دبلوماسي سابق: ترامب أثبت أن الأوروبيين بلا قيمة وإيران قد تلجأ لعمليات انتقامية (خاص)

"إسرائيل ما زالت تراهن على الانتصار الحاسم في قطاع غزة"
قال المتحدث السابق باسم الأمم المتحدة، عبد الحميد صيام: إن الولايات المتحدة كانت شريكة في الحرب الإسرائيلية على إيران منذ اليوم الأول وتدخلها بشكل رسمي لا يعني غيابها منذ البداية.
وأكد صيام في حوار خاص مع "الاستقلال" أن البرنامج النووي الإيراني من بدايته: "كان شكلا من أشكال مقاومة العقوبات والحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة وحلفاؤها على طهران منذ عشرات السنين".
وسلط أستاذ العلاقات الدولية الضوء على أن "الخطر الإيراني" كان حجة لدى العديد من الدول للانطلاق في تثبيت التطبيع مع كيان الاحتلال.
وأكد أن تلك الدول تسعى لتطبيع يعود عليها بالنفع حتى وإن كان ذلك على حساب القضية الفلسطينية، وأنها توافق على هندسة حلول للقضية من وجهة نظر المحتل نفسه.
وفيما يخص غزة وما تواجهه من إبادة جماعية، قال صيام: إن "الحرب في القطاع لم تنته بعد، ما دام هناك أسرى بيد المقاومة وما دامت عمليات المقاومة مستمرة حتى وإن كانت قليلة”.
كما عرج صيام على المحكمة الجنائية الدولية ودورها حيال جرائم الإبادة في غزة، مؤكدا أنه دور انطوى على ”الصمت الشديد تجاه الحق".
وعبد الحميد صيام، سياسي وباحث فلسطيني حاصل على البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها من الجامعة الأردنية، والماجستير والدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة مدينة نيويورك.
يعمل محاضرا في دراسات الشرق الأوسط والعلوم السياسية في جامعة "رتغرز" بولاية نيوجرسي منذ عام 2007.
عمل صيام قبل ذلك موظفا دوليا مع الأمم المتحدة على مدار 25 عاما، تقلد فيها عدة مناصب في قسم اللغة العربية ومكتب الأمين العام ومكتب المتحدث الرسمي.
وأيضا متحدثا رسميا في الصحراء الغربية والعراق وباكستان وأفغانستان، ومسؤولا عن الإذاعة وقسم الأخبار باللغة العربية.
قام صيام بمهمات دولية في ليبيا وإريتريا والعراق وجنوب إفريقيا وبوتسوانا ومصر وسويسرا والصين والمغرب والجزائر وفلسطين المحتلة وغيرها.

أهداف نتنياهو
هل كانت إسرائيل ترغب بالفعل في القضاء على احتمالية وجود سلاح نووي عدائي لدى إيران أم أن عين نتنياهو على ما هو أكبر من ذلك؟
بالتأكيد، إسرائيل ستعمل كل ما بإمكانها، هي وحلفائها من الدول الغربية لمنع إيران من امتلاك الأسلحة النووية.
لكن يجب أن نلاحظ أن إسرائيل بالغت كثيرا في قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي، وهو ما لم يثبت حتى الآن ولم تؤكده الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولا أجهزة الاستخبارات الغربية بما فيها الأميركية.
إسرائيل تبالغ في خطورة امتلاك إيران للسلاح النووي لأسباب سياسية، وأساسها تخويف دول الخليج العربية من الخطر الإيراني وهذا يخدم أهدافا أميركية في نفس الوقت.
فمن جهة تقوم دول الخليج بالالتصاق أكثر بالولايات المتحدة وشراء مزيد من الأسلحة والاستثمار في الاقتصاد الأميركي كما ظهر أخيرا أثناء زيارة الرئيس دونالد ترامب للسعودية وقطر والإمارات والتي شهدت عودته بخمسة ترليونات دولار تحت يافطة الاستثمارات.
أما إسرائيل فقد كان الاختراق الذي تم عام 2020 بقيام أربع دول عربية بالتطبيع معها دون الالتفات للقضية الفلسطينية أو الالتفات إلى قرار القمة العربية في بيروت عام 2002 والتي ربطت عملية التطبيع بقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية أولا.
