"موسى هلال" يعود بقوة للمشهد السوداني.. هكذا يمهد لمعركة الصحراء الكبرى

داود علي | منذ ٦ أيام

12

طباعة

مشاركة

في لحظة فارقة من الحرب السودانية الأهلية التي تدخل عامها الثالث، يعود اسم موسى هلال الزعيم القبلي والعسكري إلى الواجهة من جديد. 

فإعلان الرجل الذي يقود مجلس الصحوة عن تشكيل قوة عسكرية مشتركة مع الحركات المتحالفة مع الجيش السوداني لم يأتِ كخطوة عابرة. 

بل كإشارة واضحة إلى أن معركة الصحراء الكبرى باتت تقترب، وأن خطوط الإمداد الإماراتية القادمة لمليشيات الدعم السريع من ليبيا عبر المنطقة الممتدة بين دارفور وكردفان مرشحة أن تتحول إلى مسرح مواجهة حاسمة. 

خاصة أن القوة الجديدة بحسب خبراء سودانيين، تمثل رهانا إستراتيجيا على تغيير موازين الحرب مع المتمردين، وربما إعادة رسم خريطة الصراع في غرب السودان المشتعل.

مهام القوة الجديدة 

وفي 21 سبتمبر/ أيلول أعلن مجلس الصحوة الثوري بقيادة الزعيم القبلي موسى هلال عن اتفاق مع القوة المشتركة للحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش السوداني لتشكيل قوة عسكرية جديدة.

الإعلان جاء بعد أول لقاء علني بين هلال وقيادات من القوة المشتركة في شمال دارفور، وفتح الباب واسعا أمام تساؤلات حول أبعاد هذا التحالف الجديد ومهامه المقبلة.

الاتفاق، كما جاء في بيان المتحدث باسم مجلس الصحوة أحمد أبكر، يهدف إلى تكوين قوة تعمل على فتح الطرق والأسواق التي أغلقتها الحرب، وتأمين خطوط المواصلات والمراحيل التقليدية التي تضررت بشدة في الشهور الماضية. 

كما ستتولى القوة مواجهة السرقات والأنشطة الإجرامية المتنامية في ظل الانهيار الأمني، إلى جانب حماية الموسم الزراعي الذي يشكل مصدر الرزق الأساسي لآلاف الأسر في الإقليم. 

البيان أشار أيضا إلى التزام الطرفين بتعزيز التنسيق العسكري، ومعالجة القضايا الاجتماعية العالقة، والدعوة إلى التعايش السلمي ونبذ خطاب الكراهية بين المكونات المحلية.

سبب التشكيل 

غير أن الخطوة لا يمكن قراءتها في إطارها الأمني فقط، فموسى هلال الذي ينحدر من عشيرة المحاميد أحد أفرع قبيلة الرزيقات، ظل منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل / نيسان 2023 يطرح نفسه كحليف للجيش السوداني في مواجهة قوات الدعم السريع. 

الرجل وصف الحرب مرارا بأنها "غزو للسودان من مرتزقة قدموا من غرب إفريقيا"، في إشارة إلى تجنيد الدعم السريع لمقاتلين من دول الجوار. 

وخلال العامين الماضيين، حصلت قوات مجلس الصحوة على دعم مالي وعسكري من الجيش عبر عمليات إسقاط جوي، فيما ظلّ هلال يتحرك بحرية في مناطق التماس بين شمال وغرب دارفور، معتمدا على معقله التقليدي في مستريحة بشمال دارفور. 

وبحسب تقرير منصة "فيستا" المحلية السودانية، المنشور في 22 سبتمبر، فإن توقيت الإعلان عن تشكيل هذه القوة يحمل دلالات واضحة. 

فالمعارك في مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، بلغت ذروة جديدة مع سعي قوات الدعم السريع لانتزاع السيطرة على المدينة التي تمثل مركز ثقل سياسيا وعسكريا للإقليم. 

الجيش السوداني وحلفاؤه من الحركات المسلحة يقاتلون بضراوة للدفاع عن مواقعهم، لكنهم يواجهون في المقابل حصارا خانقا يفرضه الدعم السريع أدى إلى نقص حاد في الغذاء والدواء، ودفع بالوضع الإنساني إلى حافة الانهيار.

