الفشل المتواصل للمعارضة أمام العدالة والتنمية.. ما تداعياته على تركيا؟

منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تواصل الخلافات الداخلية الهيمنة على أجندة الأحزاب التركية المعارضة، وفي مقدمتها حزب الشعب الجمهوري، الذي فشل في إزاحة الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية عن الحكم منذ نحو 25 عاما.

وفي السياق، نشر مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية “سيتا” التركي، مقالا للكاتب "نبي ميش"، سلط فيه الضوء على إخفاق المعارضة التركية في تقديم سياسات بديلة وواقعية، مما أدى إلى فقدان الثقة المجتمعية بها.

أزمة عميقة

وفي مستهل مقاله، يقول الكاتب التركي: إن المعارضة تلعب دورا حيويا في أي نظام ديمقراطي، فهي الصوت البديل والرقابة الأساسية على أداء السلطة، كما تمثل المصدر الرئيس للسياسات البديلة التي تسهم في دفع عجلة التطور السياسي والاجتماعي. 

ومع ذلك، تكشف الحالة الراهنة للمعارضة في تركيا، خاصة خلال الفترة الأخيرة، عن أزمة عميقة تتجاوز مجرد الخلافات الحزبية أو الهزائم الانتخابية، لتصبح أزمة بنيوية تعيق قدرتها على أداء دورها الحيوي.

فغالبا ما تعلن أحزاب المعارضة في تركيا، وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري، عن قوائم بمشكلات البلاد الكبرى من الاقتصاد إلى الحريات ومن العدالة إلى التعليم. 

لكنها في مفارقة لافتة لا تدرج نفسها ضمن هذه المشكلات، رغم أن عجزها عن تقديم بدائل واقعية ومقنعة يُعد من بين الأسباب الجوهرية لحالة الركود السياسي، وتآكل الثقة العامة في المؤسسات السياسية.

ومن أبرز مظاهر هذا الضعف غياب القدرة على إنتاج سياسات بديلة متكاملة وجذابة للجمهور؛ حيث اكتفت المعارضة لفترة طويلة بالاعتراض والردود الانفعالية دون تقديم برامج أو رؤى طويلة الأمد. 

فراغ كبير

وهذا الفراغ أتاح المجال لهيمنة الخطاب الشعبوي الذي يحول الشكاوى اليومية إلى مطالب غير واقعية، ما يكرّس حالة عدم الاستقرار السياسي ويحد من فرص الحلول المستدامة.

وتعد قضية “المتقاعدين المبكرين” مثالا واضحا على هذا المسار. فبدلا من نقاش مستفيض حول جدوى السياسة الاجتماعية والمالية المستدامة، دخلت القضية فجأة إلى الأجندة السياسية تحت ضغط المطالب الشعبية والمزايدات بين الأحزاب، ما اضطر الحكومة في النهاية إلى اتخاذ خطوات مكلفة وغير مخططة. 

وبذلك فإنّ هذا يعكس خللا في الأداء السياسي للمعارضة التي كان يفترض أن تكون مصدر التوازن والعقلانية، لا طرفا في التهييج.

علاوة على ذلك، فإن المعارضة التي طالما انتقدت الفساد والمحسوبية في مؤسسات الدولة، وجدت نفسها غير قادرة على معالجة هذه الظواهر داخل مؤسساتها الخاصة. 

حيث تفاقمت مشاكل سوء الإدارة في البلديات التي تديرها، بما في ذلك تأخر دفع رواتب الموظفين، وهو الأمر الذي أثر سلبا على مصداقية الخطاب السياسي المعارض وأظهر تناقضا بين القول والفعل.

كما أثرت اتهامات الفساد داخل حزب الشعب الجمهوري، سواء المتعلقة بالمؤتمر الحزبي الأخير أو ملف بلدية إسطنبول الكبرى، بشكل كبير على صورة الحزب. 

وقد أدى عدم قدرة الحزب على تقديم ردود شفافة وقاطعة على هذه الاتهامات إلى تجميد العديد من النشاطات الحزبية، وأضعف ثقة القاعدة الشعبية في قيادته.

مكمل لا منافس

وهذه الأزمات لا تقتصر على حزب الشعب الجمهوري فقط. فإنّ الأحزاب الأخرى المعارضة، والتي شكلت تحالفات معه خلال السنوات الأخيرة، استفادت من ريع البلديات التي يديرها، ما جعلها غير قادرة على انتقاده أو الانفصال عنه. 

وهكذا وجدت نفسها في موقع تابع، تردد خطاب الحزب الأكبر دون أن تقدم بديلا حقيقيا، مما أفقدها القدرة على التميّز السياسي، وحصرها في دور المكمّل، لا المنافس.

والأثر الأبرز لهذه الأزمة هو تصاعد الإحباط لدى قاعدة المعارضة الشعبية، خاصة بين الشباب والمثقفين، الذين بدأوا ينظرون إلى أحزاب المعارضة كجزء من المنظومة السياسية القائمة، لا كبديل عنها.

وهو ما أسهم في تآكل الثقة بالعملية الديمقراطية وأثار مخاطر الانغلاق السياسي وانتشار التشاؤم.

لذلك، فإن معالجة هذه الأزمة تتطلب من المعارضة، وبشكل خاص حزب الشعب الجمهوري، إجراء مراجعات داخلية شاملة تشمل مواجهة القضايا القضائية بموضوعية وشفافية، وتنقية صفوفها من العناصر المشتبه في تورطها، بالإضافة إلى إعادة بناء هياكل قيادية كفؤة وقادرة على استعادة ثقة الجمهور.

كما يجب على بقية الأحزاب المعارضة كسر التبعية السياسية والتوجه نحو صياغة خطاب مستقل، يجمع بين نقد الحكومة وانتقاد حلفائها بشكل بناء، وذلك لتوسيع قاعدة دعمها وكسب شرعية أوسع.

تحديات داخلية وخارجية

ولا يمكن عزل هذه الأزمة عن السياق السياسي العام الذي يمر بتحديات داخلية وخارجية متشابكة، ما يفرض على المعارضة ضرورة تطوير أدوات تحليلية وإستراتيجيات جديدة تُمكنها من التعامل مع قضايا مثل الاقتصاد، وحرية الإعلام، والسياسة الخارجية بكفاءة وواقعية.

كما يلزم أن تعمل المعارضة على توطيد علاقاتها مع المجتمع المدني والمؤسسات الفكرية والثقافية، وذلك لاستقطاب كوادر جديدة وأفكار مبتكرة، والانتقال من خطاب تقليدي إلى سياسة منفتحة وشفافة تتواصل بفعالية مع شرائح المجتمع كافة.

وأشار الكاتب إلى أن تجديد كوادر المعارضة بفتح المجال أمام الشباب وقيادات جديدة يمثل خطوة حاسمة لاستعادة الحيوية السياسية، وتعزيز القدرة على استشراف المستقبل، وتلبية تطلعات الأجيال الشابة التي تمثل غالبية السكان.

وختم مقاله قائلا: لا يقتصر دور المعارضة على النقد أو الاعتراض فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى مسؤولية بناء سياسات وحلول تسهم في استقرار وتقدم البلاد. 

ومن دون وجود معارضة قوية وفعالة، لن يتمكن أي نظام سياسي من تحقيق التوازن السياسي وحماية مكتسبات الديمقراطية، لذا يظل الإصلاح الجذري داخل المعارضة شرطا أساسيا لمستقبل تركيا السياسي والاجتماعي.