لقد كان ما يسمى "الخطر الإيراني" الحجة التي استخدمتها دول مثل الإمارات والبحرين للتطبيع الكامل، وسير السعودية في طريق التطبيع والذي أعلن عنه بنيامين نتنياهو في خطابه أمام الجمعية العامة في 22 سبتمبر/أيلول 2023، أي قبل “طوفان الأقصى” بأيام.
وهو ما أكده ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في مقابلته مع محطة "فوكس نيوز" الأميركية في 21 سبتمبر 2021 وكأن هناك اتفاقا مسبقا بين القيادتين السعودية والإسرائيلية عن الإعلان عن محادثات التطبيع التي وصفها ابن سلمان بأنها “قطعت شوطا بعيدا”.
كل ذلك بحجة مواجهة الخطر الإيراني، ولقد ظلّ نتنياهو يكرر منذ عام 2005 وما بعدها حكاية الخطر الإيراني الذي يجمع بين دول الخليج العربي وإسرائيل ويقربهما من بعضهما البعض.
البرنامج النووي الإيراني كان من أجل المفاوضات ورفع العقوبات عن إيران من مصدر قوة.
وقد فاوضت طهران بجدية حول تحديد سقف التخصيب ووقّعت مع الدول الست "خطة العمل الشاملة المشتركة" عام 2015 والتي اعتمدها مجلس الأمن الدولي في القرار 2231 (2015) بالإجماع.
أي أن إيران المهددة من القواعد الأميركية المنتشرة في جميع دول الجوار بما فيها العراق وتركيا والبحرين استخدمت البرنامج النووي للردع الإستراتيجي عن الدولة.
وعندما لاحت الفرصة لتقنين البرنامج وإبقائه في إطاره السلمي لم تتردد إيران بقبول الاتفاق مقابل رفع العقوبات وإطلاق الأرصدة المجمدة ورفع القيود عن تصدير النفط والاستثمار في التخصيب السلمي دون تجاوز حد 20 بالمئة.
وترامب في ولايته الأولى هو من ألغى البرنامج وهو من أعاد فرض العقوبات وهو من أيد إسرائيل في خططها لتدمير المنشآت، وهو الذي أمر باغتيال (قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني) قاسم سليماني في 3 يناير/ كانون الثاني 2020.
إيران لم تجد لها مخرجا آخر إلا زيادة التخصيب لإقناع الغرب بأنها جادة وتريد العودة إلى الاتفاق الشامل لعام 2015.
لقد أثبت ترامب أن الأوروبيين ليس لهم وزن ولا قيمة ولا دور، فبدل أن يتمسكوا بالاتفاق ويضغطوا على ترامب في ولايته الأولى والالتزام بالاتفاق عادوا وانجروا وراء الموقف الأميركي بطريقة مخجلة.

كيف سيغير دخول الولايات المتحدة على خط الحرب التي شنتها إسرائيل على إيران بشكل رسمي المشهد؟ وما توقعاتكم بشأن التعامل الإيراني مع هذا الأمر؟
الولايات المتحدة لم تكن خارج المعركة حتى تدخلها.. الولايات المتحدة هي جزء أصيل لا ينفصل عن خطط المعركة.
الولايات المتحدة هي التي قامت بدور الخداع والتضليل، وقد أعطى ترامب إيران في 11 أبريل/ نيسان مهلة شهرين للتوصل إلى اتفاق و"إلا فستفتح أبواب جهنم" عليها.
وقد بدأ العدوان الإسرائيلي على إيران بعد يومين من انتهاء مهلة الشهرين.
ما كان يطالب به الممثل الخاص للرئيس الأميركي ستيف ويتكوف، في المفاوضات اتفاقية استسلام وإذعان ورفع الراية البيضاء.
فهل نسمي ذلك مفاوضات؟ المفاوضات لا تتم تحت فوهة مسدس مسلط على رأس أحد أطراف المفاوضات.
إذن أميركا كانت تعرف تماما أن إيران لن تذعن لهذه الشروط المجحفة.. المهلة التي أعطيت لمدة شهرين كانت للتحضير واستكمال الاستعداد لضرب المنشآت النووية.
التخطيط والإعداد والتحضير وتجهيز الأسلحة المناسبة للعملية تمت بمشاركة أميركية إسرائيلية.
