معضلة مياه نهر اليرموك.. تقرب الأردن من الإدارة السورية الجديدة أم تبعده؟

مصعب المجبل | منذ ٩ ساعات

12

طباعة

مشاركة

مع انفتاحه على الإدارة السورية الجديدة عقب سقوط نظام بشار الأسد، يبدو أن الأردن يتطلع إلى تحسين حصته من نهر اليرموك عبر اتفاقيات جديدة.

إذ أعلنت وزارة المياه والري الأردنية عن توقيع محضر يضمن توزيعًا عادلا لحصص المياه بين الأردن وسوريا في حوض مياه اليرموك، وذلك خلال انطلاق اجتماعات اللجنة الفنية الأردنية السورية في 7 يوليو/ تموز 2025.

ورغم مرور نحو 37 عاما على توقيع الأردن وسوريا اتفاقية استثمار وتنظيم تقاسم مياه نهر اليرموك عام 1987 فإن سقوط نظام الأسد أعاد الاتفاقية إلى الواجهة مجددا، نظرا لعدم التزام النظام ببنودها رغم حاجة الأردن الملحة لمياه نهر اليرموك.

ونهر اليرموك أحد أكبر روافد نهر الأردن الذي يبلغ طوله 57 كيلومترا، منها 47 كيلومترا داخل الأراضي السورية، والبقية تقع في المناطق الحدودية الشمالية الأردنية الفلسطينية.

"تعطيل الاتفاقية"

وعقد الاجتماع على الجانب الأردني من سد الوحدة بين الأردن وسوريا برئاسة المهندس هشام الحيصة أمين عام سلطة وادي الأردن رئيس اللجنة الأردنية والمهندس أسامة أبو زيد معاون وزير الطاقة لشؤون الموارد المائية لبحث القضايا المائية المشتركة.

واتفق الجانبان على الوقوف على واقع الآبار المحفورة في الجنوب السوري وعدد السدود واتخاذ ما يلزم من إجراءات بخصوص ما تم حفره بما يضمن مصالح الطرفين بشكل عادل.

وكذلك تركيب أجهزة قياس ورصد مائية في حوض اليرموك لتبادل المعلومات بين الجانبين بشكل مستمر والبدء بإعداد دراسة للاستمطار في الحوض تقدمة من الأردن لضمان عدالة توزيع الكميات بين الجانبين بشكل دائم.

ومن ضمن الاتفاق الجديد بين دمشق وعمّان، أن يعمل الجانب السوري على إمكانية تزويد الأردن بكميات مياه إضافية خلال الصيف لسد العجز في مياه الشرب.

وفي عام 1987 وقعت سوريا والأردن اتفاقية حول استثمار مياه نهر اليرموك، والناصة على حق الأردن بالحصول على نحو 200 مليون متر مكعب من المياه، وبناء سد "الوحدة" (انتهى تنفيذه عام 2007) بذات السعة تقريبا لهذه الغاية.

إلا أنه منذ زمن نظام الأسد المخلوع، فإن الاتفاقية مع الأردن بشأن استثمار نهر اليرموك "لم تحدد حصة ملزمة" للأردن.

وتضمن آنذاك الاتفاق الحصول على المياه الإضافية والطاقة الكهرومائية التي يحتاجها البلدان عن طريق إنشاء سد "الوحدة"، والذي يشمل سدا يعد لجمع مياه النهر.

وكذلك خزان مقام على نهر اليرموك في الأراضي الأردنية السورية وعلى مقربة من محطة "المقارن" في سوريا، وهذه المياه معدة لتوليد القوة الكهربائية وإرواء الأراضي الأردنية وأيضا السورية المحاذية لمجرى النهر حتى منسوب 200 متر فوق سطح البحر.

ويبلغ طول نهر اليرموك 57 كم، منه 47 كم داخل الأراضي السورية، وهو ينبع من بحيرة مزيريب في محافظة درعا، ثم يسير ليشكل جزءا من الحدود السورية الأردنية، وهو أحد ثلاثة روافد لنهر الأردن بين بحيرة طبرية والبحر الميت.

والنهران الآخران يصبان في نهر الأردن إلى الجنوب من نهر اليرموك وهما نهر الزرقاء وعرنون ووادي مجيب.

وكان نهر اليرموك يزود الأردن بحوالي 185 مليون متر مكعب من المياه سنويا حتى عام 1994، ثم بدأت هذه الكميات بالتناقص حتى وصلت إلى أقل من 60 مليون متر مكعب سنويا.

قبل أن يتراوح حجم التخزين في سد الوحدة 14 مليون متر مكعب عام 2012، ما ضاعف العجز المائي في المملكة.

وبدأت فكرة سد "الوحدة" بهدف تخزين مياه اليرموك شتاء، منذ عام 1964، ليكون مشروعا عربيا يتيح للأردن وسوريا الاستفادة من تدفقات مياه اليرموك، وبالتالي حصول الأردن على حصته من المياه.

