تضامنت معها ضد إسرائيل.. هل تتوقف إيران عن "التمدد" بالدول العربية؟

يوسف العلي | منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

أثارت مواقف الدول العربية الإيجابية تجاه إيران في حربها ضد الكيان الإسرائيلي، تساؤلات عدة عن مدى حصول تغيّر إيراني حيال دول المنطقة التي تشكو منذ عقود سياسة التمدد والتدخل في شؤونها الداخلية بشكل مباشر أو عبر وكلاء.

وشنَّت إسرائيل عدوانا غاشما ضد إيران في 13 يونيو/ حزيران 2025، أودى بحياة عشرات القادة العسكريين والعلماء النوويين، لترد طهران بهجمات صاروخية قاسية ضد تل أبيب، ثم استهدفت واشنطن مواقع نووية إيرانية، قبل أن تعلن وقفا شاملا للحرب بعد 12 يوما من اندلاعها.

"صفحة جديدة"

وخلال حرب الـ12 يوما التي بدأتها إسرائيل ضد إيران، فإن الدول العربية والخليجية منها خصوصا، استنكرت تلك الهجمات ووصفتها بأنها "اعتداء سافرة وشنيعة" شنها الاحتلال على السيادة الإيرانية، وطالبت في وقتها مجلس الأمن الدولي بوقف هذا العدوان فورا.

وأفاد بيان لمجلس التعاون الخليجي بعد اجتماع له على المستوى الوزاري في 16 يونيو، بأن "الهجمات الإسرائيلية على إيران قوَّضت فرص المسارات السياسية، وأدت إلى توقف وانهيار جهود الحوار والدبلوماسية، الأمر الذي حثّ دول المجلس كافة بالتنديد بها ".

وعلى الوتيرة ذاتها، صدرت بيانات عن مصر والعراق والأردن ولبنان والسودان والجزائر وتونس وليبيا والصومال وموريتانيا، تدين فيها الهجمات الإسرائيلية على إيران، والتي عدوها اعتداءات مرفوضة على بلد ذي سيادة، وأنها قد تحدث حربا إقليمية.

وبعد توقف الحرب، قدمت إيران في 25 يونيو، شكرها إلى الدول العربية والإسلامية على تضامنها معها وموقفها الثابت في إدانة "العدوان الإسرائيلي الأميركي على أراضيها وسيادتها".

جاء ذلك في مؤتمر صحفي للمتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، الذي أكّد أن "الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تدخر جهدا لتعزيز التفاهم والتعاون بين دول المنطقة بهدف ضمان الأمن والاستقرار الداخلي".

وفي تصريحات ترسم مسارا جديدا في العلاقة بين إيران ودول الخليج، قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان: إن "طهران مستعدة لبدء صفحة جديدة من العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي".

ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية في 29 يونيو، عن بزشكيان قوله لأعضاء حكومته: "سياسة الجوار وتطوير العلاقات مع دول المنطقة يعدّان من الإستراتيجيات الأساسية (للحكومة)؛ نظرا للحاجة إلى التضامن بين الدول الإسلامية، وبهدف توسيع التعاون الشامل".

وأوضح بزشكيان أن "الجمهورية الإسلامية مستعدة للتعاون الكامل مع مجلس التعاون لدول الخليج، ومن خلال هذا المسار نعلن استعدادنا لبدء فصل جديد من العلاقات مع جيراننا في منطقة الخليج".

وبحسب مراقبين، فإن تصريحات الرئيس الإيراني قد تعبّر عن وجود رغبة في احتواء تداعيات الحرب عليها؛ إذ تواجه طهران تواجه ضغوطا اقتصادية وسياسية متزايدة.

وبناء على ذلك- يرى مراقبون- أن إيران تعي أهمية مدّ جسور الثقة مع دول الجوار، لا سيما الخليجية منها، وذلك للدور الحيوي الذي تلعبه هذه الدول في موازين الأمن الإقليمي، فضلا عن التحديات المشتركة التي تفرضها التغيرات الجيوسياسية في المنطقة.

فرصة سانحة

وبخصوص مدى تبدّل سياسة إيران التي توصف بـ"التوسعية" تجاه دول المنطقة، قال الباحث العراقي في شؤون الشرق الأوسط، إياد ثابت، إن "التوجه الإيراني هذا نابع من عقيدة دينية قائمة على نشر التشيع فيها تحت عنوان (الثورة الإسلامية)".

ورأى الباحث في حديث لـ"الاستقلال" أن "تغيير هذا النهج الذي يقوم عليه نظام ولاية الفقيه الإيراني الحالي أمر لا يمكن المساومة عليه مع أي مصلحة أخرى، حتى لو على حساب الشعب وتجويعه بالحصار وحرمانه من ثرواته، أو تعرضه للقصف من عدوان خارجي".

وتطرق ثابت إلى مشكلات دول الخليج مع إيران، بالقول: "فمن غير المتوقع أن تعيد طهران الجزر الإماراتية الثلاثة (طنب الكبرى، طنب الصغر، أبو موسى) التي تحتلها منذ مطلع سبعينيات القرن العشرين، وهذا الأمر بعيد المنال في ظل وجود النظام الإيراني الحالي".

لكن الباحث لم يستبعد أن تدفع إيران حلفاءها الحوثيين في اليمن إلى "التنازل والدخول في مفاوضات لإنهاء الأزمة اليمنية، وقد يصل إلى إعادتهم للجبال في صعدة وترك صنعاء".

