تيار إيراني متشدد يستحضر عزل “بني صدر”.. هل يتعرض بزشكيان لسيناريو مشابه؟

بزشکیان يجد نفسه في مواجهة مباشرة مع القوى المتشددة في إيران
في خضم واحدة من أعقد المراحل السياسية التي تمر بها إيران، يبرز جدل جديد بسبب محاولة استحضار بعض مناوئي الرئيس مسعود بزشكيان لسيناريو الإطاحة بالرئيس الأسبق أبو الحسن بني صدر في مطلع الثورة الإيرانية.
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة "هم ميهن" الفارسية مقالا يعبر عن حالة من الأسف إزاء سلوك التيارات المتشددة، التي "لا تبحث سوى عن احتكار السلطة حتى لو كان الثمن إدخال البلاد في أزمات خانقة".
وتشير إلى أن بزشکیان يجد نفسه في مواجهة مباشرة مع هذه القوى التي تعد أي خطاب إصلاحي، أو نقد لنهجها الخارجي، بمثابة تهديد لمصالحها، لافتة إلى انطلاق حملة منسقة انطلقت ضد الرئيس بعد تصريحاته الأخيرة، ومطالبة البعض باستجوابه.

"مجموعات متطرفة"
وتحدثت عن وجود "مجموعات متطرفة" لم تسمها "لا ترضى بشيء سوى احتكار السلطة والاستئثار بها"، مضيفة أنها "لن تتخلى عن نزعاتها الخطيرة حتى لو وصلت البلاد إلى أسوأ حال ممكن".
وأشارت إلى أن الأمر يبدو "وكأن البلاد تفتقر إلى عقل مدبر وهيئة قادرة على اتخاذ القرار لوقفهم وردعهم".
ولفتت إلى أن بزشکیان "لم يعد أمامه خيار سوى التوقف عن مراعاة هؤلاء المتطرفين الساعين وراء السلطة، وعدم الانصياع لرغباتهم".
وتابعت: "لا بد أن بزشكيان قد أدرك أن التوافق الداخلي مع هذه الجماعة الاحتكارية والمعادية للعلم مجرد وهم".
واستشهدت بالمثل: "الرأفة بالنمر ذي الأنياب الحادة ظلم للخراف"، في إشارة إلى ضرورة اتخاذ موقف حاسم من قبل بزشكيان مع هذه المجموعات.
وأشارت إلى أن تصريحات بزشکیان الأخيرة، التي وصفتها بـ "الصريحة والواضحة والمباشرة حول النهج المغامر للمتشددين في السياسة الخارجية والمفاوضات"، قد أغضبتهم بشدة.
وترى أنهم "لهذا السبب سحبوا سيوفهم وتبنوا مواقف ثورية، وبدأوا يستذكرون ذكرى عزل الرئيس الأسبق (الأول بعد تأسيس الجمهورية للإسلامية) بني صدر".
وانتخب بني صدر لأربع سنوات في 25 يناير/كانون الثاني 1980، بنسبة 78.9 بالمئة من الأصوات خلال انتخابات تنافسية، في ظل قيادة الخميني للجمهورية الإسلامية.
في بداية حكمه وبعد أداء اليمين الدستورية أمام الخميني، حاول إجراء بعض الإصلاحات السياسية والاقتصادية، لكن الجو الثوري الذي كانت تعيشه إيران لم يكن حينها مهيأ لقبول ذلك، واصطدمت توجهاته الليبرالية مع التوجهات الدينية لرجال الدين الذين قادوا الثورة.