"الاستهلاك المخالف"

وسبق أن قالت وزارة المياه والري الأردنية في 31 يناير/كانون الثاني 2022، إن هناك مقتضيات لتعديل بنود الاتفاقية المذكور آنفا بما يتلاءم مع التوقعات المحتملة للتغير المناخي.

ويتهم الأردن نظام بشار الأسد المخلوع بعدم التزام الأخير بحصة الأردن من مياه نهر اليرموك منذ توقيع الاتفاقية، والمخصصة لأغراض الزراعة، وتأثير ذلك على إنتاجية القطاع الزراعي في منطقة وادي الأردن.

كما يتهمه بزيادة عدد السدود والحفائر في جانبه بشكل يتجاوز الاتفاقية، وتسبب في تراجع كميات المياه التي تصل إلى السد.

والأردن أصبح أفقر بلد في العالم من حيث الوضع المائي، فالأرقام العالمية تتحدث عن أن البلد الذي يستهلك الفرد الواحد فيه 500م 3 سنويا، هو بلد فقير، فيما تصل حصة المواطن من المياه لـ 61 م3، وأي منزل في الأردن تصله المياه ليوم واحد في الأسبوع جراء نقص المياه.

كذلك يفتقر الأردن كثيرا للمياه السطحية، كالبحيرات والبحار والأنهار، وأقرب مصدر مياه سطحية هو في البحر الأحمر، رغم الكثافة السكانية تتجمع في مناطق الشمال والوسط، ما يتطلب تحلية مياه البحر الأحمر (خليج العقبة) ونقلها إلى القطاعات الصناعية والزراعية والسكانية.

وحوض مياه مشترك بين سوريا والأردن حيث تنبثق معظم المياه من الأراضي السورية، ثم تجري المياه في نهر اليرموك؛ حيث تحصل إسرائيل على كثير من المياه في أسفل مجرى النهر.

ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تعبّر عن جدية واضحة من قبل الجارتين، لإيجاد حلول للقضايا العالقة بينهما، وأنه سينعكس إيجاباً على الواقع المائي في الأردن.

وضمن هذه الجزئية، قال الخبير المائي والزراعي السوري عادل الأسمر:  إن "الخلاف بين الأردن وسوريا على مياه نهر اليرموك بقي ملفا شائكا دون حل زمن نظام بشار الأسد المخلوع، ويرجع ذلك لاتساع الخلافات السياسية عقب اندلاع الثورة عام 2011".

وأضاف الأسمر لـ"الاستقلال"، أن "نظام الأسد سمح ببناء 50 سدا على مجرى اليرموك وروافده في الجنوب السوري، مما أدى إلى تقليل كميات المياه المتدفقة إلى الأردن".

وأردف "هذه السدود هي نقطة الخلاف التي يسعى الأردن اليوم إلى حلها عبر إلزام سوريا بتطبيق اتفاقية عام 1987 بشأن حصتها من المياه".

 ونوه الأسمر إلى أن "نظام الأسد بخرق الاتفاقية والاستهلاك المخالف كان يحقق عوائد مادية عبر سماحه بفتح آبار لتطوير مشاريع زراعية خاصة بشخصيات نافذة في سوريا منذ عقود، وهذا أثر على حصة الأردن من المياه الجوفية والسطحية".

ورأى الأسمر أن المملكة الأردنية تسعى إلى "تفعيل الاتفاقية بشكل منصف؛ لأنها لا تحصل من مياه اليرموك إلا على أقل من 50 مليون م3 من أصل 600 مليون حددت سابقا ضمن الاتفاقية وهذا ما ينعكس على نقص المياه في المدن الأردنية، خاصة العاصمة عمّان".

وذهب للقول "لهذا فإن تفعيل الاتفاقية أو وتجديدها أو وضع شروط جديدة مع الجانب السوري أو بحث مشاريع مشتركة بين البلدين تقود في نهاية المطاف لعودة المياه إلى النسبة المحددة في الاتفاقية مما سيوفر على الأردن مليارات الدولارات لإقامة مشاريع كبرى لتأمين المياه".

"إسرائيل المستفيدة"

وعقب سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، بدت هناك رغبة أردنية في الانفتاح الاقتصادي مع سوريا التي تتلمس خطوات الانتعاش من جديد في ظل بنية تحتية مدمرة وعجز كبير في إمدادات الطاقة، جاءت عقب بناء علاقة سياسية جديدة بين عمّان ودمشق.

إذ استقبل العاهل الأردني عبد الله الثاني، الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في 26 فبراير/شباط 2025 في العاصمة عمان، وبحثا أمن الحدود بين البلدين والحد من تهريب الأسلحة والمخدرات، وتهيئة الظروف من أجل عودة اللاجئين السوريين، وفق ما أفاد بيان للديوان الملكي.

