مجلس الأمن يقر مشروع قرار بشأن غزة.. وناشطون: سند ملكية لترامب بتواطؤ عربي

الفصائل الفلسطينية حذرت من خطورة مشروع القرار الأميركي المقدم لمجلس الأمن بشأن مستقبل غزة
رغم تحذيرات الفصائل الفلسطينية من خطورة مشروع القرار الأميركي المقدم لمجلس الأمن الدولي بشأن إنهاء الحرب الإسرائيلية في غزة ورفضها له شكلا ومضمونا، اعتمده المجلس، بالأغلبية، وصوت 13 عضوا بالمجلس لصالحه، بينما امتنعت روسيا والصين عن التصويت.
وأقر مجلس الأمن الدولي في 17 نوفمبر/تشرين الأول 2025، مشروع القرار الأميركي المعدل الذي يؤيد خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن غزة المكونة من 20 نقطة والصادرة في 29 سبتمبر/ أيلول 2025، والتي تتضمن نشر قوة دولية ومسارا نحو "إقامة دولة فلسطينية".
ووفق موقع الأمم المتحدة فإن القرار رقم 2803 بشأن غزة يرحب بإنشاء مجلس السلام بصفته "هيئة إدارية انتقالية ذات شخصية قانونية دولية تتولى وضع إطار العمل وتنسيق التمويل لإعادة تنمية غزة وفقا للخطة الشاملة، ريثما تستكمل السلطة الفلسطينية برنامجها الإصلاحي بشكل مُرْضٍ.
وأوضح أن ذلك الشكل على النحو المبين في المقترحات المختلفة، بما في ذلك خطة السلام التي قدَّمها الرئيس ترامب عام 2020 والمقترح السعودي - الفرنسي، ويكون بمقدورها استعادة زمام السيطرة على غزة بشكل آمن وفعال.
وأضاف القرار أن "بعد تنفيذ برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية بأمانة وإحراز تقدم في عملية إعادة التنمية في غزة، "قد تتوافر الظروف أخيرا لتهيئة مسار موثوق يتيح للفلسطينيين تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية".
وأشار إلى أن الولايات المتحدة ستعمل على إقامة حوار بين إسرائيل والفلسطينيين للاتفاق على آفاق العمل السياسي بغية التعايش في سلام وازدهار.
ويأذن القرار للدول الأعضاء التي تتعاون مع مجلس السلام ولمجلس السلام "بإنشاء قوة دولية مؤقتة لتحقيق الاستقرار في غزة تُنشر تحت قيادة موحدة يقبلها مجلس السلام، وتتألف من قوات تسهم بها الدول المشاركة، بالتشاور والتعاون الوثيقين مع جمهورية مصر العربية ودولة إسرائيل.
كما يأذن القرار باستخدام جميع التدابير اللازمة لتنفيذ ولاية هذه القوة الدولية بما يتفق مع القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني.
وستعمل القوة الدولية بموجب القرار على مساعدة مجلس السلام في مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار في غزة، وإبرام الترتيبات التي قد تكون ضرورية لتحقيق أهداف الخطة الشاملة.
ويظل الإذن الصادر لكل من مجلس السلام وأشكال الوجود المدني والأمني الدولي ساريا حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2027، رهنا باتخاذ مجلس الأمن إجراءات أخرى، وأن يكون أي تجديد للإذن الصادر للقوة الدولية بالتعاون والتنسيق الكاملين مع مصر وإسرائيل والدول الأعضاء الأخرى التي تواصل العمل مع القوة الدولية.
وقال السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة: إنه لن يكون هناك مستقبل في قطاع غزة طالما أن حماس تمتلك أسلحة. مؤكدا أن نزع سلاح حماس شرط أساسي في القرار الأميركي الذي صوّت عليه مجلس الأمن.
وفي أول رد لها على اعتماد مجلس الأمن لمشروع القرار الأميركي، قالت حركة المقاومة الإسلامية حماس، إن هذا القرار لا يرتقي إلى مستوى مطالب وحقوق شعبنا الفلسطيني السياسية والإنسانية، لا سيما في قطاع غزة.
وأشارت إلى أن القطاع واجه على مدى عامين كاملين حربَ إبادة وحشية وجرائم غير مسبوقة ارتكبها الاحتلال الإرهابي أمام سمع وبصر العالم، ولا تزال آثارها وتداعياتها ممتدة ومتواصلة رغم الإعلان عن إنهاء الحرب وفق خطة الرئيس ترامب.