عزل بني صدر
وحاول التعايش معهم على مدى 17 شهرًا، لكن محاولاته باءت بالفشل، ليأتي اندلاع الحرب العراقية الإيرانية عام 1980 ويشكل بداية النهاية لفترة حكمه القصيرة.
وكان بني صدر يرى ضرورة احتواء الأزمة، إلا أن الأمور سارت بسرعة مريبة ووصلت إلى حد أن اجتاحت القوات المسلحة العراقية الحدود واحتلت مساحات من الأراضي الإيرانية.
وفي هذا السياق، قالت الصحيفة: إن موقعا للمتشددين نشر، في بادئ الأمر، مقالا معنونا بـ"إعادة قراءة الخطاب التاريخي للقائد الخميني (مؤسس الجمهورية الإسلامية) حول إثبات عدم كفاءة بني صدر"، وعد ذلك بمثابة "إشارة بدء الهجوم".
وعقب ذلك، توالى الهجوم من "جوقة المتشددين" الذين وصفتهم الصحيفة بأنهم "يحصلون على ثمن تغريداتهم من جيوب الفقراء والشعب". وطالبت تلك المجموعة الجوقة بشكل منسق بـ "استجواب الرئيس".
وهنا، شددت الصحيفة على أن "هذه المجموعات تغرق في مستنقع كبير، وتكرر أخطاءها الفادحة".
وأردفت: "على عكس الساعين إلى السلطة، أوضح بزشكيان مرارا أن هدفه من الترشح في الانتخابات هو الإسهام في زيادة المشاركة الشعبية، وأنه لم يكن يسعى إلى جمع الأصوات عبر الشعبوية أو الوعود الكاذبة".
"بل تجنب بشدة تقديم وعود؛ مثل خفض التضخم إلى خانة الآحاد، أو خلق مليون وظيفة، أو بناء أربعة ملايين مسكن، وغيرها". وأشارت الصحيفة إلى أن "هدف بزشكيان كان مساعدة النظام".
وذكرت أن "الكثيرين عدوا ذلك نقطة ضعف فيه، فلم يشاركوا في الجولة الأولى من الانتخابات، لكن عندما رأوا نتائجها، تحمسوا لأخذ الخطوة النهائية لمنع سقوط البلاد بشكل حتمي في وادي الضلال والدمار الذي يقوده المتشددون".

برنامج بزشكيان
ومن المثير للاهتمام -وفق الصحيفة- أنه، "منذ اليوم الأول لوصوله للسلطة، لم يجعل من أولوياته مواجهة الحكومة السابقة وبقاياها".
بل والأكثر من ذلك، أنه جعل التصالح والتوافق معهم على رأس أولوياته، وهو الأمر الذي "أثار استياء وانزعاج العديد من أصدقائه ومؤيديه".
وأوضحت الصحيفة أن "هذا السلوك خلال الانتخابات، وحتى بعد توليه السلطة، كان مناقضا لسلوك بني صدر".
وادعت أن "المؤسسة التي عزلت الرئيس الأسبق كانت ممثلة عن الشعب"، في إشارة إلى مجلس الشورى الإسلامي.
وأشارت إلى أن متوسط الأصوات الحاصل عليها النواب العشرة الأوائل عن طهران (في ذلك الوقت) يتجاوز مليونا و400 ألف صوت.
في حين أن أعضاء مماثلين بالبرلمان الحالي لم يحصدوا حتى ثلث هذا العدد رغم أن عدد الناخبين في طهران زاد بنحو 3 أضعاف خلال هذه الفترة، وفق تقديرها.
وحسب الصحيفة فإن ذلك "يعني أن الشرعية والدعم الشعبي لهؤلاء النواب أقل بنحو عشر مرات من ذلك المجلس".
كما أضافت أن "الغالبية الساحقة من نواب المجلس الأول كانوا أشخاصا نزهاء وثوريين وأمناء محل ثقة الناس، بينما يجب التحقق من كل هذه الصفات بالنسبة للمجلس الحالي". ولذلك، خلصت إلى أن "مقارنة الحالتين غير مناسبة على الإطلاق".
وختمت الصحيفة باقتراح "إجراء هذا الاستجواب"، رغم وصفها له بأنه "ليس تصرفا حكيما". واستدركت "بما أنه لا علاقة لكم بالحكمة، يمكنكم على الأقل أن تختبروا من خلاله مكانتكم في المجتمع".
وختمت بالقول: "لم يتمكن أصدقاء بزشکیان وداعموه حتى الآن من دفعه إلى الغضب حتى يتخذ موقفا جديا ضد المتشددين. ولعلهم يحسنون صنعا الآن وينجحون في دفعه إلى أداء هذه المهمة الخطيرة".