وقف الحرب.. هل أفشل خطط إسرائيل - أميركا لإسقاط نظام إيران؟

إسرائيل قصفت بوابات سجن إيفين الذي يُحتَجز بداخله معارضو النظام الإيراني
بعد تهديدات أميركية - إسرائيلية في بداية الحرب (13 - 24 يونيو/حزيران 2025) لتغيير النظام الإيراني، وفشل خطة نشر الفوضى بقتل 20 من كبار القادة والعلماء النوويين في اليوم الأول، عاد الطرفان للتركيز على إضعاف طهران وتدمير إمكانياتها النووية.
لكن صمود إيران واستمرارها في إيذاء إسرائيل بصواريخها، وتهديدها بغلق مضيق هرمز، أظهر تحولا في خطة قلب نظام الحكم، عبر سلسلة ضربات وتحركات داخلية، مع الاستمرار في محاولات سرية لزعزعة النظام، وفق تقديرات إسرائيلية.
وجاء استهداف إسرائيل بوابة سجن "إيفين" الشهير، والذي يضم في داخله معارضين للنظام ومقربين من الولايات المتحدة وإسرائيل، وقصف مقرات الأمن، ضمن محاولة لإثارة فوضى داخلية وتشجيع عملاء على تولي الحكم.
واعترفت إذاعة جيش الاحتلال، 23 يونيو 2025، أن الجيش قصف بوابات سجن إيفين الذي يحتجز بداخله معارضو النظام الإيراني "بهدف تمكينهم من الهروب".
ورغم فشل الخطط حاليا، وصمود القيادة الإيرانية، والتوصل لاتفاق لوقف الحرب، تشير تقارير أميركية وإسرائيلية إلى أن محاولات التخلص من الحكم الإيراني الحالي لن تتوقف، ولكنها ستعمل في السر لتحقيق هذا الهدف.
التغيير بالقوة
طوال الصراع، تحدث المسؤولون الإسرائيليون صراحة عن رغبتهم في تغيير النظام في إيران، وقالت الولايات المتحدة: إن هذا الخيار غير مطروح، ثم ألمح الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إمكانية حدوثه.
وجاء تصريح ترامب بأنه “إذا كان النظام الإيراني الحالي غير قادر على جعل إيران عظيمة مجددًا، فلماذا لا يكون هناك تغيير له؟”
تصريح ترامب جاء قبل وقف الحرب، وأشارت المتحدثة باسم البيت الأبيض للسبب بقولها: "إذا رفض النظام الإيراني التوصل إلى حل سلمي ودبلوماسي، فلماذا لا يُنهي الشعب سلطته العنيفة للغاية؟ موقفنا لم يتغير".
لكن حتى بعد اتفاق وقف الحرب، غرد ترامب عبر حسابه بفيديو استفزازي عن ضرب إيران وهدم نظامها وذكرت تقارير أميركية أن خطط التخلص من النظام تأجلت فقط بعدما صمد في الحرب، ولن تتوقف، مبينة أن انهياره "يبدو بعيدًا رغم أنه يتعرض لضغوط هائلة".
لكنها تراهن على أن "الأنظمة الاستبدادية غالبًا ما تنهار ببطء قبل أن تنهار فجأة، ودور القنابل الأميركية هنا أنها تُحطم ما هو في طور الانهيار"، وفق موقع "بارونز" الأميركي، 24 يونيو 2025.
وكانت نوايا إسرائيل غير واضحة في بداية الحرب، فيما يتعلق بتغيير النظام، حتى حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أن تل أبيب "ستفعل ما يجب علينا فعله" فيما يتعلق بالقيادة الاستبدادية في إيران. وفق تعبيره.
ورغم التحريض الإسرائيلي على تقويض النظام الإيراني عبر التصريحات والضربات وأيضا استدعاء أميركا للتدخل، فقد سارعت تل أبيب لنفي نيتها إسقاطه حين وجدته صامدا.
تقدير عسكري إسرائيلي، نشره "ناعوم أمير" في القناة 14 (المفضلة للمتطرفين الإسرائيليين) 22 يونيو 2025، تمني أن يُسفر الهجوم الأميركي على إيران، وانضمام الولايات المتحدة للحرب الإسرائيلية إلى إسقاط النظام الإيراني.
زعم أن "الهدف المباشر للحرب الإسرائيلية يتلخص في أمرين: إزالة التهديد النووي، وتقليص التهديد الباليستي.
لكنه قال: إن الهجمة الأميركية "يجب أن يكون لها هدف خفي في الأفق، وهو إطلاق عملية طويلة الأمد من شأنها أن تنتهي بتغيير النظام في طهران".

