حرب لا تعرف الحدود.. تداعيات الصراع بين إيران وإسرائيل على القارة السمراء

"الحرب بين إسرائيل وإيران قد تنعكس بالسلب على منطقة شرق إفريقيا"
لا تقتصر تداعيات الصراع بين إيران وإسرائيل على الشرق الأوسط فحسب، بل تمتد تداعياته إلى خارج حدود الإقليم مهددة بموجات جديدة من عدم الاستقرار في عمق القارة الإفريقية.
ورغم انتهاء الحرب الأخيرة بين الطرفين (13 - 24 يونيو/حزيران)، يواصل مراقبون التحذير من إمكانية انفجار الأوضاع مجددا في ظل التقديرات عن محدودية تأثر المنشآت النووية بالقصف الأميركي الإسرائيلي.
في هذا السياق، سلط موقع "دويتشه فيله" الألماني الضوء على تأثير الصراع بين الطرفين على تصاعد الأزمات في منطقة شرق إفريقيا.
وتوقع أنه "إذا تصاعدت الحرب مع إيران مجددا، فإن هناك خطرا في امتداد الحروب المختلفة والمترابطة حول البحر الأحمر".
ويرى هنريك مايهاك، مدير قسم الشؤون الإفريقية في مؤسسة فريدريش إيبرت، أن "أكبر تهديد جراء الصراع قد ينال منطقة القرن الإفريقي".
وتطرق إلى الحديث عن نفوذ إيران في مناطق غرب إفريقيا وخاصة بالنيجر، والتداعيات الاقتصادية المتوقعة بالقارة حال تزايد اضطرابات الشرق الأوسط.

تهديد إضافي
وحذر مايهاك من أن "الحرب بين إسرائيل وإيران قد تنعكس بالسلب على منطقة شرق إفريقيا". وعزا ذلك إلى "تعاون إيران مع المتمردين الحوثيين في اليمن، الذين يتعاونون بدورهم مع مليشيا (حركة) الشباب في الصومال".
وهو "ما يُشكل تهديدا إضافيا لمنطقة القرن الإفريقي الغارقة في أعمق أزماتها منذ ما يقرب من 30 عاما، مع حروب ونزاعات في الصومال والسودان وجنوب السودان، دون أي حل في الأفق".
لذلك يشدد مايهاك على "أهمية أن تُكثف ألمانيا وأوروبا جهودهما ليس فقط في الشرق الأوسط، بل أيضا في منطقة القرن الإفريقي".
ورأى أن "التركيز يجب ألا ينحصر فقط على الحرب في الشرق الأوسط أو أوكرانيا، بل لا بد من الالتفات إلى القارة الإفريقية الجنوبية المجاورة، حيث تتفاقم النزاعات من غربها إلى شرقها بدلا من أن تنحسر، وهو أمر له تبعات مباشرة على أوروبا".
وحذر من أنه "في وقت تتضاءل فيه الموارد المخصصة للسياسة الخارجية والمساعدات الإنسانية والتعاون الإنمائي، تخشى العديد من الدول الإفريقية أن تُهمش أكثر فأكثر من دائرة اهتمام ودعم الدول الغربية، مما ينذر بعواقب وخيمة على القارة الإفريقية".
من جهته، يشير غويدو لانفرانكي، الخبير في شؤون الصراعات بمعهد كلينجينديل للعلاقات الدولية في هولندا، إلى أن "التعاون بين جماعة الحوثي المدعومة من إيران، ومليشيات الشباب الإرهابية في الصومال، قد ازداد قوة"، وفق تعبيره.
ويضيف: "يبدو أن استمرار هذا التعاون يخدم مصالح الطرفين، بحيث يمكن أن تستمر العلاقات بينهما بغض النظر عن تطورات الأوضاع بالشرق الأوسط". لكنه لفت إلى أن "الأمر مرهون في النهاية بقدرة إيران على مواصلة دعمها للحوثيين".
وأوضح لانفرانكي أن كلا من إيران وإسرائيل "حافظتا على علاقات نشطة في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، لما لهذه المنطقة من أهمية جيوسياسية للطرفين"، منوها أن "طهران زودت أخيرا القوات المسلحة السودانية بأسلحة".
في المقابل، أوضح الموقع أن "إسرائيل ترتبط بعلاقات وثيقة مع إثيوبيا، حيث جرت عدة لقاءات على مستوى الوزراء بين الجانبين خلال الأشهر الماضية".
أما فيما يتعلق بدور إسرائيل في السودان، فيرى أن "الصورة غير واضحة تماما". لكن تل أبيب كانت تحتفظ بعلاقات مع طرفي النزاع الحاليين، القوات المسلحة السودانية ومليشيات الدعم السريع، قبل اندلاع القتال في أبريل/ نيسان 2023.

