سلطة النقد الفلسطينية بالضفة تدرس التخلي عن الشيكل.. هل تنجح؟

العديد من البنوك الفلسطينية توقفت عن قبول الودائع النقدية بالشيكل
نهاية يونيو/حزيران 2025 أعلنت سلطة النقد الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة أنها تدرس إمكانية اعتماد عملة بديلة عن الشيكل الإسرائيلي كوسيلة دفع رئيسة.
ويرى موقع "تيليبوليس" الألماني أن هذه الخطوة تهدف إلى تقليص التبعية الاقتصادية لإسرائيل، وإلى مواجهة تراكم الشيكل في البنوك الفلسطينية.
مع ذلك، لم تحدد سلطة النقد حتى الآن أي بديل ملموس، أو جدول زمني لتنفيذ هذه الخطوة، فيما تُطرح تساؤلات عن مدى واقعية هذه الخطوة، خاصة في ظل القيود الإسرائيلية على المصارف الفلسطينية.

أزمة متفاقمة
إعلان سلطة النقد الأخير جاء على خلفية ما تشهده البنوك في الضفة الغربية من أزمة متفاقمة جراء تراكم كميات كبيرة من الشيكل؛ حيث ترفض إسرائيل قبول الفائض النقدي من المؤسسات المالية الفلسطينية، وفق بيان لسلطة النقد في 28 يونيو.
وأشار الموقع إلى أن "هذه الأزمة تفاقمت في الأسابيع الأخيرة، لدرجة أن العديد من البنوك (الفلسطينية) توقفت عن قبول الودائع النقدية بالشيكل".
ونتيجة لذلك، تدخلت السلطة النقدية الفلسطينية، التي تعمل بمثابة البنك المركزي، وأصدرت تعليمات للبنوك بقبول الودائع وفق شروط محددة.
وهذه ليست المرة الأولى التي يُطرح فيها خيار التخلي عن الشيكل، ففي فبراير/ شباط 2018، أعلن رئيس الوزراء آنذاك رامي الحمد الله تشكيل لجنة خاصة لدراسة إمكانية استبداله بعملة أخرى، بما في ذلك النظر في استخدام العملات الرقمية، لكن تلك المبادرة لم تسفر عن نتائج معلنة.
وأشار الموقع إلى أنه "بموجب بروتوكول باريس الاقتصادي، الموقع عام 1994 بين منظمة التحرير وإسرائيل، يُسمح قانونا باستخدام أربع عملات في الأراضي الفلسطينية: الشيكل الإسرائيلي، والدولار الأميركي، والدينار الأردني، واليورو".
ومع ذلك، "يظل الشيكل العملة الأكثر استخداما المهيمنة على التعاملات اليومية"، بحسب الموقع.
وأفاد الموقع الألماني أن "الأراضي الفلسطينية تواجه قيودا كبيرة في تحويل الشيكل النقدي (العملات الورقية والمعدنية) إلى البنوك الإسرائيلية".
"وذلك بسبب الحدود والقيود التي تفرضها إسرائيل، مما أدى إلى تعطيل التجارة معها"، وفق قوله.
في الوقت ذاته، تعد إسرائيل الشريك التجاري الأكثر أهمية لسلطة رام الله؛ إذ تشكل الصادرات الفلسطينية إليها نحو 85 بالمئة من إجمالي الصادرات.
بينما تمثل الواردات منها حوالي 55 بالمئة من المجمل العام، وتشمل سلعا وخدمات أساسية مثل الكهرباء والمياه والوقود والمواد الغذائية.
وبحسب الموقع، "تُنفذ هذه المعاملات المالية كافة باستخدام الشيكل؛ إذ تشير تقديرات سلطة النقد إلى أن حجم العمليات المالية السنوية بهذه العملة يبلغ حوالي 50 مليار شيكل، أي ما يعادل نحو 14.5 مليار دولار أميركي".