لماذا سجن إيفين؟
كان قصف الاحتلال سجن إيفين في طهران يوم 23 يونيو وهو الذي يضم معتقلين سياسيين معارضين لنظام آية الله خامنئي، مؤشرا واضحا لتنفيذ تل أبيب خطة لنشر الفوضى في إيران تمهد لقلب نظام الحكم.
جيش الاحتلال الإسرائيلي أعلن "تنفيذ هجمات غير مسبوقة على أهداف تابعة للنظام الإيراني وأجهزة القمع (على حد وصف البيان) في قلب العاصمة طهران.
وشملت الأهداف مقر الباسيج وسجن إيفين الذي يُحتجز فيه معارضو النظام، ومقرات للأمن الداخلي تابعة للحرس الثوري الإيراني ومقرات الأيديولوجيا"، بهدف خروج المعارضين المحبوسين للشارع ودعمهم نشر الفوضى وتغيير السلطة.
وواكب ذلك قصف مقر "ثأر الله"، العام التابع للحرس الثوري المكلف بحماية طهران من التهديدات الأمنية الداخلية.
وكذلك مقر فيلق "سيد الشهداء" التابع بدوره للحرس الثوري، والمكلف بحماية إيران وقمع التهديدات الداخلية، مثل أعمال الشغب والاحتجاجات، وفق جيش الاحتلال.
لكن السلطة القضائية الإيرانية، أعلنت أن الأوضاع في سجن إيفين في طهران تحت السيطرة بعد استهدافه بمسيرات أصابت أجزاء منه.
ونفى المركز الإعلامي التابع للقضاء الإيراني إطلاق النار في داخل سجن إيفين، بعد ترويج وسائل إعلام إسرائيلية لوجود فوضى واضطرابات بداخله.
وترى تل أبيب أن "إسقاط النظام هو التغيير الوحيد الذي يضمن تحقيق الأهداف الضخمة".
وما دام النظام قائما، تصعب رؤية طريقة لمنعه من تطوير الصواريخ البالستية وربما حتى الاندفاع نحو القنبلة (النووية)، وفق ما كتب المحلل الإسرائيلي "رفيف دروكر" في صحيفة هآرتس 23 يونيو 2025.
وتقول صحيفة "يديعوت أحرونوت"، 23 يونيو 2025: إن "إسرائيل كانت تسعى إلى شل آلة القمع الإيرانية لتمهيد الطريق لانتفاضة ما بعد الحرب".
وأكد المحلل "رون بن يشاي" أن "إسرائيل وسعت حملتها العسكرية لاستهداف قوات الأمن الداخلي الإيرانية ومعاقل النظام، بهدف زعزعة قبضة الملالي على السلطة وتمكين المعارضة الداخلية من التحرك بعد انتهاء الحرب".
قال: إن الهدف هو إضعاف وزعزعة استقرار هذه القوى، التي قمعت المعارضة العامة تاريخيا، من أجل خلق مساحة للعناصر الإيرانية الداخلية لتعبئة وتحدي النظام في نهاية المطاف، لذا جرى قصف سجن ايفين.
وكان خبراء غربيون يُقدرون أن أي انتفاضة محتملة داخل إيران من غير المرجح أن تحدث في ظل العدوان الأميركي والإسرائيلي؛ قالوا: إن بعض الجماعات، بما في ذلك فصائل مسلحة مثل مجاهدي خلق، يستعدون للثورة على النظام، لكن هذا السيناريو لن يتحقق في ظل الحملة العسكرية الإسرائيلية والأميركية.
وما دامت الضربات الإسرائيلية مستمرة، يبقى اندلاع الاحتجاجات الجماهيرية أمرًا مستبعدًا؛ إذ يخشى كثير من الإيرانيين مغادرة منازلهم، ويواصل الموالون للنظام الالتفاف حول الحكومة.
وتنبه مجلة "ريسبونسبول ستاتكرافت" الأميركية 24 يونيو، إلى أن التعويل على معارضة خارجية مدعومة أميركيا، بلا قيمة.
وأوضحت أن "الخيال الإسرائيلي لإعادة ولي عهد إيران السابق الشاه رضا بهلوي، لا أساس له من الصحة على الإطلاق"، بسبب علاقة هذا الشخص الوثيقة بنتنياهو، "ما يجعل عودته أقل احتمالا".
