السيسي التقى حفتر ونجليه والبرهان في أسبوع واحد.. ما علاقة حميدتي؟

إسماعيل يوسف | منذ ١٢ يومًا

12

طباعة

مشاركة

كان اللقاء شبه العائلي، الذي جرى في مدينة العلمين يوم 30 يونيو/حزيران 2025، بين رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، وقائد متمردي شرق ليبيا خليفة حفتر ونجليه صدام وخالد بحضور رئيس المخابرات العامة حسن رشاد، مثار تكهنات عديدة.

لقاء السيسي مع حفتر ونجليه صدام وخالد في هذا التوقيت وبعد أيام قليلة من استقبال رسمي كبير لنجله وخليفته العسكري "صدام حفتر"، بوزارة الدفاع المصرية، يحمل عدة دلالات من حيث التوقيت وطبيعة الحضور والمحاور.

محللون مصريون وليبيون عدوه بمثابة "استدعاء"، لبحث أزمة المثلث الحدودي بين مصر وليبيا والسودان، الذي احتلته في 15 يونيو 2025 قوات الدعم السريع بقيادة حمدان دقلو (حميدتي) بدعم مباشر من قوات حفتر، ما شكل تهديدا لأمن مصر وليبيا معا، بسبب عداء هذه القوات لمصر.

وأشاروا لاحتمال مطالبة السيسي من حفتر عدم مساعدة ميليشيات الدعم السريع في السيطرة على الجانب السوداني من المثلث الحدودي، باعتبار ذلك يهدد الأمن القومي المصري والسوداني معا، وهو ما ترفضه القاهرة.

فريق آخر من المحللين والسياسيين أشاروا لاحتمال عقد اللقاء بطلب أو وساطة إماراتية؛ حيث تحتضن أبوظبي متمردي ليبيا (حفتر) والسودان (حميدتي) ضمن أطماع في المنطقة تتعارض مع مصالح مصر، وذلك بهدف توسط حفتر الوساطة بين السيسي وحميدتي المدعوم إماراتيا ومطالبة القاهرة بدور سياسي – لا عسكري – في الوساطة بين جيش السودان وقوات حميدتي.

وعزز هذا التصور أن السيسي استقبل أيضا رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، بهدف بحث أزمة المثلث الحدودي، واحتمالات تحرك القاهرة لطرح خطة سلام في السودان بسبب صعوبة حسم أي من الطرفين للحرب. 

لماذا حفتر ونجلاه؟

تتوزع عائلة حفتر على خمسة أبناء يصفهم موقع ميدل إيست آي البريطاني 10 أغسطس/آب 2022، بأنهم "عائلة عسكرية تجارية"، إذ يخدم اثنان؛ صدام وخالد، كضباط في جيشه الذي شكله في شرق ليبيا.

وقد قام أبوهم بترقيتهما في مناصب عسكرية رغم أنهما لم يدرسا في أي أكاديمية، فأصبحا حاليا: الفريق خالد حفتر، رئيس أركان قوات حفتر، والفريق صدام حفتر، قائد القوات البرية.

ويبدو من تحركات "صدام" الأخيرة أنه يتجه لخلافة والده المريض، كونه ذراعا عسكرية لأبيه، ومبعوثا دبلوماسيا لوالده خصوصا إلى الإمارات وإسرائيل، بحسب تصريحات مصدر مطلع للموقع البريطاني.

أما ابنه الثالث (الصادق) فيتولى حقيبة المال والإعمار في شرق ليبيا والسيطرة علي البيزنس، بينما يعمل ابنه الرابع "بلقاسم" مستشارا سياسيا كبيرا لوالده.

وابنه الخامس، المليونير "عقبة خليفة حفتر"، رجل مال وأعمال، فهو صاحب مجموعة Eastern Brothers Group, LLC  (مجموعة الإخوة الشرقيين المحدودة)، تأسست عام 2014 في أميركا.

وجاء استقبال السيسي لثلاثتهم بحضور اللواء حسن رشاد، رئيس المخابرات العامة، أشبه بعملية إشهار لتسلمهم أو توريثهم الملفات المختلفة مع مصر بدلا من أبيهم المريض، وبحث القضايا التي تهم الطرفين خاصة "المثلث الحدودي".

فهذا أول لقاء يجمع السيسي بنجلي حفتر (صدام وخالد) في حضور والدهم، ولأنه أشبه بلقاء عائلي لتسليم حفتر الأب ملفات شرق ليبيا لأبنائه في حضور السيسي كان لافتا أنه لم يتم رفع علم ليبيا عكس الوضع مع البرهان.

