كيف خرجت الصين "رابحة" من العدوان الإسرائيلي الأميركي ضد إيران؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

مع تصاعد التوترات السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وأهمها العدوان الإسرائيلي الأميركي ضد إيران، يدعي معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن الصين خرجت رابحة من هذه المواجهة، رغم موقفها المحايد.

ومع ذلك، يرى المعهد العبري أنه "ورغم الانتقادات الموجهة لموقفها السلبي المعلن، وغياب تأثيرها المباشر، يبدو أن الصين حققت الكثير مما أرادته، دون أن تتدخل أو تدفع ثمنا اقتصاديا أو دبلوماسيا".

في هذا السياق، يستعرض التقرير مصالح بكين في سياق الحرب بين إسرائيل وإيران، بالإضافة إلى ميزان المكاسب والخسائر الذي خرجت به الصين بعد انتهاء الحرب.

موقف متوازن

وأشار المعهد، في مستهل تقريره إلى أن "موقف الصين من الحرب جاء متوازنا بين تصريحات معتدلة نسبيا معارضة لاستخدام إسرائيل القوة وانتهاك للقانون الدولي، وبين إدانات صريحة وأكثر حدة، لا سيما في المحافل الدولية، مثل مجلس الأمن، لا سيما بعد الغارات الأميركية على طهران".

في المقابل، أوضح التقرير أن "إيران كانت تتوقع دعما دبلوماسيا أقوى من شريكها الإستراتيجي، لذلك عدت طهران موقف بكين مخيبا للآمال".

على المستوى العملي، شكك المعهد في صحة التقارير التي تتحدث عن وصول سفن صينية تحمل مواد كيميائية تُستخدم في إنتاج الصواريخ إلى إيران.

كما شكك كذلك في المعلومات التي أفادت بوصول طائرات نقل من الصين إلى إيران، تحمل شحنة مجهولة.

إلا أنه أكد في الوقت ذاته على "وجود جوانب من التعاون الصيني الإيراني لا تزال غير معروفة، ولذا يجب تجنب التقليل المبالغ فيه من حجم هذا التعاون".

وأضاف: "فمن غير المعروف، على سبيل المثال، ما إذا كانت الصين قد قدمت مساعدات استخباراتية لإيران". 

ومع ذلك، يعتقد أنه "حتى لو حدث تعاون عسكري سري ما، فإنه يبقى محدودا".

"ومع أن إيران توفر للصين النفط بسعر أقل من السعر العالمي في ظل العقوبات الغربية المفروضة عليها، حيث تشترى بكين 90 بالمئة من النفط الإيراني، إلا أن واقع العلاقات بين البلدين خلال السنوات القليلة الماضية أقل تفاؤلا"، يقول المعهد.

وتابع: "فالاستثمارات الصينية لا تتخذ خطوات سريعة للاستثمار في إيران، وطهران مستاءة من استغلال الصين لوضعها، وذلك رغم توقيع الطرفين اتفاقية شراكة إستراتيجية شاملة عام 2021".

كما أن "الاقتصاد الإيراني يعانى من الضعف، ما يدفع طهران للمطالبة بخصومات على النفط، وتصدير منتجات رديئة الجودة إلى الصين".

فرصة صينية

في هذا السياق، تساءل المعهد عن نظرة الصين إلى حرب الـ 12 يوما، حيث رأى أن بكين "تعاملت مع الحرب بصفتها فرصة لتمييز نفسها كفاعل معتدل ومحب للسلام".

وذلك "مقارنة بمنافستها الولايات المتحدة، الدولة العسكرية التي تتصرف كقوة مهيمنة، وتحدد قواعد اللعبة في العالم وتفرضها على جميع الدول".

بالإضافة إلى ذلك، "سعت الصين إلى تعزيز نفوذ المجتمع الدولي على حساب الهيمنة الأميركية، وتجلى ذلك في مبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ لوقف إطلاق النار بين الطرفين".