إسرائيل لا يمكن أن تقوم بمثل هذه الضربة في 13 يونيو دون ضوء أخضر من واشنطن.
قبل الضربة بأيام قامت الولايات المتحدة بإرسال القاذفات العملاقة المخصصة للضرب خاصة (بي 2) و (بي 52) المخصصة لإلقاء القذائف الخارقة للتحصينات الأرضية (GBU-57) والتي لا بديل لها لضرب منشأة فوردو القريبة من مدينة قم.
هذا التدخل العسكري الأميركي السافر سيغير قواعد اللعبة بالتأكيد.

خيارات التخصيب
ما الخيارات المتاحة أمام إيران بعد ضرب منشأة فوردو بالفعل؟
أمام إيران خياران، استيعاب الضربة والعمل على قبول الوساطة مجددا، أو القيام بأعمال انتقامية.. أتوقع أن تقوم إيران بالمزج بين الخيارين.
فقد أعدت شعبها لموضوع استيعاب الضربة الأميركية عندما أكدت أن الأضرار لم تكن كاملة، وأنها ستواصل التخصيب، وأن المواد الحساسة المتعلقة بالبرنامج النووي قد جرى إخلاؤها من المنشآت سلفا، وبالتالي لا يوجد أي خطر من الإشعاعات النووية.
وهذا أيضا تطمين لدول الجوار العربي، أي أن إيران خففت من أثر الضربات وأعطت إشارات أنها لم تلغ المسار الدبلوماسي عندما أكد سفيرها في الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني، خلال جلسة مجلس الأمن الطارئة في 22 يونيو عندما قال: إن طهران لم تخرج من المسار الدبلوماسي حتى تعود إليه.
أما إن اختارت إيران عمليات الانتقام فأعتقد أنها ستتركز على ضرب إسرائيل أكثر وضرب بعض القواعد الأميركية في دول الخليج والعراق ولكن بعمليات محدودة كرد اعتبار للكرامة الوطنية، وقد لا تحمل هذه الهجمات أي أضرار كبيرة.
وقد تلجأ في المستقبل إلى عمليات سرية لاستهداف مواقع أو أشخاص وتنكر أي دور لها كما حدث في الماضي.
إعلان إيران دائما عن استعدادها لمناقشة وضع قيود على تخصيب اليورانيوم.. هل يعكس ضعفا أو تكتيكا؟
إعلان إيران استعدادها لمناقشة نسبة التخصيب ليس ضعفا ولا تكتيكا، بل أسلوب دفاع وردع للتفاوض من موقع قوة.
إيران منذ ثورة عام 1979 وهي تشعر بالخطر المحدق بها من كل اتجاه، وما حرب العراق على إيران عام 1980 والتي استمرت ثماني سنوات بدعم خليجي وأميركي إلا الدليل الأوضح والأقسى أن إيران مستهدفة.
وبما أن إيران لا تستطيع مواجهة كل هذه القواعد العسكرية المنتشرة في دول الخليج وتركيا والعراق بعد عام 2003 وسوريا بعد 2011 عدا عن القوى المنتشرة في البحار والقواعد الأميركية في غوام ودياغو غارسيا، لذلك اتبعت إيران سياسة الردع الإستراتيجي عبر ثلاثة أساليب متكاملة.
أولا، تخصيب اليورانيوم وإعطاء الانطباع أنها في الطريق إلى إنتاج قنبلة نووية، وثانيا تطوير أسلحتها من الصواريخ بعيدة المدى (البالستية والفرط صوتية) والمسيرات المنوعة، وثالثا دعم المليشيات المحلية الموالية لإيران في اليمن ولبنان وسوريا والعراق.
كل هذه الأدوات كانت وما زالت نوعا من الحماية للدولة الإيرانية المحاطة بالأعداء خاصة من الولايات المتحدة وإسرائيل والدول الوظيفية التي تعمل بأوامر من القوتين السابقتين.
إن التخصيب كان السبب في عقد “خطة العمل الشاملة المشتركة 2015”، أي أن إيران على استعداد لوقف التخصيب إذا ما أبعد عنها الخطر الوجودي.
