استبعاد نص "فلسطيني" من امتحان في المغرب يثير الجدل.. ما القصة؟

"القرار يسعى إلى طمس هوية الشعب الذي تسكن القضية الفلسطينية وجدانه”
تبعات تطبيع المغرب لعلاقاته مع إسرائيل ما زالت تلقي بظلالها على مختلف القطاعات، ومنها التربية والتعليم، وسط تحذيرات من خطورة هذا المسار على المواقف التاريخية التي يجب أن يتشكل عليها وعي الجيل الصاعد.
وفي هذا الصدد، أثارت خطوة اتخذتها “المديرية الإقليمية للتربية الوطنية بمنطقة الفداء مرس السلطان، بأكاديمية جهة الدار البيضاء سطات” (غرب)، جدلا واسعا، والمتعلقة بتغيير نصا في امتحان مادة اللغة العربية للمستوى السادس ابتدائي لدورة يونيو/حزيران 2025.
وبحسب موقع "العمق المغربي" في 24 يونيو 2025، فإن هذا القرار، الذي تم قبيل موعد الامتحان بفترة وجيزة، جاء على خلفية تقييم داخلي رأى أن النص الأصلي المقترح يتطرق إلى "مجال السياسة ويحمل حساسية وطنية"، مما استدعى استبداله بنص آخر.
تناقض صارخ
النص المستبعد، الذي حمل عنوان "الذكرى التي لا تموت"، كان مقتطفا من كتاب اللغة العربية المعتمد في دولة فلسطين.
وتناول النص، بأسلوب أدبي، قصة شخص غادر منزله في مدينة صفد الفلسطينية إلى مخيمات اللاجئين، مسترجعا ذكريات طفولته فيها، ومعبرا عن ألمه للواقع الجديد، لينتهي النص بإشارات رمزية إلى مفتاح الدار، ورائحة زهر الليمون والزيتون، وتجديد الأمل بالعودة إلى فلسطين.
وذكر موقع "العمق المغربي، أن "بعض المصادر المطلعة على كواليس إعداد الامتحانات عبّرت عن قلقها من أن هذا الإجراء، بصرف النظر عن دوافعه الإدارية، قد يُفهم بشكل خاطئ".
وأشار إلى أن "البعض قد يرى في هذا السلوك مؤشرا على أن المغرب يرفض أن يلقّن أبناءه حق الفلسطينيين في وطنهم، أو كأنه يقر ضمنيا باستمرار احتلال أراضيهم".
ويأتي هذا التصور، حسب المصادر ذاتها، "في تناقض صارخ مع الموقف الرسمي والثابت للمملكة الذي يؤكد عليه العاهل المغربي محمد السادس بصفته رمز الدولة ورئيس لجنة القدس، في كل خطاباته ومبادراته".
وشدد الموقع على أن "هذا التعديل، الذي تم في مرحلة متقدمة من التحضير للامتحان الذي انطلق في 23 يونيو، يثير تساؤلات مشروعة حول معايير انتقاء النصوص الامتحانية، والحدود الفاصلة بين المحتوى المعرفي والقيمي وبين ما يمكن اعتباره (مادة حساسة)".
وأردف، كما يسلط الضوء على التحدي المتمثل في الموازنة بين ضرورة تعريف الناشئة بالقضايا العادلة لأمتهم، وبين الاعتبارات التي تراها الجهات المشرفة على الامتحانات ضرورية لضمان سيرها في أفضل الظروف، بعيدا عن أي استغلال أو توظيف محتمل.
وكان المغرب قد وقع على اتفاق ثلاثي مع واشنطن وتل أبيب في الرباط نهاية عام 2020، تم بموجبه تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، وسط تعبير شعبي رافض لهذا التطبيع، وخاصة ما بعد “طوفان الأقصى” لعام 2023 وما كشفته من جرائم دموية وإبادة جماعية يرتكبها الكيان في غزة.
كما جاءت دعوات إنهاء التطبيع على لسان أحزاب معارضة ومنظمات مدنية، وعلى رأسها أحزاب "العدالة والتنمية" الإسلامي و"التقدم والاشتراكية" و"فيدرالية اليسار"، وأيضا "حركة التوحيد والإصلاح" و"جماعة العدل والإحسان".
ووصف النائب البرلماني عبد الصمد حيكر، رفض "المديرية الإقليمية" المعنيّة اعتماد نصين للغة العربية يتحدثان عن القضية الفلسطينية، بـ"القرار الصادم والغريب".
جاء ذلك في سؤال كتابي وجهه حيكر إلى وزير التربية الوطنية، محمد سعد برادة، نشره موقع "العدالة والتنمية" في 26 يونيو، حيث أكد أن "صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، وكذا حقهم في العودة لوطنهم، من الحقوق المشروعة التي تكفلها القوانين الدولية ومختلف القرارات الدولية ذات الصلة".
واسترسل: "كما أنها لم تكن في يوم من الأيام موضوع جدل أو خلاف بين المغاربة بمختلف مواقعهم ومشاربهم".
ورأى أن "المغاربة ظلوا على مر التاريخ سباقين لنصرة الشعب الفلسطيني، والدفاع عن حقوقه التاريخية والمشروعة، ومنها حق العودة للوطن الأم فلسطين، ولم يُبدوا في أية لحظة أي حساسية في التعاطي مع هذه القضية التي تسكن وجدانهم باستمرار".
وشدد حيكر على أن "ما أقدمت عليه المديرية المذكورة، يشكل استفزازا واضحا لمشاعر المغاربة، ومسا صريحا بقيمهم الوطنية الجامعة، ومنها قضية فلسطين التي جعلها الملك محمد السادس في نفس درجة أهمية قضية الوحدة الترابية (إقليم الصحراء) للمملكة".
