باكستان تستعد لموجة ترحيل ثالثة بحق اللاجئين الأفغان.. ضغط سياسي على طالبان؟

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تستعد باكستان لتنفيذ موجة ترحيل قسري ثالثة بحق اللاجئين الأفغان بعد إعلانها إلغاء وضع الحماية لهذه الفئة البالغ عددها 1.4 مليونا رغم أن كثيرين منهم يعيشون في البلاد منذ عشرات السنين.

في هذا السياق، تناولت صحيفة "تاز" الألمانية دوافع السلطات الباكستانية وراء بدء موجة الترحيل الجديدة، مسلطة الضوء على التداعيات الإنسانية التي ستنال آلاف اللاجئين الأفغان.

الموجة الثالثة 

منذ عام 1980، يعيش أشقاء غلام محمد شيرازي في باكستان، حيث يكسبون قوتهم من زراعة الخضراوات وبيعها في الأسواق المحلية، لكن الآن، يُطالبون بالعودة إلى أفغانستان.

يقول شيرازي، الذي تحدث من كابول للصحيفة، وفضل عدم الكشف عن اسمه الحقيقي لأسباب أمنية، إن إخوته أخبروه عبر الهاتف: "كنا نعيش هنا بشكل قانوني، لكن فجأة أصبح وضعنا غير قانوني".

وأضاف أن إخوته لا يملكون منزلا في بلادهم وأن 6 فقط من بين 55 فردا من عائلته وُلدوا في أفغانستان.

وأشارت الصحيفة إلى أن "ترحيل عائلة شيرازي يأتي ضمن موجة جديدة من الترحيلات التي أعلنت عنها إسلام آباد".

وهي الموجة الثالثة حتى الآن والأوسع نطاقا منذ أن ألغت الحكومة الباكستانية عام 2023 صفة اللجوء لجميع اللاجئين الأفغان، مبررة قرارها بأن "الحرب في أفغانستان قد انتهت بعد سيطرة طالبان على الحكم في أغسطس/ آب 2021".

وفي المرحلتين الأولى والثانية من الترحيل، أُجبر أكثر من 800 ألف لاجئ أفغاني على مغادرة باكستان. واستهدفت هذه الموجات في البداية اللاجئين غير المسجلين وأولئك الذين دخلوا البلاد بعد عام 2005.

وأضافت الصحيفة أن "كثيرين اضطروا إلى الرحيل بأنفسهم هربا من الانتهاكات المتكررة التي تعرضوا لها من قِبل الشرطة الباكستانية".

وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن هذا النوع من العودة ليس طوعيا، نظرا لظروف الضغط والإجبار التي تمارسها السلطات الباكستانية على اللاجئين.

وفي هذا السياق، أوضحت "تاز" أن "المرحلة الحالية تستهدف ترحيل نحو 1.4 مليون لاجئ سُجلوا رسميا لدى السلطات الباكستانية ووكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين".

ولفتت إلى أن "الغالبية العظمى منهم دخلوا باكستان قبل عام 2005. وكثيرون، مثل عائلة شيرازي، فروا إليها منذ عدة عقود".

وأردفت: "لقد هربوا من الاحتلال السوفييتي لبلادهم بين عامي 1979 و1989، أو خلال فترة حكم المجاهدين القمعية عامي 1992 و1996، أو خلال حكم طالبان الأول بين عامي 1996 و2001".

أداة ضغط 

ويعيش نحو 400 ألف لاجئ أفغاني بمخيمات في باكستان، تحولت بمرور الوقت إلى مدن شبه مكتملة، على غرار مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن "ما يقرب من 52 بالمئة من اللاجئين الأفغان هم أطفال دون سن 18 عاما". وأفادت أنه “حتى وقت قريب، كانت هناك آمال بإمكانية تمديد إقامتهم”.

إذ كانت الحكومة الباكستانية قد أصدرت تعليمات للشرطة والسلطات الأخرى بعدم اعتقالهم أو إغلاق حساباتهم المصرفية أو تعطيل شرائح هواتفهم، وهي إجراءات طُبقت سابقا على من رحلوا.

واستدركت: "يبدو أن باكستان قررت استخدام سياسة الترحيلات الجماعية كأداة للضغط السياسي". فعلى مدار عقود، دعمت الحكومات الباكستانية مجموعات مسلحة أفغانية مثل طالبان، وفي المقابل استقبلت لاجئين فروا من الحروب في أفغانستان.

