صحيفة عبرية تحرض ترامب لضرب "إمبراطورية حزب الله" في إفريقيا.. كيف؟

"لقد حان الوقت لدعم الأقوال بالأفعال"
تواصل إسرائيل وإعلامها الناطق بالإنجليزية تحريض أميركا ضد "حزب الله" اللبناني، مستفيدة من اضطراب السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وفي السياق، سلطت صحيفة “جيروزاليم بوست” الضوء على ما زعمت أنه وجود "حزب الله" اللبناني في إفريقيا، داعية إلى دور أميركي أكبر في تفكيك "الإمبراطورية الاقتصادية" للحزب في القارة السمراء.
"إمبراطورية اقتصادية"
وفي مقال نشرته الصحيفة، قال آشر لوبوتسكي، الباحث الأول في معهد العلاقات الإسرائيلية-الإفريقية، والمحاضر في قسم العلوم السياسية بـ "جامعة هيوستن" الأميركية: "ينبغي على الولايات المتحدة الاستفادة من صورتها العالمية الحازمة -والتي جددتها أخيرا- للتصدي للنفوذ الإيراني في إفريقيا".
وأضاف: "مع استمرار الجهود الدولية لمواجهة حزب الله، يبقى التركيز منصبّا بشكل كبير على الشرق الأوسط، ومع ذلك، تمتد الشبكات المالية للجماعة الإرهابية إلى ما هو أبعد من المنطقة، لتصل إلى العديد من الدول الإفريقية حيث يُتيح ضعف الرقابة والاقتصادات غير الرسمية فرصا للتمويل غير المشروع".
وبحسب المقال، تمتد الشبكات المالية للحزب اللبناني المدعوم من إيران في معظم أنحاء إفريقيا، مغذيةً عملياته في الشرق الأوسط.
وقد ورد ذكر دول، مثل كوت ديفوار وغينيا وسيراليون، في التحقيقات والعقوبات كعناقيد في هذه الشبكة العابرة للحدود الوطنية.
وتُعدّ الكونغو الديمقراطية أحد أبرز معاقل الحزب في إفريقيا، فبدلا من أن تكون ضحيةً للجريمة العابرة للحدود على غير وعي منها، أصبحت بيئةً متساهلة، بل وفي بعض الأحيان، مُيسّرةً صريحةً لإمبراطورية حزب الله الاقتصادية، وفق زعم المقال.
وأضاف لوبوتسكي أن "حزب الله، المُصنَّف منظمةً إرهابيةً، يعتمد على شبكة تمويل عالمية لدعم عملياته العسكرية ونفوذه الإقليمي".
وأكد أنه "لسنوات، لعبت جمهورية الكونغو الديمقراطية دورا هادئا، ولكنه حاسم في هذه المنظومة، من خلال توفير بيئة أعمال فوضوية، ومؤسسات مالية فاسدة، وضعف الإرادة السياسية للتدخل".
وكشفت وزارة الخزانة الأميركية مرارا عن وجود شبكات مالية لحزب الله في الكونغو الديمقراطية، ففي عام 2018، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية عقوبات على عدة أفراد وشركات مقرها في الكونغو، متورطة في جمع عشرات الملايين من الدولارات لصالح الحزب.

