رادوفان: “من أجل بداية جديدة ناجحة وسلمية في سوريا، من الضروري أن ينطلق الاقتصاد وأن يتمكن الناس من توفير الضروريات لأنفسهم”.

وأردفت في تصريحات لوسائل الإعلام في 20 مايو: "سيعزز رفع العقوبات قدرات المجتمع السوري على الاعتماد على الذات".

والعبالي-رادوفان، وهي أول وزيرة ذات أصول مهاجرة في تاريخ ألمانيا، عادت ودعت اللاجئين السوريين في ألمانيا في 16 يونيو 2025 إلى لعب دور فاعل في عملية الإعمار.

وأكّدت أن الحكومة الألمانية “لن تترك الشعب السوري وحيدًا”. متابعة: "الجالية السورية في ألمانيا تملك خبرات ومهارات قيّمة، ويمكن أن تكون شريكًا في إعادة بناء وطنها".

وألمانيا تضمّ أكبر جالية سورية في أوروبا بعد استقبالها مليون لاجئ عقب اندلاع الثورة في بلدهم عام 2011.

وبدأ الانفتاح الألماني على سوريا، حينما أجرت وزيرة الخارجية الألمانية السابقة أنالينا بيربوك برفقة نظيرها الفرنسي جان نويل بارو أوائل يناير/كانون الثاني 2025 زيارة إلى دمشق والتقيا الرئيس الانتقالي أحمد الشرع.

وعقب تلك الزيارة وجد في دمشق فريق دبلوماسي ألماني من أجل مواصلة دعم سوريا على المستويات كافة والاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية وتخفيف العقوبات بشكل أكبر عن البلاد.

وتلا ذلك، إعادة افتتاح السفارة الألمانية بدمشق منذ مارس/آذار 2025، بعد 13 عاما لتعزيز الحوار السياسي في البلاد.

وفي بلد مثل سوريا، فإنّ الأمم المتحدة، تؤكد اعتماد 16.7 مليون نسمة، من أصل 24 مليون نسمة تقريبا، على المساعدات الإنسانية.

كما لا يزال نحو 13,5 مليون سوري في عداد اللاجئين أو النازحين، بحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

وفي ظلّ هذه الأزمة الإنسانية المستمرة، تُقدم الحكومة الألمانية مساعدات إنسانية لمواجهة حالات الطوارئ الحادة.

كما تعهّدت برلين في مؤتمر بروكسل حول سوريا في مارس 2025 بتقديم 300 مليون يورو لدعم السوريين.

كسر العزلة

ويأتي تأسيس مجلس اقتصادي مشترك بين سوريا وألمانيا في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد وتتلمس فيه طريق الانتعاش الاقتصادي، كخطوة داعمة في هذا الإطار.

إذ إن من مهام المجلس التنسيقي الاقتصادي المشترك، تعزيز التواصل والتعرف على الفرص التجارية والاستثمارية بسوريا، ومناقشة المواضيع التي تواجه نمو العلاقات الاقتصادية بهذا البلد، وكذلك تأطير الأعمال في جميع مجالات التعاون بين البلدين.

وأمام ذلك، فإن الخطوات الألمانية تجاه دعم سوريا، بدأت تأخذ منحى عمليا عبر استكشاف الجانب السوري مدى التعاون الذي يمكن أن تقدمه ألمانيا في دعم دمشق الجديدة.

ولا سيما أن لجنة الميزانية في البرلمان الألماني عملت عقب سقوط الأسد على تمهيد الطريق لشراكات مع سوريا لمساعدتها على التعافي والنهوض من جديد.

في المقابل، بدأت الحكومة السورية، تلمس آفاق التعاون مع ألمانيا، والاستفادة من تجربتها الناجحة في التعافي الاقتصادي عقب الحرب العالمية الثانية.

فقد عقد وزير النقل السوري يعرب بدر، في 16 يونيو 2025 اجتماعا تشاوريا عبر تقنية الفيديو مع عدد من الخبراء والمختصين السوريين العاملين في قطاع النقل بألمانيا، وذلك في إطار استكشاف سبل وآفاق التعاون الممكنة والاستفادة من خبراتهم المتقدمة في هذا المجال.

وأكد بدر خلال الاجتماع حرص الوزارة على الاستفادة من التجربة الألمانية الرائدة، لا سيما في مجال الأنظمة الذكية والنقل المستدام.

وأشار إلى أهمية مواكبة التطورات التقنية الحديثة، بما يسهم في رفع كفاءة البنية التحتية لقطاع النقل في سوريا.

بدورهم، استعرض الخبراء السوريون المقيمون في ألمانيا مجالات الدعم الممكن تقديمها لسوريا، والتي تشمل تزويدها بأجهزة هندسية ذات تقنيات متطورة، وبرمجيات تقنية حديثة، ودعم إستراتيجيات إعادة الهيكلة الإدارية والمؤسسية، مؤكدين أهمية تقديم خطوات عملية لتفعيل هذا التعاون.

ويؤكد المراقبون، أن المجلس التنسيقي الاقتصادي المشترك سيسهم في تسهيل تقديم الدعم الألماني لبعض الوزارات في سوريا.

وضمن هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو، لـ"الاستقلال": إن "تأسيس المجلس الاقتصادي في هذه المرحلة، خطوة إيجابية وإستراتيجية تؤكد أن برلين ومن خلفها أوروبا، لا تريد أن تغيب عن ملف دمشق خاصة بعد سنوات من الهيمنة الروسية والإيرانية على هذا البلد".

وأضاف شعبو أن "سوريا اليوم مقبلة على فترة إعادة إعمار حيث ستتدفق كميات كبيرة من الأموال واستثمارات كبيرة يبدو واضحا أن ألمانيا ستدخل فيها وتعيد إحياء البلاد كشريك أساسي لأوروبا في المنطقة".

