استقالة جماعية لقضاة المحكمة الاتحادية.. ما تأثيرها على الواقع السياسي في العراق؟

يوسف العلي | منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

أشعلت الاستقالات الجماعية المفاجئة التي قدَّمها 9 من قضاة المحكمة الاتحادية العليا في العراق، أزمة جديدة في البلاد قد تلقي بظلالها على الواقع السياسي، خصوصا فيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية المزمع إقامتها في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025. 

ففي 19 يونيو/ حزيران 2025، قدم ستة من أصل تسعة قضاة أصلاء وثلاثة احتياط استقالاتهم إلى القاضي جاسم العميري رئيس المحكمة الاتحادية التي تعد أعلى سلطة قضائية في العراق، وذلك بدون إعلان الأسباب، الأمر الذي فتح باب التكهن واسعا حيال الأزمة.

ضغوطات سياسية

ومن أبرز أسباب الاستقالات الجماعية، التي تحدثت عنها العديد من الشخصيات السياسية والبرلمانية العراقية، هي اتفاقية خور عبد الله بين العراق والكويت، والتي سبق للمحكمة الاتحادية أن ألغتها وعدتها غير دستورية، في 4 سبتمبر/ أيلول 2023.

وقال عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي، النائب الشيعي المستقل، رائد المالكي: إن "استقالة أعضاء المحكمة من عملهم يعود إلى ضغوط يتعرضون لها بسبب قضية خور عبد الله". 

وكانت المحكمة الاتحادية العليا قد أقرت في 4 سبتمبر 2023 بعدم دستورية قانون تصديق البرلمان العراقي لاتفاقية تنظيم الملاحة البحرية بين العراق والكويت في منطقة "خور عبد الله"، وذلك لعدم توفر أغلبية الثلثين في الجلسة التي تعدّ شرطا أساسيا لإضفاء الشرعية.

وأضاف المالكي خلال بيان في 19 يونيو، أن "الحكومة (العراقية) تريد أن تكون المحكمة الاتحادية أداة طيعة بيدها لتنفيذ ما تراه بحجة حماية المصالح العليا".

وشدد النائب على أن هذا الوضع لا يمكن السكوت عليه، وأن القيادات الشيعية المتصدية أثبتت فشلها في بناء دولة مؤسسات تحترم سيادة الدستور والقانون، مضيفا: "سنتشاور مع بقية زملائنا النواب لاتخاذ موقف موحّد من هذه القضية التي تمثل سابقة خطيرة".

وكذلك، اتفق النائب الكردي في البرلمان العراقي، شيروان دوبرداني مع تصريح المالكي، بأن سبب استقالة القضاة يتعلق بقضية خور عبد الله.

ونقلت وكالة "باسنيوز" العراقية في 19 يونيو، عن دوبرداني، قوله: "حُلّت المحكمة الاتحادية العراقية (فعليا)؛ لأن المتبقين هم ثلاثة قضاة، وبهذا العدد لن يكتمل النصاب بعد الآن ولن تنعقد الجلسات؛ إذ يجب على 7 من القضاة الحضور دائما".

لكن حاليا لا يمكن لها حتى إصدار الأوامر الولائية (تعليق القرارات الإدارية لحين اكتمال القضايا بالمحاكم). وفق قوله.

وقبل الاستقالة، أرجأت المحكمة الاتحادية البت في الطعنين المقدَّمين من الرئيس العراقي، عبد اللطيف رشيد، ورئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، في 15 أبريل/نيسان، وذلك ضد قرار بطلان قانون اتفاقية "خور عبد الله" بين حكومتي العراق والكويت المبرمة عام 2013.

وحددت المحكمة 22 أبريل، موعدا للنظر في الدعوتين، ثم أرجأته إلى 30 منه، وبعدها عادت لترجأه إلى 22 يونيو، لتعود وتُقدم الموعد ثلاثة أيام، ولتقرر أخيرا تأجيل الجلسة إلى 25 من الشهر ذاته.