وعقب المعهد على نهج الصين قائلا: "إن ضعف الدبلوماسية الصينية، وحقيقة أن بكين لم تكن عاملا مهما ومؤثرا في الحرب بين إسرائيل وإيران؛ لا يمنع الصين من مواصلة الادعاء بأنها دولة مصالحة ووسيطة، تعمل على تحقيق الهدوء بالوسائل الدبلوماسية".

ولفت المعهد إلى أن "تعزيز الوجود العسكري والاقتصادي الأميركي في الشرق الأوسط منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يتعارض مع الرواية التي روجت لها الصين في السنوات الأخيرة بأن الولايات المتحدة تنسحب من المنطقة".

ونوّه إلى أنه "مع التطورات المتلاحقة، غيرت الصين روايتها سريعا، فلم تعد تتحدث عن (انسحاب أميركي)، بل عن (تدخل مفرط)".

ويرى المعهد أن الصين "تستفيد من هذا الوضع من جانبين: أولا، لأن الوجود الأميركي يؤمّن استقرار سلاسل الإمداد والطاقة دون أن تتحمل بكين كلفة هذا الاستقرار".

وتابع: "وثانيا، لأنه يشتت الانتباه الأميركي ويضعف الحضور العسكري في شرق آسيا وجنوبها، حيث تسعى الصين لتوسيع نفوذها".

غير أن المعهد يحذر من أن "هذا النزاع، الذي يخدم مصالح الصين في احتواء النفوذ الأميركي، قد ينقلب إلى تصعيد إقليمي شامل، يُعرض مصالح بكين الاقتصادية، لا سيما في السعودية والإمارات، للخطر".

واستطرد المعهد: "انعكست هذه المخاوف بوضوح في التصريحات الصينية، التي استُثمرت لدعم موقف بكين السياسي".

"سواء من خلال تأكيد السردية الجديدة التي تنتقد التدخل الأميركي المفرط، أو عبر تشبيه الهجوم الأميركي بالغزو الأميركي للعراق بصفته خطوة فاشلة سلفا، أو من خلال تصوير فشل واشنطن كدليل على تراجع مكانتها كقوة عالمية"، حسب التقرير.

سقوط النظام

وانتقل المعهد للحديث عن علاقة الصين وإيران، وأوضح أنه "لو تحركت إيران نحو برنامج نووي عسكري، فلن تفقد التصريحات الصينية -التي تؤكد أنه لا تناقض بين دعم برنامج نووي مدني ومعارضة برنامج عسكري- مصداقيتها فحسب، بل قد تجد الصين نفسها مضطرة للتحرك ضد إيران".

وعزا ذلك "كون هذه النقطة ترتبط بمسألة أمن شركاء الصين العرب في الخليج، وضرورة تأكيد الصين على أنها تحمي مصالحهم أيضا".

وفيما يتعلق بالإطاحة بالنظام في إيران، أو حتى تقويض استقراره بشكل كبير، يعتقد المعهد أن "هذا لن يكون في صالح بكين".

وذلك لعدة أسباب ذكرها المعهد؛ "فأولا، تعد العلاقات الاقتصادية والسياسية الحالية بين البلدين مفيدة لبكين".

ثانيا، لأن "التدخل الخارجي لإسقاط الأنظمة يتعارض مع مبدأ (عدم التدخل) الذي تتمسك به الصين".

وثالثا، لأن "طهران تمثل نظاما معاديا للولايات المتحدة، يتعارض مع النظام العالمي (المهيمن)، ما يخدم مصالح بكين في الصراع بين القوى العظمى".

أما السبب الرابع، فيعود -حسب التقرير- لـ "خشية بكين من أن الفوضى في إيران قد تؤدي إلى صعود جماعات متطرفة، مثل تلك التي تعارض الصين بسبب قضية الإيغور، أو الجماعات البلوشية السنية الموجودة في إيران قرب الحدود مع باكستان وأفغانستان، مما يقرب خطر الإرهاب من الصين".