وأشارت الصحيفة إلى أن تلك الجماعات المسلحة كانت تستخدم المخيمات كملاذات آمنة ومراكز لتجنيد المقاتلين، إلا أن العلاقات الثنائية بين البلدين أصبحت متوترة، إذ باتت حركة طالبان ترفض التدخل الباكستاني في شؤونها الداخلية.

كما أصبحت أفغانستان تستضيف بدورها مخيمات للاجئين الباكستانيين، تنطلق منها جماعات طالبان الباكستانية المعارضة للحكومة في إسلام آباد.

علاوة على ذلك، رحّلت إيران كذلك نحو 1.5 مليون أفغاني، منهم مئات الآلاف بعد انتهاء الحرب مع إسرائيل بدعم أميركي (13 - 24 يونيو/حزيران 2025)، حيث وُجهت إليهم اتهامات بالتجسس لصالح تل أبيب.

أما طاجيكستان، وهي دولة مجاورة أخرى، فقد طالبت هي الأخرى جميع اللاجئين الأفغان بمغادرة أراضيها، وبدأت بالفعل في تنفيذ ترحيلات قسرية. ووفق ما ورد عن الصحيفة، هناك ما يصل إلى 13 ألف لاجئ أفغاني يقيمون هناك، من بينهم حوالي 10 آلاف لاجئ مسجل رسميا.

ولفتت إلى أنه "في حال تنفيذ هذه الترحيلات واسعة النطاق، فإن واحدة من أكبر تجمعات اللاجئين في فترة ما بعد الحرب، والتي تضم نحو 6.1 ملايين أفغاني حول العالم، ستصبح جزءا من التاريخ".

ورغم التبرعات والمساعدات الأولية التي تقدمها بعض فئات الشعب والجهود المبذولة من قبل سلطات طالبان، تبدو الأخيرة عاجزة عن إدارة الأزمة.

ويتوقع أن ينتهي بالمطاف بالعديد من هؤلاء اللاجئين كنازحين فعليين داخل وطنهم، دون سكن أو حماية أو دعم مؤسسي حقيقي.

كراهية الأجانب 

وتعتقد الصحيفة أن "خطوة ترحيل اللاجئين الأفغان تكشف أن كراهية الأجانب التي تصدر عن الحكومات لم تعد حكرا على الأنظمة الغربية اليمينية، بل باتت متجذرة أيضا في دول الجنوب العالمي".

فعلى سبيل المثال، تترافق حملات الترحيل الجماعي للاجئين الأفغان في إيران، مع حملات عنصرية مكثفة، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ومن المثير للدهشة أنه "يجرى تجاهل حتى تلك الحجج الاقتصادية التي كثيرا ما تستخدم لتبرير استيعاب اللاجئين في الدول الغربية".

ففي إيران، رُحل مئات الآلاف من الأفغان رغم أنهم يشكلون ما يصل إلى 60 بالمئة من القوى العاملة في قطاع البناء وصناعة الجلود وجمع النفايات، ما أدى إلى تراكم القمامة بالفعل في شوارع العاصمة طهران.

وبينما تتصاعد مظاهر اللامبالاة في المجتمعات شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، تظهر أيضا ملامح اتجاه مضاد يتمثل في التضامن الإنساني.

ففي أفغانستان، يوزع متطوعون -أغلبهم يعيشون تحت خط الفقر، حيث يعاني أكثر من 90 بالمئة من السكان من الفقر- مواد غذائية وأدوات نظافة كمساعدات أولية للعائدين.

وأضافت الصحيفة: "كما تسهم النساء الأفغانيات، رغم التهميش الشديد الذي يفرضه عليهن نظام طالبان، في تأسيس ورش عمل صغيرة توفر فرص عمل ومصدر دخل لنساء أخريات".

ومع ذلك، ترى أن "هذه المبادرات الشعبية الملهمة لا تكفي لمواجهة الأزمة الإنسانية المتفاقمة"، داعية إلى "تدخل دولي سريع".

واختتمت بانتقاد الحكومة الألمانية التي "شرعت، رغم تفاقم الأزمات، في تقليص مساعداتها الإنسانية العالمية، ما يسهم في تعميق معاناة اللاجئين والمحتاجين حول العالم".