وطرح سياسيون عراقيون سببا آخر لاستقالة القضاة، وهو طلب رئيس المحكمة من ائتلاف "إدارة الدولة"، عقد اجتماع لتداول النزاع بين محكمته ومحكمة التمييز التي نقضت قرارات عدة للاتحادية، الأمر الذي وصفوه بأنه يتعارض مع استقلالية السلطة القضائية.

ويضم ائتلاف "إدارة الدولة" جميع القوى السياسية التي تتألف منها الحكومة العراقية الحالية، برئاسة محمد السوداني، من مختلف المكونات الشيعية والسنية والكردية والمسيحية.

وأفادت صحيفة "العالم الجديد" العراقية نقلا عن مصادر قضائية (لم تسمها) في 21 يونيو، بأن استقالات القضاة تأتي على خلفية خلافات متراكمة بين مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية.

وأوضحت أن "هذه الخلافات جاءت نتيجة إلغاء قرارات وتفعيل أخرى، بقضايا متفرقة من بينها قضايا خلفت مشكلات في العلاقة، مثل قانون العفو العام الذي ألغت العمل به المحكمة الاتحادية، فيما قررت إرجاعه سلطة مجلس القضاء الأعلى".

المحكمة الاتحادية التي تأسست عام 2005، أثارت العديد من قراراتها جدلا واسعا في العراق، ومن ضمنها قرار إقالة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، وانتزاع حق تشكيل الحكومة من الكتلة الفائزة في انتخابات البرلمان عام 2010، آنذاك "ائتلاف العراقية" بزعامة إياد علاوي.

وجرى ذلك عبر تفسير "الكتلة الأكبر"، الذي ينص الدستور العراقي على أن تكون الفائزة في الانتخابات، إضافة قرار المحكمة إعادة فرز الأصوات يدويا في انتخابات 2018 بناءً على طلب زعماء أحزاب، كان أبرزهم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

ومن القرارات التي أثارت الخلافات السياسية، يحضر هنا قرار المحكمة عام 2023 بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان العراق وإلغائه، ثم الحكم بمنع تمويل رواتب موظفي الإقليم.

فراغ تشريعي

وعلى صعيد تداعيات مثل هذه الأزمة، قال رئيس الفريق الإعلامي في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، عماد جميل، إن الاستقالات ستلقي بظلالها على العملية الانتخابية في حال جرى قبولها.

وأوضح جميل خلال تصريح نقلته وكالة "شفق نيوز" العراقية في 20 يونيو، أن "المحكمة الاتحادية هي الجهة المخولة بالمصادقة على نتائج الانتخابات النيابية، وفي حال قبول الاستقالات، فستتأثر الانتخابات".

وفي هذه النقطة تحديدا، حذّر حازم الرديني رئيس "المركز الإستراتيجي لحقوق الإنسان" في العراق (مؤسسة غير حكومية)، من خطورة قبول استقالات قضاة في المحكمة الاتحادية خلال الفترة الراهنة مع إقبال البلاد على إجراء تشريعية نهاية العام 2025.

وقال الرديني في بيان له: إنه “لا يمكن إجراء الانتخابات البرلمانية في نوفمبر دون وجود أعضاء المحكمة الاتحادية”؛ وذلك "لأن الدستور العراقي لسنة 2005 نص في المادة 93/ 7 أنه من اختصاص المحكمة الاتحادية المصادقة على نتائج الانتخابات النيابية النهائية".

وأشار رئيس المركز إلى أن "العراق سيدخل في فراغ تشريعي لانتهاء عمر البرلمان بموجب المادة 49 من الدستور، والتي حددت عمره بأربع سنوات من تاريخ انعقاد أول جلسة بمعنى أنه سينتهي في 25 نوفمبر 2025 وتتحول الحكومة إلى تصريف أعمال".  