وأكدت حماس أن "القرار يفرض آلية وصايةٍ دولية على قطاع غزة، وهو ما يرفضه شعبنا وقواه وفصائله، كما يفرض آليةً لتحقيق أهداف الاحتلال التي فشل في تحقيقها عبر حرب الإبادة الوحشية".
ولفتت إلى أنه ينزع قطاعَ غزة عن باقي الجغرافيا الفلسطينية، ويحاول فرض وقائع جديدة بعيدا عن ثوابت شعبنا وحقوقه الوطنية المشروعة، بما يحرم شعبنا من حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته الفلسطينية وعاصمتها القدس.
وشددت حماس على أن مقاومة الاحتلال، بكل الوسائل، حق مشروع، كفلته القوانين الدولية، وسلاح المقاومة، مرتبط بوجود الاحتلال، وأي نقاش في ملف السلاح، يجب أن يبقى شأنا وطنيا داخليا مرتبطا بمسار سياسي يضمن إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة وتقرير المصير.
وأكدت أن تكليف القوة الدولية بمهام وأدوار داخل قطاع غزة، منها نزع سلاح المقاومة، ينزع عنها صفة الحيادية ويحوّلها إلى طرف في الصراع لصالح الاحتلال، وأن أي قوة دولية، في حال إنشائها، يجب أن توجد على الحدود فقط، للفصل بين القوات، ومراقبة وقف إطلاق النار.
وأضافت الحركة أن أي قوة يجب أن تخضع بالكامل لإشراف الأمم المتحدة، وأن تعمل حصريا بالتنسيق مع المؤسسات الفلسطينية الرسمية، من دون أن يكون للاحتلال أي دور فيها، وأن تعمل على ضمان تدفق المساعدات، دون أن تتحول إلى سلطة أمنية تلاحق شعبنا ومقاومته.
وأعلنت حركة الجهاد الإسلامي رفضها للقرار الأميركي لما يشكله من وصاية دولية على قطاع غزة، مؤكدة أنه يفصل القطاع عن باقي الأراضي الفلسطينية ويفرض وقائع جديدة تناقض ثوابت شعبنا.
وقالت: إن حق شعبنا في مقاومة الاحتلال يكفله القانون الدولي ويشكل سلاح المقاومة ضمانة لهذا الحق.
وفي تعليقه على التصويت على القرار، قال ترامب: "أهنئ العالم على التصويت المذهل لمجلس الأمن الذي أقرّ تشكيل مجلس السلام بشأن غزة الذي سأقوم برئاسته". مضيفا أن القرار أحد أكبر التوافقات في تاريخ الأمم المتحدة وسيؤدي إلى مزيد من السلام في جميع أنحاء العالم.
وتابع: "هذه لحظة ذات أبعاد تاريخية حقيقية وشكرا للأمم المتحدة وجميع الدول في مجلس الأمن".
وأثار إقرار مجلس الأمن لمشروع القرار الأميركي موجة غضب واستياء واسع على منصات التواصل الاجتماعي، وعده ناشطون قرارا يشرعن الاحتلال الإسرائيلي لغزة خاصة أنه لم يوجه أي إدانة لـ"إسرائيل" ولم يندد بأعمال الإبادة الجماعية والقتل والتهجير التي ينتهجها الكيان.
وأكدوا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي “إكس” و"فيسبوك" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #مشروع_القرار_الأميركي، #مجلس_الأمن، #غزة، #الجزائر، وغيرها، أن القرار يفرض وصاية دولية على غزة ويهدد استقلال الفلسطينيين، مستنكرين تصويت الجزائر لصالح القرار وامتناع روسيا والصين عن استخدام الفيتو.
وندد ناشطون بإقرار مجلس الأمن نزع سلاح المقاومة وترك الإشراف الفعلي على ذلك للكيان المحتل، وتحدثوا عن مشروعية حمل السلاح في مواجهة العدوان الإسرائيلي وأعلنوا تمسكهم بحقهم، مؤكدين أن القرار يقدم خدمات مجانية للاحتلال ويخدم الرواية الأميركية الإسرائيلية.
وصاية أميركية
ورفضا لإقرار مجلس الأمن مشروع القرار الأميركي، نقل الكاتب أحمد أبو رتيمة، عن عزيز المصري قوله: إن قرار الليلة شكل من أشكال الوصاية أشبه بصكوك الانتداب أوائل القرن العشرين.
