وسط تغيرات إقليمية ودولية معقدة.. ما رؤية القاهرة لسوريا تحت حكم الشرع؟

منذ ١٥ ساعة

12

طباعة

مشاركة

ما هو موقف مصر من التحولات الكبرى التي شهدتها سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد وصعود أحمد الشرع إلى السلطة، وسط تغيرات إقليمية ودولية معقدة؟

وماذا عن رؤية مصر الحذرة تجاه النظام الجديد، على خلفية تاريخ من التوترات والتقارب المتقطع بين القاهرة ودمشق؟

وكيف توازن مصر بين الحفاظ على الدولة السورية ووحدتها، وبين التحفظ من توجهات الشرع المرتبطة بالإسلام السياسي؟

أسئلة عديدة فرضت نفسها على الساحة أخيرا بعد سقوط نظام بشار الأسد، حاول التقرير الذي نشره معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي الإجابة عليها، مسلطا الضوء على التفاعل المصري مع التطورات الداخلية السورية، والانقسام العربي حول مستقبل النظام، والعلاقة المتشابكة مع إسرائيل في ضوء تدخلها العسكري، وتقاطعات المواقف بين الطرفين.

إعادة تقييم العلاقات

في مستهل التقرير، قال المعهد الإسرائيلي: إن "التغيير الجذري الذي شهدته سوريا عقب سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، فرض على الدول الإقليمية، وفي مقدمتها مصر، إعادة تقييم علاقاتها مع دمشق". 

وأضاف التقرير أن "إسرائيل كانت أول من بادر بتحرك عسكري هجومي عقب انهيار النظام، بهدف منع سقوط قدرات الجيش السوري في يد النظام الجديد بقيادة أحمد الشرع". 

وتوسعت إسرائيل -بحسب التقرير- في سيطرتها داخل الأراضي السورية، متجاوزة المنطقة العازلة في الجولان.

في المقابل، أشار التقرير إلى أن "الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، اتخذ خطوات سياسية لافتة بهدف كسب الشرعية الدولية، من خلال تصريحات تصالحية حتى تجاه إسرائيل". 

وشملت هذه التحركات -حسب التقرير- زيارة إلى الرياض، في 14 مايو/ أيار 2025، ولقاء بوساطة سعودية وتركية، مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أعلن حينها رفع العقوبات عن سوريا. 

كما استقبله العاهل الأردني الملك عبد الله في عمّان، في فبراير/ شباط 2025، غير أنه لم يشارك في قمة الجامعة العربية في بغداد بسبب اعتراضات قوى عراقية مقربة من إيران.

وشدد التقرير على أن "موقف مصر من النظام الجديد يعد بالغ الأهمية لعدة أسباب؛ أهمها مكانتها الإقليمية وتأثيرها داخل العالم العربي، إضافة إلى كون موقفها يعكس الصراع داخل (المعسكر السني) بين أنصار الدولة المدنية من جهة، والإسلام السياسي ممثلا بجماعة الإخوان المسلمين من جهة أخرى". 

وأضاف: "كما أن ماضي الشرع كقيادي في تنظيم جهادي يثير تساؤلات حول التزامه بمفهوم الدولة العربية".

العلاقات السورية المصرية

وأضاف التقرير أن "العلاقات المصرية-السورية مرت بتقلبات تاريخية؛ ابتداء من تجربة الوحدة في "الجمهورية العربية المتحدة" (1958–1961)، إلى التنسيق العسكري في حرب أكتوبر، ثم الاختلاف حول السلام مع إسرائيل عام 1979". 

وتابع: "وقد استقبل الرئيس المصري الأسبق مبارك بشار الأسد في بداية عهده بحفاوة، لكن العلاقة شهدت توترا لاحقا، خصوصا بعد اغتيال رفيق الحريري وتدخل دمشق في لبنان".

وأوضح التقرير أن "وصول عبد الفتاح السيسي إلى الحكم عام 2014 بعد إسقاط حكم الإخوان مثّل نقطة تحول في العلاقة مع سوريا". 

وأوضح: "فخلال رئاسة محمد مرسي، أعلن الأخير قطع العلاقات مع دمشق واتهم الأسد بارتكاب جرائم ضد الإنسانية". 

هذه الخطوة عُدّت من قبل التقرير "انعكاسا لفشل السياسة الخارجية للإخوان". وأشار التقرير إلى أن "نظام الأسد كان من أوائل المرحبين بسقوط مرسي". مؤكدا أن "الإسلام السياسي سقط".