وسبق ذلك زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، إلى العاصمة عمّان في 7 يناير/كانون الثاني 2025؛ حيث بحث مع نظيره الأردني أيمن الصفدي موضوع الحدود بين البلدين ومخاطر تهريب المخدرات والسلاح والإرهاب وتهديدات تنظيم الدولة.

وأعلن الوزيران حينها أنه سيجرى تشكيل لجان مشتركة بين البلدين في مجالات الطاقة والصحة والتجارة والمياه.

وكان الوزير الأردني أيمن الصفدي، أول مسؤول عربي يزور دمشق في 23 ديسمبر 2024 عقب سقوط الأسد؛ حيث التقى الشرع حينها في القصر الجمهوري، وأكد بعدها استعداد بلاده للمساعدة في إعمار سوريا.

وأمام هذا الحراك الدبلوماسي والاقتصادي يسعى الأردن في الوقت الراهن، إلى الحصول على حصص متساوية مع الجانب السوري من المياه، في ظل الفقر المائي الذي تعاني منه المملكة؛ إذ إن ملف المياه بين سوريا والأردن، طرح منذ بداية التقارب الأردني مع القيادة السورية الجديدة عقب سقوط الأسد.

ولهذا تؤكد المصادر أن الجانبين الأردني والسوري سيعملان على تطوير حوض اليرموك بشكل يخدم مصالح البلدين، وسيسبق ذلك عقد اللجان الفنية بين البلدين مباحثات مكثفة لردم الآبار المخالفة في الجانب السوري.

وخاصة أنه في الأردن 60 بالمئة من المياه تذهب إلى الزراعة، الأمر الذي يؤثر على أسعار المحاصيل، الأمر الذي يدعو إلى استخدام التقنيات الحديثة في الزراعة والابتعاد عن المزروعات التي تستهلك المياه والاتجاه هنا نحو الاستيراد لبعض المنتجات الزراعية.

وضمن هذا السياق، قال دريد محاسنة، رئيس جمعية إدامة للطاقة والمياه والبيئة بالأردن: إن "الاتفاق الموقع بين سوريا والأردن عام 1987 حول التعامل مع المياه، وألا تتجاوز السدود داخل سوريا 27 سدا، وعدد الآبار ممكن للسوريين حفرها لكن كان هناك تجاوزات من قبل سوريا".

وأضاف محاسنة في تصريحات تلفزيونية لقناة المملكة: إنه "من أجل الحفاظ على الحقوق الأردنية من المياه جرى إقامة سد الوحدة، لكن لم تصل المياه إلى نحو جيد بسبب سرقة نظام الأسد حصة الأردن من المياه".

وأشار محاسنة إلى أن "القوات الإسرائيلية إذا وصلت إلى سد الوحدة، فإن هذا يعني أن إسرائيل يمكنها منع المياه عن الأردن، ولذلك فإن عدم نجاح الاتفاق الأردني السوري الجديد سيضطر الأردن لشراء المياه من إسرائيل والتوسع في الشراء مستقبلا".

وأردف محاسنة قائلا: "المعضلة الكبرى تتمثل في عدم وصول المياه إلى سد الوحدة من سوريا، ما يعني أن الأردن أصبح لديه مشكلة في أمن الموارد التي تشمل المياه والطاقة، لكن في المياه لا يوجد بدائل".

ونوه محاسنة إلى أن "إسرائيل في أول الحرب على غزة قطعت المياه عن القطاع، ومن هنا تكمن أهمية الاتفاق السوري الأردني بشأن المياه".

ورأى محاسنة أن "دور الأردن هو مساعدة سوريا على التحكم بالمياه، خاصة أن ربط المياه والطاقة أمر مهم لتسهيل عمليات تدفق المياه بالحصص التي تنص عليها اتفاقية عام 1987".

ولفت محاسنة إلى أن "تحديد عدد السدود والآبار الخاصة التي جرى إقامتها في الجانب السوري لأغراض شخصية، وهذا يحتاج لتعاون فني سوري أردني".

وذهب محاسنة للقول: "حل قضية المياه وملء سد الوحدة طبقا لما هو وارد في الاتفاقية يحتاج لسنوات، لكن البدء بأول خطوة في حل المشكلة هو الأساس للوصول إلى انسيابية المياه، مع طرح ملف اللاجئين السوريين الذين يقيمون في الأردن منذ عام 2011".

وتعد المملكة الأردنية من بين الدول العربية الأكثر استقبالا للسوريين الذين فروا من هجمات قوات النظام على مدنهم، بعدد بلغ 1.3 مليون، نصفهم يحملون صفة لاجئ.

وختم محاسنة بالقول "تقديم الأردن الطاقة بتمويل خارجي إلى سوريا في هذه المرحلة مهم ضمن إطار تفعيل اتفاقية المياه، خاصة أن الأردن لديه خبرة فنية في هذا الأمر".