ورأى المصري ضرورة التفكير في كيفية تحويل المحنة إلى منحة، خاصة أن قرار مجلس الأمن يحتاج وقتا وجهدا كبيرا لتحويله إلى واقع على الأرض والتحديات أمامه كبيرة، معربا عن شكّه في أن العقل السياسي الفلسطيني الحالي يستطيع فعل ذلك.
وقال: "نحتاج إلى غربلة كل العفن السياسي الفلسطيني وإعلان الهزيمة وتقاعد الأطراف الحالية، وأن ندخل في مرحلة انتقالية يقودها جيل قادم إن امتلك الرؤية يستطيع أن يكمل المشوار".
وأضاف أن الأجيال الفلسطينية السياسية الحالية قدمت كل ما لديها إن كان إيجابيا أو سلبيا أو خطايا وأخطاء، ولم يعد لديها أكثر إلا المزيد من الخطايا.
وأكد حسام شاكر، أن مجلس الأمن يشرعن وصاية أميركية مرفوضة فلسطينيا على غزة ويمنح غطاء أعمى لخطة ذات طابع استعماري مكرّسة لتحقيق أهداف الحرب، ويتجاهل تقرير المصير والعدالة والقانون الدولي، ويستخدم المساعدات للابتزاز.
وقال: إن تكليف قوة خارجية بأدوار غير وقف إطلاق النار ينزع عنها الحياد ويكرسها لخدمة الاحتلال.
وعلقت ليلى الطرابلسي، على تأييد 13 عضوا لمشروع القرار الأميركي بشأن غزة وامتناع روسيا والصين عن التصويت ما أدى لاعتماد مجلس الأمن للقرار، قائلة: "يتواصل غدر غزة وخذلانها بالقانون الدولي وبخزي ومذلة عربية.. احتلال مقنن، بمباركة دولية وعربية مخزية".
ووصف محمد عطايا اليوم بأنه يوم حزين في تاريخ القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي.
وأرجع ذلك إلى تمرير قرار في مجلس الأمن يؤدي عمليا إلى إخضاع غزة لإرادة أميركا وإسرائيل، وإلى حرمان الشعب الفلسطيني في القطاع (وليس حركة حماس وحدها) من حقه المشروع في حمل السلاح دفاعا عن نفسه في مواجهة الاحتلال والحصار والقمع، دون حتى أن يقر له بحقوقه الوطنية المشروعة.
وأشار عطايا إلى أن أغلب الدول التي وافقت على القرار وعلى خطة ترامب من قبله، ترى أنها فعلت ذلك تحت التهديد، بتقدير أن البديل هو التنكيل بغزة وأهلها أكثر مما جرى، وأن أحدا لن يستطيع الوقوف أمام مخطط إسرائيل لتهجير سكان القطاع.
وتساءل: "لو كانت إسرائيل فعلاً قادرة على الاستمرار في الحرب وعلى تحقيق أهدافها منها، فلم توقفت؟"، مؤكدا أن إسرائيل أيضاً كانت قد أنهكت من الحرب وتكلفتها العالية عليها داخلياً وخارجياً، اقتصادياً وسياسياً واجتماعيا، ووجدت أنها بحاجة إلى وقف القتال.
وأكد عطايا، أن هذا هو ما دعا أميركا إلى إطلاق المبادرة، بجانب الاقتناع بأن عودة الحرب ستضيف إلى هذه التكلفة، وهذا كان يعطى الدول المتحفظة على مضمون القرار قدرة أكبر على المساومة، لا سيما أنها أكثر عددا وحجتها أقوى وموقفها أصلب أخلاقيا.
واستنكر أن الجانب العربي (بعكس إيران مثلا) يقع، مرة أخرى، ضحية لقصر نفسه في المساومة، واستعجاله الوصول إلى نقطة النهاية، ومن ثم استعداده لتقديم تنازلات حتى في عظائم الأمور، مقابل ثبات إسرائيل وأميركا وطول نفسهم في المفاوضات، وهو ما يعطيهم بالمفاوضات مكاسب لم يستطيعوا تحقيقها بالحرب.
وعد عامر الهزيل مشروع قرار "مجلس السلام" رقم 2803 هو أخطر مشروع تصفوي للقضية الفلسطينية منذ نكبة 1948، ويهدف لتحقيق دبلوماسي لما عجزت عنه إسرائيل عسكريًا خلال حرب فاشية ووحشية استمرت عامين لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلا. وأكد أن مشروع "مجلس الوصاية على غزة" غطاء دبلوماسي لتصفية القضية الفلسطينية وتحويلها من التحرر إلى الوصاية.