وأشار التقرير إلى أن "أولى خطوات النظام المصري بعد عزل الرئيس محمد مرسي تمثلت في فرض تأشيرة دخول على السوريين، ما أوقف تدفق الإسلاميين الذين دخلوا البلاد في عهد مرسي".

وأضاف: "كما أن النظام أعاد لاحقا علاقاته تدريجيا مع دمشق، مؤكدا على دعم مصر لوحدة الأراضي السورية ورفضها دعم الفصائل المسلحة".

وهو ما يعكس -بحسب التقرير- رؤية النظام المصري "المناهضة للإسلام السياسي والمؤيدة للدولة المدنية".

ولفت التقرير إلى أن "السيسي عبر صراحة عن دعمه للأسد في مقابلة أذيعت في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، وأعلن تأييده للجيوش الوطنية في الدول التي تواجه أزمات حكم مثل ليبيا والعراق وسوريا". 

كما أكد "احترام مصر لإرادة الشعب السوري، والحاجة إلى حل سياسي للأزمة، ووقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية، بالتوازي مع محاربة الجماعات الإسلامية المتطرفة".

وأفاد التقرير بأن "خطوات التطبيع بين مصر وسوريا شملت تنسيقا وحوارا بين الأجهزة الأمنية في البلدين". 

وفي مايو/ أيار 2023 أبدت مصر موافقتها على عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية بعد 11 عاما من الغياب، وكانت ترى أن "الشروط قد توفرت، وأبرزها التزام النظام السوري بإنهاء النزاع الداخلي بطرق سلمية".

الموقف من نظام الشرع

وفيما يتعلق بموقف النظام المصري من النظام السوري الجديد بقيادة أحمد الشرع، ذكر المعهد الإسرائيلي أن "موقف النظام يتضح من خلال تصريحات كبار المسؤولين المصريين وتحليلات إعلاميين مصريين بارزين منذ الأيام الأولى لانهيار نظام الأسد واستيلاء الشرع ورجاله على الحكم".

وتابع: "ففي 4 ديسمبر/ كانون الأول 2024، أجرى وزير الخارجية السوري في عهد الأسد اتصالا بنظيره المصري لإطلاعه على التطورات في سوريا". 

وأفاد التقرير بأن "وزير الخارجية المصري أكد حينها على دعم مصر الثابت لوحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها، مشددا على أولوية حماية أرواح المدنيين". 

وأردف: "ومع ذلك، نفى لاحقا المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية بشكل رسمي تقارير إعلامية ادعت أن القاهرة عرضت على الأسد التنحي ومغادرة البلاد". 

بل وبحسب تقرير لمجلة "إيكونوميست"، فإن "مصر والأردن والإمارات رفضت طلب الأسد الحصول على لجوء سياسي على أراضيها". 

ولفت التقرير إلى أن "النظام المصري لم يسارع إلى إصدار موقف واضح حيال ما جرى في سوريا، واكتفى بمطالبة رعاياها هناك بتوخي الحذر".

ففي 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانا أكدت فيه "وقوفها إلى جانب الشعب السوري، ودعمها وحدة وسيادة أراضيه، ودعوتها إلى الحفاظ على مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش، وتغليب المصلحة الوطنية، وبدء عملية سياسية شاملة تؤسس لمرحلة جديدة من السلم الداخلي". 

كما شدد البيان على أن "مصر تعمل بالتنسيق مع أطراف دولية لتقديم الدعم للشعب السوري، والمساعدة في إعادة إعمار البلاد، وتسهيل عودة اللاجئين السوريين". 

وعقب التقرير: "واللافت في هذا البيان أنه لم يتضمن أي إشارة مباشرة إلى النظام الجديد، بل وجه حديثه إلى (الشعب السوري)، مما فُسر على أن مصر لا تعترف بعد بشرعية النظام الجديد بقيادة الشرع".

وأضاف: "ورغم أن مصر تجنبت علنا انتقاد أي نظام عربي، فإن التحفظ المصري تجاه الشرع بدا واضحا في تغطيات وسائل الإعلام المصرية". 

مشيرا إلى انتقادات عدد من الصحفيين والإعلاميين، وذكر منهم إبراهيم عيسى، الذي وجّه انتقادات لاذعة للشرع ورفاقه. إضافة إلى الإعلامي المقرب من النظام أحمد موسى: "الإرهابي يظل إرهابيا حتى لو اغتسل بماء زمزم". 

