واقع جديد.. كيف غيرت الحرب مع إسرائيل الداخل الإيراني؟

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

انتهت حرب الإثني عشر يوما بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة، لكن غبارها لم ينقشع بعد، حيث تُحذّر طهران من احتمال استئنافها في أية لحظة، وسط أزمة اقتصادية متفاقمة وغموض سياسي ومصير نووي غير محسوم.

ويرى الباحث أليكس فاتانكا، في مقال نشره على مجلة "فورين بوليسي"، أن "قادة إيران يقفون عند مفترق حقيقي، خاصة مع غياب المرشد الأعلى علي خامنئي عن المشهد العام حتى ظهوره في مراسم عاشوراء بطهران في 5 يوليو/تموز 2025".

وأشار فاتانكا إلى أن "الغياب ربما يفسح المجال لأصوات براغماتية داخل النظام، لكن هذا التحول ليس حتميا".

مفترق طرق

ولفت الباحث إلى أن “الضربات الإسرائيلية والأميركية ركزت على المواقع النووية وبرنامج الصواريخ الباليستية”. 

وأضاف أنه “في اليوم الحادي عشر، استهدفت إسرائيل عناصر من جهاز الأمن الداخلي، مثل الباسيج والحرس الثوري، وسجن إيفين، في رسالة تحذيرية للنظام”.

لكن بحسب المقال، فإن "هذه الضربات لم تهدف إلى إسقاط النظام عبر انتفاضة شعبية، بل كانت بمثابة تحذير". 

وأوضح أن "الحرب لم تُنهِ الصراعات الداخلية أو التوترات الخارجية، بل أعادت تشكيلها، كما أن وقف إطلاق النار لم يُنهِ الأزمات العميقة، بل غيّر السياق الذي تعمل فيه القيادة الإيرانية".

وذكر أن “إيران تواجه اليوم تحديا ثلاثي الأبعاد: تأمين المجال الجوي، والحفاظ على الاستقرار الداخلي، والتعامل مع الرأي العام، سواء نحو جولة مواجهة جديدة أو تفاوض هش مع واشنطن، مباشرة أو عبر وسطاء كعُمان”.

اقتصاديا، زادت الحرب من حدة الأزمة، ويقدّر أن 13 مليون إيراني فقدوا مصادر دخلهم، ما زاد السخط الشعبي. 

وحذر الاقتصادي حسين راغفر من أن "الفقر قد يتحول إلى تهديد أمني، خاصة مع غياب الدعم النقدي والغذائي".

فيما أكد فاتانكا أن “وقف إطلاق النار لا يزال هشا، وقد تسببت الحرب في خسائر ضخمة، منها 1.4 مليار دولار في عائدات النفط، وهجمات سيبرانية على النظام المالي، دفعت السلطات إلى قطع الإنترنت”. 

وأوضح أنه “بخلاف حرب الثمانينيات، يهدد استئناف الصراع أصولا صناعية حيوية”.

تحوّل أيديولوجي

وأفاد فاتانكا بأنه "برز تحول من الإسلام الثوري إلى القومية الإيرانية، فخطابات خامنئي، والرئيس مسعود بزشكيان، وشخصيات كمستشار المرشد الأعلى، علي شمخاني، ووزير الخارجية الأسبق، محمد جواد ظريف، باتت تركز على (الكرامة الوطنية) بدلا من الشعارات الإسلامية".

ولفت إلى أنه “خلال خطاب خامنئي في 18 يونيو/ حزيران ، غاب ذكر الإسلام والقضية الفلسطينية، لصالح خطاب الدفاع عن الوطن”. 

وأضاف “الرئيس بزشكيان تحدث عن (إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع)، لكن لا يُعرف إن كانت دعوة حقيقية أم مناورة”.

وتابع: “ردّد الرئيس الأسبق حسن روحاني، وزعيم المعارضة مهدي كروبي، دعوات مماثلة، لكنها قد لا تعبّر عن تأييد شعبي، بل عن إدراك بأن الاحتجاجات لم تندلع خلال الحرب، لكنها لا تزال ممكنة”.

في المقابل، تواصل الأجهزة الأمنية حملة اعتقالات نالت مئات بتهم التعاون مع استخبارات أجنبية، خاصة من الأكراد واليهود والبهائيين، في محاولة للسيطرة على الداخل، بحسب الباحث فاتانكا.

ويرى أن “شخصيات في النظام بدأت تستخدم الخطاب القومي بدلا من الإسلامي، كما في تصريحات وزير الخارجية عباس عراقجي الذي قال: حسن النية يُقابَل بحسن نية، وهي عبارة استخدمها الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب”.

واستدرك: “لكن من غير المؤكد إن كان هذا التحوّل سيصمد، فقد يؤدي أي تصعيد إلى توحيد الجمهور أو زيادة السخط”. 

وذكر فاتانكا أن “القناعة تزداد داخل إيران وخارجها أن رؤية خامنئي الأيديولوجية دفعت البلاد إلى صراع لم تكن مستعدة له”.

تغيير صعب

وقال: إن "القيادة تواجه خيارا حاسما، إما مواصلة التوسّع الثوري والعزلة، أو التحوّل نحو دبلوماسية براغماتية تُقدّم بقاء النظام على الأيديولوجيا. 

وذكر فاتانكا أن "الحروب الحديثة تُحسم بالتفوق الجوي والاستخباراتي، لا بالشعارات”.

ورأى أن “الرد الإيراني رغم أنه أضرّ بإسرائيل، لكنه لم يردع الضربات، كما أن اعتماد طهران المفرط على روسيا والصين عزلها إستراتيجيا".

وأشار فاتانكا إلى أن "الحرب تركت إيران أمام خيارين في الملف النووي، الاستمرار في سياسة (التحوّط) مع المخاطر، أو الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار، واللجوء للردع السري، مع ما يحمله ذلك من عقوبات وعزلة".

ويرى البعض أن إعادة البناء السري للبرنامج النووي باتت مرجّحة، مع توزيع أجهزة الطرد المركزي واستئناف النشاط بهدوء، دون إعلان صريح، تحسبا لتدهور الأمن الإقليمي.

وقال فاتانكا: إن “الحرب أظهرت أن تغيير النظام في إيران ليس سهلا، ولا توجد معارضة مسلّحة أو جهات خارجية مستعدة للتدخل”. 

واستدرك: “لكن التغيير الداخلي، كما حدث عام 2009، يبقى المسار الأرجح”. 

وختم فاتانكا مقاله بالقول: “في النهاية، سيكون القرار النووي القادم لإيران حاسما في تحديد طبيعة المواجهة المقبلة مع إسرائيل والولايات المتحدة”.