"مايكروسوفت" و"أوبن إيه آي" بالمقدمة.. حروب جديدة تقودها شركات التكنولوجيا

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تتحدث دوائر عسكرية حول العالم عن تحول جذري في شكل الحروب الحديثة؛ حيث أصبح الذكاء الاصطناعي عنصرا مركزيا في الإستراتيجيات العسكرية.

وفي السياق، يبرز موقع "أتلانتيكو" الفرنسي اليميني كيف ظهر هذا التحول في العدوان الإسرائيلي على إيران في يونيو/ حزيران 2025، بمشاركة أميركية.

وبحسب الموقع، استخدمت إسرائيل أنظمة خوارزمية متطورة لتنفيذ الضربات واتخاذ القرارات في وقت شبه لحظي، ما كشف عن ولادة نمط جديد من الحروب تقوده شركات التكنولوجيا مثل "أوبن إيه آي" و"مايكروسوفت" بدلا من شركات السلاح التقليدية.

إضافة إلى ذلك، يشير التقرير إلى بروز ما يشبه "ناتو خوارزمي" تقوده وادي السيليكون وتل أبيب، وسط غياب أطر قانونية دولية واضحة، مما ينذر بسباق تسلح خوارزمي غير منضبط. 

ومن جهة أخرى، يؤكد الموقع على تراجع فاعلية الردع النووي التقليدي، لصالح سرعة القرار والتحكم بالبيانات، وهو ما يعيد تعريف مفاهيم الحرب والسيادة في العصر الرقمي.

التكنولوجيا تتصدر الحروب

يتحدث الموقع الفرنسي، في بداية تقريره، عن أن "إسرائيل زعزعت التوازنات العسكرية في المنطقة بشكل جذري عبر استعراض قوة هجومية تكنولوجية دقيقة وغير مسبوقة ضد إيران في يونيو/ حزيران 2025". 

تلا ذلك تدخل أميركي عبر عملية تُعد أكبر ضربة جوية إستراتيجية أميركية في المنطقة منذ حرب العراق عام 2003، مما كشف عن تحول عميق في موازين القوى العسكرية.

"ورغم وضوح التصعيد العملياتي، فإن الحرب الإسرائيلية ضد إيران تتجاوز النجاح التكتيكي"، حسب زعم التقرير.

وتابع: "ففي أيام قليلة، وقبل القصف الأميركي لمنشآت فوردو ونطنز وأصفهان، نجح الجيش الإسرائيلي في تحييد الدفاعات الإيرانية وضرب البنى التحتية الحساسة وفرض هيمنته الجوية دون خسائر كبيرة".

وهو ما يعكس تكاملا متقدما بين أنظمة الاستخبارات والتصويب الآلي والتنسيق الرقمي.

وعلى حد قول الموقع: "أظهر هذا التحول الإستراتيجي أن شركات التكنولوجيا المدنية، مثل "أوبن إيه آي" و"ميتا" و"مايكروسوفت"، أصبحت العمود الفقري للقيادة العسكرية الخوارزمية".

"متجاوزة بذلك شركات السلاح التقليدية، ما يشير إلى عسكرة متزايدة للرقمنة قد تعيد تشكيل النظام العالمي"، على حد زعم الموقع.

الذكاء الاصطناعي العسكري

وبالحديث تحديدا عن إسرائيل، يقول "أتلانتيكو": إن “إسرائيل أدمجت الذكاء الاصطناعي في صميم عقيدتها العملياتية منذ عدة سنوات”؛ إذ أعلنت قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال عملية "سيف القدس" عام 2021 أنها خاضت "أول حرب بالذكاء الاصطناعي". 

ومنذ ذلك الحين، أصبحت إسرائيل تعتمد بشكل منهجي على البرمجيات الخوارزمية لتسريع وتعزيز اتخاذ القرار العسكري، باستخدام أدوات متقدمة مثل "Habsora" لتحديد الأهداف تلقائيا، و"Fire Factory" للتخطيط الديناميكي للضربات.

بالإضافة إلى "Depth of Wisdom" لرسم خرائط الأنفاق تحت الأرض، و"Alchemist" لإدارة الردود المتكيفة مع تطورات المعركة.

ويضيف الموقع أنه خلال حرب غزة (2023-2024)، ساعدت هذه الأنظمة في توليد مئات الأهداف يوميا، مما منح العمليات وتيرتها الخوارزمية غير المسبوقة. 

وأخيرا، في 13 يونيو/ حزيران 2025، يشير الموقع إلى أن "الضربة الخاطفة الإسرائيلية ضد إيران شهدت قفزة نوعية في التحكم العملياتي".

"حيث شلت قوات الدفاع الإسرائيلية حركة الدفاعات الإيرانية خلال ساعات، وعطلت شبكات القيادة والرادارات وأنظمة التشويش"، وفق ما زعمه الموقع. 

وفي هذا السياق، يوضح الموقع أن هذه الفوضى فتحت ممرا جويا سمح للولايات المتحدة، في 21 يونيو/ حزيران 2025، بشن المرحلة الأشد عبر عملية "Midnight Hammer". 

ووفق الموقع الفرنسي، فقد استخدمت الولايات المتحدة في هذه العملية سبعة قاذفات شبح "B-2"، والتي ألقت 14 قنبلة خارقة بوزن 13 طنا لكل منها، مستهدفة المجمعات النووية المدفونة.

وفي هذا الإطار، يخلص الموقع إلى أن "هذا التنسيق الخوارزمي -من تحديد الأهداف الإسرائيلي إلى الضربات الأميركية- يمثل شكلا جديدا من الهيمنة المعرفية المتكاملة، حيث تندمج الاستخبارات والهجوم والإدارة التكتيكية في منظومة بيانية تُدار لحظيا".