وفي خضم تغطية سقوط نظام الأسد، قال التقرير: إن "مشاعر الدهشة سادت في الإعلام المصري من سرعة انهيار الجيش السوري، إضافة إلى تشبيهات دينية وتصريحات تحذيرية من محللين مثل اللواء سمير فرج الذي قال إن (سوريا فقدت دولتها مع انهيار جيشها)، محذرا من أن (الجيش الجديد سيكون من عناصر جهادية لا تعرف الدولة ولا واجبها)".

وعبر استعراض عدد من التغطيات الإعلامية، خلص التقرير إلى أن "الخطاب المصري الداخلي بات يركز على الحاجة إلى جيش قوي وحديث وموالٍ للسلطة، يحمي الدولة من التهديدات، في تلميح إلى تمايز النموذج المصري عن السوري".

تحركات نظام السيسي

أما على الصعيد الداخلي، أشار التقرير إلى أن "السيسي عقد في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2024 اجتماعا مع كبار الإعلاميين، وشرح لهم أن أبرز التهديدات التي تواجه مصر تشمل خطر التهجير القسري من غزة، والخلايا الإرهابية النائمة، ومحاولات الإخوان لزعزعة الاستقرار". 

وأضاف أن "يده نظيفة، وأنه لم يسفك دما ولم يسرق مالا عاما"، وهو ما عدّه التقرير تلميحا لتمييز نفسه عن بشار الأسد.

وأردف: "كما عقد السيسي سلسلة لقاءات مع القيادات العليا للجيش وأجهزة الأمن، وهو إجراء اعتيادي، إلا أن التغطية الإعلامية سلطت الضوء على صلابة هذه الأجهزة في الدفاع عن الوطن والمواطنين، وولائها للرئيس، في تباين واضح مع موقف الجيش السوري خلال الأزمة". 

وتابع: "وقد أعيد إحياء شعار (الجيش والشعب إيد واحدة)، الذي كان موجودا إبان ثورة يناير، بهدف تعزيز الوعي الشعبي وترسيخ التضامن بين القيادة والشعب".

وفي الساحة الخارجية، أوضح التقرير أن "مصر عبرت عن تحفظها على النظام السوري الجديد، لكنها التزمت بالموقف العربي الجماعي في قبوله ضمن جامعة الدول العربية". 

وتابع: "فبدعوة من القاهرة، شارك الرئيس أحمد الشرع في القمة الطارئة الخاصة بالقضية الفلسطينية التي عُقدت في 4 مارس/ آذار 2025". 

موضحا أنه "استقبل كبقية القادة من قبل السيسي عند مدخل قاعة المؤتمرات في العاصمة الإدارية الجديدة، وإن بدا جليا أن الاستقبال كان فاترا ودون حماسة".

وهو ما يعني -بحسب التقرير- رسالة واضحة: هي أن "سوريا لن تعزل بعد الآن، لكنها أيضا لن تحظى بدفء مصري، كما كان الحال مع نظام الأسد في عز العزلة العربية". 

وتابع المعهد الأمني الإسرائيلي: "من خلال هذا التوازن، تسعى مصر ومعها الدول العربية إلى الاحتفاظ بهامش من التأثير على النظام السوري الجديد، وتقييد التغلغل غير العربي في دمشق".

وذكر التقرير أن مصر أبقت سفارتها في دمشق مفتوحة لأسباب قنصلية، ولوجود جالية سورية كبيرة في مصر تُقدر بين 700 ألف إلى مليون شخص، وقد اندمجوا بنجاح في الاقتصاد والمجتمع المصري. 

ورغم فرحتهم بسقوط الأسد، شددت السلطات المصرية على عدم تحويل ذلك إلى احتفالات تفسر كدعم للنظام الجديد، حفاظا على الحياد الرسمي.

وأشار التقرير إلى أن "عودة اللاجئين إلى سوريا، كما ترى القاهرة، تتطلب استمرار القنوات الدبلوماسية بين البلدين، كما أنها تضمن لمصر موطئ قدم في النقاش الدولي حول مستقبل سوريا وجهود إعادة إعمارها".

وفي السياق الإقليمي، وتحديدا فيما يتعلق بالتحركات الإسرائيلية في سوريا، وصف التقرير الموقف المصري بأنه كان "واضحا".

وأوضح: "إذ أدانت مصر بسرعة سيطرة إسرائيل على المناطق العازلة واحتلالها أراضي سورية، وعدت ذلك انتهاكا لاتفاق فصل القوات لعام 1974".

وأصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانا قالت فيه: إن "الإجراءات الإسرائيلية تمثل خرقا للقانون الدولي ولسيادة الأراضي السورية". 