وقبل هذا جرى استقبال عسكري رفيع لصدام حفتر من قبل الجيش المصري، ما يعكس رغبة مصر في تعزيز دور "الوريث المحتمل" في شرق ليبيا، في ظل تصاعد التوتر بالمثلث الحدودي مع السودان.

استقبال صدام حفتر بحفاوة لم تكن مجرد بروتوكول، ما عُدّ أيضا رسالة موجهة للإمارات أن مصر لا تزال لاعبًا رئيسا في الملف الليبي، وتسيطر على حفتر وأنجاله.

كان لافتا أيضا التأكيد المصري أن "الأمن القومي يتأثر بما يحدث في ليبيا"، في إشارة لحفتر أن أي تصعيد عسكري في ليبيا أو السودان أو المثلث الحدودي من شأنها التأثير على مصر.

وتؤكد مصادر دبلوماسية مصرية لـ "الاستقلال" أن الملف الأساسي الذي من أجله استدعى السيسي حفتر وأنجاله إلى اللقاء هو أزمة المثلث الحدودي، رغم عدم الإشارة لها في البيان الختامي.

وأوضحت أن السيسي طالب حفتر بوضوح بعدم دعم ميليشيا حميدتي بالسلاح أو الأفراد أو المرتزقة بعدما كفت الخرطوم دخول قوات حميدتي المرتزقة للمثلث الحدودي والسيطرة عليه بدعم قوات حفتر قبل أن تنسحب بعد تهديدات مصرية.

واتهمت الخرطوم قوات حفتر بدعم مليشيا حميدتي بالسلاح والمرتزقة للسيطرة على منطقة المثلث الحدودي، وهو ما ترفضه القاهرة، لذا طالب السيسي حفتر بوضوح بعدم التدخل في الملف السوداني.

وسبق أن حذرت مصر مليشيا الدعم من إرسال مدرعات مصفحة وطائرات مسيرة حديثة لمنطقة المثلث الحدودية، وترددت أنباء عن قصف مصري سوداني مشترك لمليشيا حميدتي المدعومة من مرتزقة حفتر في "المثلث".

وترجح المصادر المصرية أن حديث السيسي في بيان لقائه مع حفتر، على "ضرورة إخراج المرتزقة والأجانب من ليبيا"، كان رسالة لقائد جيش شرق ليبيا للتخلص من مرتزقة فاغنر والأفارقة وغيرهم الذين لا يزالون يقيمون في شرق وجنوب ليبيا بهدف دعم قوات حفتر.

وخلال لقائه حفتر أكد السيسي دعمه للاستقرار في ليبيا ودعا لانسحاب "المرتزقة"، ودعاه لتعزيز التنسيق بين الأطراف الليبية لوضع خارطة طريق سياسية شاملة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة.

وقالت صحيفة "العرب" اللندنية المدعومة إماراتيا، مطلع يوليو/تموز 2025 أن لقاء السيسي بحفتر وابنيه في العلمين يعكس تخوفات القاهرة من علاقات الأخير مع قوات الدعم السريع.

وأوضحت أن القاهرة، القلقة من سيطرة الدعم السريع على هذه المنطقة، لديها تخوفات من تأثير ذلك على المصالح المصرية.

وقالت الصحيفة المعبرة عن وجهة نظر الإمارات، إن "الجانب المصري لا يرتاح كثيرًا لأي تعاون بين الجيش الليبي وقوات الدعم السريع، وما ينجم عنه في المستقبل من انعكاسات سلبية على رؤية القاهرة للأزمة السودانية.

وأن القاهرة استغلت علاقتها الوطيدة مع حفتر لمنع حدوث انفلات في المنطقة، قد يحرج الجيش السوداني وتتأثر مصر بتداعياته.

المثلث الحدودي

منذ 11 يونيو 2024، انتقلت الحرب في السودان، إلى أقصى الشمال الغربي للبلاد، لتصل إلى "منطقة المثلث" الحدودية مع مصر وليبيا، بعدما سيطرت قوات "الدعم السريع" على المنطقة وكبدت الجيش خسائر في الأرواح والعتاد.