تحول صناعي وإستراتيجي

وبناء على ما ذُكر سابقا، يبرز موقع "أتلانتيكو" أن الصدمة العملياتية الناجمة عن الضربات الإسرائيلية والأميركية تمثل الجزء الظاهر من تحول أعمق.

وعلى حد قول الموقع، فإن التحول الأعمق يشمل "إعادة تشكيل شاملة للنسيج الصناعي الذي يقوم عليه التفوق العسكري". 

"إذ لم يعد الذكاء الاصطناعي أداة في ساحة المعركة فحسب، بل أصبح البنية التحتية الأساسية للقيادة الإستراتيجية"، حسب التقرير.

ففي الولايات المتحدة، بدأ مركز ثقل المجمع الصناعي العسكري ينتقل تدريجيا من شركات الدفاع التقليدية إلى فاعلين مدنيين من عالم المنصات الرقمية. 

فشركات مثل "أوبين إيه آي" و"ميتا" و"ومايكروسوفت" و"Anthropic" و"Scale AI" أصبحت تلعب أدوارا محورية في بنية القيادة العسكرية ومنصات الاستخبارات التنبؤية وأنظمة اتخاذ القرار المستقلة.

وبذلك، يؤكد الموقع أن "الصواريخ والدبابات والطائرات لم تعد هي العامل الحاسم، بل القدرة على تجميع وتحليل وإدارة تدفقات ضخمة من البيانات في الزمن الحقيقي". 

"وهذا الاندماج السريع بين الصناعات المدنية في وادي السيليكون ومجالات الدفاع يمثل التحول الأكثر أهمية في العقدين الأخيرين"، وفق التقرير.

"حيث أصبحت الحدود بين الابتكار المدني والسيادة العسكرية أكثر غموضا، مع سعي الحكومات لتعزيز التفوق الإدراكي والسيطرة المعلوماتية"، حسب ما لفت إليه الموقع.

نحو هيمنة إدراكية عالمية

ومن خلال تحويل الذكاء الاصطناعي إلى أدوات قيادة عسكرية، ينوه "أتلانتيكو" إلى أن "شركات التكنولوجيا الكبرى تبني هيمنة معرفية غير مسبوقة".

وهو ما يعمق التبعية التكنولوجية، فيما تبدو أوروبا عاجزة أمام ما يشبه "ناتو خوارزمي" يديره وادي السيليكون.

وفي  السياق، يشير الموقع إلى أنه في يونيو/ حزيران 2025، وقعت "OpenAI" اتفاقا دفاعيا بـ 200 مليون دولار، فيما استحوذت "Meta" على 49 بالمئة من "Scale AI" مقابل 14.3 مليار دولار، مما كشف عن صراع نفوذ بين عمالقة التكنولوجيا.

وبالتوازي، يذكر أن "مايكروسوفت" ترسخت كشريك أساسي للبنتاغون، كما تستضيف "أماوزن" البنى التحتية الاستخباراتية منذ 2022، فيما تقدم "Anthropic" نماذج ذكاء اصطناعي مخصصة للأمن القومي.

ومن وجهة نظر الموقع، "لم تعد المسألة أتمتة الحرب فحسب، بل بناء قدرة على نمذجة الواقع العالمي وامتصاص وتحليل التدفقات الإستراتيجية المتعددة". 

وبهذه الأدوات، يشير إلى أن "الشركات تتحول إلى مراكز تفسير إستراتيجي للقوى العظمى، تمكنها من توقع النزاعات وتوجيه السيناريوهات".

والتحول الحاسم هو أن "تمثيل الواقع أصبح سلاحا بحد ذاته؛ فمن يسيطر على الخريطة الخوارزمية للتشابكات العالمية يمتلك التفوق العسكري والمعرفي".

وهنا، يصف العصر الحالي بأنه "عصر تتحول فيه الشركات المالكة لأحدث نماذج الذكاء الاصطناعي إلى فاعلين سياديين يرسمون ملامح النظام العالمي".

مصفوفة جديدة للقوة

وبشكل عام، يذهب "أتلانتيكو" إلى أن "ما يتشكل اليوم ليس مجرد تقدم تقني، بل إعادة تنظيم صامت لمفهوم القوة، حيث ينقل الامبراطور الخوارزمي مركز الثقل العسكري تدريجيا من الدولة إلى شركات التكنولوجيا المدنية".

"ونتيجة لذلك، فإن كل تطور في الذكاء الاصطناعي وتحسينات معالجة البيانات والتنسيق بين الأنظمة يعزز سلسلة إستراتيجية تتغلغل مباشرة في إدارة العمليات العسكرية"، بحسب الموقع.

ومن جهة أخرى، يلفت الموقع إلى أن "التحول الجوهري يكمن في دخولنا عصرا تذيب فيه السرعة المعرفية الخوارزمية أسس الردع النووي".

موضحا: "فالسلاح النووي، رمز القوة في القرن العشرين، كان يعتمد على وجود وقت كاف بين الهجوم والرد لضمان توازن الرعب. 

أما اليوم، مع صعود الحلقات التنبؤية المدارة بالذكاء الاصطناعي التي تجمع الاستخبارات والمحاكاة وتحديد الأهداف والضربات الوقائية، فإن هذا الفاصل الزمني يقترب من الصفر".

وهنا، يختتم الموقع الفرنسي تقريره بالتأكيد على أن "المبادرة أصبحت بيد من يستطيع الرؤية والتصرف قبل الآخر".

وباتت الهيمنة قائمة على الخوارزميات، في تحول إدراكي هادئ، لكنه جذري يعيد رسم النظام العالمي بسرعة تفوق الاعتراف الرسمي.