وحسب التقرير، "أسهمت التحركات الإسرائيلية في تعميق قناعة راسخة في الخطاب المصري، مفادها أن القوى الإقليمية غير العربية -إيران وتركيا وإسرائيل- تستغل هشاشة العالم العربي لفرض وقائع تخدم مصالحها". 

لافتا إلى أن "هذه الفكرة تشكل جزءا من خطاب النخبة المصرية التي تنظر بمرارة إلى ما آلت إليه أوضاع الدول العربية خلال العقود الماضية". 

وأشار إلى أن "سقوط سوريا بيد قوة إسلامية سياسية مدعومة من دولة غير عربية -تركيا- بعد أن كانت واقعة تحت النفوذ الإيراني، يعد برأي الكثيرين في مصر امتدادا لانهيار منظومة الدولة العربية".

الموقف الإسرائيلي والمصري

ورغم تأكيد التقرير على أن "الحرب في قطاع غزة عمقت الخلافات والفجوات بين إسرائيل ومصر"، إلا أنه يوضح أن "الملف السوري في ظل حكم أحمد الشرع يظهر بعض أوجه التقارب بين الجانبين، وإن كان هذا التقارب لا يخلو من تباينات جوهرية".

وأردف: "تنظر كل من إسرائيل ومصر إلى الرئيس الشرع بعين الشك، لكونه -في نظرهما- (رجل إرهاب) نشأ في ظل أيديولوجيا جهادية مستوحاة من فكر تنظيم القاعدة". 

وتابع: "وعلى الرغم من أن مصر امتنعت عن توجيه انتقادات علنية له، فإن موقفها اتسم بالتحفظ والتجاهل المقصود، مفضلة مخاطبة (الشعب السوري) بدلا من النظام". 

وأضاف: "ومع ذلك، اعتمدت القاهرة نهجا براغماتيا في التعامل مع الشرع ومساعديه، قائما على مراقبة الأفعال أكثر من الأقوال. ويبدو أن إسرائيل بدورها بدأت تتبع نهجا مشابها، من خلال إدارة حوار غير مباشر مع نظام الشرع بشأن ترتيبات أمنية على الحدود المشتركة".

لكن الفارق الأبرز بين البلدين -حسب التقرير- يظهر في نظرتهما إلى "وحدة سوريا وسيادتها". 

موضحا: "ففي حين تؤكد مصر على ضرورة الحفاظ على الدولة السورية الموحدة والمركزية، تتبع إسرائيل سياسة تعلي من شأن الحماية الطائفية، خاصة للطائفة الدرزية، وربما مستقبلا لطوائف أخرى تشعر بالتهديد أو التهميش". 

مشيرا إلى أن "النقاش داخل إسرائيل بشأن حماية الدروز أنتج مخاوف لدى دمشق ودول عربية أخرى؛ إذ يُنظر إليه كذريعة لتحقيق أهداف أمنية وإستراتيجية داخل الأراضي السورية". 

وأكمل التقرير: "هذا النهج، الذي يمكن تسميته بـ (دبلوماسية الأقليات)، يتعارض مع الموقف المصري والعربي العام؛ لأنه قد يعزز النزعات الانفصالية ويفكك الدولة السورية، وهو ما يرفضه محور القاهرة – الرياض".

وأقر المعهد الإسرائيلي أن "التحركات الإسرائيلية حتى الآن تعزز واقع وجود مناطق وجيوب ذات طابع طائفي أو عرقي، في تناقض مع محاولات النظام المركزي لإعادة توحيد البلاد". 

وأكد التقرير على أن "التجربة التاريخية تثبت أن غياب الحكم المركزي أو ضعفه يؤدي إلى تدخلات أجنبية من دول أو فواعل ما دون دول، ما يفتح الباب أمام الفوضى وعودة الإرهاب أو التغلغل الإيراني والتركي، الأمر الذي يتعارض مع مصالح كل من مصر وإسرائيل".

واختتم بالقول: إن "الهدف المشترك للبلدين هو أن تنأى سوريا الجديدة بنفسها عن معسكر الإخوان المسلمين. وتستند هذه الرؤية -حسب التقرير- إلى فرضية أن "دمشق لن تميل لهذا المعسكر طالما توفرت لها بدائل، وفي مقدمتها الانخراط في المحور العربي السني البراغماتي، الذي تقوده مصر والسعودية، ويقوم على مفاهيم الاستقرار والمصالحة والانفتاح الإيجابي على الغرب".

الكلمات المفتاحية