صناعة بطاريات السيارات الكهربائية.. هكذا تراهن المغرب على السيادة الطاقية

المغرب يراهن على هذا المشروع لتعزيز موقعه كمنصة صناعية خضراء
في 25 يونيو/ حزيران 2025، دُشن أول مصنع من نوعه في إفريقيا لإنتاج مكونات بطاريات الليثيوم في الجرف الأصفر بالمغرب، ضمن شراكة بين صندوق الاستثمار المغربي "المدى" والشركة الصينية "CNGR".
وبحسب مجلة "جون أفريك" الفرنسية، فإن المشروع الضخم، الذي تبلغ كلفته 2 مليار دولار، يهدف إلى جعل المغرب فاعلا رئيسا في سلسلة تصنيع البطاريات للسيارات الكهربائية.
ومن ناحية أخرى، توضح المجلة أن المغرب يراهن على هذا المشروع لتعزيز موقعه كمنصة صناعية خضراء، مستفيدا من طاقته المتجددة واتفاقياته التجارية وقربه من أوروبا، خاصة مع اقتراب تطبيق الضريبة الكربونية الأوروبية في 2026.
وفي المجمل، يُعد المشروع خطوة إستراتيجية نحو استقلال صناعي وبيئي، ويكرس المغرب كلاعب جديد في اقتصاد الطاقة النظيفة العالمي.

مشروع المليون
على الساحل الأطلسي، وبجوار مجمع ميناء الجرف الأصفر، يفتتح المغرب فصلا صناعيا جديدا، على حد وصف المجلة الفرنسية.
ففي 25 يونيو/ حزيران 2025، أطلقت شركة "Cobco" خط إنتاجها الأول.
وبحسب المجلة، فإن هذه المنشأة التقنية المتقدمة، التي تمتد على أكثر من 230 هكتارا، مكرّسة بالكامل لإنتاج المواد الأساسية لبطاريات الليثيوم أيون، وهي الأكبر من نوعها خارج القارة الآسيوية.
وفي ظل إعادة الدول تحديد تبعياتها الإستراتيجية، وحاجة الاقتصاد العالمي للحد من الانبعاثات الكربونية عبر إعادة توطين سلاسل الإنتاج بشكل سريع، يعكس هذا الموقع تحولا جوهريا، وفق التقرير.
وأوضح: "إذ لم يعد المغرب مجرد أرض استقبال أو استهلاك، بل يسعى لأن يكون لاعبا فاعلا".
وباستثمار يُقدر بنحو 20 مليار درهم، أي حوالي 2 مليار دولار، ستقوم "Cobco" بإنتاج نوعين رئيسين من المكونات الكيميائية الضرورية للبطاريات.
وبهذا الشأن، تقول المجلة: إن "الشركة سنتنج المواد الأولية (نيكل-منغنيز-كوبالت) المستخدمة في الكاثودات لبطاريات الليثيوم أيون بطاقة إنتاجية مستهدفة تصل إلى 120 ألف طن سنويا، بالإضافة إلى الكاثودات (ليثيوم-حديد-فوسفات) التي يُخطط لبدء إنتاجها لاحقا بطاقة 60 ألف طن سنويا".
ومن ناحية أخرى، توضح المجلة الفرنسية أن المشروع يشمل أيضا خطوات حيوية في سلسلة التوريد الأولية، مثل التكرير المحلي للمعادن الحيوية وإعادة تدوير "الكتلة السوداء" المستخرجة من البطاريات المستعملة لاستخلاص الليثيوم والنيكل والكوبالت.
وهو ما سيمكن في المستقبل من توفير مكونات تكفي لتجهيز ما يصل إلى مليون سيارة كهربائية سنويا، بحسب ما ذكرته المجلة.