وطالب النائب البرلماني من وزير التربية الوطنية بـ"الكشف عن حيثيات القرار المذكور، وعن الإجراءات التي ستتخذها وزارته لمعالجة هذه النازلة المسيئة وضمان عدم تكرارها".
ضرورة المحاسبة
هذا القرار لم يُنتقد برلمانيا فقط، بل عبرت هيئات مدنية وحقوقية وسياسية عن رفضها له، وللخلفيات التي تحكمه وللمبررات التي أعلنت بخصوصه.
وفي هذا الصدد، طالبت "الجبهة المغرب لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع"، بفتح "تحقيق نزيه ومستقل في الموضوع ومعاقبة المسؤولين عن هذا العمل الخياني السافر"، وفق تعبيرها.
ورأت الجبهة عبر بيان في 25 يونيو، أن "النص الذي تم عليه الحجر في خرق سافر للقوانين الجاري بها العمل، نص أدبي يتطرق لمعاناة لاجئ فلسطيني ويصف الحلم الذي يسكنه بالعودة إلى داره ووطنه بدل العيش في المخيم".
ولفتت إلى أنه "تم إعداد النص المذكور في احترام تام لدفتر مساطر (إجراءات) الامتحان وللإطار المرجعي لامتحان شهادة الدروس الابتدائية، ويتطرق لقضية اللاجئين الفلسطينيين التي هي قضية محورية بالنسبة للقضية الفلسطينية وأن حق العودة غير قابل للتقادم وهو مكفول بمقتضى القرارات الأممية وعلى رأسها القرار رقم 194".
وأدانت الجبهة (تتشكل من هيئات حقوقية وسياسية ونقابية محسوبة على اليسار والإسلاميين)، بـ"قوة ما قامت به المديرية الإقليمية الفداء مرس السلطان وتعده عملا يدخل بشكل واضح في باب التطبيع التربوي، كأخطر شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني".
وشددت على أن القرار "يسعى إلى طمس هوية شعبنا الذي تسكن القضية الفلسطينية وجدانه كما يهدف إلى مسخ وعيه وصهره بشكل يجعله يقبل بالنكبة وبالسردية الصهيونية".
وذكرت الجبهة أن "الأمر لا يتعلق بإجراء معزول، بل يأتي في إطار تمادي النظام المغربي في التطبيع الشامل مع الكيان الصهيوني المجرم".
بدوره، أكد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، شجبه لما تعرض له بعض الأساتذة بالمديرية المذكورة، بسبب تعبيرهم عن رفضهم للقرار موضوع الجدل، والذين تمت مهاجمتهم من حسابات مجهولة" عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وأعرب بنكيران في بيان للأمانة العامة لحزبه في 27 يونيو، عن رفضه لما تعرض له الأساتذة، مجددا رفض حزبه المبدئي لكل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب.
كما دعا إلى “تعزيز اليقظة الشعبية في مواجهة كل أشكال الاختراق الصهيوني للمغرب، تجاريا وأكاديميا وثقافيا وفنيا”.
خزي وعار
وفي تعليقه على القرار، قال الباحث الأكاديمي إدريس الكنبوري، إن "المصيبة الكبرى في قرار المديرية هو السبب المعلن، أي القول بأن النص (يثير حساسية وطنية)".
وأضاف الكنبوري لـ"الاستقلال"، أنه "أمام هذا المبرر، لا ندري هل المفتش التربوي الذي أصدر توصيته بإلغاء النص وتبعا لذلك المديرية يجهلان معنى الوطنية، أم أن الوطنية الجديدة في المغرب أصبحت إسرائيلية؟".
واسترسل: "الخبر لا يحتاج إلى تعليق، فهو يعلق على نفسه في زمن بتنا نشعر فيه بالغربة، ولكن الذي يحتاج إلى تعليق هو الخصوصية المغربية والنموذج المغربي والتمغربيت والإسلام المغربي".
وأردف الكنبوري بأن "هناك جهات معينة تدافع عن فك الارتباط بين المشرق والمغرب، أي المغرب الذي نوجد فيه، وتعد كل ما يأتي من المشرق متطرفا ودخيلا".
وتابع: "ونحن نسألهم عن وجود إسرائيل، هل هي في المشرق أم في المغرب؟ وهل تغير شعار (فلسطين قضية وطنية) وأصبح الشعار الجديد هو (إسرائيل قضية وطنية)".
هؤلاء وفق الكنبوري، "يتبجحون أن الكيان الصهيوني أصبح جزءا من (الحساسية الوطنية) كما قال المفتش الذي يحتاج دماغه إلى تفتيش من الداخل".
وشدد على أنه "كنا نريد أن يفهم البعض الفرق بين الثقافة والسياسة، وأن يفهموا بأن الاتفاق الثلاثي الذي عقده المغرب مع أميركا وإسرائيل اتفاق سياسي، وأن الثقافة والتعليم يجب أن يبقيا بعيدين عن السياسة التي تقدر بقدرها، ولكن يبدو أن هؤلاء مصرون على ضرب كل شيء عرض الحائط".
وختم الكنبوري تصريحه بالقول إن "هناك سؤالا جوهريا يجب طرحه، وهو هل غيرت أميركا شيئا في تعليمها وثقافتها حتى نغير نحن؟، وهل غيرت إسرائيل شيئا حتى نغير؟ بالطبع لا، لأن القضية عندهم (تثير حساسية وطنية!)، أما نحن فيجب أن نكون في الاتجاه المعاكس لهؤلاء".