وقال الهزيل: "نعم إنه مجلس تصفية بثوب السلام في زمن فرضت فيه المقاومة وطوفان الأقصى تحولا جذريا شعبيا وسياسيا عالميا لصالح إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني"، مؤكدا أن قرار مجلس الأمن المقترح جاء للقضاء على كل هذه المكتسبات.
وأكد زهير عبدالله حسين، أن ما جرى بمجلس الأمن ليس "سلامًا"، بل إعادة هندسة سياسية كاملة لغزة دون موافقة أهلها، متسائلا: “هل نحن أمام هدنة دولية… أم بداية وصاية مفروضة على شعب محاصر؟”
وتوعد علاء الصالح قائلا: "من يُرِد أن يحكم أهل غرْة ويفرض عليهم وصاية تشبه الاحتلال وتنوب عنه وتحقق ما عجز عن تحقيقه فليتفضل وليدخل القطاع وأنفاقه! وليودع أهله قبل ذلك! يلي حابب يلعب مع الغزازوة يلعب.. وكلمة الفصل لهم في كل آن وحين.. الله غالب".
معركة جديدة
وفي تفسير لما يعنيه تمرير القرار الأميركي بمجلس الأمن وتقديما للتحليلات والقراءات، أوضح وسام عفيفي، أن القرار لا يملك شرعية فلسطينية؛ لغياب أي طرف فلسطيني- لا فصائل ولا سلطة- عن صياغته، لكنه أصبح أمرًا واقعًا دوليًا سيحاول الجميع استثماره وفق مصالحهم: الولايات المتحدة، ودول الإقليم، والاحتلال.
وتوقع أن المقاومة لن تتعامل مع القرار كمسار سياسي مفروض، بل كمعركة جديدة من نوع مختلف، مؤكدا أن لا شرعية فلسطينية للقرار وأن الفصائل ترى أن أي ترتيبات تُصاغ من الخارج لا تمثل الشعب الفلسطيني، ولا يمكن أن تكون بديلا عن إرادته أو مشروعه الوطني.
وأشار عفيفي إلى أن هذا الرفض السياسي لن يمنع تحويل الإدارة الدولية إلى "سلطة أمر واقع" فوق الفلسطينيين. لافتا إلى أن المقاومة لن تتجه إلى مواجهة مع القوة الدولية، لكنها أيضًا لن تسمح بتحويلها إلى قوة إنفاذ تعمل نيابةً عن الاحتلال.
وأوضح أن الهدف من ذلك حصر دور القوة الدولية في مراقبة وقف إطلاق النار، والفصل بين الجانبين، وتثبيت الاستقرار وإنهاء الحرب وليس الانخراط في أي مهام أمنية تستهدف سلاح المقاومة أو البنية الوطنية.
وخلص إلى أن القرار الدولي خطوة كبرى لإعادة رسم مستقبل غزة، لكنه لا يعني نهاية دور المقاومة، والمتاح أن تتعامل معه بمرونة سياسية محسوبة تقوم على رفض سياسي والتعامل مع الأمر الواقع، قبول بالضرورات الإنسانية، تحجيم الدور الأمني للقوة الدولية، وبناء مسار وطني يحفظ الهوية والكيانية الفلسطينية.
وقال السفير فوزي العشماوي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق: إن ما حدث تطور تاريخي مهم في مسار القضية الفلسطينية والمنطقة، يضع غزة عمليا تحت الانتداب الأميركي بمظلة دولية.
وأوضح أن القرار يعني ببساطة أن إسرائيل بكل قوتها ودمويتها وتدميرها للقطاع عاجزة عن فرض إرادتها وتحقيق أهدافها، فكان لزاما تنحيتها جانبا ولو مؤقتا بعد أن تجاوز الضرر صورتها وعزلتها ليمتد لحليفها الأكثر أهمية وكل داعميها.
وأشار العشماوي إلى أن القرار يعني من جهة أخرى رفضا أميركيا بغطاء دولي بأن يكون تحقق الطموحات الفلسطينية من خلال البندقية والصاروخ والكفاح والمقاومة المسلحة خاصة حينما يكون الأمر متعلقا "بالمدنيين" حسب التعريف الغربي والعالمي لا الفلسطيني والعربي.