وتستخدم هذه الشبكات شركات واجهة، غالبا في قطاعات التعدين والتجارة والبناء، لتقنين المعاملات غير المشروعة.
وبحسب مزاعم المقال، فإن هذه الشبكات تستغل ضعف الالتزام بالمعايير الرقابية في البنوك الكونغولية، وتستفيد بالكامل من تردد كينشاسا في التحقيق مع الفاعلين المرتبطين سياسيا.
ولا يقتصر الأمر على ضعف المؤسسات، بل يتعداه إلى الإهمال، وفي بعض الحالات إلى التسهيل العلني، فقد أظهرت التحقيقات أن مؤسسات مالية في الكونغو الديمقراطية –من بينها بنك "BGFIBank DRC"- سهّلت لممولين تابعين لحزب الله، والمشمولين بالعقوبات، تجاوز القيود وتحويل الأموال على مستوى عالمي.
وقال لوبوتسكي: "تمتد تبعات هذه الأنشطة إلى ما هو أبعد من حدود إفريقيا، فكل دولار يُغسل في كينشاسا يسهم في تمويل تعافي حزب الله من الحرب مع إسرائيل".
وأضاف: "قد يظن قادة الكونغو الديمقراطية أنهم يستفيدون من تدفق الأموال غير المشروعة، لكنهم في الواقع يعززون نفوذ أحد أخطر الفاعلين غير الحكوميين في العالم"، مشيرا أن "هذه ليست مجرد مشكلة كونغولية، بل تهديد أمني عالمي".
دور أميركي مرتقب
وأوضح الباحث أنه "رغم بعض الجهود الأميركية للحد من هذه الأنشطة، لم تواجه الكونغو الديمقراطية أي تبعات حقيقية لدورها في شبكات تمويل حزب الله".
"فقد استمرت في تلقي مئات الملايين من المساعدات الأميركية والدعم الدبلوماسي على مدار السنوات، بالرغم من رفضها اتخاذ أي خطوات ضد ممولي الحزب".
لكن اليوم، برزت فرص جديدة يمكن استغلالها للضغط على كينشاسا لاتخاذ إجراء، فقد أظهرت إدارة ترامب استعدادها لوقف المساعدات عن الدول التي تتحدى المصالح الأميركية، كما توسطت في اتفاق سلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا لإنهاء الأعمال العدائية في شرق البلاد.
وبالتالي، أصبحت الولايات المتحدة تمتلك نفوذا متجددا على كينشاسا، ويجب أن تستغله للمطالبة باتخاذ إجراءات أكبر بشأن أولويات الأمن القومي الأخرى، وفق المقال.
وأشار إلى أن واشنطن تمتلك عدة أدوات تأثير؛ أولها مطالبة الكونغو باتخاذ إجراءات شاملة لمنع أي أفراد أو مؤسسات مرتبطة بحزب الله من العمل على أراضيها.
وأردف بأنه "إذا لم يُتعامل مع هذه المطالب بجدية، فعلى الولايات المتحدة توسيع دائرة العقوبات لتشمل أي جهة كونغولية تسهّل أو تؤوي تدفقات مالية غير مشروعة عن علم".
"كما ينبغي ربط المساعدات الأميركية بتنفيذ إصلاحات قابلة للقياس في مجال مكافحة تمويل الإرهاب"، وفق لوبوتسكي.
وشدد على أنه "ينبغي على الولايات المتحدة أن تُولي هذه القضية اهتماما بالغا في إستراتيجيتها الأوسع لمكافحة الإرهاب وسياستها الخارجية تجاه وسط إفريقيا".
وأضاف أنه "يتعيّن على وزارة الخارجية أن تبادر إلى تحركات ثنائية ومتعددة الأطراف تهدف إلى إنهاء الدور المالي الذي تؤديه الكونغو الديمقراطية في دعم عمليات حزب الله العالمية".

وأخيرا، يتعين على واشنطن دعم الصحافة الاستقصائية والمجتمع المدني والمبلّغين عن الانتهاكات في المنطقة، الذين يخاطرون بحياتهم لكشف هذه الشبكات، فالشفافية هي العدو الأول لحزب الله، بحسب مزاعم لوبوتسكي.
وقال: "قد يرى البعض أن الكونغو الديمقراطية تواجه تحديات داخلية كثيرة تجعل من الصعب عليها مراقبة تمويل الإرهاب الدولي بفعالية".
لكنه استدرك بالقول: "إن هذه التحديات ذاتها هي ما يجعلها بيئة مثالية لشبكات حزب الله المالية، فالمشكلة لا تتعلق فقط بضعف الإمكانات، بل بعدم توفر الإرادة السياسية وتحديد الأولويات".
ويحذر المقال من أن وجود حزب الله في إفريقيا يشكّل تهديدا مباشرا للمصالح الأميركية في القارة، وبعد العملية الأميركية-الإسرائيلية الناجحة ضد البرنامج النووي الإيراني، يرجَّح أن تسعى طهران وحلفاؤها لإعادة تنظيم صفوفهم وربما الانتقام من أهداف أميركية.
لذلك، يدعو واشنطن إلى استثمار صورتها الجديدة كقوة حازمة في العالم، والبدء بمواجهة النفوذ الإيراني في إفريقيا من خلال تحجيم موطئ قدم حزب الله في الكونغو.
ويخلص إلى أنه إذا كانت واشنطن جادة فعلا في تفكيك البنية المالية العالمية لحزب الله، فعليها محاسبة جميع المتورطين والداعمين، بمن فيهم من يغضون الطرف عن هذه الأنشطة.
ورغم أن الكونغو ليست الطرف الوحيد المسؤول، فإن دورها الإستراتيجي يجعل من التغاضي عنها خطأ يُقوّض فعالية جهود مكافحة الإرهاب على مستوى أوسع، وفق لوبوتسكي.
وختم المقال مزاعمه قائلا: "لقد حان الوقت لإثارة هذه القضية ودعم الأقوال بالأفعال".