تأثير جيوسياسي
من الناحية الاقتصادية، يحذر الخبراء من أن تداعيات الحرب في الشرق الأوسط قد تمتد إلى كافة أنحاء القارة الإفريقية، متوقعين اضطرابات محتملة في التجارة، وزيادة في تقلبات الأسواق، وارتفاعا للضغوط الاقتصادية، وفقا للموقع الألماني.
وترى رومان ديدبيرج، الباحثة في برنامج إفريقيا التابع لمعهد تشاتام هاوس البريطاني، أن "الاضطرابات في الشرق الأوسط سيكون لها تأثير جيوسياسي غير مباشر بشكل رئيس على إفريقيا".
"وذلك رغم عدم امتلاك إيران وإسرائيل تأثيرا اقتصاديا أو دبلوماسيا أو إستراتيجيا كبيرا، في القارة الإفريقية"، وفق حديثها.
وأضافت: "لم يستثمر أي من البلدين كثيرا في إفريقيا، كما أنهما لا يملكان إستراتيجية إفريقية فعلية على غرار لاعبين آخرين في المنطقة".
ومع ذلك، توقعت “ارتفاعا جديدا في أسعار الطاقة إذا تجددت الحرب بينهما”، مشيرة إلى أن "تركيز الاهتمام السياسي والعسكري الآن على جبهة مختلفة قد يُسفر عن عواقب وخيمة؛ حيث قد يؤدي هذا إلى ثغرات أمنية في القارة".
في غضون ذلك، أشار الموقع إلى "تأثير مباشر وواضح للصراع بين الطرفين على الأمن في إفريقيا".
وقال: "لعبت قطر في السنوات الأخيرة دورا نشطا في الوساطة بعدة دول إفريقية، وكانت أخيرا تقود جهود الوساطة الإقليمية بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية (توج بتوقيع اتفاق سلام أخيرا بين الطرفين بوساطة الدوحة وواشنطن)".
وكانت قطر قد نجحت في وقت سابق عام 2025 في جمع اثنين من أبرز الشخصيات السياسية، رئيس رواندا بول كاغامي ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي، على طاولة الحوار، بعد أشهر من القطيعة بين الزعيمين.
وتابع: "إلا أن الهجوم الإيراني على قاعدة جوية أميركية في قطر (خلال المواجهة الأخيرة) قد يُنذر بمزيد من التهديدات للدوحة"، ما قد يعني تراجع دور قطر السياسي في القارة، إذا تعرضت لهجمات مباشرة".
فهي تقدم دبلوماسية هادئة ودعما في الكواليس، في وقت فشلت فيه القنوات الدبلوماسية الأخرى، بحسب تقديره.

غرب إفريقيا
وفيما يتعلق بما أسماه الموقع "الحركات الجهادية" في غرب إفريقيا، يؤكد "عدم وجود صلات مباشرة بينها وبين وكلاء إيران، نظرا لاختلاف التوجهات الأيديولوجية".
غير أنه لفت إلى أن "هذه الجماعات قد تستفيد من الأحداث الجارية في فلسطين وغزة، كذريعة لتعزيز خطابها وتجنيد الأفراد، مستغلة الخطاب المناهض للاستعمار الغربي".
"مع ذلك، فإن إيران حاضرة حتى الآن في مناطق غرب إفريقيا في جوانب أخرى"، يقول أولف ليسينغ، رئيس برنامج الساحل التابع لمؤسسة كونراد أديناور الألمانية.
وتابع: "استثمرت طهران بشكل ملحوظ في مناطق غرب إفريقيا خلال السنوات الماضية، لا سيما في منطقة الساحل".
وعزا الاهتمام الإيراني بتلك المنطقة إلى "محاولتها طرح نفسها كبديل للشركاء الأوروبيين مثل فرنسا، الذين تراجعت مكانتهم في أعين الحكومات العسكرية هناك".
ويضيف لايسنغ: "على سبيل المثال، وقع اتفاق رسمي مع النيجر يتناول التعاون في مجال الطاقة".
كما رجح اتجاه إيران إلى "بيع طائرات مسيّرة إلى النيجر، في إطار سعيها إلى الوصول لاحتياطيات اليورانيوم هناك".
ويقدر أن "إيران الآن ستعاني من نقص في الموارد والقدرات، ما سيدفعها إلى التراجع عن انخراطها في غرب إفريقيا".
ويعني ذلك -وفق تقييمه- أن "دول الساحل التي تحكمها أنظمة عسكرية ستحصل على دعم أقل من إيران، بما في ذلك في صفقات شراء الطائرات المسيّرة، مقارنة بما كانت تأمله سابقا".
على صعيد متصل، حذر لايسنغ من أن "القلق بشأن ارتفاع أسعار النفط يزداد أيضا في الدول الواقعة في غرب إفريقيا، نظرا لاعتمادها الكبير على الواردات".
وتوقع أن "تؤدي أي زيادة في أسعار النفط نتيجة اضطرابات الشرق الأوسط، إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة معدلات الفقر".