وأظهر احتفال الإيرانيين بالنصر وخروجهم للشوارع لتحية نظام خامنئي، حالة صمود على عكس التمنيات الإسرائيلية والأميركية وجاء بنتائج عكسية.

عوائق إسقاطه
بحسب موقع "بارونز" الأميركي، 24 يونيو فإن الانهيار في إيران ليس مضمونًا، وهناك عوائق كثيرة قد تُفشل الخطط الأميركية والإسرائيلية، بعضها داخلية تتعلق بقوة النظام، وأخرى تعود لانقسام وعدم توحد المعارضة الإيرانية.
فالمرشد الأعلى علي خامنئي لا يزال يحظى بشعبية كبيرة، ولا ينبغي الاستهانة بقدرة الحرس الثوري الإيراني على الصمود.
أيضا قد تحد الانقسامات العميقة بين المعارضة الإيرانية (تضم إصلاحيين وملكيين وانفصاليين عرقيين)، من المقاومة المنسقة ضد النظام لإسقاطه.
ويرى الموقع أن هناك مخاوف أخرى يجب أن تقلق الولايات المتحدة وتجعلها لا تتجاهل العواقب الوخيمة المترتبة على سقوط الجمهورية الإسلامية.
فقد يؤدي انهيار أو عدم استقرار إيران إلى تدفقات لاجئين مثل أزمة اللاجئين السوريين بعد الثورة عام 2011.
هناك أيضا مخاوف من احتمال اندلاع صراع على موارد إيران، قد يزيد الاضطرابات بأسواق النفط العالمية ويُحدث موجات صدمة بالاقتصاد العالمي.
كذلك يجب أن تخشى واشنطن "مخاطر وقوع مواد نووية غير مؤمّنة بأيدي المتطرفين"، وقد تستغل جماعات إرهابية مثل تنظيم الدولة فراغ السلطة.
ولو سقط النظام، هناك مخاوف أيضا من التوترات العرقية والإقليمية، خاصة في المناطق الكردية وسيستان وبلوشستان في إيران.
وحذّر بعض المحللين من أن استمرار زعزعة الاستقرار قد يؤدي حتى إلى صراع أهلي داخل الجمهورية الإسلامية؛ حيث تنتظر الفصائل المسلحة المختلفة والأقليات العرقية فرصتها للتحرك.
ويشير تحليل موقع "بارونز" إلى أنه "يجب على الولايات المتحدة الاستعداد لهذه المخاطر إستراتيجيًا والتركيز على الاستقرار بدلًا من فرض نتائج سياسية".
وأوضح أن حروب العراق وأفغانستان تُقدم دروسا قاسية مفادها أن "تأييد قادة المعارضة يُهدد بتقويض شرعيتهم كوكلاء للغرب، كما أن تفكيك الحرس الثوري الإيراني قد يُثير تمردًا عنيفًا يُشبه فوضى العراق بعد عام 2003".
وأوضح أن "الدقة ضرورية" في التعامل مع إسقاط النظام الإيراني، مشيرا إلي ما أسماه "التحولات الناجحة في تشيلي وإسبانيا وبولندا"؛ إذ جرى السماح لبعض نخب النظام بالاحتفاظ بالسلطة أو الثروة وهو ما "يمكن أن يُسهل الاستقرار".
أيضا تخفيف العقوبات بشكل مُستهدف بدلاً من الرفع الشامل لها وربطه بتعاون إيران، كما حدث مؤخرًا في سوريا.
أيضا قد يُسهم رفع العقوبات عن البنوك الإيرانية في التعافي الاقتصادي، ولكن فقط إذا ارتبط بإصلاحات شفافة تعود بالنفع على الشعب الإيراني.
وقد نقل موقع "سي بي سي"، 23 يونيو عن أستاذ الحضارات في الشرق الأدنى والشرق الأوسط في جامعة تورنتو، "محمد توكلي تارغي"، تأكيده أنه إذا أطاحت أميركا بالحكومة الإيرانية مرة أخرى "فإن ذلك سيخلق فوضى في الشرق الأوسط أكبر مما يمكن لأحد أن يتصوره على الإطلاق".
وأوضح أن "هذا السيناريو أقل احتمالًا بعد تأكيد ترامب أن إيران وإسرائيل، قد توصلتا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار".
وفي عام 1953، أجبر انقلاب دبرته وكالة المخابرات المركزية الأميركية محمد مصدق أول رئيس إيراني منتخب ديمقراطيا، على قضاء بقية حياته قيد الإقامة الجبرية.
كما أدى ذلك، وفقًا لخبراء تحدثوا إلى قناة "سي بي سي نيوز"، إلى اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979 وظهور الحكومة الحالية التي تحكم البلاد.
