سوريا الجديدة على طريق بناء جيش حديث.. هذه أبرز التحديات

"بناء جيش احترافي ينبغي تحديد مدى ارتباطه بالقانون والدستور"
لمواجهة التحديات القائمة ومواكبة التحول الديمقراطي في سوريا، تعزز وزارة الدفاع من خطواتها العملية في اتجاه بناء جيش حديث.
وشكّل سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 نقطة تحول لإصلاح الجيش وإعادة بنائه على أسس وطنية تنحاز للشعب لا لحماية كرسي الحاكم كما فعل حافظ الأسد منذ عام 1971 وبعده ابنه بشار الذي وجه الجيش لقمع الثورة وقتل المدنيين وتدمير المدن.
جيش احترافي
فور سقوط حكم الأسد، أعلنت السلطات الجديدة حل الجيش والأجهزة الأمنية، وإلغاء التجنيد الإلزامي في الجيش للشباب، والعمل على بناء جيش احترافي جديد قوامه فصائل المعارضة والمتطوعون الجدد.
وفي خطوة عملية جديدة، دعت وزارة الدفاع الشباب إلى المساهمة في بناء الجيش الوطني الحديث، مشيرة إلى أن هذه المشاركة تمثل "شرفا ومسؤولية وطنية".
وأشارت الوزارة في 28 يونيو/ حزيران 2025 إلى أن "الجيش في صيغته الجديدة سيكون أكثر عدلا واحترافية، وأن دور الشباب محوري في صناعة مستقبل سوريا الآمنة والقوية".
وأعلن وزير الدفاع مرهف أبو قصرة في فبراير/ شباط 2025 أن على قادة الفصائل الانضمام الى الكلية العسكرية والنجاح فيها، قبل أن يتمكنوا من نيل رتب استثنائية في صفوف الجيش الجديد الذي تعمل السلطات على تشكيله.
وأضاف في مقابلة مع قناة الإخبارية السورية حينها قائلا: "بعدها ننقل قيود القادة العسكريين إلى لجنة مكلفة من وزارة الدفاع لمنحهم رتبا استثنائية وفق ثلاثة معايير: اجتياز الكلية، الأقدمية العسكرية.. والمسمى الوظيفي".
وبحسب أبو قصرة فإن قيادة الجيش ستتألف من قسمين، "ضباط منشقين (عن الجيش السابق) أصبحت قيودهم" لدى الوزارة التي ستشكل "لجنة لرفع مقترح بترفيعهم"، وقادة الفصائل المعارضة.
وانتهت وزارة الدفاع من المرحلة الأولى وهي نقل الوحدات العسكرية (الفصائل) إلى وزارة الدفاع.
وستبدأ المرحلة الثانية ولها عناوين عدة، أولها تنظيم القوات المسلحة بما يخص الرتب والهويات العسكرية وتفعيل الضباط والعسكريين ضمن وزارة الدفاع وتدريب القوات المسلحة.
ورأى أبو قصرة أن هذه الخطوات ستحقق كفاءة للقوات المسلحة وتنقل الناس من الحالة الثورية إلى الحالة المؤسساتية"، موضحا "سنبني جيشا له عقيدة عسكرية وطنية يحمي الشعب والجغرافيا".
وكثف أبو قصرة لقاءاته الميدانية مع الفصائل العسكرية التي انضوت تحت الجيش الجديد، من أجل استكمال خطط تأهيل الجيش الجديد.
وعقد وزير الدفاع في 18 يونيو 2025 اجتماعا مع شعبة التنظيم والإدارة، جرى خلاله بحث الترتيبات الإدارية والبنية التنظيمية للقوات المسلحة، بما يضمن ضبط الهيكلية وآليات إصدار الهويات وبطاقات حمل السلاح، إلى جانب عدد من الملفات التنظيمية الأخرى.
وعلى الصعيد الخارجي، التقى أبو قصرة، في 23 أبريل/ نيسان 2025 بالعاصمة دمشق، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردني اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي، وبحثا آفاق التعاون الأمني والعسكري بين البلدين.
كما استقبل بدمشق في 12 يونيو 2025 رئيس أركان الجيش التركي الجنرال متين غوراك والوفد المرافق له وجرت مناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك وتعزيز التعاون الدفاعي بين الجيشين.
