عبر المخدرات.. هكذا تحاول إسرائيل تجنيد عملاء بغزة وخلق مجتمع مدمن

خالد كريزم | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بعد أسابيع من الانتظار، صُدمت الغزية همسات خليل (31 عاما) بالعثور على حبوب مجهولة داخل كيس طحين (دقيق) حصلت عليه بصعوبة مما تُسمى "مؤسسة غزة الإنسانية".

المجاعة التي يعاني منها قطاع غزة المحاصر حرمت هذه الشابة – كما مئات الآلاف من الغزيين – من أبسط مقومات الحياة، وفي مقدمتها الخبز، لكن المفاجأة كانت في وجود حبوب تبين لاحقا أنها مخدّرة داخل كيس الدقيق.

حبوب مخدرة

وقالت خليل لـ "الاستقلال": إنها حصلت على الدقيق بشق الأنفس من المؤسسة التي تُديرها قوات أميركية وإسرائيلية جنوب القطاع، ونقلته بصعوبة إلى خيمتها في المنطقة الوسطى.

وأشارت إلى أنها تعرضت كآلاف الغزيين لإطلاق نار من القوات نفسها بعد دقائق من تسلمها المساعدة، ما زاد من صدمة التجربة التي انتهت باكتشاف هذه الحبوب الغريبة داخل الكيس.

وأضافت: “ظننت أنني أنقذت أطفالي الثلاثة من الجوع، لكنّي لم أستخدم الطحين بالمطلق بعد مشاهدة الحبوب، ولحسن الحظ أنني وجدتها قبل تناول أي شيء منه”.

ومنذ نهاية يونيو/حزيران 2025، بدأ العديد من الفلسطينيين بنشر صور لحبوب مخدرة وجدوها في أكياس الطحين ما أثار حالة من الفزع والعزوف والتفتيش الدقيق للمساعدات القليلة التي يحصلون عليها من المؤسسة.

ويعاني قطاع غزة من أزمة كارثية منذ أن أغلقت إسرائيل المعابر في 2 مارس/آذار 2025، مانعة دخول الغذاء والدواء والمساعدات، ما أدى إلى تفشي المجاعة.

وأكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة العثور على عدد من الحبوب داخل أكياس دقيق تُوزّعها المؤسسة المذكورة. 

ووثّق المسؤولون أربع شهادات لمدنيين قالوا إنهم  وجدوا الدواء الذي لا يمكن وصفه إلا من خلال طبيب، مخلوطا بالمواد الغذائية.

وأكد المكتب خلال بيان في 27 يونيو "العثور على أقراص مُخدّرة داخل أكياس الطحين القادمة من مصائد الموت، مراكز المساعدات الأميركية-الإسرائيلية، في جريمة بشعة تستهدف صحة المدنيين والنسيج المجتمعي".

ولفت إلى أن هذه الأقراص من نوع أوكسيكودون "Oxycodone"، وتستخدم عادةً لتسكين الآلام المزمنة، لكنها قد تصبح قاتلة إذا أُسيء استخدامها، خاصةً في مجتمعٍ يعاني أصلاً بسبب الحرب والجوع والنزوح. 

فإذا "جرى تناول هذه الحبوب الأفيونية الخطيرة، بجرعات عالية، فإنها تؤدي إلى الإدمان وتعمل على خفض ضغط الدم، ويمكن أن تؤدي إلى توقف التنفس"، وفق ما أخبر طبيبٌ "الاستقلال".

وحذر المكتب الإعلامي الحكومي من احتمال أن تكون بعض هذه المواد المخدرة "قد طُحنت أو أُذيبت بشكل متعمد في الطحين ذاته، ما يرفع من حجم الجريمة ويُحولها إلى اعتداء خطير يستهدف الصحة العامة بشكل مباشر".

وحمل الاحتلال الإسرائيلي "المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة البشعة التي تهدف لنشر الإدمان وتدمير النسيج المجتمعي الفلسطيني من الداخل، ضمن سياسة ممنهجة تشكل امتدادا للإبادة الجماعية التي ينفذها ضد شعبنا الفلسطيني". 

وذكر أن "استخدام الاحتلال المخدرات كوسيلة ناعمة في حرب قذرة ضد المدنيين، واستغلال الحصار لإدخال هذه المواد ضمن مساعدات ومعونات، يُعدّ جريمة حرب وانتهاكاً خطيراً للقانون الدولي الإنساني".

كما حذر "أبناء شعبنا الفلسطيني من الذهاب لهذه المراكز الخطيرة التي تعد مصائد للموت والاستدراج الجماعي"، ودعا إلى تفتيش المواد الغذائية القادمة من هذه المؤسسة "المشبوهة".

وأدّت هذه المراكز، خلال شهر واحد فقط من إنشائها (وحتى 27 يونيو)، إلى استشهاد أكثر من 549 مواطناً، وإصابة ما يزيد على 4 آلاف آخرين، وفقدان العشرات من المُجوّعين المدنيين، في مشهد دموي غير مسبوق في تاريخ العمل الإنساني، وفق بيان المكتب.