وهو ما ألغاه ترامب عام 2018 أثناء ولايته الأولى ما أقنع إيران أن لا خيار أمامها إلا العودة للتخصيب لإقناع الأطراف الأخرى أنها جادة في مسار إنتاج القوة النووية إذا لم يتم الاتفاق معها حول رفع العقوبات وحماية الدولة من أي اعتداء على سيادتها.

غزة والوسطاء
هل وضعت إبادة غزة أوزارها على مستوى الأهداف؟ أم أن ضربات المقاومة المستمرة حتى الآن وإن كانت قليلة ما زالت تمنع إسرائيل من تحقيق ما تريد؟
حرب إبادة غزة لم تنته بعد، ما دام هناك رهائن وما دام هناك عمليات تجويع تشمل كل السكان وما دامت المقاومة قادرة على القيام بعمليات نوعية ولو قليلة ترى أن الحرب لم تنته.
وما دامت حركات المقاومة موجودة وتقاتل وتفاوض وتناور وترفض رفع الراية البيضاء كما يطالب نتنياهو، لا يمكن اعتبار الحرب انتهت.
وقد يكون هنالك تطورات أكبر على الأرض بعد الاعتداء على إيران.
إذا اعتقدت إسرائيل أن الخطر الإيراني قد ولى إلى غير رجعة تصبح مواقفها في المنطقة ضد غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان وسوريا أكثر وحشية وصرامة وعنجهية.
لكن المأساة الإنسانية في غزة قد تحرك الدول على مستوى المجتمع الدولي خاصة الدول الأوروبية أكثر للضغط على الإدارة الأميركية لاتخاذ قرارات أكثر نجاعة في وقف عملية التجويع والإبادة ضد السكان المدنيين.
كيف ترون الرأي الذي يروج له البعض بأن طوفان الأقصى كان مغامرة غير محسوبة؟
هذا الرأي لا يحمل أي مصداقية، وكأن إسرائيل تحتاج إلى حجج وذرائع حتى تهاجم الضفة الغربية وغزة.
كيف للذاكرة الفلسطينية والعربية أن تنسى ما قامت به إسرائيل في قطاع غزة خلال العشرين سنة الماضية وللتذكير فقط أريد أن أذكر بعض العمليات الكبرى التي قامت بها إسرائيل في القطاع منذ عام 2006..
عملية “غيوم الخريف” في بيت حانون في تشرين الثاني/ نوفمبر 2006 بعد أسر الجندي جلعاد شاليط، ارتقى على إثرها 82 شخصا وجرح 250 مدنيا من بينهم 18 شخصا من عائلة العثامنة.
عملية “الرصاص المصبوب” بين 27 ديسمبر/ كانون الأول 2008 و 18 يناير/ كانون الثاني 2009 وقتل فيها 1417 مدنيا وقد وثق "تقرير غولدستون" جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في تلك العملية.
عملية “عامود السحاب” من 14- 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 وقتل فيها 155 فلسطينيا، منهم 27 قاصرا و14 امرأة و8 مسنين.
عملية “الجرف الصامد” والتي ابتدأت رسميا في 7 يوليو/ تموز/ 2014 وتوقفت في 26 أغسطس/ آب وقتل فيها 2101 وجرح أكثر من 11 ألفا و180.
مسيرات العودة 2018-2019 قرب السياج الفاصل لكن الكيان الصهيوني رد عليها عن طريق القناصة.
وأشار تقرير سانتياغو كانتون في تقريره لمجلس حقوق الإنسان أن القوات الصهيونية قتلت 189 فلسطينيا بينهم 35 طفلا و3 مسعفين وصحفيين.
معركة حارس الأسوار/ سيف القدس 1-21 مايو/ أيار 2021 حيث استشهد 200 فلسطيني ودمر 32 برجا سكنيا ومقرا لوسائل إعلام عالمية بينما قتل 13 إسرائيليا.
فهل تحتاج إسرائيل إلى مبررات جديدة لاجتياح غزة؟ وماذا عن الضفة الغربية وارتفاع نسبة القتل بشكل غير مسبوق منذ الانتفاضة الثانية.
هل تسيطر حركات المقاومة على الضفة الغربية؟ وماذا عن اجتياحات المستوطنين؟.. إن من يقول بأن الطوفان عمل متهور يعني أن هناك عدم فهم لطبيعة الكيان الصهيوني ودوره ووظيفته، ليس في فلسطين فحسب بل في المنطقة كلها.