من جهته، قال السياسي العراقي، ظافر العاني، إنه "ثمة درس مهم إن لم تكن إيران قد وعته فقد ضيعت على نفسها فرصة لن تتكرر وهي: إن الطرف الوحيد الذي وقف مع إيران هي الدول العربية ولا أحد غيرها، لا روسيا ولا الصين ولا ألمانيا أو فرنسا وكوريا الشمالية، وهم حلفاؤها التقليديون".

وأضاف أستاذ العلوم السياسية عبر تدوينة على "إكس" في 29 يونيو، أن الدول العربية ولاسيما دول مجلس التعاون الخليجي وقفت مع إيران بدءً من التنديد الصادق بالعدوان الإسرائيلي مرورا بتجنيد كل علاقاتها الدبلوماسية مع أطراف الصراع لإيقاف الحرب.

وأردف، قائلا: "حتى أن قطر التي اعتدت إيران على سيادتها بقصف قاعدة العيديد غضت النظر عن ذلك بل توسطت بشدة لوقف الحرب وعدت القصف عليها عربون السلام".

وأشار العاني، وهو العضو السابق في لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان العراقي، إلى أن "الدول الخليجية التي طالما وصلتها صواريخ أذرع إيران لم تنزلق لمنطق الثأر ولا تصيّدت الفرصة وإنما تصرفت بفروسية العربي تجاه جاره المحترق بيته".

وختم العاني تدوينته، بالقول: "إن لم تعِ إيران هذا الدرس بخفض التوتر في الخليج بكف التدخل والسعي لبناء الثقة مجددا مع دوله فستخسر الكثير في قادم الأيام، بل الكثير جدا".

تدخلات وتوترات

وعلى مدار أربعة عقود تشكو الدول العربية من تدخلات إيرانية في شؤونها الداخلية، لكن في العقدين الأخيرين ولاسيما بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، ثم مساندة نظام بشار الأسد في قمع الثورة الشعبية عام 2011 وحتى سقوطه في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024.

وقبل ذلك فإنها متهمة من قوى سياسية محلية في العراق ولبنان، بالتدخل في القرارات السياسية والاقتصادية والأمنية، ودعم جهات موالية لها على حساب المصلحة الوطنية لهذه البلدان، وجعلت حكوماتها أسيرة إرادتها السياسية وإقصاء واستهداف كل من يخالفها.

وكذلك، فإن إيران ساندت الحوثيين في الانقلاب على الشرعية عام 2014 وسيطرتهم على العاصمة صنعاء، وقصفهم بالصواريخ عدد من الدول الخليجية التي اصطفت إلى جانب السلطات وقاعدت عمليات عسكرية ضدهم، وتحديدا المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.

ومن أبرز تلك الهجمات التي طالت السعودية، تلك التي استهدفت منشآت نفطية ومطار أبها السعودي في 2019، حسب تقرير رفعه إلى مجلس الأمن الدولي الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش.

كتب غوتيريش في تقريره، قائلا: "الأمانة العامة للأمم المتحدة، تقدر أن صواريخ كروز و/ أو أجزاء منها استُخدمت في أربع هجمات أصلها إيراني. الطائرات المسيرة التي استخدمت في هجمات أرامكو أصلها إيراني".

ومضى يقول: "الأمم المتحدة لاحظت أن بعض القطع في الأسلحة التي ضبطتها الولايات المتحدة في مناسبتين كانت متطابقة أو مشابهة لتلك التي عُثر عليها في حطام صواريخ كروز وطائرات مسيرة استُخدمت في هجمات 2019 على السعودية".

وفي 17 يناير/كانون الثاني 2022، أصيبت الإمارات بضربات حوثية عدة استهدفت العاصمة أبو ظبي، وذلك من خلال هجمات بطائرات بدون طيار وصواريخ بالستية، أصابت مصفاة تابعة لشركة بترول أبو ظبي الوطنية، وقتل فيها عاملان هنديان.

وخلال الأعوام 2017 و2018 و2019، أعلن الحوثيون استهداف مفاعل براكة النووي في مدينة أبو ظبي، إضافة إلى مطاري أبو ظبي ودبي، بطائرات مسيرة، لكن السلطات الإماراتية كانت تنفي ذلك دائما.

كما تتهم إيران، بالتدخل في الشأن البحريني في دعم قوى المعارضة الشيعية، فقد صدرت أصوات من مجلس الشورى الإيراني وشخصيات سياسية وعسكرية عديدة في طهران خلال السنوات الماضية، تدعو لاحتلال هذه المملكة العربية الخليجية.

وفي 20 مارس/ آذار عام 2016، طالب القيادي في الحرس الثوري الإيراني الجنرال سعيد قاسمي، في تصريحات عدائية بضم البحرين، وزعم أنها "محافظة إيرانية مقتطعة".

وفي 27 ديسمبر 2016، قال قائد الحرس الثوري الإيراني السابق اللواء حسين سلامي في تصريحات لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا"، إن "الانتصار في حلب مقدمة لتحرير البحرين" مشيرا إلى أن مشروع إيران التوسعي سيمتد إلى البحرين واليمن.

وفي السياق ذاته، قال أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، وقائد الحرس الثوري الأسبق محسن رضائي، إن بلاده "لن تتخلى عن حلفائها في سوريا والبحرين واليمن، وأنها ستواصل دعمهم سياسيا ومعنويا"، وذلك خلال مقابلة "كريستين ساينس مونيتور" الأميركية في 24 سبتمبر 2016.