من شريك تقليدي إلى لاعب محوري.. كيف فرضت تركيا رؤيتها في الناتو؟

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في وقت يواجه فيه العالم تحديات أمنية متزايدة، برزت تركيا كلاعب رئيس يسعى إلى إعادة صياغة أولويات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، 

ويأتي ذلك من خلال طرح قضايا تتعلق بالاستقلالية الدفاعية، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز التعاون بين الحلفاء، وتحقيق عدالة أكبر في تبادل الأعباء والفرص داخل المنظمة.

وشهدت قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي عُقدت في 24 و25 يونيو/ حزيران 2025 بمدينة لاهاي الهولندية، تطورات لافتة؛ حيث أكدت بشكل جلي تصاعد دور تركيا داخل الحلف، ليس فقط على المستوى العسكري، بل أيضا على الصعيدين الدبلوماسي والتكنولوجي.

موقف ومطالب

ونشر مركز "سيتا" التركي مقالا للكاتب، نبي ميش، قال فيه: إن "الرئيس رجب طيب أردوغان صرح قبل توجهه إلى القمة تصريحا لافتا قال فيه: لا نرى من الصواب فرض قيود على تجارة المنتجات الدفاعية بين الحلفاء، ينبغي إزالة هذه القيود والعوائق دون شروط وبأسرع وقت ممكن".

وأضاف أن "هذه الرسالة لم تكن مجرد موقف تركي عابر، بل كانت تعبيرا عن سياسة إستراتيجية تطمح تركيا إلى ترسيخها داخل الناتو، خاصة بعد ما واجهته من عراقيل وحظر غير رسمي على استيراد أنظمة تسليح من بعض الدول الأعضاء، كألمانيا والولايات المتحدة".

ولفت ميش إلى أن “هذا المطلب يُعَدّ امتدادا لمواقف تركيا خلال السنوات الأخيرة، حيث ترى أن بعض الحلفاء يتصرفون بازدواجية في تعاملهم معها، إذ يطالبونها بالإسهام العسكري والميداني في عمليات الناتو، بينما يمتنعون عن توفير المعدات أو يفرضون قيودا سياسية واقتصادية على التعاون الدفاعي معها”.

وتابع: "كانت إحدى النقاط الرئيسة التي ركزت عليها أنقرة في قمة لاهاي مسألة القيود على التجارة الدفاعية بين الدول الأعضاء.. فرغم كون تركيا عضوا فعالا في الحلف، إلا أنها واجهت عدة عراقيل في تلبية احتياجاتها الدفاعية بسبب قرارات سياسية من بعض الحلفاء".

فعلى سبيل المثال، لم تتم تلبية مطالب تركيا في الحصول على مقاتلات "يوروفايتر" بسبب معارضة الحكومة الألمانية، رغم أن هذه المقاتلة تُنتج ضمن تحالف أوروبي يضم ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا. 

أما الولايات المتحدة، فقد فرضت على تركيا عقوبات بموجب قانون مكافحة "أعداء أميركا" من خلال العقوبات، وامتنعت عن تسليمها طائرات F-35، رغم أن أنقرة شريك في إنتاج المشروع وسددت دفعاتها المالية كاملة.

وأمام هذا الواقع، برز موقف تركي حازم في القمة، نتج عنه تضمين بند واضح وصريح في البيان الختامي، قال: "سنعمل على إزالة العوائق أمام التجارة الدفاعية بين الحلفاء، وسنستفيد من شراكاتنا لتعزيز التعاون في مجال الصناعات الدفاعية". 

وشدد ميش قد شكّل هذا تطورا مهما في مسار العلاقات داخل الناتو؛ حيث عكس حجم التأثير التركي المتزايد في توجيه السياسات الجماعية للحلف.

هامش واسع

وقال الكاتب: إن "الإستراتيجية الدفاعية التركية لا تقتصر على المطالبة برفع القيود، بل تتجاوزها إلى بناء قدرات مستقلة". 

وذكر أن "تركيا سعت خلال السنوات الأخيرة إلى تعزيز صناعاتها الدفاعية الوطنية، وإطلاق مشاريع كبرى في مجالات الطائرات المسيّرة والمقاتلات المحلية والمنظومات الدفاعية، مما أتاح لها هامشا واسعا من الاستقلالية في اتخاذ قراراتها الإستراتيجية".