وعاد المكتب الإعلامي الحكومي ونشر صورة جديدة  في الثاني من يوليو/تموز تظهر وجود حبوب مخدرة وجدها مواطن فلسطيني في دير البلح وسط القطاع في كيس طحين من المساعدات الأميركية-الإسرائيلية.

نشر الإدمان

وسادت تحذيرات عديدة من نخب وأطباء في غزة من اتجاه الاحتلال بشكل متعمد لتسميم السكان وإثارة الإدمان الجماعي في ظل المجاعة.

وقد نددت منظمات حقوق الإنسان بغياب الرقابة على ما تسمى مؤسسة غزة الإنسانية ودعت إلى تعليق عملها فورًا.

وحذر تحالف من 15 منظمة قانونية وحقوقية من أن عملياتها قد تُشكل تواطؤًا في جرائم بموجب القانون الدولي، بما في ذلك جرائم الحرب والإبادة الجماعية.

ومع تفاقم المجاعة في غزة، أثارت التقارير عن أغذية ملوثة بالمخدرات غضبًا دوليًا وتجددت الدعوات إلى إشراف إنساني مستقل أو أممي بالقطاع.

ومنذ بدء العدوان، سادت تحذيرات أمنية من محاولة إغراق الاحتلال القطاع بالمخدرات لإنتاج شعب مدمن ونشر الفوضى في ظل الصعوبات التي تواجهها حركة المقاومة الإسلامية حماس للسيطرة على القطاع بفعل اغتيال قوى الشرطة والأمن.

وفي مقال نشرته في 6 يوليو 2025، أشارت صحيفة معاريف العبرية إلى محاولة إسرائيل تشكيل مليشيات من تجار المخدرات والمدمنين للعمل على حراسة مراكز توزيع الشركة الأميركية.

وهي إشارة إلى تورط العاملين في المؤسسة والمتعاونين معهم من مليشيات محلية شكلتها إسرائيل أخيرا في غزة بزرع المخدرات.

وإلى جانب دسها في المساعدات الغذائية، لم يتوقف جنود ومستوطنون إسرائيليون منذ بداية العدوان عن محاولة تهريب المخدرات إلى قطاع غزة.

وكان آخرها ما كشفه موقع واللا العبري في مايو/أيار 2025، من أنه “على مدار الشهرين الماضيين، أجرى ضباط من الحرس الجنوبي الإسرائيلي، وشرطة التحقيقات العسكرية تحقيقًا معقدًا وسريًا، تناول تهريب السجائر والمخدرات من الحدود الجنوبية إلى قطاع غزة”.

وقال: إن الشرطة العسكرية داهمت أحد المعابر الحدودية واعتقلت عددا من المشتبه بهم بينهم جنود في الخدمة النظامية ومستوطنون إسرائيليون.

وضُبطت مئات المواد، بما في ذلك السجائر والمخدرات، تقدر قيمتها بمئات الآلاف من الشواقل (العملة الإسرائيلية).

ولم تكن هذه هي المحاولة الأولى، فقد اعتقلت الشرطة والجيش وجهاز الأمن العام “الشاباك” في أوقات سابقة عدة إسرائيليين هربوا مخدرات إلى قطاع غزة عبر الطائرات المسيرة، وفق ذات الموقع.

وقال الناشط الفلسطيني تامر قديح على إكس: “إسرائيل تسعى لإغراق غزة بالمخدرات. عصابات إسرائيلية تعمل على تهريب المخدرات إلى القطاع بواسطة طائرات مسيّرة”.

وأردف: "إسرائيل تستغل الأزمة والمعاناة والحالة النفسية التي يعاني منها سكان القطاع بهدف خلق مجتمع مدمن".

وفي رصد “الاستقلال” لتناول الصحف العبرية لعمليات اعتقال تكررت عدة مرات منذ بداية العدوان، لم تبد مؤسسة الجيش اعتراضا على تهريب المخدرات سوى بذريعة خوفها من “وقوع المسيرات بيد العدو” وإعادة استخدامها ضد إسرائيل.

على سبيل المثال، قدمت لائحة اتهام إلى محكمة بئر السبع المركزية ضد ثلاثة أشخاص هربوا مخدرا خطيرا عبر طائرة مسيرة إلى قطاع غزة بالتعاون مع شخص مصري وذلك مقابل آلاف الدولارات، وفق ما نشرت يديعوت أحرونوت في 19 مايو 2025.

وجاء في طلب احتجازهم: “كان المتهمون، كلٌّ بحسب دوره، شركاء في تصدير المخدر خلال فترة حرب، مع علمهم بأن الكيان المسيطر في قطاع غزة هو حركة حماس، وأن لديها القدرة على استخدام الطائرات المُسيّرة لتنفيذ أعمال إرهابية”، وفق تعبيره.