المدينة الخضراء
وفي هذا السياق، تنوه "جون أفريك" أن توقيت إطلاق هذا المشروع ليس عشوائيا.
موضحة: "فمع بدء تطبيق الاتحاد الأوروبي لعام 2026 لآلية تعديل الكربون على الحدود، والتي تهدف إلى فرض عقوبات على المنتجات ذات الانبعاثات الكربونية العالية، يظهر المغرب كمنصة صناعية خضراء بارزة".
وبهذا الشأن، تبرز الصحيفة أن "المغرب يتميز بتوفير كهرباء متجددة بتكلفة تنافسية ووجود قوة عاملة ماهرة، إلى جانب اتفاقيات التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والقرب اللوجستي من الأسواق الأوروبية".
ومن جانبه، يوضح أحد مسؤولي "Cobco" أن "الشركة ليست مجرد مصنع، بل تمثل مشروعا للسيادة الصناعية والبيئية".
وبفضل اعتمادها على الطاقة المتجددة بنسبة 80 بالمئة بدءا من عام 2025، مع هدف الوصول إلى 100 بالمئة بحلول نهاية 2026، إضافة إلى استخدام المياه المحلاة واتباع عمليات تدوير المياه الصناعية، من المتوقع أن تكون البصمة الكربونية للموقع أقل من مثيلاتها الآسيوية المسيطرة على السوق، حسب ما أورد التقرير.
ورغم تركيز "Cobco" على التصدير، تقول المجلة الفرنسية: إن "تأثير المشروع على الاقتصاد المغربي المحلي كبير؛ حيث أتاح بناء المصنع أكثر من 5000 وظيفة مباشرة، كما يُتوقع أن يوفر 1800 وظيفة دائمة ذات مهارات عالية".
"بالإضافة إلى 1800 وظيفة غير مباشرة في مجالات اللوجستيات والمقاولات الفرعية والبنية التحتية المحلية والخدمات". وفق التقرير.
وتضيف المجلة الفرنسية أنه "من خلال تمركزه في مراحل الإنتاج الأولية مثل التكرير والمواد الأولية، تمكن شركة (Cobco) الصناعات اللاحقة كالكاثودات وتجميع البطاريات من دمج مكونات إستراتيجية محليا".
وهو ما يشكل -بحسب المجلة- "ميزة أساسية للامتثال لقواعد المنشأ في الاتفاقيات التجارية، كما يدعم مستقبل صناعة السيارات المغربية التي تشهد تحولا نحو الكهرباء".

نقل الخبرات
ومن جهة أخرى، تتحدث "جون أفريك" عن أن "المشروع يشمل برنامجا شاملا لنقل الخبرات والمعرفة، من خلال تنظيم دورات تدريبية متخصصة بالتعاون مع فرق شركة (CNGR) الصينية".
علاوة على ذلك، عُقدت شراكات مع جامعات ومراكز تدريب مغربية بهدف بناء قاعدة وطنية من الخبراء في تقنيات البطاريات، والتي لا تزال شبه معدومة في منطقة المغرب العربي.
وتضيف المجلة الفرنسية أن "مشروع (Cobco) يقف وراءه تحالف مشترك بنسبة 50/50 بين جهتين تشتركان في توجهاتهما الصناعية".
فمن جهة، توجد شركة "CNGR Advanced Materials" المدرجة في بورصة شنتشن، والتي تحتل الصدارة عالميا في إنتاج المواد الأولية لكاثودات البطاريات وتخدم عملاء كبارا مثل (تسلا) و(إل جي كيم) و(سامسونج) و(SDI)".
جدير بالذكر أن المجموعة الصينية تعمل في أكثر من 30 دولة، مع تركيز إستراتيجي على إزالة الكربون واللامركزية كأولويات للتوسع.
ومن جهة أخرى، تشير المجلة إلى مجموعة "المدى"، الصندوق المغربي ذو الطابع القاري، الذي يستثمر في مشاريع البنية التحتية الإستراتيجية وفق منطق السيادة والتنمية المستدامة.
حيث تتولى شركته الفرعية "NGI" قيادة عملية بناء المصنع في الجرف الأصفر، وفق ما ورد عن المجلة.
وبشكل عام، يشدد التقرير على أن "هذا المشروع يشكل نموذجا إفريقيا جديدا للإنتاج الصناعي النظيف وعالي القيمة المضافة، بالإضافة إلى كونه مرتبطا بالأسواق العالمية".
"وبطريقة مشابهة لما تحقق في مجالات الهيدروجين الأخضر والكابلات البحرية ومراكز البيانات، يخطو المغرب بخطى واثقة نحو اقتصاد ما بعد الكربون قائم على التكنولوجيا، متمتعا بأهمية جيوسياسية إستراتيجية"، على حد وصف التقرير.
وفي ختامه، تنقل المجلة عن أحد ممثلي مجموعة "المدى" قوله: "مع (Cobco)، نرسم معيارا جديدا ونعزز طموحنا في تسريع التصنيع الأخضر في القارة، مع جعل المغرب في قلب التحول الطاقي العالمي".