وفي المقابل، نفى الخبير القانوني العراقي، علي التميمي، أن تتأثر الانتخابات البرلمانية في العراق جراء الاستقالات الجماعية لأعضاء المحكمة الاتحادية، وذلك لأسباب عدة.

وأضاف التميمي لـ"الاستقلال" أن "المدة لا تزال طويلة نوعا ما أمام إجراء الانتخابات المقررة في 11 نوفمبر، وبالتالي يمكن اختيار بدلاء عن القضاة الذين استقالوا من مناصبهم، وهذا حق مشروع لهم، فهم موظفون بالدولة ولهم أن يستقيلوا من وظائفهم التي يشغلونها".

ولفت الخبير القانوني إلى أن "أسباب الاستقالة لم تعرف حتى الآن (بشكل رسمي)، وهذا يتيح المجال لاختيار بدلاء عنهم، بقرار من الأطراف القضائية الأربعة، وهي: مجلس القضاء الأعلى، والمحكمة الاتحادية العليا، والإشراف القضائي، والادعاء العام".  

وقلل التميمي من خطورة تداعيات الاستقالات الجماعية للقضاة في المحكمة الاتحادية، مؤكدا أنها لا تزال تعمل، مبينا أن غياب الأعضاء لا يعني أنها باتت معطلة وغير فاعلة، فهي هيئة قضائية كبيرة.

ثلاثة خيارات

وبخصوص الخروج من الأزمة الحالية، قال حسن الياسري مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الدستورية، في حديث لوكالة الأنباء العراقية الرسمية "واع" في 21 يونيو: إن "حلّ المشكلة يتم عبر آليات ثلاث؛ الأولى تتمثل برجوع المستقيلين عن استقالتهم".

أما الآلية الثانية، فهي بحسب الياسري، "تتمثل باستقالة الأعضاء الآخرين، لغرض تنفيذ المادة الأولى من قانون تعديل قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 25 لسنة 2021، والتي تنظم آلية اختيار أعضائها، بغية اختيار آخرين جدد، مع التنويه بأن لا مانع من تجديد عضوية البعض".

وخلص الياسري إلى أنه "في حالة عدم تحقق الآليتين (الرجوع عن الاستقالة أو استقالة المتبقين) فلا مناص من الركون إلى الآلية الثالثة التي تتمثل بتعديل مجلس النواب للقانون الخاص بالاتحادية؛ بغية إعادة تأليف المحكمة من جديد".

ودعا المستشار الحكومي إلى “تعديل الدستور مستقبلا، وإلغاء ما يتعلق منه بوجوب مصادقة المحكمة على نتائج الانتخابات، إذ لا فائدة من هذه المصادقة لسببين”:

الأول لأنها شكلية لا تنصرف للمضمون.

والثاني أن مفوضية الانتخابات تتمتع بالاستقلالية التامة وهي تستعين بلجان قضائية في عملها، وفق قوله.

وعلى ضوء الأزمة الحالية، تضاربت الأنباء بخصوص حقيقة تقديم رئيس المحكمة الاتحادية العليا في العراق، جاسم العميري، طلبا لإحالته إلى التقاعد.

وكشفت وكالة "السومرية نيوز" العراقية، في 23 يونيو، نقلا عن مصدر مطلع (لم تسمه) عن استقالة رئيس المحكمة الاتحادية العليا.

 لكن هذه الأنباء نفتها مصادر أخرى (لم تسمها) تحدثت لوكالة “شفق نيوز” في اليوم نفسه، وأكدت أنه "لا يوجد قرار رسمي بذلك وفي حال تم ذلك سيعلن بشكل رسمي".

العميري يشغل منصب أعلى سلطة قضائية في العراق منذ 12 أبريل/ نيسان 2021، بعد العديد من المناصب التي شغلها في مؤسسات الدولة، بدءا من تخرجه في المعهد العالي القضائي عام 2001، بعدما كان ضابطا بالجيش.