علاوة على ذلك، "ترى الصين في الخصومات الإقليمية -مثل التوتر بين إيران والسعودية- مساحة للمناورة والتأثير في المنطقة، إما كوسيط، أو كمستفيدة من التوترات طالما لم تخرج عن السيطرة".

"ولذلك، ترى الصين أن سقوط النظام الإيراني سيقلل من أدوات نفوذها، ويخلق حالة من عدم الاستقرار قد تضر بمصالحها الاقتصادية والسياسية في المنطقة"، وفقا للمعهد.

الأرباح والخسائر

"وبالنظر إلى الجغرافيا السياسية العالمية، ومع انخراط الولايات المتحدة بشكل مباشر في الحرب ضد إيران، يبدو أن الصين تكبدت خسارة"، يقول المعهد.

وأوضح: "فهي لم تظهر دعما ملموسا أو واضحا لإيران، التي يُفترض أنها حليفتها القوية في المحور المقابل للغرب". 

مضيفا: "حتى خطة النقاط الأربع التي طرحها شي جين بينغ لم تُناقش بجدية، ومحاولات الصين تمرير قرارات بمجلس الأمن باءت بالفشل".

واستطرد: "وحتى إن كانت الصين قد عملت سرا لمنع إيران من إغلاق مضيق هرمز، فإن دورها ظل غامضا، ما يشير إلى خسارة سياسية بالأساس في الشرق الأوسط".

وهنا يطرح المعهد تساؤلا حول "ما إذا كان لدى الصين حقا ما تخسره فيما يتعلق بوضعها ومصالحها في الشرق الأوسط أصلا؟".

وتابع: "فمنذ اتفاق المصالحة بين إيران والسعودية في مارس/ آذار 2023، حاولت الصين أن تقدم نفسها كوسيط فاعل في المنطقة".

وأردف: "وخلال الحرب في يوليو/ تموز 2024، استضافت الصين الفصائل الفلسطينية في لقاء مصالحة في بكين، وخرج (إعلان بكين) الذي دعا لتشكيل حكومة فلسطينية تضم جميع الفصائل، وادعت الصين أن ذلك يعكس أهميتها في المنطقة".

مع ذلك، يرى المعهد أن "دور الصين في المصالحة الإيرانية-السعودية، أو أهمية (إعلان بكين)، ظلت مبهمة".

فالصين -بحسبه- "اهتمت بالصورة والانطباع أكثر من اهتمامها بالدور الحقيقي".

وأضاف: "كذلك في موضوع الحوثيين، حرصت على البقاء على مسافة آمنة، وركزت فقط على حماية سفنها".

وبالتالي، يعتقد التقرير أنه "ورغم الترويج لدورها المتنامي، يتضح منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أن الصين ليست لاعبا محوريا في القضايا الجوهرية في المنطقة".

"كما أن دول المنطقة تفرّق بين أهميتها الاقتصادية في مجالات التجارة والبنية التحتية، وبين الاعتماد السياسي-العسكري الواضح على الولايات المتحدة"، أضاف التقرير.

"ومن هنا، يمكن القول إن هذه الدول لم تتوقع من الصين أكثر من الخطاب، وبالتالي لم تخسر الصين الكثير، بل عززت فقط انطباعات كانت موجودة سلفا"، وفق المعهد العبري.

على الجانب الآخر، أوضح المعهد أنه "في ظل التنافس بين القوى الكبرى، فإن الحضور الأميركي في الشرق الأوسط، وتوجيه الاهتمام والقوات من شرق آسيا إلى هناك، يصب في مصلحة الصين".

فهي -وفقا له- "تستفيد من بقاء الولايات المتحدة كـ (مزود أمني) للمنطقة، ما يضمن تدفق الطاقة للصين دون أن تتحمل بكين التكاليف الاقتصادية والدبلوماسية لحماية الاستقرار".

"كما أن هذا التحول يخفف من تركيز واشنطن على شرق آسيا، وهو ما يخدم الصين أيضا"، بحسب رأيه.

