بين الجزائر والمغرب وتونس ومصر.. طبيعة التنافس الخفي شمال إفريقيا

"أوروبا تعد الأكثر تأثرا بتداعيات التصعيد الإقليمي"
صراعات النفوذ والتحولات الجيوسياسية في شمال إفريقيا، تتصاعد بين أبرز دولها، الجزائر والمغرب ومصر وتونس.
ورصد معهد "تحليل العلاقات الدولية" الإيطالي، ديناميات إقليمية جديدة تهدد بتفكك التوازنات التقليدية.
بالإضافة إلى زيادة حدة الاستقطاب السياسي بين محورين ناشئين؛ أحدهما مؤيد للغرب يضم مصر والمغرب، والآخر متعدد الأقطاب تقوده الجزائر.
وانطلاقا من أزمة سياسية بين القاهرة والجزائر على خلفية مشاركة جبهة “البوليساريو” في مناورات عسكرية، عرض المعهد كيف أصبحت قضايا مثل إقليم الصحراء الغربية والتطبيع ومشاريع الطاقة تمثل ساحات تنافس محتدم.
وناقش تأثير هذه الانقسامات على مؤسسات إقليمية مثل الاتحاد المغاربي والاتحاد الإفريقي ودور القوى الأوروبية، لا سيما فرنسا وإيطاليا، في موازنة أو تأجيج هذا التوتر المتنامي.
التوترات تكتسح
وأكد المعهد أن منطقة شمال إفريقيا “تشهد تزايدا في التوترات الإقليمية، وسط تصاعد واضح في الاستقطاب البنيوي بين القوى الفاعلة”.
وأوضح أن "هذا التوتر برز أخيرا في إلغاء مصر مشاركتها في مناورات (سلام إفريقيا 3)، التي كان من المقرر عقدها في الجزائر، خلال مايو/ أيار 2025، بمشاركة تونس وموريتانيا".
وبحسب ما ورد عن المعهد، فإن "الانسحاب المصري جاء احتجاجا على دعوة الجزائر لجبهة البوليساريو، ما يبرز حساسية ملف الصحراء الغربية".
وفي هذا الصدد، ذكر أن "السياسة الخارجية المصرية تلتزم بموقف قانوني دولي لا يعترف بضم المغرب للصحراء، ولا يعترف كذلك بجبهة البوليساريو".
وهو ما يضع القاهرة -على حد قول المعهد- على مسافة حذرة بين الطرفين، وإن بدا هذا الموقف أقرب إلى الرباط، التي عدّت مشاركة البوليساريو استفزازا موجها ضد توازن القوى الإقليمي.
وفي هذا السياق، تحدث المعهد الإيطالي عن أن "المصالح المصرية-المغربية تتقاطع في مجالات إستراتيجية عدة".
وأضاف: "فكلاهما يملك طموحات إقليمية ويتمتع بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أن كليهما يشرف على معابر بحرية حيوية؛ قناة السويس ومضيق جبل طارق".
وتابع: "كما يسعى البلدان إلى تطوير مشاريع طاقة كبرى؛ فمن ناحية مصر عبر مشروع (إيست ميد)، والمغرب من خلال (خط أنابيب الغاز الإفريقي الأطلسي) من ناحية أخرى".
وأبرز معهد "تحليل العلاقات الدولية" كيف تختلف مصر عن المغرب بتموضعها الجغرافي بين قارتين، وتعرضها لصراعات على جبهات متعددة مثل ليبيا وغزة والسودان، بالإضافة إلى الخلاف مع إثيوبيا بشأن سد النهضة.
وشدّد على أن "البلدين يسعيان إلى التنسيق غير المباشر لاحتواء الضغوط المحيطة".
وفي الوقت ذاته، تحدث المعهد الإيطالي عن أن "الجزائر تواجه تحديات إقليمية معقدة وسط صراعات محيطة، وانقطاع العلاقات مع المغرب منذ 2021".
جدير بالذكر هنا أن الجزائر، منذ عقود، تدعم البوليساريو بهدف الحد من النفوذ المغربي.
وبينما تعزز الرباط علاقاتها مع الغرب، قال المعهد: إن "الجزائر تتجه نحو تحالفات بديلة مثل مجموعة (بريكس)، رغم ما تواجهه من عراقيل دبلوماسية مع فرنسا".
مركز متوتر
وفي السنوات الأخيرة، لفت معهد "تحليل العلاقات الدولية" إلى أن "توترات جديدة برزت ضمن المشهد الشمال إفريقي، خاصة بين المغرب وتونس".
ففي عام 2022، اعترضت الرباط بشدة على مشاركة زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، في قمة "تيكاد" للتعاون الياباني-الإفريقي، التي استضافتها تونس.