تعميق الفوضى

ولطالما ربطت حركة حماس قضية تهريب إسرائيل المخدرات بمخطط نشر الفوضى في القطاع وتجنيد عملاء جدد بعد أن منيت بنكسة كبيرة على صعيد العملاء الميدانيين (الجواسيس) خلال العدوان ما دفعها للجوء إلى وسائل غير معهودة.

واتبع جيش الاحتلال وسائل جديدة كان آخرها ما كشفته أجهزة الأمن في غزة من زرع الاحتلال أجهزة تجسس في أكياس الطحين الذي يجري توزيعه ضمن المساعدات الإنسانية على النازحين.

ونشر ناشطون نهاية عام 2024 صورا تظهر وجود أجهزة تعقب (قطع GPS) داخل بعض أكياس الطحين، وبين خيام النازحين ودعوا إلى إتلافها فورا حال العثور عليها.

وأرفقت منصة "الحارس" الأمنية (إعلامية تابعة لأمن المقاومة)، على حسابها في "تلغرام" صورة لجهاز التعقب المذكور، ووجهت دعوة لـ"جميع أبناء شعبنا، تحديدًا المقاومين، إلى ضرورة الانتباه واليقظة ومراعاة إجراءات الأمن الشخصي"، داعية للإبلاغ عن أي سلوكيات أو تحركات مريبة.

وفي 3 يوليو 2025، كشف مسؤول أمني في حماس لقناة الجزيرة عن ضبط عملاء كلفوا بتهريب كميات مخدرات كبيرة من ضباط مخابرات ضمن طاقم المساعدات.

وقال المصدر: إن “المخدرات تستخدم في توريط الشباب لإسقاطهم وربطهم أمنيا وتكليفهم بمهام تجسسية”، مبينا أن “خطة المساعدات الإسرائيلية تنشر الفوضى وتخلق بيئة طاردة للحياة عبر زيادة المعاناة”.

وأكد أن نقاط المساعدات في قطاع غزة تستخدم لتجنيد متخابرين مع الاحتلال والالتقاء بهم، وأن المخابرات الإسرائيلية تنفذ أنشطة أمنية من خلال تلك المراكز.

وأكد المسؤول الأمني أن خطة المساعدات الإسرائيلية تنشر الفوضى وتخلق بيئة طاردة للحياة عبر زيادة المعاناة، وأن الاحتلال يعمل على خلق مشاكل وإطالتها لبروز عصابات إجرامية وتوجيهها لزعزعة الأمن.

وتحدث ناشطون عن محاولة الاحتلال ترغيب الفئة الأكثر ضعفا عبر تزويدها بالمخدرات للعمل معه فضلا عن نشره بين المجتمع، وإنتاج مجتمع متعاون معه يساعده في العثور على أسراه ومعاداة حماس.

وذلك تجنبا لاضطرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإنهاء العدوان والمضي في خطة احتلال قطاع غزة وتهجير سكانه.

وتمثلت آخر حيل الاحتلال لدفع السكان نحو العمل معه ومحاربة المقاومة، اللجوء إلى السجائر التي انقطعت بالكامل بعد وقت قصير من بدء العدوان.

ففي أغسطس/آب 2024، فوجئ سكان خان يونس جنوبي قطاع غزة، بإلقاء قوات الاحتلال منشورات تحرض على المقاومة، مستهدفة المدخنين.

إذ ألصقت سيجارة واحدة بكل منشور، ومعها رقم هاتف وعبارة "في حال أردت المزيد من السجائر، اتصل على الرقم".

وجاء في المنشورات التي أسقطت على المواطنين: “التدخين خطير، لكن حماس أكثر خطورة”، وفق تعبيره. 

ولجأ الاحتلال إلى هذه الحيلة لتجنيد العملاء بعد أن وصل سعر السيجارة الواحدة إلى أكثر من 30 دولارا مع صعوبة توفيرها.

واستهزأ الناشط سلامة العجرمي وقتها بالمنشورات قائلا إن “إسرائيل تعتقد أن المدخن يمكن أن يصبح عميلًا بسبب حاجته للسجائر نتيجة انقطاعها، في محاولة لاستهداف طبقة مجتمعية تعتقد أنها الأضعف حاليا، ولكن ستثبت الأيام أنها ستفشل كما فشلت سابقا”.

ولم يكن مفاجئا أن ياسر أبو شباب الذي يتزعم مليشيا مدعومة من إسرائيل جنوب قطاع غزة، هو نفسه لص ومهرب مخدرات.

وأبو شَبّاب (32 عاما) من سكان رفح ينحدر من عشيرة الترابين البدوية التي تمتد جذورها في جنوب غزة وسيناء وصحراء النقب. 

وقالت وسائل إعلام عبرية إنه متورط في شبكات تهريب مخدرات بين غزة وسيناء فضلا عن نهبه شاحنات مساعدات تابعة للأمم المتحدة وإعادة بيعها منذ عام 2024.

وفي 5 يونيو/حزيران 2025 أقرّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للمرة الأولى بأن حكومته تدعم هذه العصابة بالسلاح، مبررًا ذلك باستخدامها ضد حركة حماس في قطاع غزة.