واعترف الجيش بالهزيمة هناك حين أعلن إخلاءها مؤقتًا، متهمًا قوات الانقلابي خليفة حفتر حاكم شرق ليبيا، بالمشاركة في الهجوم، ومؤكدا أن العملية تمت وفق مؤامرة دولية، في إشارة ضمنية لتورط الإمارات أيضا.

ثم أعلن الجيش السوداني، أن قواته أخلت "المثلث الحدودي" بين مصر والسودان وليبيا، بعد هجوم قوات الدعم السريع.

وقالت وزارة الخارجية السودانية، إن منطقة المثلث (الحدود السودانية الليبية) كانت دوما نقطة دخول للأسلحة ومرتزقة مليشيا الدعم السريع، الممولة من الإمارات وبالتنسيق من قوات حفتر التي تدعمها أبو ظبي أيضا.

وتسللت قوات المرتزقة المحسوبة على جيش حفتر في شرق ليبيا إلى داخل الحدود مع السودان ومصر، لدعم قوات حميدتي التي اجتاحت المنطقة، ما أثار قلق وانزعاج القاهرة في وقت تعاني فيه من ملفات عديدة يهدد أمنها، هي: إسرائيل وحرب غزة، وإثيوبيا وسد النهضة وملف المياه، وغيرها.

إذ تقع "منطقة المثلث" في موقع إستراتيجي شمال غرب السودان، وتعد معبرًا حيويًا يربط السودان وليبيا ومصر، بما يسهل تجارة الحدود، وتنتشر فيها أنشطة التعدين (الذهب)، وهو هدف اقتصادي لحميدتي والإمارات معا.

وكانت المنطقة إحدى أبرز النقاط التي تنشط فيها عصابات الهجرة غير النظامية، لذا وقعت دول السودان وليبيا وتشاد والنيجر، عام 2018، اتفاقًا رباعيًا يقضي بتشكيل قوة مشتركة لحماية الحدود.

وكان الهدف من هذه القوة أيضا الحد من انتقال المقاتلين الأجانب، ومكافحة الاتجار بالبشر، لكن عدم الاستقرار في ليبيا آنذاك حال دون تطبيق الاتفاقية.

ومنذ سقوط نظام القذافي عام 2011، سيطرت كتيبة سلفية مدخلية متطرفة تُسمى "سبل السلام" على المثلث الحدودي، ولاحقا تحالفت وضمها إلى قواته البرية بقيادة ابنه صدام.

وهذه الكتيبة، التي يقودها عبد الرحمن هاشم الزوي، تعد الذراع العسكرية لقبيلة الزوية المنتشرة في مناطق الهلال النفطي في شمال ليبيا والواحات، جنوب شرق ليبيا.

وسبق أن اتهمتها تقارير سابقة للجان العقوبات التابعة للأمم المتحدة، بالتورط في التهريب والهجرة غير النظامية ونقل الإمدادات لـلدعم السريع، وقد أكد جيش السودان أن قوات المرتزقة التي دعمت حميدتي في المثلث كانت من هؤلاء السلفية المدخلية المتحالفين مع حفتر.

وكانت منطقة المثلث من الجانب السوداني تخضع لسيطرة "القوة المشتركة" للحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش، الذي كان ينشر قوات من الاستخبارات العسكرية وجهاز المخابرات العامة فقط للتنسيق معها.

لكن عقب هجوم قوات حميدتي وحفتر على المثلث، انسحبت القوة المشتركة، وسيطرت عليها مليشيا الدعم السريع ومرتزقة حفتر، لذا تدخلت مصر مع حفتر لمطالبته بالانسحاب من المنطقة السودانية في المثلث وعدم دعم جيش حميدتي لأنه في حالة عداء مع مصر، ووجوده هناك يضر أمن مصر القومي.

وذكر ضابط في الجيش السوداني، لـموقع "مدى مصر"، 15 يونيو 2025، أن هدف الدعم السريع من فتح جبهة جديدة في صحراء المثلث الحدودي، هو تهديد الولاية الشمالية، وتخفيف الضغط عن قواتها في محاور كردفان.

ومن ثم تعقيد مهمة الجيش السوداني في فك الحصار عن مدينة الفاشر، فضلًا عن الحصول على إيرادات تجارية من المثلث، والحصول على إمداد عسكري عبر الحدود من ليبيا.

وقال المحلل العسكري، ذو النون التجاني، إن الانتصارات العسكرية الكبيرة التي حققها الجيش السوداني والقوات الحليفة له، بالتزامن مع تراجع الدعم السريع المتكرر، دفع الإمارات لإظهار تورطها في المستنقع السوداني.