هل كانت توجد حركات مقاومة عندما ضربت المفاعل النووي العراقي عام 1981؟ هل كان هناك خطر قادم من تونس عام 1985 عند تدمير مقر منظمة التحرير؟
هل ما قامت به من اعتداءات على سوريا واحتلال مزيد من الأرض والسيطرة على كل جبل الشيخ بسبب المقاومة الفلسطينية؟..
إن من يحاول أن يعطي الكيان الصهيوني صفة شريك السلام أو أنه يبحث عن سلام فليراجع ما قام به هذا الكيان في غزة والضفة والأردن ولبنان وسوريا ومصر منذ عام 1948.
كيف ترون دور الوسطاء في حرب غزة؟ هل كان يجب عليهم لعب دور أكبر من مجرد وسيط خصوصا مصر بحكم حدودها مع قطاع غزة؟ هل كان ذلك ممكنا؟
الوساطة كانت مقتصرة على نقل رسائل من إسرائيل إلى حركة المقاومة وبالعكس عن طريق الولايات المتحدة.
مصر اقتصر دورها على كونها ساعي بريد، لا أكثر، لأنها قد تخرب الوساطة لو لم يتم إشراكها.
قطر كانت تتواصل مع حركة المقاومة، تسلمها الشروط وتتسلم منها الإجابات.
إسرائيل كانت تضع شروطها التعجيزية التي تعني في نهاية الأمر الاستسلام، تمر عن طريق المفاوض الأميركي إلى القطريين فحركة حماس.
تقوم الحركة بدراسة الشروط فتعدل بعض الشروط وتضع بعض الاقتراحات تعيدها إلى الوسيط الأميركي.
المفاوضات كانت أقرب إلى مفاوضات بين إسرائيل وأميركا وصولا إلى حماس التي تتلقى الشروط التعجيزية والتي يعرف الوسطاء أساسا أنها لن تقبل فيوضع اللوم على حماس.
وهكذا بقيت الدائرة تدور دون أي إنجاز، لأن شروط نتنياهو لا يمكن قبولها فكيف لحركة دفعت آلاف الشهداء والطبقة الأعلى من قياداتها ثم ترفع الرايات البيضاء؟!
إسرائيل ما زالت تراهن على الانتصار الحاسم، ولذلك تراجعت قضية الوساطة لأن واشنطن ليست وسيطا نزيها، ومهما وضعت إسرائيل من شروط تتقبلها الولايات المتحدة وتعيد تكرارها كأنها أفكار أميركية.
وبالتالي وصلت الوساطة حاليا إلى طريق مسدود.

سر التراجع
كيف ترون تفاعل المحكمة الجنائية الدولية مع الحرب على غزة؟
الحقيقة لم يكن دور المحكمة الجنائية الدولية على مستوى المطلوب منها رغم ما وجدناه من مواقف إيجابية في بداية العدوان من المدعي العام للمحكمة كريم خان.
لكن آخر مرة كان له موقف عملي عندما طلب من قضاة الدائرة التمهيدية بالمحكمة في 24 أغسطس 2024 عدم تأجيل إصدار مذكرات الاعتقال، التي أشار إليها في 20 مايو..
وتضمنت إصدار مذكرات اعتقال اثنين من القيادات الإسرائيلية، نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، وثلاثة قياديين فلسطينيين من حماس، يحيى السنوار ومحمد ضيف وإسماعيل هنية.
وكان هنية قد اغتيل على يد إسرائيل بطهران في 31 يوليو 2024. ثم تم الإعلان عن مقتل يحيى السنوار في 16 أكتوبر 2024 ثم أعلن خلال هدنة 19 يناير 2025 عن مقتل محمد الضيف.
أي أن عجلة المحكمة توقفت تماما عند إصدار مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت.
وهذا يعني بكل بساطة أن مسلسل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية توقف عندما وقع قبل 20 مايو 2024، وأن لا أحد من الإسرائيليين لم يرتكب بعدها أي جريمة من اختصاص المحكمة، ولا حرض على القتل ولا استخدم أسلحة محرمة ولا استهدف المنشآت الحيوية المدنية..
