صحيفة إسبانية تتساءل: كيف تحولت سوريا من دولة منبوذة إلى مدللة من الجميع؟

في غضون ستة أشهر فقط، تحولت سوريا من بلد منبوذ بسبب غياب أبسط الحقوق والحريات إلى "بلد مدلل" من الغرب وبلدان الخليج وتركيا.
وقالت صحيفة "الكونفدنسيال" الإسبانية: إن سوريا الجديدة “تُعيد تشكيل نفسها بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024".
وبين القوانين الصارمة في الأماكن العامة والتخفيف من شدتها في المنتجعات الخاصة، تتجه دمشق تدريجيا، مع بدء تدفق الاستثمارات الخليجية، نحو اتباع النموذج الاقتصادي والاجتماعي لممالك الخليج العربي.

عصفوران بحجر
وقالت الصحيفة: “في الواقع، ورثت الحكومة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، منذ لحظاتها الأولى دولة أنهكتها العقوبات الدولية، يعود بعضها إلى ما قبل حرب 2011”.
وأضافت أن “العقوبات المفروضة على مدى العقد الماضي لم تقتصر على معاقبة سوريا فحسب، بل نالت أيضا أي كيان متورط في معاملات مع اقتصادها”.
فعلى مدى عشر سنوات، اقتصر الاستثمار الأجنبي تقريبا على روسيا وإيران والتهريب من دول أخرى.
وفي غضون ما يزيد قليلا عن نصف عام، تحولت سوريا من بلد كان يعاقب فيه مجرد التلفظ بكلمة "دولار" بالسجن إلى بلد مدلل من الجميع، تقول صحيفة “الكونفدنسيال”.
وقد جلبت هذه الأشهر السبعة من التحول شيوخا إماراتيين إلى دمشق سعيا لإنشاء ناطحات سحاب هناك، وأول معاملة سويفت منذ 14 سنة، ووفودا تركية وعربية وغربية راغبة في ضرب عصفورين بحجر واحد.
الأول، الاستفادة من إعادة إعمار البنية التحتية للبلاد، والثاني، التمركز في سوريا الجديدة خدمة للأولويات الجيوستراتيجية لهذه الدول.
فرصة جديدة
وترى الصحيفة أنه “بالنسبة لأنقرة، يعني التموضع في سوريا الجديدة التأثير على الاقتصاد وضمان عودة اللاجئين؛ أما بالنسبة لأبو ظبي والدوحة والرياض، فيعني ذلك تنويعا في اقتصاداتها بعيدا عن النفط”.
وأضافت “بالنسبة للجميع، يعني كسب مكانة في سوريا الشرع منع إيران وروسيا من الاقتراب مجددا من هذا الجسر الذي يربط شبه الجزيرة العربية وتركيا والبحر الأبيض المتوسط”.
ونقلت الصحيفة أن هذه الجهات “أحرزت بالفعل تقدما أوليا كبيرا”.
فقد وقّع تحالف الشركات التركية القطرية "يو سي سي هولدينغ" عقدا بقيمة سبعة مليارات دولار نهاية مايو/ أيار 2025، لتزويد سوريا بأكثر من نصف ميغاواط من الكهرباء اللازمة للبلاد بأكملها.
كما جمعت دمشق حوالي 1.5 مليار دولار من فرنسا والإمارات لتطوير ميناءي طرطوس واللاذقية على البحر الأبيض المتوسط.
وقد سددت السعودية وقطر بالفعل كامل الدين العام للبلاد -أكثر من 15 مليار دولار- وضختا أموالا في الدولة السورية لدفع رواتب الموظفين الحكوميين.
وأضافت الصحيفة أن "جيران سوريا الرأسماليين أعربوا للرئيس الأميركي دونالد ترامب عن حماسهم للعهد الجديد في البلاد، لدرجة أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان التقى بترامب والشرع في الرياض خلال مايو".
وتابعت: "كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الهاتف، وخلال ذلك المؤتمر الصحفي، أعلن قطب نيويورك عن أفضل خبر تلقته سوريا منذ سقوط النظام: ألا وهو رفع العقوبات لمنح سوريا الجديدة فرصة".
إعادة تموضع
وبحسب أرتورو بريس، مدير مركز التنافسية العالمية، التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية، فإن الأمر "لا يقتصر على انتعاش الاقتصاد السوري فحسب، ما نشهده هو دليل على إعادة تموضع جيوسياسي أعمق، يدمج البلاد في تكتل غربي موال للخليج، ويُعمّق ضعف النفوذين الروسي والإيراني".
وشرح بنيامين فيف، كبير محللي الأبحاث في شركة "كرم شعار أدفايزوري"، وهي شركة استشارية متخصصة في الاقتصاد السياسي للبلاد، لصحيفة "الكونفيدنسيال"، أن "سوريا تتجه نحو رأسمالية ليبرالية، ولكن أيضا إسلامية، إنها تحاول دمج هذه العناصر المختلفة في نظامها الجديد".
وأشار فيف إلى أنه "بالنسبة للمستثمرين يكفي أن تكون بعض الجوانب تحت السيطرة: الليرة السورية، والأمن، وخلايا تنظيم الدولة، وبقايا النظام السابق".
عموما، قد تنشأ توترات من الحكومات، خاصة الغربية، التي ستفرض مطالب سياسية على السلطات السورية، لا سيما فيما يتعلق بالأقليات الدينية في البلاد.
وأوضح فيف، بعد أن ألغى الاتحاد الأوروبي بعض العقوبات وأعلن عن حزمة مساعدات بقيمة 175 مليون يورو لإنعاش الاقتصاد السوري، أنه "يمكننا توقع تغيير في سياسة الولايات المتحدة وأوروبا إذا استمرت النزاعات المسلحة بين الحكومة والأقليات أو إذا غاب تمثيل الأقليات في المؤسسات".
في المقابل، يبدو أن أولوية إدارة ترامب في البلاد تتمثل في هدف آخر في الوقت الحالي: إقناع حكومة الشرع بالتوصل إلى اتفاق أمني مع إسرائيل، وربما ضم سوريا إلى اتفاقيات أبراهام.
وأفادت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" بأن الكيان المحتل ودمشق في مرحلة "متقدمة" من التفاوض على اتفاق ثنائي لإنهاء الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية منذ سقوط الأسد.
وصرح مسؤول عسكري كبير للصحيفة العبرية قائلا: "هناك طموح واضح لتوسيع اتفاقيات أبراهام، وليس سرا أننا نريد أن نرى سوريا فيها".
وأضاف فيف: "قد يكون هذا مطلبا بالغ الأهمية بالنسبة لواشنطن، التي تقود المحادثات".