ويختلف المعهد مع الادعاءات التي تقول إن "الهجوم الأميركي على إيران يشكل تحذيرا لبكين فيما يخص تايوان".

ورأى أنها "تقديرات مبالغ فيها، لأن الحالة التايوانية تختلف تماما عن الوضع الإيراني، سواء من حيث العلاقات، أو ميزان القوى، أو القدرات العسكرية، أو الرأي العام العالمي".

كما أوضح أن "عدم توسع الحرب لصراع إقليمي شامل، أفاد الصين عبر حفاظها على شراكاتها الخليجية، وهو ما يفتح المجال أمام الصين لاغتنام الفرص الاقتصادية".

كذلك، يعتقد أنه "بعد تضرر البرنامج النووي العسكري الإيراني، يمكن للصين أن تعرض المساعدة في التوصل إلى اتفاق نووي جديد، وإعادة تأهيل البرنامج المدني، كما سبق أن لعبت دورا في الاتفاق النووي السابق".

وإذا أُبرم اتفاق نووي جديد يتضمن رفع العقوبات، يعتقد التقرير أن "الصين ستستفيد كثيرا، إذ ستعود لتنفيذ اتفاقيات ثنائية معلقة مع إيران، وستشارك في عملية إعادة إعمار واسعة هناك".

بالإضافة إلى ذلك، "تبدو إيران الآن ضعيفة أكثر من ذي قبل، وهي بحاجة ماسة للصين، ما قد يسمح لبكين بشراء النفط الإيراني بأسعار منخفضة، خاصة مع عدم رفع العقوبات الغربية على طهران".

أما على صعيد تصدير السلاح، يشير المعهد إلى أن "إخفاق إيران العسكري يُعزى إلى الأسلحة الروسية، وليس الصينية، في حين أن الأسلحة الصينية حظيت بإشادة كبيرة أخيرا خلال النزاع القصير بين باكستان والهند".

وتابع: "ومع سعي إيران لإعادة بناء جيشها، تبدو الصين كمورّد طبيعي".

واستدرك: "لكن من غير الواضح إن كانت بكين ستغامر بتزويدها بأسلحة متقدمة، خاصة قبل توقيع اتفاق نووي ورفع العقوبات. وحتى بعد ذلك قد تتردد، خشية إثارة غضب شركائها العرب".

ومع ذلك، توقع المعهد أن "تستغل الصين الوضع لزيادة صادراتها العسكرية إلى دول أخرى، خصوصا تلك التي لا تبيع لها الولايات المتحدة أسلحة، ما يمثل فرصة تجارية وإستراتيجية لبكين".

وهكذا خلص المعهد إلى أن الصين "نجحت في الحفاظ على مكانتها كقوة اقتصادية عالمية، من دون أن تتحمل تكلفة القيادة الأمنية، مع تقليل المخاطر وتحقيق الفوائد".

وبحسبه، فإن "هذا السلوك الصيني يجسد مرة أخرى الخيار الاستراتيجي الذي تتبناه بكين: التصرف بحذر، والتأثير من دون تدخل مباشر، وتحقيق المكاسب من دون التزامات".

ولفت المعهد العبري إلى أن "هذا النهج الصيني قد يكون مفيدا لإسرائيل، إذا تمكنت من التعاون مع دول الخليج العربي لدفع الصين إلى اتخاذ موقف حذر، يمنع إيران من إعادة التسلح بسرعة أو من مواصلة تطوير برنامجها النووي العسكري".

"كما يمكن، بالتعاون مع الولايات المتحدة، العمل على الترويج لاتفاق نووي جديد"، وفق قوله.

وختم قائلا: "كلما زاد تعاون بكين مع واشنطن، وتشابهت مصالحهما في الملف الإيراني، حتى لو اختلف خطابهما، زادت إمكانية صياغة اتفاق يلبي أيضا احتياجات إسرائيل الأمنية".