ولا قتل المسعفين الصحيين والعاملين في المجال الإنساني، ولا الصحفيين ولا الموظفين الدوليين، ولا الأطفال وهم في بيوتهم أو في دور الإيواء!.
وأنا رأيي أن كريم خان بالأساس منحاز لرواية المجرم لا الضحية.
ولا ننس أنه توجه إلى إسرائيل بناء على دعوة من المجتمع المدني، وليس من الحكومة، وقضى ثلاثة أيام وزار المستوطنات في المنطقة المحاذية لغزة ومكان الحفل الموسيقي، والتقى بأهالي الأسرى، وأصدر بيانات تعاطف لا مثيل لها، قائلا: إنه “سيتابع تلك الجرائم”.
بعدها ساد صمت شديد من كريم خان والمحكمة، هذا الصمت تبعه شيء من الخوف والحذر بعد قيام ترامب بإصدار أمر تنفيذي في 6 فبراير 2025 بفرض عقوبات على المحكمة وأصولها وموظفيها وقضاتها وسحب الحصانة عنها.
بعد إصدار المذكرتين اليتيمتين باعتقال رئيس الوزراء ووزير الدفاع، واللتين تعودان إلى 20 مايو 2024 غابت المحكمة لسنة كاملة.
ومن المفروض، حسب ولاية المحكمة أن تتابع كل ما يرتكب من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وجريمة الإبادة الجماعية وجريمة العدوان.
فكيف يمكن للمدعي العام وقضاة المحكمة والدائرة التمهيدية أن تتغافل عن الجرائم الكبرى التي ترتكبها إسرائيل؟! لذلك أرى أن هذا الدور لم يكن على المستوى المطلوب وتم تحجيمه وتغييبه في منتصف الطريق.

كيف تقيّم نتيجة الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على إيران؟ هل يوجد خاسر ورابح؟
هذه مسألة متباينة أو متفاوتة، فإيران يمكنها أن تدعي أنها انتصرت لأن منشآتها النووية لم تدمر بالكامل واستطاعت تأمين المياه الثقيلة وكميات اليورانيوم المخصب.
كما أن المراهنة على إسقاط النظام فشلت، والمراهنة على هبة شعبية جماهيرية فشلت، بل على العكس التفَّ الشعب الإيراني حول الوطن وانتصر لهويته وبلده وتاريخه بغض النظر عن رؤيته لنظامه..
وإيران تستطيع أن تعلن انتصارها أيضا بعد أن استوعبت الضربة الأولى وقامت بالرد الموجع على الكيان الصهيوني وأوصلته لقناعة أن ضرباته لن تمر دون رد، فإذا تفوق الكيان من الجو فإيران تفوقت بالصواريخ.
وهذا الكيان لا يستطيع تحمل حرب استنزاف طويلة ولذلك هرع للولايات المتحدة لإنقاذه.
وإيران تستطيع أن تتفاخر بأن كان لديها الجرأة أن توجه صواريخها إلى قاعدة أميركية في دول الخليج.
صحيح لم يلحق بها ضرر لكن قرار إطلاق صورايخ على قاعدة أميركية ليس أمرا سهلا..
إسرائيل يمكنها أن تدعي الانتصار كذلك فهي أبعدت مجازا غزة عن دائرة الاهتمام العالمي.
ودمرت العديد من منشآت ومرافق ومعسكرات الجيش الإيراني والحرس الثوري وقتلت أكثر من 20 عالما نوويا.
وكذلك وبواسطة حليفتها أميركا تم تدمير البرنامج النووي جزئيا أو كليا، وإذا لم يدمر بالكامل تم تعطيله وتأخيره لسنوات.
واستطاع نتنياهو أن يوحد الشارع الإسرائيلي المنقسم وراءه ويؤجل مسألة الرهائن وأولويتها.
أما ترامب فهو يستطيع أن يدعي أنه الرابح الأكبر فقد أرضى غروره كرجل حازم واستطاع أن يدمر برنامج إيران النووي كليا أو جزئيا وأنه أنقذ إسرائيل من ورطتها، وأنه هو الذي فرض وقف إطلاق النار.
فهو “صانع الحرب وصانع السلام في آن واحد” على حد افتخاره الذي يردده كثيرا..