لذلك وبحسب "فيستا" فإن تشكيل القوة الجديدة يعد تمهيدا لمعركة أكبر وأكثر حساسية، حيث يدور الحديث هنا عن محور الصحراء الكبرى، الطريق الإستراتيجي الذي يربط الدعم السريع بالإمدادات القادمة من الإمارات عبر الأراضي الليبية تحت إشراف قوات الجنرال الليبي الانقلابي خليفة حفتر. 

لماذا موسى هلال؟

ويمثل محور الصحراء الكبرى شريان حياة رئيسا للدعم السريع، وقطعه يعني خنق الإمداد بالسلاح والعتاد، وهو ما يسعى الجيش وحلفاؤه إلى تحقيقه في المرحلة المقبلة.

من هذه الزاوية، يبدو دخول موسى هلال على خط المعركة أكثر من مجرد إضافة عسكرية.

فالرجل يمتلك خبرة طويلة في جغرافيا الصحراء الكبرى، إلى جانب ثقل قبلي يتيح له تجنيد مقاتلين وتأمين خطوط الإمداد والتمركز. 

ولعل هذه القدرات هي التي تجعل البعض يعتقد أن القوة الجديدة ستلعب دورا محوريا في تحويل ميزان القوى، ليس فقط في دارفور، بل في مجمل مسار الحرب السودانية.

التداعيات المحتملة لتطور كهذا لا تقتصر على الداخل، فإذا ما توجهت هذه القوة إلى محور الصحراء الكبرى، فإنها ستقترب بشكل مباشر من شبكات الإمداد الليبية المدعومة إماراتيا، وهو ما قد يفتح الباب أمام مزيد من التدويل للصراع، ويضع دارفور مجددا في قلب التجاذبات الإقليمية. 

أهمية الصحراء الكبرى؟ 

وتكمن أهمية الصحراء الكبرى؛ حيث يلتقي السودان بمصر وليبيا عند جبل العوينات، وفيها يبرز ما يعرف بالمثلث الحدودي كنقطة إستراتيجية شديدة الحساسية. 

هذه المنطقة الممتدة على مساحة تزيد عن 1500 كيلومتر، وعلى ارتفاع يقارب ألفي متر فوق سطح البحر، شكلت عبر عقود عقدة طرق مفتوحة أمام شبكات التهريب والبشر والسلاح، لكنها اليوم تحوَّلت إلى مسرح مواجهة إقليمية يتجاوز تأثيرها حدود السودان.

وفي 11 يونيو/ حزيران 2025، أعلنت الدعم السريع سيطرتها على المثلث الحدودي، في عملية وصفتها مصادر عسكرية بـ"الاجتياح المنسق".

السيطرة على هذه البقعة من الصحراء الكبرى لم تكن مجرد تقدم جغرافي، بل حملت دلالات عميقة على اتساع رقعة الصراع وتورط مليشيات أجنبية، من بينها كتيبة سبل السلام الليبية السلفية، التابعة مباشرة لقيادة الجنرال خليفة حفتر في بنغازي.

كما تأتي أيضا أهمية المثلث من موقعه الحيوي شمال مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش السوداني في غرب البلاد.

ومع استمرار الحصار الذي تفرضه الدعم السريع على الفاشر منذ أكثر من عام، مثلت السيطرة على المثلث الحدودي خطوة تهدف إلى عزل المدينة وتطويق ما تبقى من الوجود العسكري للجيش، مما يجعل من الصحراء الكبرى شريانا إستراتيجيا للضغط على دارفور وكردفان معا.

الإمارات والصحراء الكبرى

كذلك فإن الأبعاد الإقليمية لأهمية معركة الصحراء الكبرى تزداد وضوحا خاصة بعد الاتهامات التي وجهها مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير الحارث إدريس الحارث، لدولة الإمارات. 

ففي رسالة رسمية إلى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، في 4 مايو/ أيار 2025، أكد أن أبوظبي ضالعة بشكل مباشر في الحرب عبر تمويل وتجنيد مئات المرتزقة الأجانب لصالح الدعم السريع. 

وأشارت الوثائق المرفقة إلى استقدام ما بين 350 و380 عسكريا كولومبيا متقاعدا بينهم ضباط سابقون عبر شركات أمنية مقرها الإمارات.