ولم يكن هذا التوجه مجرد طموح داخلي، بل هو ناتج عن واقع جيوسياسي معقد، يشمل توترات في شرق المتوسط وتهديدات حدودية وحروب بالوكالة في محيطها، إضافة إلى عزلة نسبية حاول بعض الشركاء فرضها. 

ورغم سعيها للتعاون مع الحلفاء، تؤكد أنقرة أنها ستواصل تطوير قدراتها الوطنية لتكون قادرة على مواجهة التهديدات الإقليمية والدولية دون ارتهان لأي طرف، وهذا ما يعزز مكانتها الإستراتيجية داخل الناتو وخارجه، وفق ميش.

وأردف أن "القضية الثانية التي شددت عليها تركيا في القمة كانت مكافحة الإرهاب.. وقد طالبت أنقرة مرارا وتكرارا حلفاءها داخل الناتو بإظهار تضامن حقيقي في هذا المجال، خاصة تجاه التنظيمات التي تصنفها تركيا إرهابية، كحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية".

وفي مناسبات عديدة، عبّرت تركيا عن استيائها من دعم بعض دول الحلف لتلك التنظيمات، معتبرة أن ذلك يتناقض مع روح التضامن داخل الناتو ويضر بالأمن الجماعي. 

بالإضافة إلى ذلك، فقد أفضت الجهود التركية في قمة لاهاي إلى تضمين "التهديد المستمر للإرهاب" كأحد أبرز المخاطر التي تواجه الأمن الأوروبي-الأطلسي، إلى جانب التهديد الروسي. 

وأكد الرئيس أردوغان أن "تركيا نجحت في إيصال صوتها بقوله: أكدت في لاهاي أن مكافحة الإرهاب لا يمكن أن تنجح إلا من خلال التضامن الصادق بين الحلفاء، وقد ضمنا إدراج هذا التهديد في بيان القمة".

 تعزيز المكانة

وذكر الكاتب أن "نتائج قمة لاهاي تشير بوضوح إلى أن تركيا لم تعد مجرد عضو يتلقى التوجيهات، أو يشارك في تقاسم الأعباء داخل الناتو، بل تحولت إلى قوة فاعلة تسهم في رسم ملامح الإستراتيجية الجماعية للحلف". 

وأشار إلى أن "هذا التحول يرتبط بعوامل عدة أبرزها؛ تطور صناعتها الدفاعية، ونجاحها في تحقيق توازن دبلوماسي بين الشرق والغرب، وفاعليتها العسكرية في محيطها الإقليمي، إلى جانب موقعها الجغرافي الحيوي الذي يجعل منها صلة وصل بين أوروبا وآسيا".

وقال ميش: إن "تركيا باتت تفرض رؤيتها داخل الحلف من خلال مفاوضات قوية ومواقف مبدئية ومساهمات حيوية، وقد انعكس هذا الدور في القرارات الصادرة عن القمة، والتي تُظهر أن تركيا باتت شريكا يصنع القرار، ويؤثر في أولوياته، بدلا من أن يكون تابعا له".

وأضاف أن "قمة لاهاي تُعد محطة مفصلية في مسيرة تركيا داخل الناتو، حيث أثبتت أنقرة أنها ليست مجرد تابع بل شريكا يُحسب له حساب، فمن خلال مواقفها الحازمة ورؤيتها الإستراتيجية واستثماراتها الدفاعية نجحت في تعزيز مكانتها داخل الحلف وفرض قضاياها على الأجندة الدولية".

واستطرد: “مع استمرار التحولات الجيوسياسية، يبدو أن دور تركيا داخل الناتو مرشح لمزيد من التوسع والتأثير، خاصة إذا ما واصلت تحقيق التوازن بين مصالحها الوطنية ومتطلبات الأمن الجماعي”. 

وتابع: “بذلك، فإن تركيا لا تكتفي بلعب دور أمني تقليدي، بل تسعى لتكون قوة إستراتيجية تقود وتبتكر وتوجه، في عالم تتزايد فيه التهديدات وتتطلب فيه التحالفات رؤية جديدة وشركاء فاعلين”.