وذلك عن طريق تكثيف دعم حميدتي بالعتاد العسكري المتطور، وأنظمة الدفاع الجوي، والمسيرات بعيدة المدى، بخلاف زيادة تجنيد المرتزقة ودفعهم نحو المحرقة.

وأوضح التجاني لـموقع "مدى مصر"، أن التدخل العسكري لحفتر وضع الحكومة المصرية في موقف لا تستطيع أن تقف فيه عاجزة، خاصة بعد انتقال القتال إلى حدودها الجنوبية الغربية وتهديد أمنها القومي.

وأكد أن تهديدات مليشيا الدعم السريع وقادتها لمصر وموقفهم العدائي من النظام في مصر، كلها عوامل قد تدفع مصر إلى اتخاذ موقف أكثر حسمًا ووضوحًا تجاه ما يجري في السودان.

وهو ما يقول المصدر الدبلوماسي المصري لـ "الاستقلال" إنه كان الدافع الأساسي من "استدعاء" القاهرة لحفتر ومسؤولي جيشه (أبنائه) لتحذيرهم من أن موقفهم بدعم حميدتي تهدد أمن مصر القومي.

وكان حميدتي، جدد في خطابه، 3 يونيو/حزيران 2025، اتهاماته لمصر بدعم الجيش السوداني، مشيرًا إلى منحها ثماني طائرات له.

وطالب البرهان، السيسي بالضغط على حفتر لمنعه من دعم قوات حميدتي بقوات ليبية موالية له وعتاد عسكري إماراتي، وعدم السماح بتهريب السلاح إلى غرب السودان.

أمراء الحرب

وينفي الإماراتيون تسليح أي طرف في الحرب، لكن الولايات المتحدة اعترضت مكالمات هاتفية منتظمة بين حميدتي وقادة الإمارات، بمن فيهم منصور بن زايد آل نهيان، نائب الرئيس الإماراتي، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، 29 يونيو 2025.

وصرح مسؤولون للصحيفة بأن وكالات الاستخبارات الأميركية، باستخدام عمليات التنصت على المكالمات الهاتفية، خلصت إلى أن حميدتي يتمتع بعلاقة مباشرة مع اثنين من قادة الإمارات، الشيخ محمد والشيخ منصور. 

كما حددت هوية مسؤول إماراتي نسق شبكة من الشركات الوهمية التي ساعدت في تمويل وتسليح ميليشيا حميدتي، عبر قاعدة جوية في تشاد، وتحت ستار مستشفى ميداني بتمويل من جمعيتين خيريتين.

وقالت "نيويورك تايمز": "لاحظ المسؤولون الأميركيون أن الشيخ منصور كان يتحدث أيضا بانتظام مع حفتر، ويدير العلاقة بهدوء، وأن الإماراتيين يراهنون بأموالهم على حفتر، لذا تدفقت الأسلحة الإماراتية إلى ليبيا، وأيضا حميدتي.

وأضافت: هذا الأمير الإماراتي لعب دورا محوريا في جهود تسليح قوات حميدتي، ما أدى إلى تأجيج صراع مدمر أدى إلى مجاعة وأكبر أزمة إنسانية في العالم. مشيرة إلى أن "الشيخ منصور دلل أمراء الحرب والحكام المستبدين كجزء من حملة إماراتية شاملة للاستحواذ على الموانئ والمعادن الإستراتيجية ومواجهة الحركات الإسلامية وترسيخ مكانة الدولة الخليجية كقوة إقليمية مهمة".

وشرحت "نيويورك تايمز" كيف أن الربيع العربي عام 2011 كان نقطة تحول لعائلة آل نهيان، وخشي الإماراتيون من صعود الإسلاميين بعد سقوط الحكام المستبدين، وأخبر الشيخ محمد بن زايد المسؤولين الغربيين بمخاوفه من سيطرة الإسلاميين وتعهد بوقفهم في مسارهم. 

لذا تدخلت الإمارات في مصر واليمن وليبيا، وكان هذا من خلال دعم السيطرة العسكرية أو تمويل المتمردين وعقد تحالفات مع أمراء حرب.

ومن هنا جاء دور "منصور"، وتوليه دعم قوات حميدتي في السودان للاستيلاء على موانئ وذهب السودان، ومحاربة الجيش الذي تزعم أبو ظبي أنه يسيطر عليه الإسلاميون.