وقال: إن مرور القرار يؤشر أيضا لوجود قطب سياسي أوحد على الساحة العالمية، في ظل تورط روسيا في المستنقع الأوكراني وحرص الصين على مكتسباتها وعدم تهيؤها بعد للتحول من عملاق اقتصادي لقطب سياسي دولي فاعل، ما جعل الاثنان يرجحان مصالحهما مع ترامب على قناعاتهما السياسية.
وأضاف العشماوي: "ربما أدي إرهاق العالم كله من مشاهد الدم والقتل والدمار إلي صدور القرار ومروره دون فيتو وبسهولة غير متوقعة، ولكن التزام الطرفين المعنيين أساسا به (إسرائيل والمقاومة) لن يكون بذات السهولة.
ولفت إلى أن أميركا المأزومة داخليا وترامب المطارد بعديد الملفات والخصوم لديهما مشاغل تنوء بها الجبال، ما يجعل اشتباكهما الضروري مع تطورات الأوضاع وإجراءات تطبيق القرار، بل وتفسير بنوده عملية مشكوكا فيها كثيرا، ما يجعله أشبه بهدنة أممية قسرية يلتقط فيها الغريمان أنفاسهما استعدادا لجولة وجولات أخرى، فنتنياهو لا يعيش ويبقى دون حروب وأزمات، ولا احتلال بدون مقاومة!
وأكد المحلل السياسي ياسين عزالدين أن كل المصائب موجودة في القرار الأميركي، ومنها أن مجلس السلام وهيئات دولية يشكلها ترامب سيتحكمون في إعادة إعمار غزة، وإعادة الإعمار مرهونة بنزع سلاح المقاومة، وتتولى قوة عسكرية دولية نزع السلاح في غزة بقيادة إسرائيلية ومصرية.
ورصد من ضمن المصائب رهن انسحاب جيش الاحتلال بنزع سلاح المقاومة، وإذا قامت السلطة بإصلاح نفسها (قصدهم أصبحت بمواصفات صهيونية تامة) وتم التقدم بإعادة إعمار غزة فربما ستكون هنالك ظروف لتقرير المصير ودولة فلسطينية.
ورأى عزالدين، أن أهم الكوارث في القرار أن عملية نزع السلاح ستستمر للأبد لأن إسرائيل تشرف عليها، ودائمًا ستزعم أنه يوجد سلاح لم يتم نزعه، هذا ما حصل بالضبط في مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982 عندما دخلوا المخيم بحجة البحث عن السلاح ثم قتلوا المدنيين، وهذا ما يحصل اليوم في جنوب لبنان.
وقال: لا توجد إعادة إعمار ولا انسحاب لجيش الاحتلال، وفوق ذلك سيكون هنالك مجلس وصايا أجنبي على شعبنا، وعندما يشكله ترامب فهذا معناه أن كل أشكال الفساد والإفساد والسرقة وسوء الإدارة موجودة فيه، كما أنه يوجد فصل تام بين الضفة وغزة ولا يوجد ذكر لجرائم الاحتلال في الضفة والقدس".
روسيا والصين
وعن عدم تصويت روسيا والصين على مشروع القرار الأميركي وعدم استخدامهما حق الفيتو لوقف تمريره، أرجع فيروز بدوي، ذلك لأن دولا عربية وإسلامية والسلطة موافقة على مشروع القرار، وعده موقفا منطقيا؛ إذ لماذا يطلب منهما أن يكونا ملكيين أكثر من الملك كما جاء في المثل السائر.
وشبه قرار مجلس الأمن بقطعة الجبنة السويسرية كله فراغات ستتكفل "إسرائيل" والمندوب السامي الأميركي بملئها وفق مبدأ.. الحق ما نحن عليه وأصحابنا.
وقال المحلل السياسي ياسر الزعاترة: إن القرار الأميركي يفتح الباب أم حالة "انتداب" على قطاع غزة، تعني وضعه تحت وصاية صهيوأميركية، مزيّنة ببعض الحضور من قبل آخرين أرعبهم "الثور الهائج" في واشنطن، والذي أقنعه صهاينتها بأنه سيُعيد لأميركا عظمتها من خلال الهيْمنة على المنطقة.
وأوضح أن جوهر مشروعهم هو فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية التي تواجه القمع والاستيطان ومشروع الضمّ والتهجير، وصولا إلى تصفية القضية من خلال "سلام اقتصادي" يحظى بإجماع في "الكيان"، وهو ذاته الذي سبق أن فشل بعد "أوسلو" ثم بعد احتلال العراق.
