كيف أدى تراجع نفوذ الجزائر في الساحل إلى فتح الطريق أمام المغرب؟

"في باماكو ونيامي لم يعد يُقبل بالجزائر كوسيط تقليدي"
يشهد إقليم الساحل الإفريقي تحولات جيوسياسية لافتة، أبرزها تراجع الدور الجزائري التقليدي الذي لطالما ارتبط بوساطة اتفاقات السلام، وصعود نفوذ مغربي متدرج يسعى إلى ملء هذا الفراغ، وفق ما أورده تقرير نشرته مجلة "جون أفريك" الفرنسية.
ففي الوقت الذي حاول فيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون طرح مبادرة وساطة بين باماكو والمتمردين الطوارق، سرعان ما وصفت هذه المبادرة بأنها مجرد "موقف سياسي" يفتقد للجدية، خاصة في ظل رفض السلطات المالية لأي تدخل خارجي، وبالأخص من الجزائر.
ويأتي هذا التراجع بعد انسحاب مالي من اتفاق الجزائر مطلع 2024 ورفض نيامي لمبادرة انتقال مدني اقترحتها الجزائر، وهو ما يعكس فقدان موقعها كوسيط إقليمي.
في المقابل، يتحرك المغرب بخطوات محسوبة عبر ما يُعرف بـ"الإستراتيجية الأطلسية"، وهو ما يمنح الرباط دورا متناميا كوسيط بين تحالف الساحل وأوروبا والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس).
موقف سياسي
في نهاية يوليو/ تموز 2025، اقترح الرئيس الجزائري تبون التوسط بين باماكو والمتمردين الطوارق في شمال مالي.
لكن هذه المبادرة لا تملك -كما أوضحت مجلة جون أفريك- “فرصا حقيقية للنجاح”.
ورأى مدير تحرير المجلة الفرنسية، فرانسوا سودان، في حديثه عبر برنامج "أسبوع جاما" على إذاعة فرنسا الدولية، أن الأمر "أقرب إلى موقف سياسي منه إلى عرض جاد".
وأضاف أن "الرئيس تبون يعلم تماما أن باماكو ترفض أي وساطة أجنبية في شؤونها الداخلية، خصوصا وساطة الجزائر، المتهمة بإيواء عدد من قادة التمرد، وكذلك الإمام ديكو".
وأشار سودان إلى أن هذه الريبة تعود جذورها إلى "خلاف جوهري"، يتمثل -وفق المجلة- في أن "الجزائر تسعى إلى استرضاء طوارق مالي لتجنب امتداد الصراع إلى أراضيها الغنية بمنشآت نفطية وغازية إستراتيجية".
وحسب التقرير، "يتجلى فقدان الجزائر لنفوذها في الساحل في انتكاستين أساسيتين: انسحاب مالي من اتفاق الجزائر في يناير/ كانون الثاني 2024، ورفض نيامي، في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، للانتقال المدني الذي اقترحته الجزائر".
وأوضح سودان أن "اعتماد (ميثاق السلام) الذي صاغه رئيس الوزراء المالي الأسبق، عثمان إيسوفي مايغا، شكل الضربة القاضية لاتفاق وُقع عام 2015 بالجزائر بين الأطراف المتحاربة".
وأضاف: "منذ وصول العسكريين إلى السلطة في باماكو ونيامي، لم يعد يُقبل بالجزائر كوسيط تقليدي".
التقدم المغربي
وبينما تندد الجزائر بـ"التأثيرات الأجنبية المعادية" -من المغرب إلى إسرائيل، مرورا بالإمارات- شدد سودان على أن "الأسباب داخلية أيضا".
وتابع موضحا أن "عقدا من الانطواء والانسحاب -بين مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والاحتجاجات الشعبية- جمّد الرؤية الجزائرية للساحل عبر عده منطقة عازلة أمنية، وليس منطقة للفرص الاقتصادية".
ومن الجهة المقابلة، وفي مواجهة هذا التراجع الجزائري، أوضح مدير تحرير "جون أفريك"، أن المغرب "يسير وفق مشروع نفوذ شامل ومهيكل يجمع بين الاقتصاد والدين والأمن".
وهذه "الإستراتيجية الأطلسية" -كما وصفها- تهدف إلى "ربط دول الساحل الحبيسة بالمحيط".
ورأى أن ذلك "مغامرة طموحة، لا تزال في طور الإعلان عنها إلى حد كبير".
لكنه شدد -في ذلك الوقت- على أنها "منطقية من الناحية الجيوسياسية".
وأكد سودان أن "دول تحالف الساحل الثلاث تشكل سوقا واعدة للرباط، وتمنحها في الوقت نفسه دور الوسيط بين التحالف وأوروبا والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس)".
في خطوة تهدف إلى تعزيز علاقات التعاون بين اتحاد تحالف دول الساحل الإفريقي والرباط، استقبل عاهل البلاد محمد السادس، وزراء خارجية مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، وناقش معهم عددا من القضايا المهمة التي تتعلق بالأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة.
وقالت الوكالة الرسمية للأنباء المغربية في أبريل/ نيسان 2025: إن وزراء تحالف دول الساحل جدّدوا التزامهم بالانخراط في تسريع العمل من أجل تنفيذ مبادرة الملك محمد السادس الهادفة إلى استفادة دول الساحل من المحيط الأطلسي.