وبحسب المعهد، "أظهرت تونس موقفها الملتزم بالحياد تجاه قضية الصحراء الغربية، مؤكدة احترامها لقرارات الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، الذي وجه الدعوة إلى جميع أعضائه، بمن فيهم البوليساريو".
وفي مارس/ آذار 2025 استدعى المغرب سفيره لدى تونس، حسن طارق، في خطوة عززت المؤشرات على تدهور العلاقات بين البلدين.
ورغم محاولات تغليف القرار بأسباب إدارية، إلا أن التوتر السياسي بين الطرفين أصبح واضحا ومدفوعا -على حد وصف المعهد- بتقارب تدريجي بين تونس والجزائر لأسباب أمنية.
وفي هذا السياق، سلط المعهد الضوء على أن ليبيا، التي تحد تونس من الشرق، تعاني من انقسام مزمن، ولا يتجاوز نفوذ حكومتها الفعلي حدود طرابلس.
وفي ظل تصاعد الاشتباكات هناك ومخاوف من موجات هجرة جديدة، بات من الضروري لتونس الحفاظ على علاقات متينة مع الجزائر، ما انعكس على تقارب في السياسات الإقليمية.
التوترات الإفريقية
وعلى المدى المتوسط، أكد معهد "تحليل العلاقات الدولية" أن العلاقات في شمال إفريقيا تشهد تصعيدا متزايدا، في ظل تصاعد الاستقطاب البنيوي بين القوى الإقليمية.
ومن أبرز مظاهر هذا التوتر، كما يسرده المعهد، استمرار تدهور العلاقات بين الجزائر والمغرب، خاصة بعد القطيعة الدبلوماسية عام 2021 ووقف تدفق الغاز المغاربي نحو إسبانيا عبر الأراضي المغربية.
ونوّه إلى أن "اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية قد زاد من حدة الأزمة، مما فاقم تعقيد علاقاتها مع الجزائر".
وفي هذا السياق، قال المعهد: "رغم أن احتمال نشوب صراع مسلح لا يزال ضعيفا، إلا أن الساحة مرشحة لمزيد من المناوشات الدبلوماسية بين البلدين، ما قد يؤثر سلبًا على منظمات إقليمية مثل اتحاد المغرب العربي والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي".
وأشار إلى أن الاتحاد المغاربي، الذي تأسس عام 1989، "يعاني من الشلل منذ سنوات".
وفي أبريل/ نيسان 2024، اقترحت الجزائر إنشاء تكتل جديد مع تونس وليبيا معني بالتنسيق الأمني والتنمية الزراعية وتحلية المياه، "ما يُعد إعلانا غير مباشر عن نهاية الصيغة القديمة للاتحاد".
أما على مستوى الأمم المتحدة، أوضح المعهد أن "الجزائر بدأت عام 2025 ولايتها المؤقتة في مجلس الأمن، وقد تستخدم هذا المنبر لإبراز قضية البوليساريو، بما قد يخلق احتكاكات مع المغرب وفرنسا".
في المقابل، يعكس المعهد كيف تسعى الرباط لتعزيز تحالفها مع واشنطن، خاصة من خلال التعاون العسكري مع إسرائيل.
ولفت إلى أن ذلك يتجلى في صفقة شراء مدافع "ATMOS 2000" التي تحققت مطلع عام 2025، رغم التصعيد في قطاع غزة.
ومن ناحية أخرى، ذكر المعهد أن "المواقف تتباين داخل الاتحاد الإفريقي حول قضية الصحراء الغربية، إذ يُعترف بها كدولة عضو، ما دفع المغرب سابقا للانسحاب من المنظمة".
وتابع: "علاوة على ذلك، تعارض عدة دول داخل الاتحاد الإفريقي منح إسرائيل صفة مراقب".
وحذّر المعهد من "احتمالية حدوث انقسام داخلي في الاتحاد بين محور موال للغرب تقوده المغرب ومصر وكينيا، وآخر متعدد الأقطاب تقوده الجزائر وجنوب إفريقيا".
وفي هذا الإطار، لفت النظر إلى أن "أوروبا تعد الأكثر تأثرا بتداعيات التصعيد الإقليمي".
وأردف: "فبينما تقترب فرنسا من المغرب ومصر، تحافظ إيطاليا على توازن في علاقاتها مع جنوب المتوسط".
وبفضل نجاحها النسبي في الملف الليبي، بين المعهد أن "روما تسعى للعب دور الوسيط الإقليمي، خاصة عبر مبادرات مثل (خطة ماتي)، وهذا يتطلب التزاما طويل الأمد، وسط بيئة جيوسياسية تتعقد باستمرار".