عقبات وتحديات
وعلق الأكاديمي والخبير الاقتصادي البروفيسور طارق الحاج على إمكانية اعتماد عملة بديلة عن الشيكل الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، مشيرا إلى أن الخطوة "ممكنة نظريا، لكنها تصطدم بعوائق سياسية وتشريعية".
وأوضح الحاج أن "بروتوكول باريس الاقتصادي، الذي كان من المفترض أن يكون اتفاقا مؤقتا لمدة 5 سنوات (1994-1999)، أصبح ساري المفعول بشكل دائم عمليا".
وتابع: "يتضمن هذا الاتفاق قبول منظمة التحرير للشيكل كعملة رسمية في الأراضي الفلسطينية، مما يجعل التخلي عنه تحديا معقدا".
ومن وجهة نظره، فإن "استبدال عملة أخرى بالشيكل، مثل الدولار الأميركي أو الدينار الأردني، يتطلب قرارا سياسيا واسع النطاق، وليس مجرد إجراء تقني من سلطة النقد الفلسطينية".
كما أشار إلى أن "الأمر لا يقتصر على طباعة أوراق نقدية جديدة، بل يتطلب أيضا تأمين العملات المعدنية اللازمة للمعاملات اليومية، وهو أمر قد يكون مستحيلا في ظل القيود الإسرائيلية الحالية".
وأكمل موضحا مقصده: "إسرائيل تمنع منذ سنوات إدخال أوراق نقدية من الدينار الأردني إلى الضفة الغربية، مما تسبب في نقص حاد، فكيف يمكنها أن تسمح بإدخال العملات المعدنية".
وخلص الحاج إلى أن تل أبيب "لن تسمح بهذا التحول دون اتفاق سياسي كبير"، مشيرا إلى أن "التخلي عن الشيكل سيؤثر اقتصاديا على إسرائيل، حيث يشكل الفلسطينيون حوالي ثلث مستخدمي هذه العملة".
وأضاف: "كلما زاد تداول العملة، زادت ربحيتها للدولة المصدرة لها". علاوة على ذلك، ذكر الحاج أن "هناك عقبات أخرى، منها أن ميزانية السلطة الفلسطينية (برئاسة محمود عباس) وحسابات الإعفاءات الضريبية تُحتسب بالشيكل".
وبين أن العديد من المؤسسات الرسمية تسعر خدماتها بالدينار، لكنها تقبل المدفوعات بالشيكل، ما يرسّخ هيمنة هذه العملة في المعاملات الرسمية.

أفضل أداء
في تطور موازٍ، "يبدو أن الشيكل الإسرائيلي استفاد من الحرب التي استمرت 12 يوما ضد إيران، وفقا لتقرير نشرته وكالة بلومبيرغ" الأميركية.
فقد سجل الشيكل أفضل أداء له منذ تطبيق نظام سعر الصرف الحر عام 2003؛ إذ ارتفعت قيمته بنسبة 6.6 بالمئة مقابل الدولار خلال الأسبوعين الماضيين.
كما "ارتفع مؤشر TA-35 في بورصة تل أبيب بنسبة 14 بالمئة، ليصبح الأفضل أداء من بين 92 مؤشرا عالميا من حيث القيمة بالدولار".
ويُعد TA-35 المؤشر الرئيس في بورصة تل أبيب، إذ يقيس أداء أكبر 35 شركة مدرجة في السوق، ويُعتبر مرآة الاقتصاد الإسرائيلي.
فضلا عن أن "أسواق السندات العالمية أظهرت ثقتها في الاقتصاد الإسرائيلي؛ حيث انخفضت عوائد السندات الحكومية لأجل 10 سنوات بمقدار 44 نقطة أساس، وهو أكبر تراجع بين 24 دولة صناعية"، بحسب الموقع.
ويُعزى هذا التحسن إلى "التدمير شبه الكامل لقدرات حركة (المقاومة الإسلامية) حماس وحزب الله العسكرية، إلى جانب إضعاف إيران، ما جعل إسرائيل تفتقر إلى منافسين عسكريين فاعلين في المنطقة"، وفق زعمه.
وفي ظل هذه المعطيات، توقع أن "تكون إسرائيل من بين أسرع الاقتصادات نموا بين الدول الصناعية في السنوات المقبلة".