بحسب هذه الوثائق، تولت شركات مثل مجموعة الخدمات الأمنية العالمية (GSSG) بقيادة الإماراتي محمد حمدان الزعابي، ووكالة الخدمات الدولية (A4SI) التي يديرها العقيد الكولومبي المتقاعد ألفارو كيجانو من مدينة العين، تنفيذ عمليات التجنيد والنقل. 

وقد جرى نقل المرتزقة جوا من الإمارات إلى بوساسو في الصومال، ومنها إلى بنغازي بليبيا تحت إشراف ضباط موالين لحفتر، قبل أن تفتح أمامهم بوابات الصحراء الكبرى لعبورهم نحو السودان عبر تشاد.

التقارير السودانية رصدت كذلك 248 رحلة جوية بين نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 وفبراير/ شباط 2025، استغرقت أكثر من 15 ألف ساعة طيران، وخصصت لتهريب المرتزقة والأسلحة إلى مدن مثل نيالا والفاشر وحمرة الشيخ، عبر الصحراء الكبرى. 

وأكدت أن هؤلاء المقاتلين، الذين أطلق عليهم اسم "ذئاب الصحراء"، شاركوا بشكل مباشر في حصار الفاشر وشن هجمات ضد المدنيين والبنية التحتية، إضافة إلى تدريب قوات الدعم السريع على حرب المدن واستخدام الأسلحة الثقيلة.

احتلال سياسي وعسكري

وفي قراءته لهذه التطورات، قال السياسي السوداني، الدكتور إبراهيم عبد العاطي لـ"الاستقلال"، إن "معارك السودان تحولت إلى ساحة لتداخل مصالح إقليمية ودولية تهدد سيادة وطننا ووحدة أراضينا". 

وأضاف عبد العاطي أن "السيطرة التي حققتها الجنجويد (الدعم السريع) على هذه النقاط الحساسة ليست خطوة عسكرية عابرة، بل كان فعلا يستدعي وقفة وطنية من كل القوى الوطنية لمواجهة التداعيات".

وتابع: "لذلك فإن نجاح القوة الجديدة التي يقودها مجلس الصحوة وموسى هلال في مهامها لن يقاس فقط بقدرتها على فتح الطرق وحماية الأسواق، بل بقدرتها على تسهيل الأمر للجيش والوحدات العسكرية التابعة له للتعامل مع طبيعة الصحراء الكبرى كمسرح عملي مفتوح ومعقد". 

وأشار إلى أن "الخبرة القبلية للزعيم هلال ومعرفته بجبال ورمال الصحراء تمنحهما أفضلية تكتيكية مقارنة بالمليشيات التي اعتادت على هجمات خاطفة وانسحاب سريع، لذلك فإن الاستعانة به في تلك المرحلة لا غنى عنه".

ومضى السياسي السوداني يقول: "لا يمكننا أن نتجاهل أن خطوط الإمداد العابرة للصحراء والمحاور القادمة من ليبيا ليست مجرد طرق رملية يمكن قفلها بسهولة، إنها شبكات تهريب قديمة محمية بأغطية ومعقدة". 

وأضاف عبد العاطي: "أي محاولة لتعطيلها ستصطدم بمصالح قوى إقليمية نافذة، وبالتالي فإن المواجهة هنا ليست فقط على الأرض بل في ميادين السياسة والدبلوماسية والضغط الدولي". 

وشدد بالقول "أطالب الجيش والحكومة الانتقالية والمجتمع المدني والقوى السياسية السودانية باتخاذ موقف واضح وصارم، وتعزيز التنسيق الأمني والقبلي على الأرض لتأمين المثلث الحدودي وممرات الصحراء الكبرى".

وأردف بالقول: "هناك دولة (قاصدا الإمارات) تتعامل مع المنطقة كمنصة نفوذ وتمارس سلوكا يقارب الاحتلال السياسي والعسكري عن طريق وكلاء ومرتزقة، فعلينا أن نواجه ذلك بصوت واحد، لا تنازلات في السيادة، ولا مجال لتبرير التدخل تحت أي غطاء، وعلينا أن نحول امتداد الصحراء الكبرى من ممر اضطراب إلى جدار حماية لأمن السودان وسيادته".