حال سقوطه.. هل تصبح فنزويلا "ملجأ" لقادة نظام الملالي في إيران؟

"بقدر ما أن العلاقات بين كاراكاس وواشنطن متدهورة، فإن الروابط بين فنزويلا وطهران متينة للغاية"
لم يمض وقت طويل بعد العدوان العسكري الذي نفذته الولايات المتحدة وإسرائيل ضد إيران، حتى أصدرت الحكومة الفنزويلية بيانا أعلنت فيه إدانتها له وطالبت بـ "الوقف الفوري للأعمال العدائية ضد طهران".
وفي السياق، تحرض صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية ضد فنزويلا، قائلة: إن هذا "لم يكن موقفا مفاجئا"، وعزت ذلك إلى "العداء الشديد الذي يكنّه نظام نيكولاس مادورو منذ عقود لـ (الإمبرياليين في واشنطن)".
ففي العاصمة الأميركية، كانت العداوة متبادلة إلى درجة أن الحكومة الأميركية أعلنت عن مكافأة مالية قدرها 25 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقال الرئيس الفنزويلي، الذي تصفه بـ "الديكتاتور".
ومع ذلك، تقدر الصحيفة أن "هناك سببا آخر وراء الإدانة القوية للهجوم الأميركي على إيران".
قواسم مشتركة
وأشارت إلى أنه "بقدر ما أن العلاقات بين كاراكاس وواشنطن متدهورة، فإن الروابط بين فنزويلا وطهران متينة للغاية".
وتابعت: "فرغم المسافة التي تفصل بين البلدين والتي تقدر بنحو 12 ألف كيلومتر، فضلا عن الحواجز اللغوية والدينية والثقافية؛ فإن هناك قواسم مشتركة تجمع بين الطرفين، بدءا من الثروة النفطية، وصولا إلى العداء المشترك تجاه الولايات المتحدة".
وأضافت: "علاوة على ذلك، عمل البلدان معا في السنوات الأخيرة على التحايل على العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن".
"فحين انهار إنتاج النفط في فنزويلا بشكل شبه كامل بعد سنوات من سوء الإدارة الاقتصادية ونقص الموارد، وشارفت محطات الوقود على النفاد، أرسلت إيران في مطلع عام 2020 عددا من الناقلات المحملة بالوقود"، تقول الصحيفة.
وأردفت: "يُعتقد أن فنزويلا قدمت مقابل ذلك عدة أطنان من الذهب، بالإضافة إلى منح إيران امتيازات خاصة في السوق المحلية".
"واليوم، تستأجر إيران أراضي زراعية في فنزويلا، وتبيع سيارات، وتدير متاجر تبيع للمستهلكين في أميركا الجنوبية منتجات إيرانية، مثل العسل الإيراني والسجاد الفارسي منخفض التكلفة"، وفقا للصحيفة.

تقارب أيديولوجي
وترى أن "هذه العلاقات الوثيقة ثمرة لحملة جذب دبلوماسية طويلة الأمد نفذتها إيران في المنطقة، امتدت لأكثر من عقدين من الزمن".
وتابعت: "ففي تلك الفترة، كان النظام في طهران يرزح تحت وطأة سلسلة متواصلة من العقوبات الأميركية، في وقت كانت تسعى فيه واشنطن لعزل إيران سياسيا على الساحة الدولية".
هذا الضغط -بحسب مزاعم الصحيفة- دفع قادة طهران إلى "البحث عن حلفاء وشركاء تجاريين جدد، وكانت الوجهة هي أميركا الجنوبية".
حيث "وصلت مطلع الألفية الجديدة عدة حكومات يسارية إلى السلطة، في دول مثل الأرجنتين وبوليفيا والبرازيل والإكوادور وفنزويلا".
ورغم البعد الجغرافي الكبير، أوضحت الصحيفة أن "التقارب الأيديولوجي بين هذه الدول وإيران كان واضحا، خصوصا فيما يتعلق بالموقف من الولايات المتحدة".
فعلى سبيل المثال، كان مرشد الثورة الإيرانية آية الله الخميني يصف الولايات المتحدة دائما بـ "الشيطان الأكبر".
بينما هاجم الرئيس الفنزويلي اليساري السابق هوغو تشافيز نظيره الأميركي جورج بوش الابن خلال كلمة ألقاها في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2006، واصفا إياه بـ "الشيطان".
وأشار تشافيز حينها إلى أنه "قبل ذلك بيوم واحد، كان بوش قد وقف على المنصة نفسها، ولا تزال تفوح منها رائحة الكبريت!".
"وفي السنوات التي تلت ذلك، أقامت طهران علاقات دبلوماسية مع عدد من دول أميركا الجنوبية، أو عززت ما كان قائما منها، وجرت زيارات رسمية متبادلة بين الجانبين، وظهرت علاقات تجارية جديدة"، تقول الصحيفة الألمانية.
وأضافت: "أصبحت البرازيل، على سبيل المثال، أحد أهم الشركاء التجاريين لإيران في المنطقة".
كما "دُشنت خطوط طيران جديدة بين إيران وأميركا الجنوبية، ووفرت طهران قروضا لحكومات وشركات في تلك الدول".
وفي عام 2011، أُعلن عن تأسيس قناة تلفزيونية خاصة، هي "هيسبان تي في" (Hispan TV)، تبث برامجها باللغة الإسبانية حصريا، وتروج لرؤية إيران للعالم.
ولفتت الصحيفة إلى أن "العلاقات لم تنقطع حتى عندما عادت الحكومات المحافظة لتسيطر على الحكم في معظم دول أميركا الجنوبية منتصف العقد الماضي".
وقالت: "حتى في ظل حكم الرئيس اليميني المتطرف جايير بولسونارو، واصلت البرازيل تصدير المنتجات الزراعية والسيارات إلى إيران".

"العلاقة الأقوى"
مع ذلك، تؤكد الصحيفة الألمانية على "أن العلاقات الأقوى في المنطقة اليوم تبقى مع فنزويلا".
واستدلت على ذلك بـ "الشراكة العسكرية القائمة بين البلدين منذ زمن طويل".
مضيفة: "خلال العروض العسكرية التي تُقام في كاراكاس، تُعرض طائرات مسيرة قتالية يرجح بشدة أنها نسخ معدلة من طائرات إيرانية".
كما "يظهر نظام نيكولاس مادورو احتراما خاصا للعسكريين الإيرانيين؛ إذ كان يخطط لتشييد تمثال نصفي لقاسم سليماني -القائد العسكري الإيراني الذي قُتل في غارة أميركية بطائرة مسيّرة في العراق عام 2020- داخل ضريح سيمون بوليفار، بطل فنزويلا القومي الأبرز"، حسب الصحيفة.
وأوضحت أن "كل ذلك التقارب توج بعرض كاراكاس اللجوء السياسي على قادة النظام الإيراني، منذ عدة سنوات".
"ومع أن أيا من كبار المسؤولين في طهران لم يفر إلى أميركا الجنوبية"، كما ذكرت الصحيفة، إلا أنها زعمت أن "بعض القادة اشتروا بالفعل فيلات في فنزويلا، تحسبا لأي طارئ".