وخلال زيارة العاصمة القطرية الدوحة في يناير/ كانون الثاني 2025 التقى أبو قصرة مع وزير الدولة لشؤون الدفاع سعود بن عبد الرحمن آل ثاني.
كذلك التقى أبو قصرة في العاصمة الرياض بنظيره السعودي خالد بن سلمان في مارس/ آذار 2025.
خطوات عملية
بما أن الجيش يمثل رمزية الدولة وسيادتها، فإن بناء جيش جديد احترافي في الحالة السورية لا بد أن يقوم على أسس علمية وأكاديمية وقانونية، وفق الخبراء.
وضمن هذا السياق، قال رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية العميد المتقاعد، عبدالله الأسعد: إن "وزارة الدفاع السورية من خلال الشبان المتطوعين تستطيع إجراء تدريبات من خلال الاختصاصات التي سيتبعون لها في المستقبل، وتدريب المتطوعين من كل فصيل منهم على سلاح معين خاصة المتطورة منها والتي سيتم استجرارها من الخارج عبر صفقات كبيرة لتطوير الجيش الجديد وتعزيز هويته كجسم مهني".
ولفت الأسعد لـ"الاستقلال" إلى أن"التدريب الأيديولوجي والنفسي لأفراد الجيش هي الركيزة الأساسية لبناء الجيش من جديد وإعادة هيكلة رواتب جميع منتسبي القوات المسلحة، وإعطائهم ميزات يستطيعون أن يعيشون فيها بكرامة، مما يرفع من حالتهم المعنوية ويخلق حالة من الاعتماد عليهم في كثير من المهام من خلال البناء العلمي والمهني الدقيق".
ونوه الأسعد إلى ضرورة "إيلاء الأهمية لتقنيات الحرب الجديدة والمعاصرة من الطيران المسير والذكاء الاصطناعي والصناعات التقنية في الجيش من الحرب السيبرانية والإلكترونية لمواجهة التهديدات المتزايدة في المجال الرقمي، ومواكبة التحولات في طبيعة الحروب الحديثة، وكذلك توسيع برامج تسليح القوات الجوية والبحرية والبرية، وتعزيز التعاون العسكري مع الشركاء الرئيسيين".
علاوة على "تفعيل البعثات لأفراد وضباط الجيش إلى الخارج لاكتساب العلوم العسكرية الجديدة بمختلف الجوانب العملياتية والتدريبية واللوجستية بما يمكن القوات المسلحة من القيام بمهامها بفعالية وسط مختلف التحديات وتحسين جاهزية القوات المسلحة من خلال بناء منشآت حديثة"، وفق الأسعد.
وكذلك “إعداد ضباط صف في الجيش مهمتهم العمل مع قوات متعددة الجنسيات ومنظمات أممية وغيرها لهم مهاراتهم وأدواتهم العسكرية الخاصة من اللغة والتدريب الحديث”، بحسب الأسعد.
ويؤكد الخبراء العسكريون، أن سوريا الجديدة يمكنها الاستفادة من مشاركة بعض الدول الحليفة في عملية إعادة هيكلة القوات المسلحة وتأهيلها، لمواجهة تحديات التحول الديمقراطي.
ففي دولة مثل سوريا تحتضن إثنيات طائفية، فإنه من الأهمية في طريق بناء الجيش أن يتم التركيز على تجاوز الهويات الطائفية للعناصر والضباط والاهتمام بالنظرة الوطنية.
ويشير كثير من الخبراء العسكريين إلى أهمية تحقيق توازن في تركيبة الجيش الجديد في سوريا وعدم إشعار أي مكون بالغربة عن النظام السياسي الجديد من أجل ضمان عدم بروز ولاءات طائفية أو سياسية خارج المؤسسة العسكرية.
تحديات أساسية
اتباع مفاهيم الاحتراف العسكري في إعادة هيكلة الجيش السوري، يرتبط بحجم التحديات التي تواجه البلاد، وطبيعتها الأمنية.
ويشكل ضبط الأمن في أنحاء سوريا أحد أبرز التحديات التي تواجه السلطة الانتقالية في سوريا، مع وجود مناطق لا تزال خارج نفوذها عمليا والخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" شمال شرقي البلاد.
كذلك، وجود فلول لنظام الأسد في الساحل السوري، وخلايا لتنظيم الدولة في أكثر من منطقة سورية.
إضافة إلى تركيز إسرائيل منذ الإطاحة بنظام الأسد، على شن غارات جوية على مواقع سورية، أدت إلى مقتل مدنيين، وتدمير مواقع عسكرية وآليات وذخائر للجيش السوري.