ورأى أن "ألمانيا تحاول كسر العزلة عن سوريا لتشجيع الدول الأخرى على اتخاذ خطوات مماثلة تسهم في تنشيط الاقتصاد السوري ودفعه خطوات سريعة نحو الأمام بشكل تكاملي".

"خاصة أن تشكيل مثل هذا المجلس يعني أن ألمانيا ستقدم الدعم الفني لسوريا لا سيما مع وجود شركات ألمانية عملاقة وذات خبرة عالية في مجال نقل التقنيات والخبرات وإعادة تأهيل البنى التحتية والصناعية وفي مشاريع الطاقة والكهرباء".

ولفت شعبو إلى أن "هناك بداية ناعمة لعودة التعاون الدولي مع سوريا، ما يستدعي شفافية من قبل إدارة دمشق مما يهيئ لبيئة استثمارية مشجعة لبقية الدول بمساعدة ألمانيا".

 وأكد أن "ألمانيا بدأت فعليا في خطوات عملية لمساعدة سوريا في كثير من المجالات ومنها انخراط منظمات ألمانية راهنا في إعادة إعمار المواقع الأثرية في محافظة حلب".

وتُعد الصناعة مساهما رئيسا في الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا. ووفقا للبنك الدولي، تُشكّل 27 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة أعلى بكثير من مُعظم اقتصادات الاتحاد الأوروبي المتقدمة.

وكان لدى ألمانيا أعلى نسبة من خريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) بين خريجي الجامعات في جميع أنحاء العالم.

ونوَّه شعبو إلى أن "وجود لاجئين سوريين نوعيين يسهمون الآن في الاقتصاد الألماني يدفع برلين إلى الحفاظ عليهم، في مقابل إسهامها بتنمية بلدهم الأصلي ومساعدته على النهوض مجددا كون برلين تمتلك مقومات المساعدة في البنية التحتية وغيرها من القطاعات الحيوية".

وسبق أن زارت وزيرة التنمية الألمانية سفينيا شولتسه دمشق منتصف يناير 2025، وأكدت أن سوريا أمام "فرصة تاريخية" لبداية جديدة.

وقالت شولتسه: إنه ضمن إطار برنامج الشراكات الموسع، "يمكن للأطباء من ألمانيا زيارة سوريا لإجراء دورات تدريبية طبية أو لتدريب زملائهم السوريين على استخدام المعدات الجديدة".

وفق الوزيرة كذلك "يمكن للأطباء السوريين المجيء إلى ألمانيا للحصول على تدريب في القضايا الطبية والتنظيمية على حد سواء". ويعمل 5800 طبيب يحملون الجنسية السورية في هذا البلد الأوروبي.

وقالت شولتسه: إنه بينما "يحرص حكام سوريا الجدد على استعادة العمالة الماهرة والمهنيين الذين فروا من البلاد، فإن لألمانيا أيضا مصلحة في الاحتفاظ بهم"، مشيرة إلى “دورهم الحيوي في نظامنا الصحي”.

شريك اقتصادي

وأمام ذلك، فإن ألمانيا تعد من أبرز الدول الأوروبية المرشحة لتكون شريكا اقتصاديا كبيرا لسوريا؛ نظرا لوجود أكبر جماعات الشتات السوري وأكثرها قوة اقتصاديا فيها.

كما أن من شأن تطوير العلاقة بين برلين ودمشق أن يسهم في جذب استثمارات مهمة للبلاد.

وهنا يشير صابر الخطيب، وهو لاجئ سوري مقيم في ألمانيا إلى أن "شخصيات سورية تقيم هنا بدأت بعقد ورش عمل لدعم بلدهم سوريا بكافة المجالات عن طريق دعم مشاريع صغيرة ودورات تدريب تصل لمرحلة توظيف 25 ألف سوري". 

وأضاف الخطيب لـ “الاستقلال” قائلا: إن "شخصيات أكاديمية سورية ومن تخصصات متنوعة عقدوا خلال شهر يونيو 2025 أكبر تجمع سوري بمجال التكنولوجيا وريادة الأعمال بأوروبا بمقر ساب برلين أكبر شركة تقنية بأوروبا".

ولفت إلى أن "نتائج هذه الورش ستترجم على أرض الواقع في سوريا من خلايا زيارة ميدانية في شهر أغسطس/آب 2025 للبدء بتنفيذ المشاريع".

ونوه الخطيب إلى أن “المجلس التنسيقي الاقتصادي المشترك يمكن أن يسهم في حل كثير من العقبات اللوجستية”؛ "خاصة أن مستثمرين سوريين ورواد أعمال يرغبون في المساهمة بإعمار سوريا كل في مجاله بعد تواصل مع شركات عالمية كبرى تساعد في تحقيق نهضة تقنية بسوريا الجديدة". 

ومن هنا فإن تحسن المؤشرات الدولية تجاه سوريا أمر مهم من أجل طمأنة رؤوس الأموال، لا سيما بعد قرار الرئيس الأميركي في مايو/أيار 2025 رفع العقوبات عن سوريا.

كذلك أجرت بعثة تابعة لصندوق النقد الدولي، في 10 يونيو 2025 زيارة استمرت خمسة أيام إلى سوريا، هي الأولى منذ العام 2009، بهدف “تقييم الظروف الاقتصادية والمالية”.

وأيضا بهدف التشاور مع سلطات دمشق بشأن السياسات الواجب اتباعها وتحديد الإجراءات اللازمة لدعم الحكومة السورية في "صياغة سياساتها الاقتصادية وتنفيذها".