واستنكر الزعاترة، أن الفقرة التي أُضيفت للقرار كي يتمّ بمرير قبوله من قبل "الضامنين" الثلاثة وبقية العرب التي تقول: "الظروف قد تتهيّأ في نهاية المطاف لمسار جاد نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة دولة"، رغم تفاهتها قوبلت بردود واضحة الرفض من قبل نتنياهو ومعظم الفرقاء الصهاينة، حتى من خارج الائتلاف الحاكم.
وأكد أن لذلك كله، كان من الطبيعي أن ترفضه "حماس" وكل فصائل المقاومة، فيما كان مُتوقّعا أن تقبله "السلطة الفتحاوية"، لأن "بيع الوهْم" هو برنامجها الوحيد منذ بدء حقبتها "العبّاسية".
ورأى الزعاترة، أن الصين وروسيا كان بوسعهما أو إحداهما إفشال القرار من خلال "الفيتو"، لكنها لم تفعلا، واكتفتا بالامتناع عن التصويت، والسبب أنهما تدركان أنه محطّة باتجاه توريط أميركا في ملفات المنطقة، ما سيفضي إلى نزيف جديد يشبه نزيف ما بعد احتلال العراق وأفغانستان، بل ربما أسوأ، لأن فلسطين عنوان صراع أكبر يستقطب الأمّة كلها.
وخلص إلى أن أوهام ترامب وكذا صهاينته ستنتهي إلى الفشل، فلا وجود لقوّة في الأرض يمكنها أن تصفّي قضية فلسطين، ولا وجود لزعيم -مهما بلغ انبطاحه- يمكن أن يؤمّن على ضمّ الضفة، فضلا عن القدس التي خرجت سابقا من حسابات ترامب حين اعترف بها عاصمة لـ"الكيان" خلال ولايته الأولى.
وأكد الزعاترة أن بعد نبذ "الكيان" وأتباعه عالميا، وبعد "طوفان" منح المدد لخيار المقاومة وعزَل مناهضيه شعبيا، لا يمكن لمشروع ترامب وصهاينته أن يمر، و"سيعلم الذين ظلموا"، ومعهم الذين باعوا وساوموا وتآمروا سرّا وعلنا أيّ منقلب ينقلبون.
سند ملكية
واستنكارا لتأييد الجزائر بصفتها ممثلة الدول العربية لمشروع القرار الأميركي، تساءل الصحفي نظام المهداوي: “هل كان الجزائريون، وهم يكافحون الاستعمار والاحتلال الفرنسي، سيوافقون على قرارٍ دوليٍّ ينزع سلاحهم ويجرّدهم من حقّهم في تقرير مصيرهم عبر قوة دولية؟”
وكتب صلاح الدين ماكري: "بعد بيان دول الخزي أمس المؤيد للخطة الأميركية التي تريد فرض ما عجز عن فرضه الاحتلال بالقوة والبطش، ها هي الجزائر تلتحق بهم بنعم جديدة تعطي ضوءا أخضر نهائيا لاحتلال أميركي جديد للمدينة الصامدة بغلاف وغطاء دولي".
واستنكر تأييد الجزائر لمشروع القرار الأميركي رغم الالتماس والنداء الذي قدمته الفصائل الفلسطينية لها بشكل خاص، قائلا: "إنا لله وإنا إليه راجعون، فلنستعد للتطبيع القسري الشامل ولنكن رجالا في مواجهته والله يتولى الصالحين".
ودعا أحمد عرفات شعب الجزائر لإثبات أنهم مع غزة فعلا ودعاهم للخروج لإسقاط حكومتهم الخائنة لدماء الشهداء بموافقتها على القرار الأسود الظالم بحق غزة وأهلها.
وقال أحمد سمير: "بدون مكياج... الموقف الجزائري هو هكذا على حقيقته، لا يخرج عن طبيعة المواقف المخزية للحكومات العربية وسلطة أوسلو، وأدوارهم الوظيفية في خدمة النظام الدولي المتآمر وتنفيذ أجنداته الظالمة".
وتهكم سيد صابر مرتضى، قائلا: "نبارك للأمتين العربية والإسلامية حصول ترامب على سند ملكية قطاع غزة بتفويض من مجلس الأمن وموافقة المجموعة العربية الممثلة بمندوب الجزائر ومباركة سلطة محمود عباس الخائنة".
وأضاف: "هكذا سيصبح حالنا إن بقي حالنا في لبنان على هذا الحال.. بئس هذا الزمن الصهيوأميركي بامتياز".