وجاءت تلك الهجمات رغم أن الإدارة السورية الجديدة، برئاسة أحمد الشرع، لم تهدد إسرائيل بأي شكل.
كما كشف الشرع في 7 مايو/ أيار 2025 عن أن بلاده تجري "مفاوضات غير مباشرة" مع إسرائيل، عبر وسطاء لتهدئة الأوضاع.
لا سيما أن إسرائيل التي تحتل منذ عام 1967 معظم مساحة هضبة الجولان السورية، واستغلت الوضع الجديد بعد إسقاط الأسد، واحتلت المنطقة السورية العازلة، وأعلنت انهيار اتفاقية فض الاشتباك بين الجانبين لعام 1974.
كما هدد وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، منتصف فبراير 2025 أن أي محاولة من الجيش السوري الجديد لبناء وتعزيز قدراته في مناطق جنوب سوريا، ستقابل بـ"النار".
وأشار إلى أن الهجمات الإسرائيلية على الجنوب السوري هي "في إطار السياسة الجديدة التي حددتها إسرائيل لنزع السلاح من جنوب سوريا".
والجيش العربي السوري منذ تأسيسه مطلع أغسطس/ آب 1945 رفع شعار "وطن شرف إخلاص"، لكن تحوّله منذ تولي حافظ الأسد السلطة إثر انقلاب عسكري عام 1971 كأداة لحماية حكمه ومن بعده ابنه حينما وجهه لمواجهة الثورة التي اندلعت عام 2011 دفع كثيرا من المراقبين إلى طرح كثير من الأسئلة على طريق بناء جيش جديد.
وأمام ذلك، اعتبر الباحث السوري، مدير البحوث بمركز عمران للدراسات الإستراتيجية، معن طلاع، أن “الأسئلة المرتبطة ببناء الجيش السوري تدور حول ضرورة تحديد من هو العدو لسوريا؟ وبماذا سيقاتل الجيش الجديد؟ وما هي عقيدة الجيش؟”
وأضاف طلاع لـ"الاستقلال" قائلا: إن "أي حديث عن بناء الجيش هو مرتبط بثلاثة متغيرات فرضت بعد سقوط الأسد، وأولها السياقات التاريخية والمتمثلة بنظرة السوريين بأن الجيش السابق فقد الحياد وكان يركز فقط على دعم الفئة الحاكمة، والثاني هو الأمن الإقليمي، والثالث هو نظرة الطرف المنتصر وهو اليوم المتحكم بالمشهد المحلي".
وأشار إلى أن "سوريا راهنا أمام مرحلة استيعاب تقوم بها وزارة الدفاع عبر ملء الشواغر في الجيش، وإيجاد آلية لدمج الفصائل في الجيش، ولهذا بناء جيش احترافي ليس بالمهمة السهلة في ظل وجود بعد اجتماعي بأن يكون الجيش لكل السوريين وكذلك تنظيم مدى انخراط المدنيين في الجيش بحيث يسبقها خدمة عسكرية ودورات تدريبية".
واعتبر طلاع أنه "لبناء جيش احترافي ينبغي تحديد مدى ارتباطه بالقانون والدستور والانصياع للقانون ومعرفة طبيعة عمل هيئاته ومن يقرر ميزانيته؟ ومن يتولى مساءلة الجيش وعناصره وضباطه في حال أي انتهاكات أو تجاوزات؟ وما شكل القضاء العسكري؟".
يذكر أن "مجلس العلاقات الدولية الروسي" قدر العدد الإجمالي لأفراد قوات نظام الأسد المخلوع ما قبل عام 2011 بحوالي 325 ألفا، بينهم 220 ألفا من القوات البرية.
وكذلك 100 ألف من القوى الجوية، 60 ألفا منها للدفاع الجوي، وأربعة آلاف من القوات البحرية، مع ثمانية آلاف من حرس الحدود و100 ألف مقاتل من "الجيش الشعبي"، وهذا الأخير بمثابة عنصر احتياطي للقوات المسلحة.
وقد تراجع عدد مقاتلي قوات الأسد المخلوع، لنحو الثلثين بعد عام 2011، وحسب دراسة لمركز أبحاث "توازن" السوري فإن أعداد عناصر قوات الأسد حتى عام 2020 تقدر بـ169 ألفا.