لكنهم قالوا: إن استبدال الحكومة الإيرانية الحالية من خلال قوى خارجية "من شأنه أن يدفع المنطقة إلى مزيد من الاضطرابات".
وبحسب أستاذ الديمقراطية بجامعة تورنتو، "لوكان واي"، فإن انفتاح ترامب على تغيير السلطة في إيران من شأنه أن يزيد شعبية نظام غير محبوب على الإطلاق".

مستقبل النظام
بحسب خبراء ومحللين في الشؤون الإيرانية، يبدو أن مستقبل النظام الإيراني بعد الضربات الأميركية ووقف إطلاق النار مع إسرائيل لن يتغير كثيرا وسيظل صامدا.
الخبير السابق في مؤسسة الاستخبارات الأميركية وعضو معهد كارنيغي للسلام الدولي، آرون ديفيد ميلر، يرى أن الوقت مبكرًا، للحديث عن مستقبل النظام بعد ضربات واشنطن واتفاق ترامب لوقف إطلاق النار.
وأوضح لـ "بي بي إس"، 24 يونيو 2025، أنه لا يتوقع نهايات هوليوود في المنطقة، ولا بأحداث تغييرية، ولا بنقاط تحول.
قال: إن المهم هو تحويل وقف إطلاق نار هش إلى إنهاء كامل للأعمال العدائية، ثم اتفاق سياسي، وهو السبيل الوحيد لضمان عدم امتلاك إيران سلاحًا نوويًا، إلا إذا كنا نتحدث عن تغيير النظام.
وحول احتمالات أن يخرج النظام الإيراني أقوى بعد الضربات، لم تستبعد الخبيرة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، "هولي داجريس"، ذلك.
وقالت: وفقا لمعلومات استخباراتية لم نشهد ثغرات رئيسة في النظام أو انشقاقات علنية أو احتجاجات جماهيرية، ولا نقصًا حادًا في الغذاء أو ما شابه.
وهو ما يوحي أن هذا النظام بعيد عن الانهيار، لكن هذا لا يعني استحالة تحقق هذه الأمور في المستقبل القريب.
وتوقعت ألا يعيد النظام في إيران النظر في طموحاته النووية نتيجة لهذه الضربات العسكرية الأميركية والإسرائيلية.
وأكّدت أن "هذا أمر يصعب تصديقه؛ لأنه سيعد إذلالًا لهم، واستسلامًا منهم لما يعدونه معتدين، إسرائيل والولايات المتحدة".
ويرى مركز أبحاث "إسرائيل-ألما"، في تقرير نشره 25 يونيو 2025 أن النظام الإيراني لا يزال في السلطة بعد الحرب، رغم ضربات تل أبيب ضد أهدافه التي زعم أنها "لم تكن تهدف إلى تغييره، بل إلى ممارسة الضغط عليه".
وأوضح أن الإطار الزمني لتعافي إيران، بعد الضربات الإسرائيلية والأميركية، يتوقف على عدة عوامل منها مدى الضرر الذي لحق بها، واستقرار النظام، وطبيعة أي اتفاقيات دبلوماسية أو عقوبات قد تتبع ذلك.
أما فيما يتعلق باستقرار النظام، فغالبا ما تواجه أجهزة الاستخبارات صعوبة في التنبؤ بالثورات الشعبية.
وهو ما يجعل من الصعب للغاية التنبؤ بعمر النظام الإيراني أو قياس الرأي العام الحقيقي في إيران.
ويرى المركز الإسرائيلي أنه بينما كان يُعتقد على نطاق واسع قبل الصراع الأخير أن معظم الإيرانيين يعارضون النظام، لم يظهر تأثير واضح لذلك خلال الحملة العسكرية الحالية، على الرأي العام.
وأوضح أن جزءا كبيرا من قيادات المعارضة يعيش خارج إيران، وليس من المؤكد ما إذا كانوا على استعداد للعودة والمخاطرة بحياتهم لإسقاط النظام.
المصادر
- Israel aims to cripple Iran’s repression machine to pave way for post-war uprising
- The U.S. Must Prepare for Iranian Regime Collapse
- US warns against Iran retaliation as Trump raises 'regime change'
- Here's what happened the last time the U.S. forced regime change on Iran
- What’s next for Iran’s regime after U.S. strikes and Israel ceasefire? Analysts weigh in
- After The Strikes, What’s Next for The Iranian Threat?
- Israeli-fueled fantasy to bring back Shah has absolutely no juice